بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
" من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن "
الإمام الصادق ( عليه السلام )
غاية علم الأخلاق أن يوصل الإنسان إلى الكمال الأعلى الذي يطلبه بأعماله وصفاته ، ولهذا فإن بعض الخلقيين يسرف فيقول : " علم الأخلاق أشرف العلوم جميعاً لأنه يوصل إلى أشرف مخلوق إلى أشرف غاية " .
والحكم الذي لا يقبل الشك فيه أن علم الأخلاق من أشرف العلوم ومن أرقاها .
علم الأخلاق رائد الإنسان إلى سعادة ودليله على الخير الأعلى ، وهو مرشد النفوس إلى الفاضل من الصفات والفاضل من الأعمال . ومن الجور الذميم أن تترقب منه أكثر من هذا . لعلم الأخلاق أسوة بأخواته من العلوم التي تطلب لغاياتها . عليه أن يمهد السبيل إلى الغاية ويوضح الطريق إلى المقصد . وعلى العالم الخلقي أن يكون طبيباً ماهراً يعين الداء بدقة ويصف الدواء بمهارة وليس عليه بعد هذا أن يضل الضال أو يصل الواصل . فإن لحصول النتيجة شروطاً أخرى وراء معرفة المقدمات ، قد يخطئ الإنسان الهدف الذي يريده لأنه أساء التطبيق ، أو لم يحسن استعمال العلاج ، والمحاسب عن هذا التقصير هو الإنسان نفسه ، لا علم الأخلاق ، وقد أوضح الإمام هذه الناحية بقوله : " إن نفسك رهينة بعملك" ، وقوله : " قد جعلت طبيب نفسك ، وبيّن لك الداء وعرفت آية الصحة ودللت على الدواء فأنظر كيف قيامك على نفسك " علم الأخلاق هو الوسيلة التي تكشف للإنسان الداء ، وهو الذريعة التي يعرف بها آية الصحة ، والمرشد الذي يدله على الدواء ، ثم يوكل استعماله إليه فلينظر كيف قيامه على نفسه . أما قول الإمام في هذا الحديث : " جعلت طبيب نفسك "فأنه يجري على استعارة جميلة وكثيراً ما كررها الخلقيون في كلماتهم . وبين الطب وعلم الأخلاق نواحٍ كثيرة من وجوه الشبه .
للإنسان صورة ظاهرة يفحصها الطبيب من حيث الصحة والمرض ، وله صورة باطنة يبحث عنها الخلقي من حيث التوازن والانحراف ، ولكل من هاتين الصورتين طوارئ تخرجها عن الاستواء . والتوازن في صفات الجسم الذي يطلبه الطبيب لأنه صحة؛ له نظير في النفس يطلبه الخلقي لأنه كمال . والانحراف الذي يدافعه الطبيب عن البدن لأنه مرض جسمي . يحارب الخلقي مثله في النفس لأنه مرض روحي ، وإذا كان حصول الكمال النفسي سعادة للإنسان كما يقول الخلقيون ، فإن حصول الصحة سعادة للبدن كما يقول الأطباء ، وكثيراً ما سرت أمراض البدن إلى النفس وتعدت أمراض النفس إلى البدن والمتأخرون من الخلقيين والنفسيين يقولون : " العقل الصحيح في الجسم الصحيح " .
الإنسان هو طبيب نفسه وهو المسؤول عن تزكيتها وتهذيب أخلاقها ولكن على علم الأخلاق أن يدله على آية (الصحة ) وأن ينصب له ميزاناً عادلاً يميز به بين صحيح الملكات وفاسدها ، وخير الأعمال وشرها؛
ليألف الحسن منها ويجتنب القبيح ، وقد علمنا في الفصول السابقة ما يتكفل لنا بذلك ، فقد عرفنا أن فضائل الملكات أوساط ورذائلها انحرافات وأطراف ، وعرفنا أن المقياس الذي تعلم به هذه الأوساط هو الشريعة الإلهية المعصومة ، وبهذا الميزان نستطيع أن نعرف الخلق الصحيح فنتوجه إليه في سلوكنا ، وأن نحكم على العمل بأنه خير وأنه صواب إذا وافق الخلق الكريم .
ولكننا قد نخطئ الهدف المقصود وان كما قد علمنا جميع ذلك ، وطبقناه على أعمالنا وعاداتنا .
قد نعين الأوساط التي حكمنا بأنها فضائل ، ونميز الأعمال التي تختص بها هذه الأوساط ثم يسعى إلى تحقيقها حتى يصبح الخلق صفة من صفاتنا ، ونحن مع هذا الجهد كله لم نتصف بالفضيلة لأننا قد أضعنا الغاية التي من أجلها حببت هذه الفضيلة . ليست الأوساط بمطلقها فضائل ، فقد تطلب هذه الأوساط لغير غاياتها ، والخلق الصحيح ما طلبت به الغاية الصحيحة . والقاعدة التي يذكرها الخلقيون لذلك : أن يتصف الإنسان بالفضيلة لأنها فضيلة . ويجتنب القبيح لأنه قبيح . أما الإمام الصادق ( عليه السلام ) فيقول في ذلك : " من سرته حسنته ، وساءته سيئته فهو مؤمن " الحسنة هي العمل الخير إذا قصد به الوجه الصحيح ، والسيئة عمل الشر ، وعمل الخير أيضاً حين يقصد به غاية غير صحيحة . فإذا سر الإنسان بحسنته وأستاء من سيئته كان هذا دليلاً على تركز الخلق الصحيح في نفسه لأن السرور هو التذاذ الإنسان حين يرضي رغبة من رغباته . والمساءة هي التألم الذي يحصل عند انقماع الرغبة .
وهذا الذي يذكره الخلقيون هنا لا ينافي ما تقدم في تحديد معنى الفضيلة وإنما هو شرح وإيضاح .
الفضيلة أن تعتدل الملكة النفسية فلا تشذ ولا تنحرف . وإذا مالت بها الأهواء واستخدمتها الغايات فقد شذت وانحرفت . والفضيلة أن تسير النفس في عملها وفي صفاتها على هدى العقل وإرشاده ، فإذا قصدت بالعمل أو بالصفة غاية وضعية فقد بعدت عن حكمة العقل وتعامت عن إرشاده . والفضيلة أن يتوسط الإنسان في ملكاته ، وأن يتسامى في غاياته ، أما هذا الذي تحدثنا عنه فهو باطل يشبه الحق ، وظلال يشبه الهدى ، وسيئة تلبس ثوب الحسنة .
من كتاب : الأخلاق عند الإمام الصادق ( عليه السلام ) للعلامة محمد أمين زين الدين
اللهم صلِ على محمد واله الطيبين الطاهرين
" من سرته حسنته و ساءته سيئته فهو مؤمن "
الإمام الصادق ( عليه السلام )
غاية علم الأخلاق أن يوصل الإنسان إلى الكمال الأعلى الذي يطلبه بأعماله وصفاته ، ولهذا فإن بعض الخلقيين يسرف فيقول : " علم الأخلاق أشرف العلوم جميعاً لأنه يوصل إلى أشرف مخلوق إلى أشرف غاية " .
والحكم الذي لا يقبل الشك فيه أن علم الأخلاق من أشرف العلوم ومن أرقاها .
علم الأخلاق رائد الإنسان إلى سعادة ودليله على الخير الأعلى ، وهو مرشد النفوس إلى الفاضل من الصفات والفاضل من الأعمال . ومن الجور الذميم أن تترقب منه أكثر من هذا . لعلم الأخلاق أسوة بأخواته من العلوم التي تطلب لغاياتها . عليه أن يمهد السبيل إلى الغاية ويوضح الطريق إلى المقصد . وعلى العالم الخلقي أن يكون طبيباً ماهراً يعين الداء بدقة ويصف الدواء بمهارة وليس عليه بعد هذا أن يضل الضال أو يصل الواصل . فإن لحصول النتيجة شروطاً أخرى وراء معرفة المقدمات ، قد يخطئ الإنسان الهدف الذي يريده لأنه أساء التطبيق ، أو لم يحسن استعمال العلاج ، والمحاسب عن هذا التقصير هو الإنسان نفسه ، لا علم الأخلاق ، وقد أوضح الإمام هذه الناحية بقوله : " إن نفسك رهينة بعملك" ، وقوله : " قد جعلت طبيب نفسك ، وبيّن لك الداء وعرفت آية الصحة ودللت على الدواء فأنظر كيف قيامك على نفسك " علم الأخلاق هو الوسيلة التي تكشف للإنسان الداء ، وهو الذريعة التي يعرف بها آية الصحة ، والمرشد الذي يدله على الدواء ، ثم يوكل استعماله إليه فلينظر كيف قيامه على نفسه . أما قول الإمام في هذا الحديث : " جعلت طبيب نفسك "فأنه يجري على استعارة جميلة وكثيراً ما كررها الخلقيون في كلماتهم . وبين الطب وعلم الأخلاق نواحٍ كثيرة من وجوه الشبه .
للإنسان صورة ظاهرة يفحصها الطبيب من حيث الصحة والمرض ، وله صورة باطنة يبحث عنها الخلقي من حيث التوازن والانحراف ، ولكل من هاتين الصورتين طوارئ تخرجها عن الاستواء . والتوازن في صفات الجسم الذي يطلبه الطبيب لأنه صحة؛ له نظير في النفس يطلبه الخلقي لأنه كمال . والانحراف الذي يدافعه الطبيب عن البدن لأنه مرض جسمي . يحارب الخلقي مثله في النفس لأنه مرض روحي ، وإذا كان حصول الكمال النفسي سعادة للإنسان كما يقول الخلقيون ، فإن حصول الصحة سعادة للبدن كما يقول الأطباء ، وكثيراً ما سرت أمراض البدن إلى النفس وتعدت أمراض النفس إلى البدن والمتأخرون من الخلقيين والنفسيين يقولون : " العقل الصحيح في الجسم الصحيح " .
الإنسان هو طبيب نفسه وهو المسؤول عن تزكيتها وتهذيب أخلاقها ولكن على علم الأخلاق أن يدله على آية (الصحة ) وأن ينصب له ميزاناً عادلاً يميز به بين صحيح الملكات وفاسدها ، وخير الأعمال وشرها؛
ليألف الحسن منها ويجتنب القبيح ، وقد علمنا في الفصول السابقة ما يتكفل لنا بذلك ، فقد عرفنا أن فضائل الملكات أوساط ورذائلها انحرافات وأطراف ، وعرفنا أن المقياس الذي تعلم به هذه الأوساط هو الشريعة الإلهية المعصومة ، وبهذا الميزان نستطيع أن نعرف الخلق الصحيح فنتوجه إليه في سلوكنا ، وأن نحكم على العمل بأنه خير وأنه صواب إذا وافق الخلق الكريم .
ولكننا قد نخطئ الهدف المقصود وان كما قد علمنا جميع ذلك ، وطبقناه على أعمالنا وعاداتنا .
قد نعين الأوساط التي حكمنا بأنها فضائل ، ونميز الأعمال التي تختص بها هذه الأوساط ثم يسعى إلى تحقيقها حتى يصبح الخلق صفة من صفاتنا ، ونحن مع هذا الجهد كله لم نتصف بالفضيلة لأننا قد أضعنا الغاية التي من أجلها حببت هذه الفضيلة . ليست الأوساط بمطلقها فضائل ، فقد تطلب هذه الأوساط لغير غاياتها ، والخلق الصحيح ما طلبت به الغاية الصحيحة . والقاعدة التي يذكرها الخلقيون لذلك : أن يتصف الإنسان بالفضيلة لأنها فضيلة . ويجتنب القبيح لأنه قبيح . أما الإمام الصادق ( عليه السلام ) فيقول في ذلك : " من سرته حسنته ، وساءته سيئته فهو مؤمن " الحسنة هي العمل الخير إذا قصد به الوجه الصحيح ، والسيئة عمل الشر ، وعمل الخير أيضاً حين يقصد به غاية غير صحيحة . فإذا سر الإنسان بحسنته وأستاء من سيئته كان هذا دليلاً على تركز الخلق الصحيح في نفسه لأن السرور هو التذاذ الإنسان حين يرضي رغبة من رغباته . والمساءة هي التألم الذي يحصل عند انقماع الرغبة .
وهذا الذي يذكره الخلقيون هنا لا ينافي ما تقدم في تحديد معنى الفضيلة وإنما هو شرح وإيضاح .
الفضيلة أن تعتدل الملكة النفسية فلا تشذ ولا تنحرف . وإذا مالت بها الأهواء واستخدمتها الغايات فقد شذت وانحرفت . والفضيلة أن تسير النفس في عملها وفي صفاتها على هدى العقل وإرشاده ، فإذا قصدت بالعمل أو بالصفة غاية وضعية فقد بعدت عن حكمة العقل وتعامت عن إرشاده . والفضيلة أن يتوسط الإنسان في ملكاته ، وأن يتسامى في غاياته ، أما هذا الذي تحدثنا عنه فهو باطل يشبه الحق ، وظلال يشبه الهدى ، وسيئة تلبس ثوب الحسنة .
من كتاب : الأخلاق عند الإمام الصادق ( عليه السلام ) للعلامة محمد أمين زين الدين
تعليق