في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (102)
( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سوورة البقرة من الاية 198 الى 199 .
نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة
اولا : حلية التجارة في الحج
في هذا المقطع من الاية يرخص الله تبارك وتعالى التجارة بعد الانتهاء من مراسم واكمال الحج ، وقوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) نظير قوله تعالى في سورة الجمعة ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُواْ فِى الاَْرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللّه وَاذْكُرُواْ اللّه كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) قال الطبرسي صاحب مجمع البيان (قيل : كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج ، فرفع الله بهذه اللفظة الإثم عمن يتجر في الحج ، عن ابن عباس ومجاهد والحسن وعطاء ، وفي هذا تصريح بالإذن في التجارة ، وهو المروي عن أئمتنا )
ومن هنا نستطيع ان نفهم ان الحج وان كان مكانا للعبادة ولكن لا مانع من العمل والتجارة والابتغاء من فضل الله تبارك وتعالى وبهذا يمكن الجمع بين العلاقة العمودية مع الله والعلاقة الافقية في خصوص حاجات الدنيا من التجارة وغيرها مما يخص واقع الحياة وقد ورد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام فقد سال هشام الامام الصادق عليه السلام عن فلسفة الطواف والحج فقال عليه السلام (..... أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدِّين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا، ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول اللّه صلى الله عليه واله وتعرف أخباره، ويذكر ولا ينسى، ولو كان كلّ قوم [إنما] يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد وسقطت الجلب والأرباح، وعميت الأخبار )
ثانيا : الحج عرفة ومن فاته عرفه فقد فاته الحج
عرفات جمع عرفة ،وُسمِّي عرفة بهذا الإسم؛ لأنَّ النَّاس يتعارفون فيه، وَقيل لأن جبريل طاف بإبراهيم وكان يريه المشاهد فيقول له: "أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟"، فيرد إبراهيم: "عَرَفْتُ، عَرَفْتُ"، وَقد قيل أيضاً أنه سُمي عَرفة لأنَّ آدم وحواء "عندما هبطا من الجنة" التقوا فيه فعرفها وعرفته، وقيل أيضاً أنه سُمي بذلك لأن الناس يعترفون بذُنوبهم عِنده وغيرها من الاقوال التي ذكرها العلماء في كتبهم .
والوقوف في عرفة ركن من اركان الحج ومن فاته عرفه فقد فاته الحج ووقته من زوال الشمس يعني صلاة الظهر الى الغروب ولا يجوز الافاضة قبل الغروب،والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً ساكناً أو متحركاً كما قال الفقهاء ،ويستحب الدعاء في عرفة بادعية اهل البيت عليهم السلام ولا سيما دعاء الامام الحسين عليه السلام (الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ ...........) وكذلك دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام يوم عرفة ( اَلْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعالَمينَ، أَللّهُمَّ لَك الْحَمْدُ بَديعَ السَّماواتِ وَالاَْرْضِ،ذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، رَبَّ الاَْرْبابِ، وَإِلهَ كُلِّ مَأَلُوه، وَخالِقَ كُلِ مَخْلُوق ......)
حتى ورد ان الصوم وان كان مستحبا في يوم عرفة ولكن الدعاء افضل لانه يوم دعاء وتوسل الى الله تعالى ، ما رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ قَالَ : " مَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ إِنْ لَمْ يَمْنَعْكَ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يَوْمُ دُعَاءٍ وَ مَسْأَلَةٍ فَصُمْهُ ، وَ إِنْ خَشِيتَ أَنْ تَضْعُفَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَصُمْهُ "
ثالثا : الوقوف في المشعر ركن من الحج
قال العلماء ؛ إن المزدلفة لها ثلاثة أسماء وهي المزدلفة والمشعر الحرام وجمع ،وقد سميت المزدلفة بالمزدلفة إما لأجل أنها من الازدلاف بمعنى الاقتراب فيقال ( ازدلف القوم ) بمعنى تقدموا نحو الموضع الآخر ،أو سمت بذلك من الازدلاف بمعنى الاجتماع فيقال ( ازدلف القوم ) أي اجتمعوا ، ويحتمل أن يكون الازدلاف من الزلف كما في الآية الكريمة ( زلفاً من الليل ) بمعنى قِطعاً من الليل فالحجيج يجتمعون في زلف من الليل - أي قطعاً من الليل .
وهناك اختلاف بسيط بين الفقهاء في حد المشعر والمزدلفة وفي رواية معاوية بن عمار عن الامام الصادق ان ( حدُّ المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي مُحّسِّر ) وعلى كل حال يجب الوقوف والمكوث في المشعر والمزدلفة ووقته للمختار من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، قال عليه السلام ( من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حج له ) ........
رابعا : الاسلام يلغي النزعة الطبقية بين الناس
جاء عن ابن عباس ( كانت العرب تقف بعرفة، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل اللّه ،ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاس ) وهذا يدل ان قريشا كانت تنظر الى نفسها بنظرة الكبرياء والعلو والرفعة والغيرية عن الناس ،والاسلام العظيم من اساسياته محاربة الفوارق العنصرية والطبقية بين الناس ، وقد جاء ذلك من خلال التنظير والواقع الذي جسده النبي الاكرم واهل بيته عليهم السلام ، فلا يوجد فرق بين انسان وانسان الا ضمن المعايير والمقاييس الالهية ،فقال (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاس). .ثم وجه الله الناس والمؤمنين بالاستغفار والتوبة والرجوع اليه ووعدهم بالمغفرة فهو الرحمن الرحيم .
اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور المهدي عليه السلام .
( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ ، ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) سوورة البقرة من الاية 198 الى 199 .
نتعرض في هاتين الايتين الى مطالب عدة
اولا : حلية التجارة في الحج
في هذا المقطع من الاية يرخص الله تبارك وتعالى التجارة بعد الانتهاء من مراسم واكمال الحج ، وقوله تعالى (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ ) نظير قوله تعالى في سورة الجمعة ( فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُواْ فِى الاَْرْضِ وَابْتَغُواْ مِن فَضْلِ اللّه وَاذْكُرُواْ اللّه كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ) قال الطبرسي صاحب مجمع البيان (قيل : كانوا يتأثمون بالتجارة في الحج ، فرفع الله بهذه اللفظة الإثم عمن يتجر في الحج ، عن ابن عباس ومجاهد والحسن وعطاء ، وفي هذا تصريح بالإذن في التجارة ، وهو المروي عن أئمتنا )
ومن هنا نستطيع ان نفهم ان الحج وان كان مكانا للعبادة ولكن لا مانع من العمل والتجارة والابتغاء من فضل الله تبارك وتعالى وبهذا يمكن الجمع بين العلاقة العمودية مع الله والعلاقة الافقية في خصوص حاجات الدنيا من التجارة وغيرها مما يخص واقع الحياة وقد ورد عن ائمة اهل البيت عليهم السلام فقد سال هشام الامام الصادق عليه السلام عن فلسفة الطواف والحج فقال عليه السلام (..... أمرهم بما يكون من أمر الطاعة في الدِّين، ومصلحتهم من أمر دنياهم، فجعل فيه الاجتماع من الشرق والغرب ليتعارفوا، ولينزع كلّ قوم من التجارات من بلد إلى بلد، ولينتفع بذلك المكاري والجمّال، ولتعرف آثار رسول اللّه صلى الله عليه واله وتعرف أخباره، ويذكر ولا ينسى، ولو كان كلّ قوم [إنما] يتكلّمون على بلادهم وما فيها هلكوا، وخربت البلاد وسقطت الجلب والأرباح، وعميت الأخبار )
ثانيا : الحج عرفة ومن فاته عرفه فقد فاته الحج
عرفات جمع عرفة ،وُسمِّي عرفة بهذا الإسم؛ لأنَّ النَّاس يتعارفون فيه، وَقيل لأن جبريل طاف بإبراهيم وكان يريه المشاهد فيقول له: "أَعَرَفْتَ؟ أَعَرَفْتَ؟"، فيرد إبراهيم: "عَرَفْتُ، عَرَفْتُ"، وَقد قيل أيضاً أنه سُمي عَرفة لأنَّ آدم وحواء "عندما هبطا من الجنة" التقوا فيه فعرفها وعرفته، وقيل أيضاً أنه سُمي بذلك لأن الناس يعترفون بذُنوبهم عِنده وغيرها من الاقوال التي ذكرها العلماء في كتبهم .
والوقوف في عرفة ركن من اركان الحج ومن فاته عرفه فقد فاته الحج ووقته من زوال الشمس يعني صلاة الظهر الى الغروب ولا يجوز الافاضة قبل الغروب،والمراد بالوقوف هو الحضور بعرفات من دون فرق بين أن يكون راكباً أو راجلاً ساكناً أو متحركاً كما قال الفقهاء ،ويستحب الدعاء في عرفة بادعية اهل البيت عليهم السلام ولا سيما دعاء الامام الحسين عليه السلام (الحَمْدُ للهِ الَّذِي لَيْسَ لِقَضائِهِ دافِعٌ وَلا لِعَطائِهِ مانِعٌ وَلا كَصُنْعِهِ صُنْعُ صانِعٍ وَهُوَ الجَوادُ الواسِعُ، فَطَرَ أَجْناسَ البَدائِعِ وَأَتْقَنَ بِحِكْمَتِهِ الصَّنائِعِ ...........) وكذلك دعاء الإمام زين العابدين عليه السلام يوم عرفة ( اَلْحَمْدُ للَّه رَبِّ الْعالَمينَ، أَللّهُمَّ لَك الْحَمْدُ بَديعَ السَّماواتِ وَالاَْرْضِ،ذَا الْجَلالِ وَالاِْكْرامِ، رَبَّ الاَْرْبابِ، وَإِلهَ كُلِّ مَأَلُوه، وَخالِقَ كُلِ مَخْلُوق ......)
حتى ورد ان الصوم وان كان مستحبا في يوم عرفة ولكن الدعاء افضل لانه يوم دعاء وتوسل الى الله تعالى ، ما رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ ( عليه السَّلام ) ، قَالَ : سَأَلْتُهُ عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ ؟ قَالَ : " مَنْ قَوِيَ عَلَيْهِ فَحَسَنٌ إِنْ لَمْ يَمْنَعْكَ مِنَ الدُّعَاءِ فَإِنَّهُ يَوْمُ دُعَاءٍ وَ مَسْأَلَةٍ فَصُمْهُ ، وَ إِنْ خَشِيتَ أَنْ تَضْعُفَ عَنْ ذَلِكَ فَلَا تَصُمْهُ "
ثالثا : الوقوف في المشعر ركن من الحج
قال العلماء ؛ إن المزدلفة لها ثلاثة أسماء وهي المزدلفة والمشعر الحرام وجمع ،وقد سميت المزدلفة بالمزدلفة إما لأجل أنها من الازدلاف بمعنى الاقتراب فيقال ( ازدلف القوم ) بمعنى تقدموا نحو الموضع الآخر ،أو سمت بذلك من الازدلاف بمعنى الاجتماع فيقال ( ازدلف القوم ) أي اجتمعوا ، ويحتمل أن يكون الازدلاف من الزلف كما في الآية الكريمة ( زلفاً من الليل ) بمعنى قِطعاً من الليل فالحجيج يجتمعون في زلف من الليل - أي قطعاً من الليل .
وهناك اختلاف بسيط بين الفقهاء في حد المشعر والمزدلفة وفي رواية معاوية بن عمار عن الامام الصادق ان ( حدُّ المشعر الحرام من المأزمين إلى الحياض إلى وادي مُحّسِّر ) وعلى كل حال يجب الوقوف والمكوث في المشعر والمزدلفة ووقته للمختار من طلوع الفجر الى طلوع الشمس ، قال عليه السلام ( من ترك المبيت بالمزدلفة فلا حج له ) ........
رابعا : الاسلام يلغي النزعة الطبقية بين الناس
جاء عن ابن عباس ( كانت العرب تقف بعرفة، وكانت قريش تقف دون ذلك بالمزدلفة، فأنزل اللّه ،ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاس ) وهذا يدل ان قريشا كانت تنظر الى نفسها بنظرة الكبرياء والعلو والرفعة والغيرية عن الناس ،والاسلام العظيم من اساسياته محاربة الفوارق العنصرية والطبقية بين الناس ، وقد جاء ذلك من خلال التنظير والواقع الذي جسده النبي الاكرم واهل بيته عليهم السلام ، فلا يوجد فرق بين انسان وانسان الا ضمن المعايير والمقاييس الالهية ،فقال (ثُمَّ أَفِيضُواْ مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النّاس). .ثم وجه الله الناس والمؤمنين بالاستغفار والتوبة والرجوع اليه ووعدهم بالمغفرة فهو الرحمن الرحيم .
اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور المهدي عليه السلام .