قصّة أصحاب الجنّة كنموذج لذوي المال الذين غرقوا في أنانيتهم ، فأصابهم الغرور ، وتخلّوا عن القيم الإنسانية الخيّرة ، وأعماهم حبّ المال عن كثير من الفضائل.
قال تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.
( سورة القلم ، الآيات ١٧ - ٣٣ )
الآيات الكريمة تذكر لنا قصّة مجموعة من الأغنياء كانت لهم جنّة ( بستان مثمر ) إلاّ أنّهم فقدوها فجأة ، وذلك لعتوّهم وغرورهم وكبرهم على فقراء زمانهم.
ويبدو أنّها قصّة معروفة في ذلك الزمان بين الناس ، ولهذا السبب استشهد بها القرآن الكريم.
وموضوع القصّة هو: أنّ شيخاً مؤمناً طاعناً في السنّ كان له بستان عامر ، يأخذ من ثمره كفايته ويوزّع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين ، وقد ورثه أولاده بعد وفاته ، وقالوا: نحن أحقّ بحصاد ثمار هذا البستان ، لأنّ لنا عيالاً وأولاداً كثيرين ، ولا طاقة لنا بإتّباع نفس الاُسلوب الذي كان أبونا عليه... ولهذا فقد صمّموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعاً ، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها ، وباتوا على هذا العزم مصَّرين ، فأرسل سبحانه بالليل على البستان آفة قضت عليه بالكامل ، ولما أصبحوا أسرعوا إلى البستان فإذا به حطام ، فندموا وأيقنوا أن الله أخذهم بجرمهم ، فقال لهم أخوهم الأعقل والأفضل: نصحت لكم فلم تستبينوا النصح حتى وقعت الواقعة ، فتوبوا إلى الله عسى أن يرحمكم.
ويقول تعالى في آخر آية من هذه الآيات ، بلحاظ الإستفادة من هذا الدرس والإعتبار به: { كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.
وهكذا توجّه الآية خطابها إلى كلّ المغرورين ، الذين سحرهم المال وأبطرتهم الثروة والإمكانات المادية ، وغلب عليهم الحرص والإستئثار بكلّ شيء دون المحتاجين... بأنّه لن يكون لكم مصير أفضل من ذلك.
وإذا ما جاءت صاعقة وأحرقت تلك الجنّة ، فمن الممكن أن تأتي صاعقة أو عذاب من أمثال الآفات والحروب المحلية والعالمية المدمّرة ، وما إلى ذلك ، لتذهب بالنعم التي تحرصون عليها.
ونختم الموضوع بحديث عن الإمام الباقر ( علیه السَّلام ): « إنَّ الرجل لیذنب الذنب فیدرأُ عنه الرزق » وتلا هذه الآيات التي ذكرناها.( ١ )
المصدر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
التفسير المبين / الشيخ محمد جواد مغنية
( ١ ) تفسیر نور الثقلین 5: 395 ، الحدیث 44
قال تعالى: { إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلا يَسْتَثْنُونَ * فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَائِمُونَ * فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ * فَتَنَادَوا مُصْبِحِينَ * أَنِ اغْدُوا عَلَى حَرْثِكُمْ إِن كُنتُمْ صَارِمِينَ * فَانطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لّا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُم مِّسْكِينٌ * وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ * فَلَمَّا رَأَوْهَا قَالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ * بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ * قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ لَوْلا تُسَبِّحُونَ * قَالُوا سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ * فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ * قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَن يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِّنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ * كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.
( سورة القلم ، الآيات ١٧ - ٣٣ )
الآيات الكريمة تذكر لنا قصّة مجموعة من الأغنياء كانت لهم جنّة ( بستان مثمر ) إلاّ أنّهم فقدوها فجأة ، وذلك لعتوّهم وغرورهم وكبرهم على فقراء زمانهم.
ويبدو أنّها قصّة معروفة في ذلك الزمان بين الناس ، ولهذا السبب استشهد بها القرآن الكريم.
وموضوع القصّة هو: أنّ شيخاً مؤمناً طاعناً في السنّ كان له بستان عامر ، يأخذ من ثمره كفايته ويوزّع ما فضل من ثمرته للفقراء والمعوزين ، وقد ورثه أولاده بعد وفاته ، وقالوا: نحن أحقّ بحصاد ثمار هذا البستان ، لأنّ لنا عيالاً وأولاداً كثيرين ، ولا طاقة لنا بإتّباع نفس الاُسلوب الذي كان أبونا عليه... ولهذا فقد صمّموا على أن يستأثروا بثمار البستان جميعاً ، ويحرموا المحتاجين من أي عطاء منها ، وباتوا على هذا العزم مصَّرين ، فأرسل سبحانه بالليل على البستان آفة قضت عليه بالكامل ، ولما أصبحوا أسرعوا إلى البستان فإذا به حطام ، فندموا وأيقنوا أن الله أخذهم بجرمهم ، فقال لهم أخوهم الأعقل والأفضل: نصحت لكم فلم تستبينوا النصح حتى وقعت الواقعة ، فتوبوا إلى الله عسى أن يرحمكم.
ويقول تعالى في آخر آية من هذه الآيات ، بلحاظ الإستفادة من هذا الدرس والإعتبار به: { كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ }.
وهكذا توجّه الآية خطابها إلى كلّ المغرورين ، الذين سحرهم المال وأبطرتهم الثروة والإمكانات المادية ، وغلب عليهم الحرص والإستئثار بكلّ شيء دون المحتاجين... بأنّه لن يكون لكم مصير أفضل من ذلك.
وإذا ما جاءت صاعقة وأحرقت تلك الجنّة ، فمن الممكن أن تأتي صاعقة أو عذاب من أمثال الآفات والحروب المحلية والعالمية المدمّرة ، وما إلى ذلك ، لتذهب بالنعم التي تحرصون عليها.
ونختم الموضوع بحديث عن الإمام الباقر ( علیه السَّلام ): « إنَّ الرجل لیذنب الذنب فیدرأُ عنه الرزق » وتلا هذه الآيات التي ذكرناها.( ١ )
المصدر: الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل / الشيخ ناصر مكارم الشيرازي
التفسير المبين / الشيخ محمد جواد مغنية
( ١ ) تفسیر نور الثقلین 5: 395 ، الحدیث 44
تعليق