بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
كان الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) يمتلك قوّة كبيرة تمكِّنه من خوض الحرب ، ومع ذلك صالحَ معاوية ، أمّا الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) فلم يكن يمتلك قوّة تمكّنه من خوض حرب ومع ذلك خرج في مقاتلة جيش يزيد! وهذا يدلّ على أنّ أحدهما ( الحسن والحسين ) كان مخطئاً ؟
الجواب:
1 . أنا أعجب من هذا السائل وأصحابه لأنّهم ألبسوا الصحابة لباس العدالة إن لم نقل لباس العصمة ، وهم يعدّونهم على جانب كبير من الطهارة والتنزّه عن المعصية .
أو ليس الحسن والحسين اللّذان ورد الثناء عليهما ومدحهما على لسان جدّهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الأحاديث الصحيحة من الصحابة ؟ ولماذا يجب تخطئة أحدهما ؟
إنّ هذا يدلّ على أنّ مروّج الأسئلة شخص ناصبي وانّه لم يُعر أيّ اهتمام لقرّتيّ عيني رسول الله وفلذتيّ كبده ، ولم يهتم بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحقهما : « مَنْ أحبّني وأحبّ هذين ( يعني الحسن والحسين ) وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة » 1 .
وقال أيضاً : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » 2 .
2 ـ صاحب السؤال يتصوّر أنّ هذين الإمامين الطاهرين كانا يطلبان السلطة والحكومة ، وأنّ هدفهما كان كهدف معاوية الذي صعد المنبر بعد صلحه مع الإمام الحسن بن عليّ ، وقال : ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجّوا ولا لتزكوا ، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ولكن إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم 3 .
فالحسن والحسين إمامان معصومان ، كانا يؤدّيان واجبهما ووظيفتهما ، ولم يكونا يبحثان عن الحكم ، فكانت وظيفتهما أحياناً تتمثّل في عقد الصلح ، وأحياناً أُخرى تتمثّل في الثورة والجهاد ، شأنهما في ذلك شأن جدّهما النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي قاتل في بدر وأُحد والأحزاب ، وصالح في الحديبيّة .
3 ـ إنّ الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) لو كان جيشه مطيعاً له ، لسلك نفس الطريق الذي سلكه أخوه الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) ، لأنّ جيش الحسن ( عليه السلام ) غلب عليه الخلاف والتشتت وحبّ الراحة والدِّعة ، وتسرب حب الدُّنيا إلى قلوب أصحابه فتقاعسوا عن الجهاد وحبّ الشهادة ، وخوض حرب بهكذا جيش ليس معناه إلاّ الهزيمة والدمار ، ممّا جعل الحسن ( عليه السلام ) يسحب يده من الحرب ويتحمّل مرارة الصلح .
ولعلّه لا توجد وثيقة أصدق وأبلغ من كلام الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، لرسم أبعاد المجتمع المتشتّت والمنقسم في تلك الأيّام ، وتبيّن مدى عجز العراقيّين عن الحرب في ذلك الزمان ، فعندما كان الحسن ( عليه السلام ) في « المدائن» وهي أقصى نقطة تقدّم إليها جيشه لمواجهة معاوية ، قام بإلقاء خطبة جامعة مهيّجة للأحزان ، حيث قال بعد حمد الله عزّ وجلّ :
« إنّا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فسُلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في منتدبكم إلى صفّين ودينكم أمام دُنياكم ، فأصبحتم اليوم ودُنياكم أمام دينكم ، ألا وأنّا لكم كما كنّا ، ولستم لنا كما كنتم ، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين ; قتيلٌ بصفّين تبكون عليه ، وقتيلٌ بالنهروان تطلبون بثأره ، فأمّا الباقي فخاذل ، وأمّا الباكي فثائر ، ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بظباء السيوف ، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا » . فناداه القوم من كلّ جانب : البقية البقية ، فلمّا أفردوه 4 أمضى الصلح 5 .
فإنّ النظر إلى جيش كهذا فاقد لروح القتال ، كيف يمكن للإمام ( عليه السلام ) أن يدخل به في حرب مع عدوٍّ ماكر مثل معاوية ؟ وهل يبقى هناك أملٌ بالانتصار مع هذا الحال ؟
لقد كتب المؤرِّخون كتباً قيّمة حول موضوع صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) ولكن للأسف أنّ صاحب هذا الكتيّب ليس له علمٌ بذلك ، ولذلك ننصح من يريد التعرّف على هذا الموضوع أن يقرأ كتاب « صلح الحسن » للشيخ راضي آل ياسين .
وهناك أمرٌ آخر نشير إليه هنا وهو أن عدم مقاتلة الحسن ( عليه السلام ) بذلك الجمع من جيشه كما قاتل أخوه الحسين ( عليه السلام ) بذلك العدد القليل من أصحابه ( 72 رجلاً ) ، يعود إلى أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) كان يعلم أنّ شهادته في تلك الظروف سوف لا تساعد على تغيير الأوضاع ، ولا تقود الناس للثورة على النظام الأموي الظالم ، لأنّهم لم يتعرفوا آنذاك على هذا النظام بشكل جيّد والرؤية عندهم لم تكن واضحة ، على خلاف وضوح الرؤية في عهد يزيد بن معاوية ومعرفة ظلمه وفجوره، ممّا دفع بالحسين ( عليه السلام ) بالثورة عليه ، فكانت شهادته سبباً حرّك العالم الإسلامي برمّته ، وأوجدت ثورات متعاقبة 6 .
المصادر
1. سنن الترمذي : 5 / 305 ، برقم 3816 ، باب 92 مناقب علي بن أبي طالب ; مسند أحمد : 1 / 77 .
2. سنن الترمذي : 5 / 321 ، برقم 3856 ، باب مناقب الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ; مستدرك الحاكم : 3 / 151 ـ 154 .
3. البداية والنهاية: 8 / 140 .
4. أفردوه : أي تركوه فرداً وحيداً .
5. أُسد الغابة : 2 / 17 .
6. لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
نص الشبهة:
كان الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) يمتلك قوّة كبيرة تمكِّنه من خوض الحرب ، ومع ذلك صالحَ معاوية ، أمّا الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) فلم يكن يمتلك قوّة تمكّنه من خوض حرب ومع ذلك خرج في مقاتلة جيش يزيد! وهذا يدلّ على أنّ أحدهما ( الحسن والحسين ) كان مخطئاً ؟
الجواب:
1 . أنا أعجب من هذا السائل وأصحابه لأنّهم ألبسوا الصحابة لباس العدالة إن لم نقل لباس العصمة ، وهم يعدّونهم على جانب كبير من الطهارة والتنزّه عن المعصية .
أو ليس الحسن والحسين اللّذان ورد الثناء عليهما ومدحهما على لسان جدّهما رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) في الأحاديث الصحيحة من الصحابة ؟ ولماذا يجب تخطئة أحدهما ؟
إنّ هذا يدلّ على أنّ مروّج الأسئلة شخص ناصبي وانّه لم يُعر أيّ اهتمام لقرّتيّ عيني رسول الله وفلذتيّ كبده ، ولم يهتم بقوله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) بحقهما : « مَنْ أحبّني وأحبّ هذين ( يعني الحسن والحسين ) وأباهما وأُمّهما كان معي في درجتي يوم القيامة » 1 .
وقال أيضاً : « الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة » 2 .
2 ـ صاحب السؤال يتصوّر أنّ هذين الإمامين الطاهرين كانا يطلبان السلطة والحكومة ، وأنّ هدفهما كان كهدف معاوية الذي صعد المنبر بعد صلحه مع الإمام الحسن بن عليّ ، وقال : ما قاتلتكم لتصوموا ولا لتصلوا ولا لتحجّوا ولا لتزكوا ، قد عرفت أنكم تفعلون ذلك ولكن إنّما قاتلتكم لأتأمّر عليكم 3 .
فالحسن والحسين إمامان معصومان ، كانا يؤدّيان واجبهما ووظيفتهما ، ولم يكونا يبحثان عن الحكم ، فكانت وظيفتهما أحياناً تتمثّل في عقد الصلح ، وأحياناً أُخرى تتمثّل في الثورة والجهاد ، شأنهما في ذلك شأن جدّهما النبيّ الأكرم ( صلى الله عليه وآله وسلم ) الذي قاتل في بدر وأُحد والأحزاب ، وصالح في الحديبيّة .
3 ـ إنّ الحسن بن عليّ ( عليهما السلام ) لو كان جيشه مطيعاً له ، لسلك نفس الطريق الذي سلكه أخوه الحسين بن عليّ ( عليهما السلام ) ، لأنّ جيش الحسن ( عليه السلام ) غلب عليه الخلاف والتشتت وحبّ الراحة والدِّعة ، وتسرب حب الدُّنيا إلى قلوب أصحابه فتقاعسوا عن الجهاد وحبّ الشهادة ، وخوض حرب بهكذا جيش ليس معناه إلاّ الهزيمة والدمار ، ممّا جعل الحسن ( عليه السلام ) يسحب يده من الحرب ويتحمّل مرارة الصلح .
ولعلّه لا توجد وثيقة أصدق وأبلغ من كلام الإمام الحسن المجتبى ( عليه السلام ) ، لرسم أبعاد المجتمع المتشتّت والمنقسم في تلك الأيّام ، وتبيّن مدى عجز العراقيّين عن الحرب في ذلك الزمان ، فعندما كان الحسن ( عليه السلام ) في « المدائن» وهي أقصى نقطة تقدّم إليها جيشه لمواجهة معاوية ، قام بإلقاء خطبة جامعة مهيّجة للأحزان ، حيث قال بعد حمد الله عزّ وجلّ :
« إنّا والله ما ثنانا عن أهل الشام شك ولا ندم وإنّما كنّا نقاتل أهل الشام بالسلامة والصبر ، فسُلبت السلامة بالعداوة والصبر بالجزع ، وكنتم في منتدبكم إلى صفّين ودينكم أمام دُنياكم ، فأصبحتم اليوم ودُنياكم أمام دينكم ، ألا وأنّا لكم كما كنّا ، ولستم لنا كما كنتم ، ألا وقد أصبحتم بين قتيلين ; قتيلٌ بصفّين تبكون عليه ، وقتيلٌ بالنهروان تطلبون بثأره ، فأمّا الباقي فخاذل ، وأمّا الباكي فثائر ، ألا وإنّ معاوية دعانا إلى أمر ليس فيه عزّ ولا نصفة ، فإن أردتم الموت رددناه عليه وحاكمناه إلى الله ـ عزّ وجلّ ـ بظباء السيوف ، وإن أردتم الحياة قبلناه وأخذنا لكم الرضا » . فناداه القوم من كلّ جانب : البقية البقية ، فلمّا أفردوه 4 أمضى الصلح 5 .
فإنّ النظر إلى جيش كهذا فاقد لروح القتال ، كيف يمكن للإمام ( عليه السلام ) أن يدخل به في حرب مع عدوٍّ ماكر مثل معاوية ؟ وهل يبقى هناك أملٌ بالانتصار مع هذا الحال ؟
لقد كتب المؤرِّخون كتباً قيّمة حول موضوع صلح الإمام الحسن ( عليه السلام ) ولكن للأسف أنّ صاحب هذا الكتيّب ليس له علمٌ بذلك ، ولذلك ننصح من يريد التعرّف على هذا الموضوع أن يقرأ كتاب « صلح الحسن » للشيخ راضي آل ياسين .
وهناك أمرٌ آخر نشير إليه هنا وهو أن عدم مقاتلة الحسن ( عليه السلام ) بذلك الجمع من جيشه كما قاتل أخوه الحسين ( عليه السلام ) بذلك العدد القليل من أصحابه ( 72 رجلاً ) ، يعود إلى أنّ الإمام الحسن ( عليه السلام ) كان يعلم أنّ شهادته في تلك الظروف سوف لا تساعد على تغيير الأوضاع ، ولا تقود الناس للثورة على النظام الأموي الظالم ، لأنّهم لم يتعرفوا آنذاك على هذا النظام بشكل جيّد والرؤية عندهم لم تكن واضحة ، على خلاف وضوح الرؤية في عهد يزيد بن معاوية ومعرفة ظلمه وفجوره، ممّا دفع بالحسين ( عليه السلام ) بالثورة عليه ، فكانت شهادته سبباً حرّك العالم الإسلامي برمّته ، وأوجدت ثورات متعاقبة 6 .
المصادر
1. سنن الترمذي : 5 / 305 ، برقم 3816 ، باب 92 مناقب علي بن أبي طالب ; مسند أحمد : 1 / 77 .
2. سنن الترمذي : 5 / 321 ، برقم 3856 ، باب مناقب الحسن والحسين ( عليهما السلام ) ; مستدرك الحاكم : 3 / 151 ـ 154 .
3. البداية والنهاية: 8 / 140 .
4. أفردوه : أي تركوه فرداً وحيداً .
5. أُسد الغابة : 2 / 17 .
6. لسماحة آية الله العظمى الشيخ جعفر السبحاني دامت بركاته .
تعليق