بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من الدلائل النبوة وخلاصة ما جرى مع أهل البيت في هذا العهد يعطينا معالمها عدد ليس بالقليل من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، اخترنا منها هنا أربعة فقط لننتقل بعدها إلى العهد الآخر . 1 - أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام : " أما إنك ستلقي بعدي جهدا " . قال : في سلامة من ديني ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : " في سلامة من دينك " ( 1 ) . 2 - كان علي عليه السلام مريضا ، وقد عاده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر معه ، فقال أحدهما للآخر : ما أراه إلا هالكا ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " إنه لن يموت إلا مقتولا ، ولن يموت حتى يملأ غيظا " ( 2 ) 3 - وعنه عليه السلام قال : " إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله
* ( هامش ) *
( 1 ) المستدرك 3 : 140 وقال : صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
( 2 ) المستدرك 3 : 139 ، الكامل في التاريخ 3 : 387 . ( * )
وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده " . وفي لفظ آخر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي " إن الأمة ستغدر بك بعدي " ( 1 ) .
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
من الدلائل النبوة وخلاصة ما جرى مع أهل البيت في هذا العهد يعطينا معالمها عدد ليس بالقليل من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، اخترنا منها هنا أربعة فقط لننتقل بعدها إلى العهد الآخر . 1 - أخرج الحاكم في المستدرك عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي عليه السلام : " أما إنك ستلقي بعدي جهدا " . قال : في سلامة من ديني ؟ قال صلى الله عليه وآله وسلم : " في سلامة من دينك " ( 1 ) . 2 - كان علي عليه السلام مريضا ، وقد عاده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأبو بكر وعمر معه ، فقال أحدهما للآخر : ما أراه إلا هالكا ! فقال صلى الله عليه وآله وسلم : " إنه لن يموت إلا مقتولا ، ولن يموت حتى يملأ غيظا " ( 2 ) 3 - وعنه عليه السلام قال : " إن مما عهد إلي النبي صلى الله عليه وآله
* ( هامش ) *
( 1 ) المستدرك 3 : 140 وقال : صحيح الإسناد على شرط الشيخين ولم يخرجاه .
( 2 ) المستدرك 3 : 139 ، الكامل في التاريخ 3 : 387 . ( * )
وسلم أن الأمة ستغدر بي بعده " . وفي لفظ آخر : أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لعلي " إن الأمة ستغدر بك بعدي " ( 1 ) .
4 - عن علي عليه السلام ، قال : " بينما رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم آخذ بيدي ، ونحن نمشي في بعض سكك المدينة إذ أتينا على حديقة ، فقلت : يا رسول الله ، ما أحسنها من حديقة ! فقال : لك في الجنة أحسن منها . ثم مررنا بأخرى ، فقلت : يا رسول الله ، ما أحسنها من حديقة ! قال : لك في الجنة أحسن منها . ثم مررنا بسبع حدائق كل ذلك أقول : ما أحسنها . ويقول : لك في الجنة أحسن منها . . فلما خلا له الطريق اعتنقني ثم أجهش باكيا . قلت : يا رسول الله ، ما يبكيك ؟ قال : ضغائن في صدور أقوام ، لا يبدونها لك إلا من بعدي " ( 2 ) !
* ( هامش ) *
( 1 ) المستدرك 3 : 140 وقال : صحيح الإسناد ولم يخرجاه ، ابن عساكر في الترجمة 3 : 148 / 1164 - 1168 ،
دلائل النبوة 6 : 440 ، تذكرة الحفاظ 3 : 995 ، البداية والنهاية 7 : 338 ابن أبي الحديد 6 : 45 ، تاريخ بغداد 11 : 216 ،
كنز العمال 11 / 32997 ، الخصائص الكبرى 2 : 235 . ( 2 ) مسند أبي يعلى الموصلي 1 : 426 / 305 ، وصححه الحاكم في المستدرك 3 / 139 ، ابن أبي الحديد 4 : 107 ،
الرياض النضرة 3 : 184 ، مجمع الزوائد 9 : 118 ، المناقب للخوارزمي : 26 ، كنز العمال 13 : 176 / 46533 . ( * )
مجمل ما لقي أهل البيت وقصة الوضع في الحديث
فصول القصة : نأتي هنا على وصف مجمل لحال أهل البيت ( عليهم السلام ) في العهدين الأموي والعباسي إذ إن التفصيل في هذا يعني أن نمضي مع كل واحد منهم عليهم السلام امتداد حياته ، وليس هذا بخفي على من تتبع التاريخ . ومعه ستأتي قصة الوضع في الحديث لما بين الأمرين من تلازم وثيق ، إذ إن سياسة إبعادهم وامتهانهم عليهم السلام كانت تستلزم على الدوام عملا ثقافيا وفكريا موازيا يدعمها ويبرر خطواتها ، وليس أخطر في ذلك من الحديث المنسوب إلى النبيصلى الله عليه وآله وسلم ! فبذلوا لذلك كل جهد ، وسخروا كل ما وسعهم تسخيره بالاتجاهين معا : اتجاه طمس فضائل ومناقب أهل البيت ( عليه السلام ) . واتجاه إطراء خصومهم ، واختلاق المناقب لهم ، ونسبة ذلك كله إلى رسول الله صلىالله عليه وآله وسلم ، في عمل منسق على شكل مراحل منتظمة ومتوالية ! وسنرى كل ذلك الآن . . أفرد ابن أبي الحديد في كتابه ( شرح نهج البلاغة ) فصلا بعنوان : " ذكر
ما مني به آل البيت من الأذى والاضطهاد " قال فيه : وقد روي أن أبا جعفر محمد بن علي ( عليه السلام ) قال - لبعض أصحابه - : " يا فلان ، ما لقينا من ظلم قريش إيانا ، وتظاهرهم علينا ! وما لقي شيعتنا ومحبونا من الناس ! إن رسول اللهصلى عليه وآله وسلم قبض وقد أخبرنا أنا أولى الناس بالناس . فتمالأت علينا قريش حتى أخرجت الأمر عن معدنه ، واحتجت على الأنصار بحقنا وحجتنا ، ثم تداولتها واحدا بعد واحد حتى رجع الأمر إلينا ، فنكثت بيعتنا ، ونصبت الحرب لنا! ولم يزل صاحب الأمر في صعود كؤود حتى قتل ! وبويع الحسن ابنه ، وعوهد ، ثم غدر به وأسلم ، ووثب عليه أهل العراق حتى طعن بخنجر في جنبه ، ونهبت عسكره ، وعولجت خلاخيل أمهات أولاده ، فوادع معاوية ، وحقن دمه ودماءأهل بيته ، وهم قليل حق قليل . ثم بايع الحسين من أهل العراق عشرون ألفا ، ثم غدروا به ، وخرجوا عليه وبيعته في أعناقهم ، وقتلوه ! ثم لم نزل - أهل البيت - نستذل ، ونستظام ، ونقصى ، ونمتهن ، ونحرم ، ونقتل ، ونخاف ولا نأمن علىدمائنا ودماء أوليائنا ! . ووجد الكاذبون الجاحدون - لكذبهم وجحودهم - موضعا يتقربون به إلى أوليائهم وقضاة السوء ، وعمال السوء في كل بلدة ، فحدثوهم بالأحاديث الموضوعة المكذوبة ورووا عنا ما لم نقله ولم نفعله ليبغضونا إلى الناس .وكان عظم ذلك وكبره زمن معاوية ، بعد موت الحسن ( عليه السلام ) . فقتلت شيعتنا في كل مكان ، وقطعت الأيدي والأرجل على الظنة ! .
وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو هدمت داره ( 1 ) " ! . هكذا إذن أقصي أهل البيت ( عليهم السلام ) عن مكانهم في خلافة رسول الله ، إذ هم " أولى الناس بالناس " . وجحدت منزلتهم ، إذ هم ثاني الثقلين " كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي " . ثم أقصوا حتى عن موقعهم في ترؤس ميدان الفقه وعلوم الشريعة ، رغم قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حقهم " فلا تقدموهم فتهلكوا ، ولا تتأخروا عنهم فتهلكوا ، ولا تعلموهم فإنهم أعلم منكم " .
ورغم زعامتهم في العلم والفقه وتفوقهم على سواهم ، ورجوع غيرهم إليهم ، حجر على فقههم ، وحورب من كان يحمله عنهم ، وقتل أتباعهم في كل مكان " وكان من يذكر بحبنا والانقطاع إلينا سجن أو هدمت داره ! ويواصل الإمام الباقر عليه السلام كلامه ، فيقول : " ثم لم يزل البلاء يشتد ويزداد إلى زمان عبيد الله بن زياد قاتل الحسين عليه السلام " ( 2 ) .
- قاتل الحسين عليه السلام ! ! الحسين عليه السلام : سبط النبي المصطفى ، وريحانته ، وثاني سيدي شباب أهل الجنة مع أخيه الإمام الحسن عليه السلام ! وخامس أصحاب الكساء الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا ! الحسين عليهالسلام الذي قال فيه جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : " حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا ، حسين سبط من الأسباط " ( 3 ) !
* ( هامش ) *
( 1 ) ابن أبي الحديد 11 : 43 .
( 2 ) المصدر والصفحة .
( 3 ) التاريخ الكبير للبخاري 8 : 415 / 3536 ، سنن الترمذي 5 : 658 / 3775 ، سنن ابن ماجة 1 = ( * )
الحسين السبط عليه السلام يراد منه قسرا أن يبايع ليزيد - صاحب الخمرة والمجون ! - فلم يجد أمامه إلا أن يخرج من مدينة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم قاصدا العراق بعد أن أتته كتب أهلها بالبيعة والولاء ، فيستشهد بينهم في وقعة، بل مأساة لم تشهد لها الدنيا نظيرا ! وقد تهيأ له عليه السلام أن يقف فيهم خطيبا ، فقال : " أيها الناس ، إن رسول الله
صلى الله عليه وآله وسلم قال : من رأى سلطانا جائرا ، مستحلا لحرم الله ، ناكثا لعهد الله ، مخالفا لسنة رسول الله - صلىالله عليه وآله وسلم - يعمل في عباد الله بالإثم والعدوان فلم يغير ما عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله أن يدخله مدخله . ألا وإن هؤلاء قد لزموا طاعة الشيطان ، وتركوا طاعة الرحمن وأظهروا الفساد ، وعطلوا الحدود ، واستأثروا بالفئ وأحلواحرام الله وحرموا حلاله ، وأنا أحق من غير ، وقد أتتني كتبكم ورسلكم ببيعتكم ، وأنكم لا تسلموني ولا تخذلوني ، فإن أقمتم على بيعتكم تصيبوا رشدكم . وأنا الحسين بن علي ابن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نفسي مع أنفسكموأهلي مع أهلكم ، فلكم في أسوة . . . " ( 1 ) . فلما لمن يكن منهم إلا قتاله ومن معه من أهل بيته وأصحابه ، ركب عليه السلام راحلته وتقدم إلى جيش يزيد ، ونادى بصوت عال يسمعه كل الناس ، فقال :
* ( هامش ) *
= 51 / 144 ، مسند أحمد 4 : 172 ، المستدرك على الصحيحين 3 : 177 ، مصابيح السنة 4 : 195 / 4833 ،
أسد الغابة 2 : 19 ، تهذيب تاريخ دمشق الكبير 4 : 318 ، الجامع الصغير 1 : 575 / 3727 ،
جامع الأصول 10 : 21 ، سير أعلام النبلاء 3 : 283 ، وغيرها كثير .
( 1 ) الكامل في التاريخ 4 : 48 . ( * )
" أيها الناس اسمعوا قولي ، ولا تعجلوني حتى أعظكم بما يجب لكم علي وحتى أعتذر إليكم من مقدمي عليكم ، فإن قبلتم عذري وصدقتم قولي وأنصفتموني كنتم بذلك أسعد ولم يكن لكم علي سبيل . وإن لم تقبلوا مني العذر ( فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم لا يكن أمركم عليكم غمة ثم اقضوا إلي ولا تنظرون ) ( 1 ) ( إن ولي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين ) ( 2 ) " . فلما سمع أخواته قوله بكين ، وصحن ، وارتفعت أصواتهن ،فأرسل إليهن أخاه العباس وابنه عليا ليسكتاهن ، وقال : " لعمري ، ليكثرن بكاءهن " ! فلما سكتن حمد الله وأثنى عليه ، وصلى على رسوله وعلى الأنبياء والملائكة وقال : " أما بعد ، فانسبوني ، فانظروا من أنا ، ثم راجعوا أنفسكم فعاتبوها ،وانظروا هل يصلح ويحل لكم قتلي وانتهاك حرمتي ؟ ألست ابن بنت نبيكم ، وابن وصيه وابن عمه وأول المؤمنين بالله ، والمصدق لرسوله ؟ أو ليس حمزة سيد الشهداء عم أبي ؟ أو ليس جعفر الشهيد الطيار في الجنة عمي ؟ أو لم يبلغكم قولمستفيض : إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال لي ولأخي : أنتما سيدا شباب أهل الجنة وقرة عين أهل السنة ؟ فإن صدقتموني فيما أقول فهو الحق ، والله ما تعمدت كذبا مذ علمت أن الله يمقت عليه أهله . وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم : سلوا جابر
* ( هامش ) *
( 1 ) سورة يونس : 71 . ( 2 ) سورة الأعراف : 196 . ( * )
ابن عبد الله ، أو أبا سعيد ، أو سهل بن سعد ، أو زيد بن أرقم ، أو أنسا يخبروكم أنهم سمعوه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، أما في هذا حاجز يحجزكم عن سفك دمي ؟ " . فقال له شمر : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما يقول ! ثم قال الحسين عليه السلام : " فإن كنتم في شك مما أقول أو تشكون في أني ابن بنت نبيكم ؟ فوالله ما بين المشرق والمغرب ابن بنت نبي غيري ، منكم ولا من غيركم . أخبروني ، أتطلبوني بقتيل منكم قتلته ، أو بمال استهلكته ، أو بقصاص من جراحة ؟ " . فلم يكلموه ، فنادى : " يا شبث بن ربعي ! ويا حجار بن أبجر ! ويا قيس بن الأشعث ! ويا زيد بن الحارث ! ألم تكتبوا إلي في القدوم عليكم ؟ " . قالوا : لم نفعل ! فقال عليه السلام : " بل فعلتم - ثم قال - أيها الناس ، إذ كرهتموني فدعوني أنصرف إلى مأمني من الأرض " . فقال له قيس بن الأشعث : أولا تنزل على حكم ابن عمك ؟ فإنك لا ترى إلا ما تحب . فقال عليه السلام : " أنت أخو أخيك ، أتريد أن يطلبك بنو هاشم بأكثر من دم مسلم بن عقيل ؟ لا والله ، ولا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ، ولا أقر إقرار العبيد . عباد الله ، إني عذت بربي وربكم أن ترجمون ، أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب " ( 1 ) .
* ( هامش ) *
( 1 ) الكامل في التاريخ 4 : 61 - 62 . ( * )
ولكن قست قلوبهم ، فهي كالحجارة أو أشد قسوة فعزموا أن يرتكبوا الجريمة الكبرى ، ويتوشحوا بالعار الأبدي ! فتقدم عمر بن سعد برايته ، وأخذ سهما فرمى به ، وقال : اشهدوا لي أني أول رام ! ثم رمى الناس ( 1 ) . فكانت الوقعة المأساة التي احتوت تفاصيل تقشعر لها الأبدان بل تهتز لها الأرض والسماء . وقتل ريحانة رسول الله صلى
الله عليه وآله وسلم ، وقتل معه سبعة عشر من أهل بيته ، وكافة أصحابه وقطعت رؤوسهم وحملت على الرماح إلى عبيد الله بن زياد . فجاءت كندة بثلاثة عشر رأسا ! وجاءت بنو أسد بستة أرؤس ! وجاءت مذحج بسبعة أرؤس ، وجاء سائر الجيش بسبعة أرؤس ، فذلك سبعون رأسا ( 2 ) وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أعطى أم سلمة ترابا من تربة الحسين حمله إليه جبرئيل عليه السلام فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأم سلمة : " إذا صار هذا التراب دما فقد قتل الحسين " فحفظت أم سلمة ذلك التراب في قارورة عندها فلما قتل الحسين عليه السلام صار التراب دما ، فأعلمت الناس بقتله ( 3 ) .
وعن عبد الله بن نجي ، عن أبيه ، أنه سار مع علي عليه السلام وكان صاحب مطهرته ، فلما حاذى نينوى - من أرض كربلاء - وهو سائر إلى صفين ، فنادى علي : " اصبر أبا عبد الله ( 4 ) بشط الفرات " .
* ( هامش ) *
( 1 ) المصدر 4 : 65 .
( 2 ) المصدر 4 : 91 - 92 .
( 3 ) المصدر 4 : 93 ، تاريخ اليعقوبي 2 : 245 - 246 ، الصواعق المحرقة : 193 .
( 4 ) في سير أعلام النبلاء : " ناداه علي " وهو تحريف ، وأبو عبد الله هو الإمام الحسين عليه السلام . ( * )
قلت : وما ذاك ؟ قال : " دخلت على النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات يوم ، وعيناه تفيضان ، فقال : قام من عندي
جبرئيل ، فحدثني أن الحسين يقتل ، وقال : هل لك أن أشمك من تربته ؟ قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب ، فأعطانيها ، فلم أملك عيني " ( 1 ) . وروي قريب منه عن أم سلمة أيضا وأنها احتفظت بذلك التراب عندها ( 2 ) . وحدث ابن عباس رضي الله عنهما ، قال : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في النوم نصف النهار ، أشعث أغبر ، وبيده قارورة فيها دم ، فقلت : يا رسول الله ، ما هذا ؟ قال : " هذا دم الحسين وأصحابه ، لم أزل منذ اليوم ألتقطه " . فأحصي ذلكم اليوم ، فوجدوه قتل يومئذ ( 3 ) .
وحدث أبو سعيد الأشج : حدثنا أبو خالد الأحمر ، حدثنا رزين ، قال : حدثتني سلمى ، قالت : دخلت على أم سلمة وهي تبكي ، فقلت : ما يبكيك ؟ قالت : رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم - تعني في المنام - وعلى رأسه ولحيته التراب ، فقلت : ما لك يا رسول الله ؟
* ( هامش ) *
( 1 ) مسند أحمد 1 : 85 ، سير أعلام النبلاء 3 : 288 ، البداية والنهاية 8 : 201 ، الصواعق المحرقة : 193 ،
مجمع الزوائد 9 : 187 وقال : أخرجه البزار ورجاله ثقات . ( 2 ) مسند أحمد 3 : 242 و 265 و 294 ، سير أعلام النبلاء : 3 : 288 - 289 ، مجمع الزوائد 9 : 187
البداية والنهاية 8 : 201 ، دلائل النبوة 6 : 469 ، الصواعق المحرقة : 192 . ( 3 ) مسند أحمد 1 : 283 ، تهذيب تاريخ دمشق الكبير لابن عساكر 4 : 343 ، سير أعلام النبلاء 3 : 315 ،
البداية والنهاية 8 : 202 وقال إسناده قوي . ( * )
قال : " شهدت قتل الحسين آنفا " ( 1 ) . فسلام على الحسين ، وأولاد الحسين ، وأنصار الحسين ( 2 ) . . ثم ماذا بعد مقتل الإمام الحسين عليه السلام ؟ يواصل الإمام الباقر عليه السلام حديثه ، فيقول : " ثم جاء الحجاج فقتلهم كل قتلة ، وأخذهم بكل ظنة وتهمة ، حتى أن الرجل ليقال له ( زنديق ) أو ( كافر ) أحب إليه من أن يقال ( شيعة علي ) ! ! وحتى صار الرجل الذي يذكر بالخير -ولعله يكون ورعا صدوقا - يحدث بأحاديث عظيمة عجيبة من تفصيل بعض من قد سلف من الولاة ، ولم يخلق الله تعالى شيئا منها ! ولا كانت وقعت ! وهو يحسب أنها حق لكثرة من رواها ممن لم يعرف بالكذب ، ولا بقلة ورع ( 3 ) " ! وأشبه شئ بكلام الإمام الباقر عليه السلام هذا حول الحديث والمحدثين ما أورده مسلم في مقدمة الصحيح ، والخطيب البغدادي في تاريخه ، عن محمد بن أبي عتاب : قال حدثني عفان ، عن محمد بن يحيى بن سعيد القطان ، عن أبيه ، قال : لم نر الصالحين في شئ أكذب منهم في الحديث !
* ( هامش ) *
( 1 ) سنن الترمذي 5 : 657 / 3771 ، وتهذيب تاريخ دمشق الكبير 4 : 343 ، سير أعلام النبلاء 3 : 316 ، البداية والنهاية 8 : 202 .
( 2 ) قصة مقتل الإمام الحسين عليه السلام في تاريخ الطبري 6 : 194 - 270 ، الكامل في التاريخ 4 : 19 - 91 ،
تهذيب تاريخ دمشق الكبير 4 : 329 - 346 ، مقتل الحسين للخوارزمي ، البداية والنهاية 8 : 152 - 214 .
( 3 ) ابن أبي الحديد 11 : 44 . ( * )
قال ابن أبي عتاب : فلقيت أنا محمد بن يحيى بن سعيد القطان فسألته عنه ، فقال عن أبيه : لم نر أهل الخير في شئ أكذب منهم في الحديث ( 1 ) .أما كيف بلغ الأمر هذه الدرجة من الخطورة ، فإليك قصته كاملة : قال ابن أبي الحديد : روى المدائني في كتاب ( الأحداث ) قال : كتب معاوية نسخة واحدة إلى عماله بعد عام الجماعة : أن برئت الذمة ممن روى شيئا في فضل أبي تراب ، وأهل بيته . فقامت الخطباء في كل كورة ، وعلى كل منبر يلعنون عليا ، ويبرؤون منه ، ويقعون فيه وفي أهل بيته ! وكان أشد الناس بلاء أهل الكوفة لكثرة ما بها من شيعة علي عليه السلام ، فاستعمل عليهم زياد بن سمية ، وضم إليه البصرة ، فكان يتتبعالشيعة وهو بهم عارف لأنه كان منهم أيام علي عليه السلام ، فقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وأخافهم ، وقطع الأيدي
والأرجل ، وسمل العيون ، وصلبهم على جذوع النخل ، وطردهم ، وشردهم فلم يبق فيها معروف منهم . . وكتب معاوية إلى عماله في جميع الآفاق ألا يجيزوا لأحد من شيعة علي وأهل بيته شهادة . وكتب إليهم : أن انظروا من
قبلكم من شيعة عثمان ومحبيه وأهل بيته ، والذين يروون فضائله ومناقبه ، فأدنوا مجالسهم ، وقربوهم ، واكتبوا لي بكل مايروي كل رجل منهم ، واسمه واسم أبيه وعشيرته . ففعلوا ذلك ، حتى أكثروا في فضائل عثمان ومناقبه لما كان يبعثه إليهم معاوية من الصلات والكساء والحباء والقطائع ، ويفيضه عليهم في العرب والموالي وكثر ذلك في كل مصر ، وتنافسوا في المنازل والدنيا ، فلبثوا بذلك حينا .
* ( هامش ) *
( 1 ) صحيح مسلم - المقدمة - 1 : 17 - 18 ، تاريخ بغداد 2 : 98 . ( * )
ثم كتب إلى عماله : إن الحديث في عثمان قد كثر وفشا في كل مصر ، وفي كل وجه وناحية ، فإذا جاءكم كتابي هذا فادعوا الناس إلى الرواية في فضائل الصحابة والخلفاء الأولين . ولا تتركوا خبرا يرويه أحد من المسلمين في أبي تراب إلا وتأتوني بمناقض له في الصحابة ، فإن هذا أحب إلي ، وأقر لعيني ، وأدحض لحجة أبي تراب وشيعته ، وأشد عليهم من مناقب عثمان وفضائله . فقرئت كتبه على الناس ، فرويت أخبار كثيرة في مناقب الصحابة مفتعلة لا حقيقة لها ، وجد الناسفي رواية ما يجري هذا المجرى حتى أشادوا بذكر ذلك على المنابر ، وألقي إلى معلمي الكتاتيب ، فعلموا صبيانهم وغلمانهم من ذلك الكثير الواسع ، حتى رووه وتعلموه كما يتعلمون القرآن ، وحتى علموه بناتهم ونساءهم وخدمهم وحشمهم ، فلبثوابذلك ما شاء الله . ثم كتب إلى عماله نسخة واحدة إلى جميع البلدان : انظروا من قامت عليه البينة أنه يحب عليا وأهل بيته فامحوه من الديوان ، وأسقطوا عطاء رزقه ! وشفع ذلك بنسخة أخرى : من اتهمتموه بموالاة هؤلاء القوم فنكلوا به ، واهدموا داره ! فلم يكن البلاء أشد ولا أكثر منه في العراق ، ولا سيما بالكوفة . فظهر حديث كثير موضوع ، وبهتان منتشر . . ومضى على ذلك الفقهاء ، والقضاة ، والولاة ، وكان أعظم الناس في ذلك بلية القراء المراءون ، والمستضعفون الذين يظهرون الخشوع والنسك فيفتعلون الأحاديث ليحظوا بذلك عند الأئمة ، يصيبوا به الأموال والضياع والمنازل ! . حتى انتقلت تلك الأخبار والأحاديث إلى الديانين الذين لا يستحلون الكذب والبهتان ، فقبلوها ورووها وهم يظنون أنها حق ، ولو علموا أنها باطلة لما رووها ، ولا تدينوا بها ! !
فلم يزل الأمر كذلك حتى مات الحسن بن علي عليه السلام ، فازداد البلاء والفتنة ، فلم يبق أحد من هذا القبيل إلا وهو خائف على دمه ، أو طريد في الأرض ! ثم تفاقم الأمر بعد قتل الحسين عليه السلام . وولي عبد الملك بن مروان فاشتد علىالشيعة . وولي عليهم الحجاج فتقرب إليه أهل النسك والصلاح والدين ببغض علي ، وموالاة أعدائه ، وموالاة من يدعي من الناس أنه من أعدائه . فأكثروا في الرواية في فضلهم وسوابقهم ومناقبهم . وأكثروا من الغض من علي عليه السلام وعيبه ،والطعن فيه ، والشنآن به ! . حتى أن إنسانا وقف للحجاج فصاح به : أيها الأمير ، إن أهلي عقوني فسموني عليا ، وأنا فقير بائس ! فتضاحك له الحجاج ، وقال : للطف ما توسلت به قد وليتك موضع كذا ! - فلم يقتصر الأمر على ما كان في عهد معاوية إذن .
قال ابن أبي الحديد : وقد روى ابن عرفة المعروف بنفطويه ( 1 ) - وهو من أكابر المحدثين - في تاريخه ما يناسب هذا الخبر ، وقال : إن أكثر الأحاديث الموضوعة في فضائل الصحابة اختلقت في أيام بني أمية تقربا إليهم بما يظنون أنهم يرغمون به أنوف بني هاشم ( 2 ) !
* ( هامش ) *
( 1 ) وهو محمد بن عرفة بن سليمان ، أبو عبد الله : الحافظ النحوي الأخباري ، تعلم اللغة على ثعلب والمبرد ، وتفقه على داود -
إمام الظاهرية - وكان ذا سنة ودين وفتوة ومروءة ، وصار رأسا في رأي أهل الظاهر ، وله تصانيف منها : ( غريب القرآن ) و
( تاريخ الخلفاء ) أو ( الإمامة ) وغيرها ، توفي سنة 323 ه . سير أعلام النبلاء 15 : 75 / 42 ، وفيات الأعيان 1 : 47 / 12 . ( 2 ) شرح نهج البلاغة 11 : 44 - 46 . ( * )
وقال أبو معاوية الضرير : بعث هشام بن عبد الملك إلى الأعمش : أن اكتب لي مناقب عثمان ، ومساوئ علي . فأخذ الأعمش القرطاس وأدخلها في فم الشاة فلاكتها ، وقال لرسوله : قل له : هذا جوابك ( 1 ) . والأمر - إلى هنا - يوجزه الإمام أحمد بن حنبل في رده على ولده عبد الله وقد سأله عن علي ومعاوية ، فقال له : اعلم أن عليا كان كثير الأعداء ، ففتش له أعداؤه عيبا فلم يجدوا ، فجاءوا إلى رجل قد حاربه وقاتله فأطروه كيدا منهم له ( 2 ) . وقد صح أن بني أمية منعوا من إظهار فضائل علي عليه السلام وعاقبوا على ذلك الراوي له ، حتى إن الرجل إذا روى عنه حديثا لا يتعلق بفضله بل بشرائع الدين لا يتجاسر على ذكر اسمه ، فيقول : عن أبي زينب ( 3 ) . وقد روي عن الإمام الشافعي قوله : إذا في مجلس ذكروا عليا * وسبطيه ، وفاطمة الزكية
يقال : تجاوزوا يا قوم هذا * فهذا من حديث الرافضية
برئت إلى المهيمن من أناس * يرون الرفض حب الفاطمية ( 4 ) وكان المغيرة بن شعبة يقول لصعصعة بن صوحان ( 5 ) : إياك أن يبلغني
* ( هامش ) *
( 1 ) وفيات الأعيان 2 : 402 - ترجمة سليمان الأعمش .
( 2 ) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 7 : 81 ، الصواعق المحرقة باب 9 فصل 3 : 127 ، تاريخ الخلفاء للسيوطي : 159 .
( 3 ) شرح نهج البلاغة 4 : 73 .
( 4 ) فرائد السمطين 1 : 135 / 98 .
( 5 ) هو أخو زيد بن صوحان ، وقد أسلم على عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولم يره لصغر سنه وكان سيدا من سادات قومه - عبد القيس - فصيحا خطيبا دينا فاضلا يعد في أصحاب علي عليه السلام = ( * )
عنك أنك تعيب عثمان ، وإياك أن يبلغني أنك تظهر شيئا من فضل علي ، فأنا أعلم بذلك منك ، ولكن هذا السلطان قد ظهر ، وقد أخذ بإظهار عيبه للناس ، فنحن ندع شيئا كثيرا مما أمرنا به ونذكر الشئ الذي لا نجد منه بدا ندفع به هؤلاء القوم عنأنفسنا . فإن كنت ذاكرا فضله فاذكره بينك وبين أصحابك في منازلكم سرا وأما علانية في المسجد فإن هذا لا يحتمله الخليفة لنا ( 1 ) .
وكان الحسن البصري يحدث فيقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو لم يدركه . فقال يونس بن عبيد : سألته ، فقلت : يا أبا سعيد إنك تحدث فيقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وإنك لم تدركه ؟ قال : يا ابن أخي لقدسألتني عن شئ ما سألني عنه أحد قبلك ، ولولا منزلتك مني ما أخبرتك ، إني في زمان كما ترى ، كل شئ سمعتني أقول : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهو عن علي بن أبي طالب ، غير أني في زمان لا أستطيع أن أذكر عليا ( 2 ) .
بل تجاوز الأمر هذا الحد بكثير حتى أصبح الرجل يخشى حتى وهو في المنام - في عالم الرؤيا - أن يتهم بالقرب من علي عليه السلام . فقد روى الخطيب عن الفتح بن شخرف ، قال : حملتني عيني فنمت ، فبينما أنا نائم إذا أنا بشخصين ، فقلت للذي يقرب مني : من أنت يا هذا ؟ فقال : من ولد آدم .
* ( هامش ) *
= وقد شهد معه حروبه ، وهو القائل لعمر بن الخطاب حين قسم المال الذي بعثه إليه أبو موسى ، فخطب الناس فقال : أيها الناس
قد بقيت لكم فضلة بعد حقوق الناس . فقام صعصعة وهو غلام شاب وقال : يا أمير المؤمنين ، إنما تشاور الناس فيما لم ينزل فيه
قرآن ، فأما ما نزل فيه القرآن فضعه مواضعه التي وضعه الله عز وجل فيها . فقال : صدقت ، أنت مني وأنا منك . وصعصعة
ممن سيره عثمان إلى الشام ، وتوفي أيام معاوية . أسد الغابة 3 : 20 .
( 1 ) الكامل في التاريخ 3 : 430 .
( 2 ) تهذيب الكمال 6 : 124 . ( * )
قلت : كلنا من ولد آدم ، فمن الذي وراءك ؟ قال لي : علي بن أبي طالب . قلت له : أنت قريب منه ولا تسأله ؟ ! قال : أخشى أن يقول الناس أني رافضي ( 1 )
! ! * ( هامش ) *
( 1 ) تاريخ بغداد 12 : 386 . ( * )