بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تمرّ علينا هذه الأيام ذكرى رحيل سيد المرسلين(ص) وإذ نقدّم التعازي للأمة الاسلامية ولولده منقذ البشرية الإمام المهدي(عج) ونسأل الله تعالى ان يعظم أجورنا بذكرى رحيل خاتم الأنبياء وسيد خلق الله محمّد بن عبد الله (ص) وأن يحفظ امامنا المهدي(عج) ويَعِزَّ نَصْرَهُ وَيمُدَّ في عُمْرِهِ وَيزَيِّنِ الأرْضَ بِطُولِ بَقائِهِ. اَللّـهُمَّ كُنْ لوليك الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً.
اِنَّ تِلْكَ الْقُلُوبَ اَقْلَقَها الْوَجْدُ وَاَدْمى تِلْكَ الْعُيُونَ بُكاها
كانَ اَنْكَى الْخُطُوبِ لَمْ يُبْكِ مِنّي مُقْلَةً لكِنِ الْهَوى اَبْكاها
كُلَّ يَوْم لِلْحادِثاتِ عَواد لَيْسَ يَقْوى رَضْوى عَلى مُلْتَقاها
كَيْفَ يُرْجَى الْخَلاصُ مِنْهُنَّ إلاّ بِذِمام مِنْ سَيِّدِ الرُّسْلِ طه
مَعْقِلُ الْخائِفِينَ مِنْ كُلِّ خَوْف اَوْفَرُ الْعُرْبِ ذِمَّةً اَوْفاها
مَصْدَرُ الْعِلْمِ لَيْسَ إلاّ لَدَيْهِ خَبَرُ الْكائِناتِ مِنْ مُبْتَداها
فاضَ لِلْخَلْقِ مِنْهُ عِلْمٌ وَحِلْمٌ اَخَذَتْ مِنْهُمَا الْعُقُولُ نُهاها
نَوَّهَتْ بِاسْمِهِ السَّماواتُ وَالأرْضُ كَما نَوَّهَتْ بِصُبْح ذُكاها
وَغَدَتْ تَنْشُرُ الْفَضائِلَ عَنْهُ كُلُّ قَوْم عَلَى اخْتِلافِ لُغاها
طَرِبَتْ لاِسْمِهِ الثَّرى فَاسْتَطالَتْ فَوْقَ عُلْوِيَّةِ السَّما سُفْلاها
جازَ مِنْ جَوْهَرِ التَّقَدُّسِ ذاتاً تاهَتِ الأنْبِياءُ في مَعْناها
لا تُجِلْ في صِفاتِ اَحْمَدَ فِكْراً فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتي لَنْ تَراها
اَيُّ خَلْق للهِ اَعْظَمُ مِنْهُ وَهُوَ الْغايَةُ الَّتِي اسْتَقْصاها
قَلَّبَ الْخافِقَيْنِ ظَهْراً لِبَطْن فَرَأى ذاتَ اَحْمَد فَاجْتَباها
لَسْتُ اَنْسى لَهُ مَنازِلَ قُدْس قَدْ بَناها التُّقى فَاَعْلا بِناها
وَرِجالاً اَعِزَّةً في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ يُعَزَّ حِماها
سادَةٌ لا تُريدُ إلاّ رِضَى اللهِ كَما لا يُريدُ إلاّ رِضاها
خَصَّها مِنْ كَمالِهِ بِالْمَعاني وَبِاَعْلى اَسْمائِهِ سَمّاها
لَمْ يَكُونُوا لِلْعَرْشِ إلاّ كُنُوزاً خافِيات سُبْحانَ مَنْ اَبْداها
كَمْ لَهُمْ أَلْسُنٌ عَنِ اللهِ تُنْبي هِيَ اَقْلامُ حِكْمَة قَدْ بَراها
وَهُمُ الأعْيُنُ الصَّحيحاتُ تَهْدي كُلَّ عَيْن مَكْفُوفَة عَيْناها
عُلَماءٌ اَئِمَّةٌ حُكَماءٌ يَهْتَدِى النَّجْمُ بِاِتِّباعِ هُداها
قادَةٌ عِلْمُهُم وَرَأىُ حِجاهُم مَسْمَعا كُلِّ حِكْمَة مَنْظَراها
ما اُبالي وَلَوْ اُهيلَتْ عَلَى الأرْضِ السَّماواتُ بَعْدَ نَيْلِ وِلاها
روايات في رحيله صلى الله عليه وآله وسلم
روي عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: لما كان قبل رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثة أيام هبط عليه جبرائيل عليه السلام، فقال: يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك يا محمد. قال النبي صلى الله عليه وآله: [أجدني يا جبرائيل، مغموما، وأجدني يا جبرائيل، مكروبا]، فلما كان اليوم الثالث هبط جبرائيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له: إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك فسبقهم جبرائيل، فقال: يا أحمد إن الله عزوجل أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك، فقال: كيف تجدك يا محمد. قال:صلى الله عليه وآله: [أجدني يا جبرائيل، مغموما، وأجدني يا جبرائيل، مكروبا]، فاستأذن ملك الموت، فقال جبرائيل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك. قال صلى الله عليه وآله: ائذن له فأذن له جبرائيل، فأقبل حتى وقف بين يديه، فقال: يا أحمد إن الله تعالى أرسلني إليك وأمرني أن اطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ فقال: نعم بذلك امرت أن أطيعك فيما تأمرني، فقال له جبرائيل: يا أحمد إن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ملك الموت إمض لما امرت به.
وروي في المناقب عن ابن عباس: إنه أغمي على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه، فدق بابه، فقالت فاطمة عليها السلام: من ذا؟ قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله أتأذنون لي في الدخول عليه؟ فأجابت: إمض رحمك الله [لحاجتك]، فرسول الله عنك مشغول. فمضى ثم رجع، فدق الباب، وقال: غريب يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله أتأذنون للغرباء؟ فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله من غشيته وقال: يا فاطمة أتدرين من هذا؟ قالت: لا يا رسول الله، قال: هذا مفرق الجماعات، ومنغص اللذات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي، ولا يستأذن على أحد بعدي، استأذن علي لكرامتي على الله ائذني له، فقالت: ادخل رحمك الله. فدخل كريح هفافة وقال: السلام على أهل بيت رسول الله، فأوصى النبي صلى الله عليه وآله الى علي عليه السلام بالصبر عن الدنيا، وبحفظ فاطمة عليها السلام، وبجمع القرآن، وبقضاء دينه وبغسله، وأن يعمل حول قبره حائطا، ويحفظ الحسن والحسين عليهما السلام.
وروي عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله غشي عليه فأخذت بقدميه اقبلهما وأبكي فأفاق وأنا أقول: من لي ولولدي بعدك يا رسول الله؟ فرفع رأسه، وقال: الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين. وفي رواية الصدوق عن ابن عباس: فجاء الحسن والحسين عليهما السلام، يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأراد علي عليه السلام أن ينحيهما عنه، فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي دعني اشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما، فلعنة الله على من يظلمهما يقول ذلك.
وقال الطبرسي وغيره ما ملخصه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال لملك الموت: إمض لما امرت له، فقال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولي الى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي منها، فقال له: يا حبيبي جبرائيل إدن مني، فدنا منه. فكان جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وملك الموت قابض لروحه المقدسة، فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها، فرفعها الى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره، واشتغل بالنظر في أمره. قال الراوي: وصاحت فاطمة عليها السلام، وصاح المسلمون وهم يضعون التراب على رؤوسهم. قال الشيخ في التهذيب: قبض [بالمدينة] مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، جاء الخضر عليه السلام فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله قد سجي بثوب، فقال: (السلام عليكم يا أهل البيت) (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة) إن في الله خلفا من كل هالك، وعزاءا من كل مصيبة، ودركا من كل ما فات، فتوكلوا عليه، وثقوا به واستغفر الله لي ولكم). وأهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا أخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.
إن كنت أردت أن تعلم مقدار تأثير مصيبة النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين وعلى أهل بيته فاسمع ما قال أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، قال: (فنزل بي من رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والاستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم. وحملت نفسي على الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه، وتغسيله وتحنيطه، وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده الى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة ولا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا).
عن أنس بن مالك قال: لمّا فرغنا من دفن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتت اليّ فاطمة (عليها السلام) فقالت: كيف طاوعتكم أنفسكم على أن تهيلوا التّراب على وجه رسول الله ثمّ بكت وقالت: يا اَبَتاهُ اَجابَ رَبّاً دَعاهُ يا اَبَتاهُ مِنْ رَبِّهِ ما اَدْناهُ يابتاه الى جبريل ننعاه. وعلى رواية معتبرة انّها أخذت كفّاً من تراب القبر الطّاهر وقالت:
ماذا عَلَى الْمُشْتَمِّ تُرْبَةَ اَحْمَد اَنْ لا يَشَمَّ الزَّمانِ غَوالِيا
صُبَّتْ عَلىَّ مَصآئِبٌ لَوْ اَنَّها صُبَّتْ عَلَى الأيّامِ صِرْنَ لَيالِيا
قُلْ لِلْمُغيَّبِ تَحْتَ اَثْوابِ الثَّرى اِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَرْخَتي وَنِدائيا
صُبَّتْ عَلىَّ مَصآئِبُ لَوْ اَنَّها صُبَّتْ عَلَى الأيّامِ صِرْنَ لَيالِيا
قَدْ كُنْتُ ذاتَ حِمىً بِظِلِّ مُحَمَّد لا اَخْشَ مِنْ ضَيْم وَكانَ حِمالِيا
فَالْيَوْمَ اَخْضَعُ لِذَّليلِ وَاَتَّقى ضَيْمي وَاَدْفَعُ ظالِمى بِرِدائيا
فَاِذا بَكَتْ قُمْرِيَّةٌ في لَيْلِها شَجَناً عَلى غُصْن بَكَيْتُ صَباحِيا
فَلاَ جْعَلَنَّ الْحُزْنَ بَعْدَكَ مُونِسي وَلاَجْعَلَنَّ الدَّمْعَ فيكَ وِشاحيا
رسول الله يقرأ مصيبة سبطه الحسن عليه السلام
عن ابن عباس، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام، فلما رآها بكى، ثم قال: إلي يا بنية، فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا أخي، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته ! فقال صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم....
إلى أن قال صلى الله عليه وآله: وأما الحسن فإنه ابني وولدي، وبضعة مني وقرة عيني، وضياء قلبي وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري وقوله قولي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعمِ عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام. ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام: وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تمرّ علينا هذه الأيام ذكرى رحيل سيد المرسلين(ص) وإذ نقدّم التعازي للأمة الاسلامية ولولده منقذ البشرية الإمام المهدي(عج) ونسأل الله تعالى ان يعظم أجورنا بذكرى رحيل خاتم الأنبياء وسيد خلق الله محمّد بن عبد الله (ص) وأن يحفظ امامنا المهدي(عج) ويَعِزَّ نَصْرَهُ وَيمُدَّ في عُمْرِهِ وَيزَيِّنِ الأرْضَ بِطُولِ بَقائِهِ. اَللّـهُمَّ كُنْ لوليك الْحُجَّةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَيْهِ وَعَلى آبائِه في هذِهِ السَّاعَةِ وَفي كُلِّ ساعَة وَلِيّاً وَحافِظاً وَقائِداً وَناصِراً وَدَليلاً وَعَيْنا حَتّى تُسْكِنَهُ اَرْضَكَ طَوْعاً وَتُمَتِّعَهُ فيها طَويلاً.
اِنَّ تِلْكَ الْقُلُوبَ اَقْلَقَها الْوَجْدُ وَاَدْمى تِلْكَ الْعُيُونَ بُكاها
كانَ اَنْكَى الْخُطُوبِ لَمْ يُبْكِ مِنّي مُقْلَةً لكِنِ الْهَوى اَبْكاها
كُلَّ يَوْم لِلْحادِثاتِ عَواد لَيْسَ يَقْوى رَضْوى عَلى مُلْتَقاها
كَيْفَ يُرْجَى الْخَلاصُ مِنْهُنَّ إلاّ بِذِمام مِنْ سَيِّدِ الرُّسْلِ طه
مَعْقِلُ الْخائِفِينَ مِنْ كُلِّ خَوْف اَوْفَرُ الْعُرْبِ ذِمَّةً اَوْفاها
مَصْدَرُ الْعِلْمِ لَيْسَ إلاّ لَدَيْهِ خَبَرُ الْكائِناتِ مِنْ مُبْتَداها
فاضَ لِلْخَلْقِ مِنْهُ عِلْمٌ وَحِلْمٌ اَخَذَتْ مِنْهُمَا الْعُقُولُ نُهاها
نَوَّهَتْ بِاسْمِهِ السَّماواتُ وَالأرْضُ كَما نَوَّهَتْ بِصُبْح ذُكاها
وَغَدَتْ تَنْشُرُ الْفَضائِلَ عَنْهُ كُلُّ قَوْم عَلَى اخْتِلافِ لُغاها
طَرِبَتْ لاِسْمِهِ الثَّرى فَاسْتَطالَتْ فَوْقَ عُلْوِيَّةِ السَّما سُفْلاها
جازَ مِنْ جَوْهَرِ التَّقَدُّسِ ذاتاً تاهَتِ الأنْبِياءُ في مَعْناها
لا تُجِلْ في صِفاتِ اَحْمَدَ فِكْراً فَهِيَ الصُّورَةُ الَّتي لَنْ تَراها
اَيُّ خَلْق للهِ اَعْظَمُ مِنْهُ وَهُوَ الْغايَةُ الَّتِي اسْتَقْصاها
قَلَّبَ الْخافِقَيْنِ ظَهْراً لِبَطْن فَرَأى ذاتَ اَحْمَد فَاجْتَباها
لَسْتُ اَنْسى لَهُ مَنازِلَ قُدْس قَدْ بَناها التُّقى فَاَعْلا بِناها
وَرِجالاً اَعِزَّةً في بُيُوت اَذِنَ اللهُ اَنْ يُعَزَّ حِماها
سادَةٌ لا تُريدُ إلاّ رِضَى اللهِ كَما لا يُريدُ إلاّ رِضاها
خَصَّها مِنْ كَمالِهِ بِالْمَعاني وَبِاَعْلى اَسْمائِهِ سَمّاها
لَمْ يَكُونُوا لِلْعَرْشِ إلاّ كُنُوزاً خافِيات سُبْحانَ مَنْ اَبْداها
كَمْ لَهُمْ أَلْسُنٌ عَنِ اللهِ تُنْبي هِيَ اَقْلامُ حِكْمَة قَدْ بَراها
وَهُمُ الأعْيُنُ الصَّحيحاتُ تَهْدي كُلَّ عَيْن مَكْفُوفَة عَيْناها
عُلَماءٌ اَئِمَّةٌ حُكَماءٌ يَهْتَدِى النَّجْمُ بِاِتِّباعِ هُداها
قادَةٌ عِلْمُهُم وَرَأىُ حِجاهُم مَسْمَعا كُلِّ حِكْمَة مَنْظَراها
ما اُبالي وَلَوْ اُهيلَتْ عَلَى الأرْضِ السَّماواتُ بَعْدَ نَيْلِ وِلاها
روايات في رحيله صلى الله عليه وآله وسلم
روي عن علي بن الحسين عليه السلام، قال: سمعت أبي عليه السلام يقول: لما كان قبل رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله بثلاثة أيام هبط عليه جبرائيل عليه السلام، فقال: يا أحمد إن الله أرسلني إليك إكراما وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك يا محمد. قال النبي صلى الله عليه وآله: [أجدني يا جبرائيل، مغموما، وأجدني يا جبرائيل، مكروبا]، فلما كان اليوم الثالث هبط جبرائيل وملك الموت ومعهما ملك يقال له: إسماعيل في الهواء على سبعين ألف ملك فسبقهم جبرائيل، فقال: يا أحمد إن الله عزوجل أرسلني إليك إكراما لك وتفضيلا لك وخاصة يسألك عما هو أعلم به منك، فقال: كيف تجدك يا محمد. قال:صلى الله عليه وآله: [أجدني يا جبرائيل، مغموما، وأجدني يا جبرائيل، مكروبا]، فاستأذن ملك الموت، فقال جبرائيل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، لم يستأذن على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك. قال صلى الله عليه وآله: ائذن له فأذن له جبرائيل، فأقبل حتى وقف بين يديه، فقال: يا أحمد إن الله تعالى أرسلني إليك وأمرني أن اطيعك فيما تأمرني، إن أمرتني بقبض نفسك قبضتها وان كرهت تركتها، فقال النبي صلى الله عليه وآله: أتفعل ذلك يا ملك الموت؟ فقال: نعم بذلك امرت أن أطيعك فيما تأمرني، فقال له جبرائيل: يا أحمد إن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا ملك الموت إمض لما امرت به.
وروي في المناقب عن ابن عباس: إنه أغمي على النبي صلى الله عليه وآله في مرضه، فدق بابه، فقالت فاطمة عليها السلام: من ذا؟ قال: أنا رجل غريب أتيت أسأل رسول الله صلى الله عليه وآله أتأذنون لي في الدخول عليه؟ فأجابت: إمض رحمك الله [لحاجتك]، فرسول الله عنك مشغول. فمضى ثم رجع، فدق الباب، وقال: غريب يستأذن على رسول الله صلى الله عليه وآله أتأذنون للغرباء؟ فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله من غشيته وقال: يا فاطمة أتدرين من هذا؟ قالت: لا يا رسول الله، قال: هذا مفرق الجماعات، ومنغص اللذات، هذا ملك الموت، ما استأذن والله على أحد قبلي، ولا يستأذن على أحد بعدي، استأذن علي لكرامتي على الله ائذني له، فقالت: ادخل رحمك الله. فدخل كريح هفافة وقال: السلام على أهل بيت رسول الله، فأوصى النبي صلى الله عليه وآله الى علي عليه السلام بالصبر عن الدنيا، وبحفظ فاطمة عليها السلام، وبجمع القرآن، وبقضاء دينه وبغسله، وأن يعمل حول قبره حائطا، ويحفظ الحسن والحسين عليهما السلام.
وروي عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وآله، قال: لما كان اليوم الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وآله غشي عليه فأخذت بقدميه اقبلهما وأبكي فأفاق وأنا أقول: من لي ولولدي بعدك يا رسول الله؟ فرفع رأسه، وقال: الله بعدي ووصيي صالح المؤمنين. وفي رواية الصدوق عن ابن عباس: فجاء الحسن والحسين عليهما السلام، يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله صلى الله عليه وآله فأراد علي عليه السلام أن ينحيهما عنه، فأفاق رسول الله صلى الله عليه وآله ثم قال: يا علي دعني اشمهما ويشماني وأتزود منهما ويتزودان مني، أما إنهما سيظلمان بعدي ويقتلان ظلما، فلعنة الله على من يظلمهما يقول ذلك.
وقال الطبرسي وغيره ما ملخصه: إن رسول الله صلى الله عليه وآله، قال لملك الموت: إمض لما امرت له، فقال جبرائيل: يا محمد هذا آخر نزولي الى الدنيا إنما كنت أنت حاجتي منها، فقال له: يا حبيبي جبرائيل إدن مني، فدنا منه. فكان جبرائيل عن يمينه، وميكائيل عن شماله، وملك الموت قابض لروحه المقدسة، فقضى رسول الله صلى الله عليه وآله ويد أمير المؤمنين اليمنى تحت حنكه ففاضت نفسه فيها، فرفعها الى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره، واشتغل بالنظر في أمره. قال الراوي: وصاحت فاطمة عليها السلام، وصاح المسلمون وهم يضعون التراب على رؤوسهم. قال الشيخ في التهذيب: قبض [بالمدينة] مسموما يوم الاثنين لليلتين بقيتا من صفر سنة إحدى عشرة من الهجرة.
فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله، جاء الخضر عليه السلام فوقف على باب البيت وفيه علي وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله قد سجي بثوب، فقال: (السلام عليكم يا أهل البيت) (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون اجوركم يوم القيامة) إن في الله خلفا من كل هالك، وعزاءا من كل مصيبة، ودركا من كل ما فات، فتوكلوا عليه، وثقوا به واستغفر الله لي ولكم). وأهل البيت يسمعون كلامه ولا يرونه، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: هذا أخي الخضر جاء يعزيكم بنبيكم.
إن كنت أردت أن تعلم مقدار تأثير مصيبة النبي صلى الله عليه وآله على أمير المؤمنين وعلى أهل بيته فاسمع ما قال أمير المؤمنين عليه السلام في ذلك، قال: (فنزل بي من رحيل رسول الله صلى الله عليه وآله ما لم أكن أظن الجبال لو حملته عنوة كانت تنهض به، فرأيت الناس من أهل بيتي ما بين جازع لا يملك جزعه، ولا يضبط نفسه، ولا يقوى على حمل فادح ما نزل به قد أذهب الجزع صبره، وأذهل عقله، وحال بينه وبين الفهم والإفهام والقول والاستماع، وسائر الناس من غير بني عبد المطلب بين معز يأمر بالصبر، وبين مساعد باك لبكائهم، جازع لجزعهم. وحملت نفسي على الصبر عند وفاته، بلزوم الصمت والاشتغال بما أمرني به من تجهيزه، وتغسيله وتحنيطه، وتكفينه، والصلاة عليه، ووضعه في حفرته، وجمع كتاب الله وعهده الى خلقه، لا يشغلني عن ذلك بادر دمعة، ولا هائج زفرة ولا جزيل مصيبة حتى أديت في ذلك الحق الواجب لله عزوجل ولرسوله صلى الله عليه وآله علي، وبلغت منه الذي أمرني به، واحتملته صابرا محتسبا).
عن أنس بن مالك قال: لمّا فرغنا من دفن النّبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أتت اليّ فاطمة (عليها السلام) فقالت: كيف طاوعتكم أنفسكم على أن تهيلوا التّراب على وجه رسول الله ثمّ بكت وقالت: يا اَبَتاهُ اَجابَ رَبّاً دَعاهُ يا اَبَتاهُ مِنْ رَبِّهِ ما اَدْناهُ يابتاه الى جبريل ننعاه. وعلى رواية معتبرة انّها أخذت كفّاً من تراب القبر الطّاهر وقالت:
ماذا عَلَى الْمُشْتَمِّ تُرْبَةَ اَحْمَد اَنْ لا يَشَمَّ الزَّمانِ غَوالِيا
صُبَّتْ عَلىَّ مَصآئِبٌ لَوْ اَنَّها صُبَّتْ عَلَى الأيّامِ صِرْنَ لَيالِيا
قُلْ لِلْمُغيَّبِ تَحْتَ اَثْوابِ الثَّرى اِنْ كُنْتَ تَسْمَعُ صَرْخَتي وَنِدائيا
صُبَّتْ عَلىَّ مَصآئِبُ لَوْ اَنَّها صُبَّتْ عَلَى الأيّامِ صِرْنَ لَيالِيا
قَدْ كُنْتُ ذاتَ حِمىً بِظِلِّ مُحَمَّد لا اَخْشَ مِنْ ضَيْم وَكانَ حِمالِيا
فَالْيَوْمَ اَخْضَعُ لِذَّليلِ وَاَتَّقى ضَيْمي وَاَدْفَعُ ظالِمى بِرِدائيا
فَاِذا بَكَتْ قُمْرِيَّةٌ في لَيْلِها شَجَناً عَلى غُصْن بَكَيْتُ صَباحِيا
فَلاَ جْعَلَنَّ الْحُزْنَ بَعْدَكَ مُونِسي وَلاَجْعَلَنَّ الدَّمْعَ فيكَ وِشاحيا
رسول الله يقرأ مصيبة سبطه الحسن عليه السلام
عن ابن عباس، قال: إن رسول الله صلى الله عليه وآله كان جالسا ذات يوم إذ أقبل الحسن (عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليمنى، ثم أقبل الحسين (عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا بني، فما زال يدنيه حتى أجلسه على فخذه اليسرى، ثم أقبلت فاطمة عليها السلام، فلما رآها بكى، ثم قال: إلي يا بنية، فأجلسها بين يديه، ثم أقبل أمير المؤمنين (عليه السلام )، فلما رآه بكى، ثم قال: إلي يا أخي، فما زال يدنيه حتى أجلسه إلى جنبه الأيمن، فقال له أصحابه: يا رسول الله، ما ترى واحدا من هؤلاء إلا بكيت، أو ما فيهم من تسر برؤيته ! فقال صلى الله عليه وآله: والذي بعثني بالنبوة، واصطفاني على جميع البرية، إني وإياهم لأكرم الخلق على الله عز وجل، وما على وجه الأرض نسمة أحب إلي منهم....
إلى أن قال صلى الله عليه وآله: وأما الحسن فإنه ابني وولدي، وبضعة مني وقرة عيني، وضياء قلبي وثمرة فؤادي، وهو سيد شباب أهل الجنة، وحجة الله على الأمة، أمره أمري وقوله قولي، من تبعه فإنه مني، ومن عصاه فليس مني، وإني لما نظرت إليه تذكرت ما يجري عليه من الذل بعدي، فلا يزال الأمر به حتى يقتل بالسم ظلما وعدوانا، فعند ذلك تبكي الملائكة والسبع الشداد لموته، ويبكيه كل شيء حتى الطير في جو السماء، والحيتان في جوف الماء، فمن بكاه لم تعمِ عينه يوم تعمى العيون، ومن حزن عليه لم يحزن قلبه يوم تحزن القلوب، ومن زاره في بقيعه ثبتت قدمه على الصراط يوم تزل فيه الأقدام. ثم بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وبكى من حوله، وارتفعت أصواتهم بالضجيج، ثم قام: وهو يقول: اللهم إني أشكو إليك ما يلقى أهل بيتي بعدي، ثم دخل منزله.