بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
لقد جاء النبي (صلّى الله عليه وآله) بالأدلة المقبولة، والمعجزات التي هي بلسان التواتر منقولة، وقد قال المسيح عليه السلام: من قبل ثمارهم تعرفونهم، وقد علم المخالف والموالف أن محمدا رسول الله لم تثمر شجرته عبادة غير الله ولم يشرك مع الله غيره
ولا جعل له ندا من خلقه ولا ولدا، ولا قال لأمته: اعبدوا إلهين اثنين، ولا ثالث ثلاثة، ولا عبد رجلا ولا عجلا ولا كوكبا، بل دعا إلى ملة إبراهيم، إله واحد لا إله إلا هو، وأخلص لله وحده، ونزهه عن النقائص والآفات، وجاء بكتاب من عند الله أمر فيه بطاعة الله، نهى عن معصيته، وزهد في الدنيا ورغب في الآخرة، وأمر بالمعروف ونهى عن المنكر، وأمر ببر الوالدين، وصلة الرحم، وحفظ الجار، وفرض الصدقات، وأمر بالصوم والصلاة، وحث على مكارم الأخلاق ومحاسن العادات، ثم كسر الأصنام وعطل الأوثان، وأخمد النيران، وأعلن الأذان، فهذه هي ثمار النبي (صلّى الله عليه وآله)الذي بعثه الله، والناس في ظلمة الجهل والانحراف، فأنار الطريق وأقام الحجة، وبين منهجه للبشرية الطريق الذي يحقق السعادة في الدنيا بما يوافق الكمال الأخروي، لأنه يمد الإنسان بالوقود الذي يميز به بين الحلال وبين الحرام، وينطلق بالانسان نحو الأهداف التي من أجلها خلقه الله بالوسائل التي له فيها رضا، ومن خلال المنهج الاسلامي يحفظ الإنسان صلته بالله ورسوله، لأن المنهج يقوم على أوامر الله، فهو - سبحانه - مصدر جميع السلطات، وإليه تنتهي جميع القرارات، لأنه - تعالى - مصدر الخلق والتكوين، وواهب الحياة ومقوماتها، فكما أن له - سبحانه - الخلق والإبداع، كذلك له الأمر والنهي.
وبعد أن أقام النبي (صلّى الله عليه وآله)الحجة، حانت الساعة التي يدعى فيها فيجيب، وعلى فراش المرض أخذ النبي (صلّى الله عليه وآله)بالأسباب حتى لا تختلف الأمة من بعده، وهو يعلم أن الاختلاف واقع لا محالة، ونظام العالم هو نظام الأسباب والمسببات، والانسان مطالب بأن يكون اعتماده على الله عند أخذه بالأسباب وفي كل حال، وعلى هذا سار الأنبياء والرسل عليهم السلام، كانوا يخبرون بالغيب عن الله بما يستقبل الناس من فتن وأهوال، ثم يأخذون بالأسباب فيحذرون الناس من مخاطر الطريق.
عن ابن عباس قال: " لما حضر رسول الله (صلّى الله عليه وآله)الوفاة، وفي البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب، قال النبي (صلّى الله عليه وآله): هلم أكتب لكم كتابا لا تضلوا بعده، فقال عمر: إن النبي (صلّى الله عليه وآله)قد غلبه الوجع وعندكم القرآن، حسبنا كتاب الله، فاختلف أهل البيت فاختصموا، منهم من يقول: قربوا يكتب لكم النبي (صلّى الله عليه وآله)كتابا لن تضلوا بعده، ومنهم من يقول ما قاله عمر، فلما أكثروا اللغو والاختلاف عند النبي (صلّى الله عليه وآله)، قال النبي (صلّى الله عليه وآله): قوموا! " فكان ابن عباس يقول: " إن الرزية كل الرزية، ما حال بين النبي (صلّى الله عليه وآله)وبين أن يكتب لهم ذلك الكتاب، من اختلافهم ولغطهم! " (3)، وفي رواية:
قال النبي (صلّى الله عليه وآله): " قوموا عني، ولا ينبغي عندي التنازع " (4)، وروي عن جابر بن عبد الله: " إن النبي (صلّى الله عليه وآله)دعا عند موته بصحيفة ليكتب فيها كتابا لا يضلون بعده، فخالف عليها عمر بن الخطاب حتى رفضها " (5)، وعن سعيد بن جبير عن ابن عباس أنه قال: يوم الخميس وما يوم الخميس! ثم جعل تسيل دموعه، حتى رئيت على خديه كأنها نظام اللؤلؤ، قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): " ائتوني بالكتف والدواة - أو اللوح والدواة - أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا، فقالوا: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله)يهجر " (6).
قال ابن الأثير: " القائل هو عمر بن الخطاب " (7)، ومعنى هجر، قال في لسان العرب: " يهجر هجرا، إذا كثر الكلام في ما لا ينبغي، وهجر يهجر هجرا، بالفتح: إذا خلط في كلامه، وإذا هذى " (8)، وقال في المختار: " الهجر: الهذيان " (9)، وقال في المعجم: " هجر المريض هذى " (10).
لقد اختلفوا وأكثروا اللغط ولا ينبغي عند رسول الله التنازع، قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) [ الحجرات: 2 ]، وقال جل شأنه: (فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم) [ النور: 63 ]، وقال: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون، واتقوا فتنة لا تصيبن الذين ظلموا منكم خاصة واعلموا أن الله شديد العقاب) [ الأنفال: 24 - 25 ].
ومن يتدبر في أحداث يوم الصحيفة ويمسك بأطرافها، يجد أن الرسول (صلّى الله عليه وآله)أراد أن يكتب لهم كتابا يكون سببا في الأمن من الضلال، وهذا السبب كان كافيا لتنفيذ الأمر، ولكن بعض الذين حضروا قالوا:
" هجر "، فكانت هذه الكلمة كافية ليمسك الرسول عن كتابة الصحيفة، لأنها ربما تكون مدخلا لتشكيك البعض في كل ما كتب من وصايا وعهود، ويترتب على ذلك فتن عديدة، ويشهد بذلك ما روي عن ابن عباس أنه قال: " قالوا:
إن النبي ليهجر، فقيل له: ألا نأتيك بما طلبت؟ قال: أو بعد ماذا؟! " (11)، وأمر الرسول إليهم بأن يأتوه بصحيفة ليكتب لهم الكتاب، هذا الأمر في حد ذاته كاف لإقامة الحجة عليهم، وإن لم يأتوا إليه بالصحيفة، ومن المعلوم أن النبي (صلّى الله عليه وآله)قد أقام الحجة على الأمة بالبلاغ في حجة الوداع، وقبلها، وبعدها في غدير خم.
وقد احتج البعض أن قولهم: " حسبنا كتاب الله "، يستند إلى أن الكتاب جامع لكل شئ، وقولهم هذا ينتج إشكالا، لأن الكتاب الجامع لكل شئ أمر بطاعة الرسول، وعلى الرغم من أن الكتاب جامع إلا أنه ليس في استطاعة كل واحد أن يستخرج منه ما يريده على وجه الصواب، لهذا فوض الله رسوله في أن يبين للناس ما أنزل إليهم من ربهم، ولأن الناس في حاجة إلى السنة مع كون الكتاب جامعا، جعل النبي (صلّى الله عليه وآله)عترته مع الكتاب في حبل واحد ولن يفترقا حتى يردا عليه الحوض.
وبالجملة، لما كان الكتاب فيه آيات متشابهات، وهذه الآيات يتتبعها الذين في قلوبهم زيغ لإثارة الفتن ولتأويل الكتاب، حتى ينتهي تأويلهم إلى تعطيل الحكم به، ولما كان الكتاب مع كونه جامعا لكل شئ لا يحقق دوام الهداية وعدم الاختلاف، بدليل أن الضلال والتفريق وقعا فعلا، فإن الأمن من الضلال لا يكون إلا بالكتاب، ومعه الطاهر الذي يتأوله. ويمكن للباحث أن يستنتج ذلك إذا ربط بين أمر رسول الله وهو على فراش المرض، وبين البلاغ الذي أقام به الحجة قبل ذلك، فيوم الصحيفة قال (صلّى الله عليه وآله): " آتوني بصحيفة ودواة أكتب لكم كتابا لن تضلوا بعده أبدا " (12)، وفي بلاغه، قال (صلّى الله عليه وآله): " إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض، وعترتي أهل بيتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض، فانظروا كيف تخلفوني فيهما " (13).
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رواه الحاكم والإمام أحمد، كنز العمال: 11 / 197، وابن عساكر، كنز: 11 / 271.
(2) سفر العدد: 3 / 5 - 10.
(3) رواه البخاري، باب: قول المريض: قوموا، الصحيح: 4 / 7، ومسلم، باب: ترك الوصية، الصحيح: 5 / 76، وأحمد، الفتح الرباني: 22 / 191.
(4) رواه البخاري، كتاب العلم، الصحيح: 1 / 31.
(5) رواه أحمد، الفتح الرباني: 22 / 225، وابن سعد، الطبقات: 2 / 243.
(6) رواه مسلم، باب: ترك الوصية، الصحيح: 5 / 76.
(7) لسان العرب، ص: 4618.
(8) المصدر نفسه.
(9) مختار الصحاح، ص: 690.
(10) المعجم الوسيط: 2 / 972.
(11) ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2 / 242.
(12) ابن سعد، الطبقات الكبرى: 2 / 242.
(13) رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، الجامع: 5 / 663.