بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
على الكتاب الفريد: (العصمة الكبرى لولي الله العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام )
قرأنا الكتاب واستدلالات موفقة والتفاتات مبهره جداً قرأت الأدلة على العصمة الكبرى لمولانا لكن لدي تساؤل وحل لهذه الرواية عن الإمام السجاد (عليه السلام) ( الإمام منا لايكون الإ معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون الإمام الإ منصوصا فقيل يابن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن لايفترقان الى يوم القيامة والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) . (كتاب معاني الاخبار للصدوق ص 132).
هل هذه الرواية تعارض القول بعصمة مولانا راعي الجود عليه السلام لأن العصمة تكون بالنص؟
لو قلت لشخص إن مولانا راعي الجود عليه السلام معصوم بدلالة قول سيد الشهداء عليه السلام (أركب بنفسي أنت أخي) أو كيف أن الأنبياء يغبطون مولانا راعي الجود عليه السلام لمنزلته وهل يغبط المعصوم غير المعصوم وغيرها من الأدلة... سيقول لنا هنا في هذه الرواية ان العصمة منصوصة يجب أن تكون؟
الجواب
يتناول عصمة المولى المعظم سيّدنا أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام حيث ينفيها المستشكل عن جنابه المقدّس بدعوى مركبة من شقين:
(الشق الأول): أن العصمة يجب أن تكون منصوصة، وعصمة المولى أبي الفضل عليه السلام ليست منصوصة، واستشهد صاحب الإشكال برواية عن مولانا الإمام المعظم السجاد (عليه السلام) الدالة على أن عصمة الإمام عليه السلام إنما تكون بالنص وليس في ظاهر الخلقة، وعصمة المولى العباس عليه السلام تعارض الرواية عن إمامنا السجاد عليه السلام وذلك لأن عصمته ليست بالنص.
(الشق الثاني):إن ما اعتمدنا عليه في إثبات عصمة المولى المعظم العباس بن أمير المؤمنين (روحي فداهما) ليست ظاهرة في عصمته.
والجواب عن الشقين من الإشكال بما يلي:
أما الشق الأول: إن الرواية الصادرة عن إمامنا المعظم السجاد عليه السلام موردها إثبات مقام عصمة الإمام عليه السلام الذي دل القرآن على عصمته في آية التطهير وآية الإطاعة والولاية وغيرها من الآيات الكريمة، ولا يستلزم ذلك عدم عصمة غير الإمام من أهل البيت عليهم السلام كمولاتنا الصدّيقة الكبرى سيِّدة نساء العالمين سيّدتنا الطاهرة الزكيّة فاطمة الزهراء عليها السلام وأولادها الثلاثة: أم كلثوم الكبرى زينب الحوراء وأم كلثوم الصغرى ومحسن عليهم السلام، فهؤلاء الثلاثة دلت الأخبار المستفيضة على عصمتهم وطهارتهم، ولم تنص آية بعينها على عصمتهم، بل الأخبار هي المتكفلة لإثبات عصمتهم عليهم السلام، نعم آية التطهير دلت على عصمة مولاتنا الزهراء عليها السلام بضميمة أحاديث الكساء وغيره من الأخبار الكثيرة الدالة على عصمتها وطهارتها...مع أن آية التطهير ـ بضميمة أحاديث الكساء ـ دلت على عصمة أهل البيت عليهم السلام بشكلٍ عام، فكلُّ من دخل في مفهوم (أهل البيت) فإنه لا محالة يكون معصوماً، ولا ملازمة بين العصمة وبين أن يكون صاحبها إماماً أو نبيّاً...يرجى التأمل فإنه دقيق.
وبعبارة أُخرى: إن الإمام السجاد عليه السلام أراد إثبات عصمة الإمام عليه السلام كإمام مفترض الطاعة على العباد، ولا يعني بالضرورة عدم عصمة غيره من الأولياء من آل محمد عليهم السلام، إذ إن إثبات شيءٍ لشيءٍ لا ينفي ما عداه، أي إن إثبات عصمة الإمام عليه السلام لا ينفي عصمة غير الأئمة من آل محمد وإلا لكانت العصمة مقصورة فقط على أهل الكساء لوحدهم دون بقية الأئمة من آل محمد عليهم السلام، وذلك لأن آية التطهير أثبتت عصمة من كان تحت الكساء دون غيرهم ممن لم يكن حاضراً تحت الكساء ممن لم يولدوا إلا بعد برهة من الزمان...لكننا نحن الشيعة الإمامية نستدل على عصمة البقية من آل محمد عليهم السلام من خلال ثلاث نواحٍ هي التالي:
(الناحية الأولى): إن مفهوم أهل البيت الوارد في آية التطهير وأحاديث الكساء المتواترة يفيد عصمة وطهارة كلّ من انطبق عليه مفهوم (أهل البيت) من دون تفريق وتقييد بين كونهم أئمة وأوصياء وبين كونهم أولياء عظام، بل الآية مطلقة من هذه الناحية بحيثية حذف المتعلَّق الذي يفيد العموم الوصفي، بمعنى أن الآية لم تقتصر على تعداد الأئمة المعصومين فحسب بل تعدته إلى ما هو أوسع من مفهوم الإمامة والوصاية بحيث يشمل المعصومين من غير الأوصياء ممن تنطبق عليه مواصفات المفهوم الخاص بأهل البيت عليهم السلام كمولاتنا الطاهرة الزكية سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وأولادها الثلاثة: الحوراء زينب وأم كلثوم ومحسن عليهم السلام؛ فهؤلاء من الأولياء العظام المعصومين من خلال مفهوم أهل البيت المدلول عليه في آية التطهير؛ وكذا يشمل المفهوم التطهيري لأهل البيت كلّ من اتصف بهذا الوصف حقيقة لا تنزيلاً كالمولى عليّ الأكبر والقاسم وعبد الله الرضيع وسكينة ورقية والفاطمتين والولي الأكبر العباس بن أمير المؤمنين علي عليهم السلام..إلخ فهؤلاء من أبرز مصاديق مفهوم (أهل البيت) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ويشهد له ما ورد عن الإمام المعصوم في زيارة المولى علي الأكبر حيث شهد له الإمام عليه السلام بأنه من أهل بيت النبي بقوله الشريف: [ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الصِّدِّيقُ الطَيِّبُ الزَّكِيُّ الحَبِيبُ المُقَرَّبُ وَابْنَ رَيْحانَةِ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهِيدٍ مُحْتَسِبٍ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُه ، ماأَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَشْرَفَ مُنْقَلَبَكَ ! أَشْهَدُ لَقَدْ شَكَرَ الله سَعْيَكَ وَأَجْزَلَ ثَوابَكَ وَأَلْحَقَكَ بِالذِّرْوَةِ العالِيَةِ حَيْثُ الشَّرَفُ كُلُّ الشَّرَفِ وَفِي الغُرَفِ السَّامِيَةِ ، كَما مَنَّ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَكَ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ الله عَنْهُمْ الرّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ، صَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ وَرِضْوانُهُ فَاشْفَعْ أَيُّها السَيِّدُ الطَّاهِرُ إلى رَبِّكَ فِي حَطِّ الاَثْقالِ عَنْ ظَهْري وَتَخْفِيفِها عَنِّي وَارْحَمْ ذُلِّي وَخُضُوعِي لَكَ وَلِلْسَيِّدِ أَبِيكَ صَلّى الله عَلَيْكُما ] .
وقد قرر أمير المؤمنين علي عليه السلام مفهوم أهل البيت عليهم السلام في عدة مواضع من كلماته الشريفة، منها ما صدر عنه في كلام وجهه إلى أخيه عقيل لمّا طلب منه زيادة العطاء لأنه فقير ملق ذو عيال كثيرة فقال حاكياً عما جرى: (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً ، أو أجر في الأغلال مصفداً ، أحبّ إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، وغاصباً لشئ من الحطام ، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها . والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم هذا صاعا . ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا ، وكرر علي القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي ، فظن أني أبيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ! أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ؟ أتئن من الأذى ولا أئن من لظى ؟ ! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ، ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة ، أم زكاة ، أم صدقة ؟ فكل ذلك محرم علينا أهل البيت ! ).
وهذا الشيوع الوصفي لمفهوم (أهل البيت) كان مرتكزاً عند عامة المسلمين في تلك العصور إلى يومنا الحاضر، فلم تشذ سيرة المؤمنين والمتشرعة من تطبيق مفهوم أهل البيت على أولاد وأحفاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، فالسيد الخوئي وغيره من علماء القرن الماضي يستدلون على حرمة الصدقة على أهل البيت بما ورد عن مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام لما دخلت الكوفة وأراد أهلها التصدق على يتامى سيّد الشهداء بالتمر فنبذته قائلة:" إن الصدقة علينا حرام" أي إننا أهل البيت لا تجوز علينا الصدقة، وها هو العلامة الفذ السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي يقول في هذا الصدد:
[ بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين كيف بك لو رأيت أطفالك وأيتام ولدك أبي عبد الله وهم في أشر الذلة ووثاق السبي ، يساقون عطاشى جياعا مربطين بالحبال ، وأهل الكوفة يتصدقون عليهم وهم في المحامل مقرنين بالأصفاد ، فجعلت صبيتكم لشدة جوعهم يتناولون بعض الخبز والتمر والجوز ، فصاحت خفرتك وعقيلتك أم كلثوم : ويلكم يا أهل الكوفة ، إن الصدقة علينا حرام ، وجعلت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وترمي به إلى الأرض ، والناس يبكون على ما أصابهم ].
فإذا ما كانت الصدقة حراماً على الأحفاد المقربين من ذرية أمير المؤمنين عليه السلام لأنهم من أبرز مصاديق مفهوم (أهل البيت) فكيف الحال بمن كنَّ من أولاده مباشرة كالعقيلة زينب والمولى أبي الفضل عليهما السلام...!!. وكونهم من مصاديق المفهوم الوصفي لأهل البيت عليهم السلام لا يعني أنهم في نفس درجة العصمة والطهارة بل هم تالي المعصوم، أي أنهم في الدرجة الثانية من العصمة والطهارة عليهم السلام، فأمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة الطاهرة مولاتنا فاطمة والأئمة عليهم السلام هم في درجة واحدة بمقتضى قوله تعالى في سورة المباهلة (أنفسنا وأنفسكم) بضمية الأخبار الدالة على ذلك، وأولادهم الطاهرون هم من الدرجة الثانية أي هم معصومون تالون للإمام المعصوم عليه السلام، وقد ورد في الزيارات الخاصة بأمير المؤمنين علي عليه السلام لفظ (التالي للمبعوث والتالي لرسوله) مع أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام نفس النبي، لكن مفهوم ( التالي) إنما هو بمعنى الرتبة الوجودية التي لا تنقطع من العصمة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله.
(الناحية الثانية): أن المعصوم ينص على معصوم مثله، وحيث إن أهل الكساء ثبتت عصمتهم بنص الآية، فهم بدورهم نصوا على البقية ممن لم يكونوا حاضرين في وقت نزول الآية، لأن المعصوم لا يختلق العصمة للآخرين من دون أن يكون ذلك بأمر من الله تعالى، لأن المعصوم لا يكذب باعتباره مطهراً عن الكذب، ولا يدَّعي مقاماً لغيره من دون إذن الله تعالى، فقد أبلغونا بأن المعصوم بعد الإمام الحسين ولده الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وهو بدوره أبلغنا أن ولده الإمام الباقر عليه السلام معصوم مثله، وهكذا كل معصوم سابق ينص على معصوم لاحق له، وليكن من هذا الباب عصمة المولى أبي الفضل العباس عليه السلام مع وجود فارق بينه وبين الأئمة عليهم السلام هو أنه ليس بإمام كبقية الأئمة المنصوص عليهم بالإمامة دونه، إذ إنه وليّ معصوم ولكنه ليس إماماً ، وهكذا الحال بالنسبة إلى مولاتنا الصدّيقة الكبرى الزهراء البتول وابنتيها وولدها محسن عليهم السلام فهم معصومون ولكنهم ليسوا أئمة، وهكذا الحال بالنسبة إلى مريم بنت عمران عليها السلام فإنها معصومة ولكنها ليست نبيةً ولا إماماً بخلاف ابنها عيسى عليه السلام فإنه نبيّ معصوم، وهكذا الحال بالنسبة إلى مولاتنا فاطمة بنت أسد فإنها معصومة ولكنها ليست نبية ولا إماماً...وهكذا تتسلسل أسماء النساء والرجال من أولياء الله المعصومين إلا أنهم ليسوا أنبياء ولا أئمةً....
( الناحية الثالثة): إن عصمة البقية من آل محمد عليهم السلام تتم من خلال إظهار المعجزات والكرامات على أيديهم ليظهر الحق على أيديهم فيعلو قدرهم وتظهر حقائقهم بين الناس، لأن الله تعالى لا يسدد غير المعصوم بالمعجزة في حال ادعى مقام العصمة من دون أن يكون أهلاً لها أو متصفاً بها.
وسيدة النساء الحوراء زينب عليهما السلام والمولى أبو الفضل عليه السلام يشتركان مع الأئمة الطاهرين عليهم السلام في النواحي الثلاث المتقدمة من حيث إنهم من أهل البيت، ومن حيث نص الإمام عليه السلام على عصمتهم، ومن حيث ظهور المعاجز والكرامات عند ضرائحهم المقدسة؛ وقد كشفنا عن تلكم النصوص الدالة على عصمة المولى سيّدنا العباس عليه السلام وعصمة سيّدتنا الطاهرة الزكيَّة عليها السلام في كتابينا الجليلين: (العصمة الكبرى لوليّ الله العباس ـ والحقيقة الغراء في تفضيل مولاتنا الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام) فليراجعا.
وبما تقدم: يتضح إن الدعوى القائلة بأن عصمة سيدنا أبي الفضل عليه السلام ليست منصوصة تكذبها حقائق البرهان وشواهد الأخبار الكاشفة عن حقيقة أحوال ذاك الصدّيق الهمام المولى العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام، واللبيب تكفيه الإشارة عن العبارة، والعصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينصَّ عليها علام الغيوب على لسان النبيّ أو الإمام عليهما السلام، وقد نصَّ الإمام عليه السلام على عصمة العبد الصالح العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام عبر التصريح والتلويح إلا أن خفافيش الليل يحجبون عيونهم وعقولهم وقلوبهم عن تلك التصريحات التي لا تخفى على من ألقى السمع وهو شهيد.
وبالجملة:إن رواية الإمام السجاد عليه السلام ليست في مقام إثبات عصمة باقي الأولياء المطهرين (عليهم السلام) كالمولى العباس والحوراء زينب وأختها أم كلثوم وأخيها محسن ومولاتنا فاطمة بنت أسد وغيرهم من الأولياء العلويين الفاطميين عليهم السلام ، بل المتكفل لبيان عصمتهم هو الأدلة المنفصلة الأخرى المبثوثة في الجوامع الحديثية، وما على الفقيه المحقق سوى البحث والتنقيب ليتضح لديه الصبح سافراً عن مقره ومنبلجاً من مصدره...ولكن هيهات للجهلة أن يعووا وللحق أن يذعنوا بعد أن غلّفت قلوبهم رين المعاصي وحب الدنيا والخلود إلى الأرض...ولو جئتهم بالف آية ودليل لصموا آذانهم وقالوا سحرٌ مستمر...!.
وأما الجواب عن الشق الثاني من الإشكال القائل: بأن ما اعتمدنا عليه في إثبات عصمة المولى المعظم العباس بن أمير المؤمنين (روحي فداهما) ليست ظاهرة في عصمته...فهو التالي:
إن الأخبار في إثبات العصمة للمعصوم تارةً تكون صريحة في منطوقها كأن يقول فلان معصوم، وأخرى تكون صريحة في مدلولها ومفهومها كأن يقول النصُّ : الدلالة على عصمة فلان وفلان بأنه من آل محمد ولا يقاس به أحد من الناس، أو كأن يقول: إن لعمي العباس درجة يغبطه عليها جميع الشهداء...وطوراً يقول: لعن الله من جهل حقك واستخف بحرمتك...وأخرى يقول: ورفع ذكرك في عليين... وكم من مطالب علمية وفقهية استدل على إثباتها أعلام الإمامية بمداليل الأخبار، وبالإطلاقات والعمومات الواردة في الآيات والأخبار، ومنها عصمة المولى أبي الفضل، فإن ما جاء في الأخبار واضح من حيث إثبات العصمة له بالمنطوق تارةً وبالمفهوم تارة أخرى، فمن الأول قول الإمام الحسين عليه السلام كلمهم أنت بنفسي ) ومن الثاني قوله الآن انكسر ظهري وقلَّت حيلتي وشمت بي عدوي) وقال بحق ولده علي الأكبر فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ،على الدنيا بعد العفا..). ومنها ما ورد بالمستفيض بحق أولاد مولاتنا الطاهرة الزكية سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام حيث يستفاد منها بالملازمة القطعية في عصمة أولادها الخمسة، فقد جاء في عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام للصدوق قال:حدثنا محمد بن أحمد السناني قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا أبو الفيض صالح بن أحمد قال : حدثنا سهل بن زياد قال : حدثنا صالح بن أبي حماد قال : حدثنا الحسن بن موسى بن علي الوشاء البغدادي قال : كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا عليه السلام في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن وأبو الحسن عليه السلام مقبل على قوم يحدثهم فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال : يا زيد أغرك قول ناقلي الكوفة : أن فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فوالله ما ذاك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة...).
وفي معاني الأخبار للصدوق قال: حدثني أبي - رحمه الله - قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مروان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار " ؟ قال : نعم ، عنى بذلك الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام).
وقال رحمه الله:حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رحمه الله - قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن قاسم بن الفضيل ، عن حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار " ؟ فقال : المعتقون من النار هم ولد بطنها : الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم .
إن أعلام الإمامية استفادوا من عصمة أولاد سيّدة نساء العالمين عليهم السلام من خلال مداليل الأخبار المتقدمة بالملازمة القطعية وذلك لأن من حرّمه الله على النار يدل بالدلالة القطعية على العصمة، وليكن منه عصمة المولى أبي الفضل العباس عليه السلام، ومن يستبعد ذلك لا نظنه يشم رائحة الفقاهة ولا يعرف لحن خطابهم ومعاني فقههم وأحكامهم،
قرأنا الكتاب واستدلالات موفقة والتفاتات مبهره جداً قرأت الأدلة على العصمة الكبرى لمولانا لكن لدي تساؤل وحل لهذه الرواية عن الإمام السجاد (عليه السلام) ( الإمام منا لايكون الإ معصوماً وليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها ولذلك لا يكون الإمام الإ منصوصا فقيل يابن رسول الله فما معنى المعصوم؟ فقال هو المعتصم بحبل الله وحبل الله هو القرآن لايفترقان الى يوم القيامة والإمام يهدي إلى القرآن والقرآن يهدي إلى الإمام وذلك قول الله تعالى (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم) . (كتاب معاني الاخبار للصدوق ص 132).
هل هذه الرواية تعارض القول بعصمة مولانا راعي الجود عليه السلام لأن العصمة تكون بالنص؟
لو قلت لشخص إن مولانا راعي الجود عليه السلام معصوم بدلالة قول سيد الشهداء عليه السلام (أركب بنفسي أنت أخي) أو كيف أن الأنبياء يغبطون مولانا راعي الجود عليه السلام لمنزلته وهل يغبط المعصوم غير المعصوم وغيرها من الأدلة... سيقول لنا هنا في هذه الرواية ان العصمة منصوصة يجب أن تكون؟
الجواب
يتناول عصمة المولى المعظم سيّدنا أبي الفضل العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام حيث ينفيها المستشكل عن جنابه المقدّس بدعوى مركبة من شقين:
(الشق الأول): أن العصمة يجب أن تكون منصوصة، وعصمة المولى أبي الفضل عليه السلام ليست منصوصة، واستشهد صاحب الإشكال برواية عن مولانا الإمام المعظم السجاد (عليه السلام) الدالة على أن عصمة الإمام عليه السلام إنما تكون بالنص وليس في ظاهر الخلقة، وعصمة المولى العباس عليه السلام تعارض الرواية عن إمامنا السجاد عليه السلام وذلك لأن عصمته ليست بالنص.
(الشق الثاني):إن ما اعتمدنا عليه في إثبات عصمة المولى المعظم العباس بن أمير المؤمنين (روحي فداهما) ليست ظاهرة في عصمته.
والجواب عن الشقين من الإشكال بما يلي:
أما الشق الأول: إن الرواية الصادرة عن إمامنا المعظم السجاد عليه السلام موردها إثبات مقام عصمة الإمام عليه السلام الذي دل القرآن على عصمته في آية التطهير وآية الإطاعة والولاية وغيرها من الآيات الكريمة، ولا يستلزم ذلك عدم عصمة غير الإمام من أهل البيت عليهم السلام كمولاتنا الصدّيقة الكبرى سيِّدة نساء العالمين سيّدتنا الطاهرة الزكيّة فاطمة الزهراء عليها السلام وأولادها الثلاثة: أم كلثوم الكبرى زينب الحوراء وأم كلثوم الصغرى ومحسن عليهم السلام، فهؤلاء الثلاثة دلت الأخبار المستفيضة على عصمتهم وطهارتهم، ولم تنص آية بعينها على عصمتهم، بل الأخبار هي المتكفلة لإثبات عصمتهم عليهم السلام، نعم آية التطهير دلت على عصمة مولاتنا الزهراء عليها السلام بضميمة أحاديث الكساء وغيره من الأخبار الكثيرة الدالة على عصمتها وطهارتها...مع أن آية التطهير ـ بضميمة أحاديث الكساء ـ دلت على عصمة أهل البيت عليهم السلام بشكلٍ عام، فكلُّ من دخل في مفهوم (أهل البيت) فإنه لا محالة يكون معصوماً، ولا ملازمة بين العصمة وبين أن يكون صاحبها إماماً أو نبيّاً...يرجى التأمل فإنه دقيق.
وبعبارة أُخرى: إن الإمام السجاد عليه السلام أراد إثبات عصمة الإمام عليه السلام كإمام مفترض الطاعة على العباد، ولا يعني بالضرورة عدم عصمة غيره من الأولياء من آل محمد عليهم السلام، إذ إن إثبات شيءٍ لشيءٍ لا ينفي ما عداه، أي إن إثبات عصمة الإمام عليه السلام لا ينفي عصمة غير الأئمة من آل محمد وإلا لكانت العصمة مقصورة فقط على أهل الكساء لوحدهم دون بقية الأئمة من آل محمد عليهم السلام، وذلك لأن آية التطهير أثبتت عصمة من كان تحت الكساء دون غيرهم ممن لم يكن حاضراً تحت الكساء ممن لم يولدوا إلا بعد برهة من الزمان...لكننا نحن الشيعة الإمامية نستدل على عصمة البقية من آل محمد عليهم السلام من خلال ثلاث نواحٍ هي التالي:
(الناحية الأولى): إن مفهوم أهل البيت الوارد في آية التطهير وأحاديث الكساء المتواترة يفيد عصمة وطهارة كلّ من انطبق عليه مفهوم (أهل البيت) من دون تفريق وتقييد بين كونهم أئمة وأوصياء وبين كونهم أولياء عظام، بل الآية مطلقة من هذه الناحية بحيثية حذف المتعلَّق الذي يفيد العموم الوصفي، بمعنى أن الآية لم تقتصر على تعداد الأئمة المعصومين فحسب بل تعدته إلى ما هو أوسع من مفهوم الإمامة والوصاية بحيث يشمل المعصومين من غير الأوصياء ممن تنطبق عليه مواصفات المفهوم الخاص بأهل البيت عليهم السلام كمولاتنا الطاهرة الزكية سيّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء وأولادها الثلاثة: الحوراء زينب وأم كلثوم ومحسن عليهم السلام؛ فهؤلاء من الأولياء العظام المعصومين من خلال مفهوم أهل البيت المدلول عليه في آية التطهير؛ وكذا يشمل المفهوم التطهيري لأهل البيت كلّ من اتصف بهذا الوصف حقيقة لا تنزيلاً كالمولى عليّ الأكبر والقاسم وعبد الله الرضيع وسكينة ورقية والفاطمتين والولي الأكبر العباس بن أمير المؤمنين علي عليهم السلام..إلخ فهؤلاء من أبرز مصاديق مفهوم (أهل البيت) الذين أذهب الله تعالى عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً، ويشهد له ما ورد عن الإمام المعصوم في زيارة المولى علي الأكبر حيث شهد له الإمام عليه السلام بأنه من أهل بيت النبي بقوله الشريف: [ السَّلامُ عَلَيْكَ أَيُّها الصِّدِّيقُ الطَيِّبُ الزَّكِيُّ الحَبِيبُ المُقَرَّبُ وَابْنَ رَيْحانَةِ رَسُولِ اللهِ ، السَّلامُ عَلَيْكَ مِنْ شَهِيدٍ مُحْتَسِبٍ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُه ، ماأَكْرَمَ مَقامَكَ وَأَشْرَفَ مُنْقَلَبَكَ ! أَشْهَدُ لَقَدْ شَكَرَ الله سَعْيَكَ وَأَجْزَلَ ثَوابَكَ وَأَلْحَقَكَ بِالذِّرْوَةِ العالِيَةِ حَيْثُ الشَّرَفُ كُلُّ الشَّرَفِ وَفِي الغُرَفِ السَّامِيَةِ ، كَما مَنَّ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَجَعَلَكَ مِنْ أَهْلِ البَيْتِ الَّذِينَ أَذْهَبَ الله عَنْهُمْ الرّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً ، صَلَواتُ الله عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ الله وَبَرَكاتُهُ وَرِضْوانُهُ فَاشْفَعْ أَيُّها السَيِّدُ الطَّاهِرُ إلى رَبِّكَ فِي حَطِّ الاَثْقالِ عَنْ ظَهْري وَتَخْفِيفِها عَنِّي وَارْحَمْ ذُلِّي وَخُضُوعِي لَكَ وَلِلْسَيِّدِ أَبِيكَ صَلّى الله عَلَيْكُما ] .
وقد قرر أمير المؤمنين علي عليه السلام مفهوم أهل البيت عليهم السلام في عدة مواضع من كلماته الشريفة، منها ما صدر عنه في كلام وجهه إلى أخيه عقيل لمّا طلب منه زيادة العطاء لأنه فقير ملق ذو عيال كثيرة فقال حاكياً عما جرى: (والله لأن أبيت على حسك السعدان مسهداً ، أو أجر في الأغلال مصفداً ، أحبّ إلي من أن ألقى الله ورسوله يوم القيامة ظالما لبعض العباد ، وغاصباً لشئ من الحطام ، وكيف أظلم أحداً لنفس يسرع إلى البلى قفولها ، ويطول في الثرى حلولها . والله لقد رأيت عقيلا وقد أملق حتى استماحني من بركم هذا صاعا . ورأيت صبيانه شعث الشعور ، غبر الألوان من فقرهم كأنما سودت وجوههم بالعظلم ، وعاودني مؤكدا ، وكرر علي القول مرددا ، فأصغيت إليه سمعي ، فظن أني أبيعه ديني ، وأتبع قياده مفارقا طريقتي ، فأحميت له حديدة ثم أدنيتها من جسمه ليعتبر بها ، فضج ضجيج ذي دنف من ألمها ، وكاد أن يحترق من ميسمها ، فقلت له : ثكلتك الثواكل يا عقيل ! أتئن من حديدة أحماها انسانها للعبه ، وتجرني إلى نار سجرها جبارها لغضبه ؟ أتئن من الأذى ولا أئن من لظى ؟ ! وأعجب من ذلك طارق طرقنا بملفوفة في وعائها ، ومعجونة شنئتها كأنما عجنت بريق حية أو قيئها ، فقلت : أصلة ، أم زكاة ، أم صدقة ؟ فكل ذلك محرم علينا أهل البيت ! ).
وهذا الشيوع الوصفي لمفهوم (أهل البيت) كان مرتكزاً عند عامة المسلمين في تلك العصور إلى يومنا الحاضر، فلم تشذ سيرة المؤمنين والمتشرعة من تطبيق مفهوم أهل البيت على أولاد وأحفاد أمير المؤمنين علي عليه السلام، فالسيد الخوئي وغيره من علماء القرن الماضي يستدلون على حرمة الصدقة على أهل البيت بما ورد عن مولاتنا الحوراء زينب عليها السلام لما دخلت الكوفة وأراد أهلها التصدق على يتامى سيّد الشهداء بالتمر فنبذته قائلة:" إن الصدقة علينا حرام" أي إننا أهل البيت لا تجوز علينا الصدقة، وها هو العلامة الفذ السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي يقول في هذا الصدد:
[ بأبي أنت وأمي يا أمير المؤمنين كيف بك لو رأيت أطفالك وأيتام ولدك أبي عبد الله وهم في أشر الذلة ووثاق السبي ، يساقون عطاشى جياعا مربطين بالحبال ، وأهل الكوفة يتصدقون عليهم وهم في المحامل مقرنين بالأصفاد ، فجعلت صبيتكم لشدة جوعهم يتناولون بعض الخبز والتمر والجوز ، فصاحت خفرتك وعقيلتك أم كلثوم : ويلكم يا أهل الكوفة ، إن الصدقة علينا حرام ، وجعلت تأخذ ذلك من أيدي الأطفال وترمي به إلى الأرض ، والناس يبكون على ما أصابهم ].
فإذا ما كانت الصدقة حراماً على الأحفاد المقربين من ذرية أمير المؤمنين عليه السلام لأنهم من أبرز مصاديق مفهوم (أهل البيت) فكيف الحال بمن كنَّ من أولاده مباشرة كالعقيلة زينب والمولى أبي الفضل عليهما السلام...!!. وكونهم من مصاديق المفهوم الوصفي لأهل البيت عليهم السلام لا يعني أنهم في نفس درجة العصمة والطهارة بل هم تالي المعصوم، أي أنهم في الدرجة الثانية من العصمة والطهارة عليهم السلام، فأمير المؤمنين عليه السلام والصدّيقة الطاهرة مولاتنا فاطمة والأئمة عليهم السلام هم في درجة واحدة بمقتضى قوله تعالى في سورة المباهلة (أنفسنا وأنفسكم) بضمية الأخبار الدالة على ذلك، وأولادهم الطاهرون هم من الدرجة الثانية أي هم معصومون تالون للإمام المعصوم عليه السلام، وقد ورد في الزيارات الخاصة بأمير المؤمنين علي عليه السلام لفظ (التالي للمبعوث والتالي لرسوله) مع أن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام نفس النبي، لكن مفهوم ( التالي) إنما هو بمعنى الرتبة الوجودية التي لا تنقطع من العصمة بعد موت النبي صلى الله عليه وآله.
(الناحية الثانية): أن المعصوم ينص على معصوم مثله، وحيث إن أهل الكساء ثبتت عصمتهم بنص الآية، فهم بدورهم نصوا على البقية ممن لم يكونوا حاضرين في وقت نزول الآية، لأن المعصوم لا يختلق العصمة للآخرين من دون أن يكون ذلك بأمر من الله تعالى، لأن المعصوم لا يكذب باعتباره مطهراً عن الكذب، ولا يدَّعي مقاماً لغيره من دون إذن الله تعالى، فقد أبلغونا بأن المعصوم بعد الإمام الحسين ولده الإمام علي بن الحسين عليهما السلام وهو بدوره أبلغنا أن ولده الإمام الباقر عليه السلام معصوم مثله، وهكذا كل معصوم سابق ينص على معصوم لاحق له، وليكن من هذا الباب عصمة المولى أبي الفضل العباس عليه السلام مع وجود فارق بينه وبين الأئمة عليهم السلام هو أنه ليس بإمام كبقية الأئمة المنصوص عليهم بالإمامة دونه، إذ إنه وليّ معصوم ولكنه ليس إماماً ، وهكذا الحال بالنسبة إلى مولاتنا الصدّيقة الكبرى الزهراء البتول وابنتيها وولدها محسن عليهم السلام فهم معصومون ولكنهم ليسوا أئمة، وهكذا الحال بالنسبة إلى مريم بنت عمران عليها السلام فإنها معصومة ولكنها ليست نبيةً ولا إماماً بخلاف ابنها عيسى عليه السلام فإنه نبيّ معصوم، وهكذا الحال بالنسبة إلى مولاتنا فاطمة بنت أسد فإنها معصومة ولكنها ليست نبية ولا إماماً...وهكذا تتسلسل أسماء النساء والرجال من أولياء الله المعصومين إلا أنهم ليسوا أنبياء ولا أئمةً....
( الناحية الثالثة): إن عصمة البقية من آل محمد عليهم السلام تتم من خلال إظهار المعجزات والكرامات على أيديهم ليظهر الحق على أيديهم فيعلو قدرهم وتظهر حقائقهم بين الناس، لأن الله تعالى لا يسدد غير المعصوم بالمعجزة في حال ادعى مقام العصمة من دون أن يكون أهلاً لها أو متصفاً بها.
وسيدة النساء الحوراء زينب عليهما السلام والمولى أبو الفضل عليه السلام يشتركان مع الأئمة الطاهرين عليهم السلام في النواحي الثلاث المتقدمة من حيث إنهم من أهل البيت، ومن حيث نص الإمام عليه السلام على عصمتهم، ومن حيث ظهور المعاجز والكرامات عند ضرائحهم المقدسة؛ وقد كشفنا عن تلكم النصوص الدالة على عصمة المولى سيّدنا العباس عليه السلام وعصمة سيّدتنا الطاهرة الزكيَّة عليها السلام في كتابينا الجليلين: (العصمة الكبرى لوليّ الله العباس ـ والحقيقة الغراء في تفضيل مولاتنا الصدّيقة الكبرى زينب الحوراء على مريم العذراء عليهما السلام) فليراجعا.
وبما تقدم: يتضح إن الدعوى القائلة بأن عصمة سيدنا أبي الفضل عليه السلام ليست منصوصة تكذبها حقائق البرهان وشواهد الأخبار الكاشفة عن حقيقة أحوال ذاك الصدّيق الهمام المولى العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام، واللبيب تكفيه الإشارة عن العبارة، والعصمة ليست في ظاهر الخلقة فيعرفها الخلق بالمشاهدة فواجب أن ينصَّ عليها علام الغيوب على لسان النبيّ أو الإمام عليهما السلام، وقد نصَّ الإمام عليه السلام على عصمة العبد الصالح العباس بن أمير المؤمنين عليهما السلام عبر التصريح والتلويح إلا أن خفافيش الليل يحجبون عيونهم وعقولهم وقلوبهم عن تلك التصريحات التي لا تخفى على من ألقى السمع وهو شهيد.
وبالجملة:إن رواية الإمام السجاد عليه السلام ليست في مقام إثبات عصمة باقي الأولياء المطهرين (عليهم السلام) كالمولى العباس والحوراء زينب وأختها أم كلثوم وأخيها محسن ومولاتنا فاطمة بنت أسد وغيرهم من الأولياء العلويين الفاطميين عليهم السلام ، بل المتكفل لبيان عصمتهم هو الأدلة المنفصلة الأخرى المبثوثة في الجوامع الحديثية، وما على الفقيه المحقق سوى البحث والتنقيب ليتضح لديه الصبح سافراً عن مقره ومنبلجاً من مصدره...ولكن هيهات للجهلة أن يعووا وللحق أن يذعنوا بعد أن غلّفت قلوبهم رين المعاصي وحب الدنيا والخلود إلى الأرض...ولو جئتهم بالف آية ودليل لصموا آذانهم وقالوا سحرٌ مستمر...!.
وأما الجواب عن الشق الثاني من الإشكال القائل: بأن ما اعتمدنا عليه في إثبات عصمة المولى المعظم العباس بن أمير المؤمنين (روحي فداهما) ليست ظاهرة في عصمته...فهو التالي:
إن الأخبار في إثبات العصمة للمعصوم تارةً تكون صريحة في منطوقها كأن يقول فلان معصوم، وأخرى تكون صريحة في مدلولها ومفهومها كأن يقول النصُّ : الدلالة على عصمة فلان وفلان بأنه من آل محمد ولا يقاس به أحد من الناس، أو كأن يقول: إن لعمي العباس درجة يغبطه عليها جميع الشهداء...وطوراً يقول: لعن الله من جهل حقك واستخف بحرمتك...وأخرى يقول: ورفع ذكرك في عليين... وكم من مطالب علمية وفقهية استدل على إثباتها أعلام الإمامية بمداليل الأخبار، وبالإطلاقات والعمومات الواردة في الآيات والأخبار، ومنها عصمة المولى أبي الفضل، فإن ما جاء في الأخبار واضح من حيث إثبات العصمة له بالمنطوق تارةً وبالمفهوم تارة أخرى، فمن الأول قول الإمام الحسين عليه السلام كلمهم أنت بنفسي ) ومن الثاني قوله الآن انكسر ظهري وقلَّت حيلتي وشمت بي عدوي) وقال بحق ولده علي الأكبر فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خلقا وخلقا ومنطقا برسولك ، وكنا إذا اشتقنا إلى نبيك نظرنا إلى وجهه ،على الدنيا بعد العفا..). ومنها ما ورد بالمستفيض بحق أولاد مولاتنا الطاهرة الزكية سيدتنا فاطمة الزهراء عليها السلام حيث يستفاد منها بالملازمة القطعية في عصمة أولادها الخمسة، فقد جاء في عيون أخبار الإمام الرضا عليه السلام للصدوق قال:حدثنا محمد بن أحمد السناني قال : حدثنا محمد بن أبي عبد الله الكوفي قال : حدثنا أبو الفيض صالح بن أحمد قال : حدثنا سهل بن زياد قال : حدثنا صالح بن أبي حماد قال : حدثنا الحسن بن موسى بن علي الوشاء البغدادي قال : كنت بخراسان مع علي بن موسى الرضا عليه السلام في مجلسه وزيد بن موسى حاضر قد أقبل على جماعة في المجلس يفتخر عليهم ويقول نحن ونحن وأبو الحسن عليه السلام مقبل على قوم يحدثهم فسمع مقالة زيد فالتفت إليه فقال : يا زيد أغرك قول ناقلي الكوفة : أن فاطمة عليها السلام أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار فوالله ما ذاك إلا للحسن والحسين وولد بطنها خاصة...).
وفي معاني الأخبار للصدوق قال: حدثني أبي - رحمه الله - قال : حدثنا سعد بن عبد الله ، عن أحمد بن محمد بن خالد ، عن أبيه، عن ابن أبي عمير ، عن جميل بن صالح ، عن محمد بن مروان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام هل قال رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار " ؟ قال : نعم ، عنى بذلك الحسن والحسين وزينب وأم كلثوم (عليهم السلام).
وقال رحمه الله:حدثنا محمد بن الحسن بن أحمد بن الوليد - رحمه الله - قال : حدثنا محمد بن الحسن الصفار ، قال : حدثنا العباس بن معروف ، عن علي بن مهزيار ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن محمد بن قاسم بن الفضيل ، عن حماد بن عثمان ، قال : قلت لأبي عبد الله عليه السلام : جعلت فداك ، ما معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله : " إن فاطمة أحصنت فرجها فحرم الله ذريتها على النار " ؟ فقال : المعتقون من النار هم ولد بطنها : الحسن ، والحسين ، وزينب ، وأم كلثوم .
إن أعلام الإمامية استفادوا من عصمة أولاد سيّدة نساء العالمين عليهم السلام من خلال مداليل الأخبار المتقدمة بالملازمة القطعية وذلك لأن من حرّمه الله على النار يدل بالدلالة القطعية على العصمة، وليكن منه عصمة المولى أبي الفضل العباس عليه السلام، ومن يستبعد ذلك لا نظنه يشم رائحة الفقاهة ولا يعرف لحن خطابهم ومعاني فقههم وأحكامهم،
تعليق