بسم الله الرحمن الرحيم
لما صرف عليّ ـ عليه السلام ـ قَيْسَ بن سعد بن عبادة عن مصر، وجَّه مكانه محمد بن أبي بكر ، فلما وصل إليها كتب إلى معاوية كتابا فيه :
من محمد بن أبي بكر ، إلى الغاوي معاوية بن صخر ، أما بعد ، فإن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه ، ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنه خلقهم عبيدا ، وجعل منهم غويّا ورشيدا ، وشقيّا وسعيداً ، ثم اختار على علم واصطفى وانتـخب مـنهم محمدا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، فانتخبه بعلمه ، واصطفاه برسالته ، وائتمنه على وحيه ، وبعثه رسولاً ومبشراً ونذيراً ووكيلاً فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علـي بـن أبي طـالب ـ عليه السلام ـ صدّقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه بنفسه كل هول ، وحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع ، حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تُساميه وأنت أنت ، وهو هو ، أصدق الناس نيّةً ، وأفضل الناس ذرية ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عم ، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة ، وعمه سيّد الشهداء يوم اُحد ، وأبوه(2) الذابُّ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعن حوزته ، وأنت اللعين ابن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الغوائل ، وتجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتؤلبان عليه القبائل ، وعلى ذلك مات أبوك ، وعليه خلفته ، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الاحزاب ورؤساء النفاق ، والشاهد لعليّ ـ مع فضله المبين القديم ـ أنصارُهُ الذين معه وهم الذين ذكرهم الله بفضلهم ، وأثنى عليهم من المهاجرين والانصار ، وهم معه كتائب وعصائب ، يرون الحق في اتّباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف يالك الويل ! تعدلُ نفسك بعليّ وهو وارث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ووصيّه وأبو ولده، أول الناس له اتباعا ، وأقربهم به عهدا ، يخبره بسره ، ويطلعه على أمره ، وأنت عدوه وابن عدوه ، فتمتَّع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهى ، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا ، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمِنت كيده ، ويئست من روحه ؛ فهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، والسلام على من اتبع الهدى .
فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر ، إلى الزاري على أبيه محمد ابن أبي بكر ، أما بعد : فقد أتاني كتابُك تذكر فيه ما الله أهلُه في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفى به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه ، وقرابته إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، ومُواساته إيّاه في كل هول وخوف ، فكان احتجاجك عليَّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّا صرف هذا الفضل عنك ، وجعله لغيرك ، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحَقه لازما لنا مبرورا علينا ، فلما اختار الله لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده ، وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حُجَّته ، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقَّه ، وخالفه على أمره ، على ذلك اتفّقا واتَّسقا .
ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهمَّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ، ثم إنه بايع لهما وسلّم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ، ولا يُطْلعانه على سرهما ، حتى قبضهما الله .
ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الاقاصى من أهل المعاصي ، فطلبتما له الغوائل ، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مُناكما ، فخذ حذرك يابن أبي بكر ، وقس شبرك بفترك ، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزنُ الجبال بحلمه ، لا يلين عن قسر قناته ، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهَّد مهاده ، وبنى لملكه وساده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبدَّ به ونحن شركاؤه ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك أودَعْ ذلك ، والسلام على من أناب(3).
____________
(1) هو : محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة القُرَشيَّ التيميّ ، جليل القدر عظيم المنزلة ، كان شجاعا زاهدا فاضلاً ، صحيح العقل والرأي ، من خواص علي ـ عليه السلام ـ ومن حواريه المجتهدين في طاعته ، وأمه أسماء بنت عُميس بن النعمان ، كانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، فولدت له هناك عبدالله بن جعفر الجواد ، ثم قُتل عنها يوم مُؤتة ، فخلف عليها أبو بكر ، فأولدها محمدا ، ثم مات عنها ، فخلف عليها علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ، وكان محمد ربيبه وخرّيجه ، وجاريا عنده مجرى أولاده ، رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصِّبا ، فنشأ عليه ، فلم يكن يعرف له أبا غير عليّ ، ولا يعتقد لاحد فضيلة غيره ، حتى قال علي ـ عليه السلام ـ : محمد ابني من صلب أبي بكر ، ولد ـ رضي الله عنه ـ في حجة الوداع ، وقتل بمصر في خلافة علي ـ عليه السلام ـ سنة 38 هـ ـ بعد واقعة صفين ـ وكان عامله عليها ، وقال فيه ـ عليه السلام ـ لما استشهد : فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا ، وعاملاً كادحا ، وسيفا قاطعا ، وركنا دافعاً . ( نهج البلاغة ص408 رقم الكتاب : 35 ) ومن ولده : القاسم فقيه الحجاز ، ومن ولد القاسم : عبد الرحمن من فضلاء قريش ومن ولد القاسم ايضا أم فروة ، تزوجها الباقر محمد بن علي ـ عليه السلام ـ ، فأولدها الصادق أبا عبدالله جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ.
راجع ترجمته في : شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد : ج6 ص53 و ج10 ص249 ، تهذيب الكمال ج24 ص541 ، تهذيب التهذيب ج9 ص 80 ، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص58.
(2) هو : عبد مناف ـ وقيل عمران ـ ، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، عم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكافله وكاشف كربه ، وابو الائمة الاطهار ـ عليهم السلام ـ ، وكان أبو طالب ـ عليه السلام ـ شيخاً جسيماً وسيماً عليه بهاء الملوك ووقار الحكماء ، وهو الذي كفل الرسول صغيراً وحماه وحاطه كبيراً ، ومنعه من مشركي قريش ، ولقى لاجله عناءاً عظيماً وقاسى بلاً شديداً ، وصبر على نصره والقيام بأمره ، وقد جاء في الخبر أنه لما توفي ابو طالب أوحى الله للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقيل له اخرج منها فقد مات ناصرك .
فقد كان ـ عليه السلام ـ بحق نعم الناصر والكافل والمحامي المجاهد بالنفس والولد والاهل ، والى هذا ، يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في ميميته العصماء :
من محمد بن أبي بكر ، إلى الغاوي معاوية بن صخر ، أما بعد ، فإن الله بعظمته وسلطانه خلق خلقه بلا عبث منه ، ولا ضعف في قوته ، ولا حاجة به إلى خلقهم ، ولكنه خلقهم عبيدا ، وجعل منهم غويّا ورشيدا ، وشقيّا وسعيداً ، ثم اختار على علم واصطفى وانتـخب مـنهم محمدا ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، فانتخبه بعلمه ، واصطفاه برسالته ، وائتمنه على وحيه ، وبعثه رسولاً ومبشراً ونذيراً ووكيلاً فكان أول من أجاب وأناب وآمن وصدّق وأسلم وسلّم أخوه وابن عمه علـي بـن أبي طـالب ـ عليه السلام ـ صدّقه بالغيب المكتوم ، وآثره على كل حميم ، ووقاه بنفسه كل هول ، وحارب حربه ، وسالم سلمه ، فلم يبرح مبتذلاً لنفسه في ساعات الليل والنهار والخوف والجوع والخضوع ، حتى برز سابقا لا نظير له فيمن اتبعه ، ولا مقارب له في فعله ، وقد رأيتك تُساميه وأنت أنت ، وهو هو ، أصدق الناس نيّةً ، وأفضل الناس ذرية ، وخير الناس زوجة ، وأفضل الناس ابن عم ، أخوه الشاري بنفسه يوم مؤتة ، وعمه سيّد الشهداء يوم اُحد ، وأبوه(2) الذابُّ عن رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ وعن حوزته ، وأنت اللعين ابن اللعين ، لم تزل أنت وأبوك تبغيان لرسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الغوائل ، وتجهدان في إطفاء نور الله ، تجمعان على ذلك الجموع ، وتبذلان فيه المال ، وتؤلبان عليه القبائل ، وعلى ذلك مات أبوك ، وعليه خلفته ، والشهيد عليك من تدني ويلجأ إليك من بقية الاحزاب ورؤساء النفاق ، والشاهد لعليّ ـ مع فضله المبين القديم ـ أنصارُهُ الذين معه وهم الذين ذكرهم الله بفضلهم ، وأثنى عليهم من المهاجرين والانصار ، وهم معه كتائب وعصائب ، يرون الحق في اتّباعه ، والشقاء في خلافه ، فكيف يالك الويل ! تعدلُ نفسك بعليّ وهو وارث رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ ووصيّه وأبو ولده، أول الناس له اتباعا ، وأقربهم به عهدا ، يخبره بسره ، ويطلعه على أمره ، وأنت عدوه وابن عدوه ، فتمتَّع في دنياك ما استطعت بباطلك ، وليمددك ابن العاص في غوايتك ، فكأن أجلك قد انقضى ، وكيدك قد وهى ، ثم يتبين لك لمن تكون العاقبة العليا ، واعلم أنك إنما تكايد ربك الذي أمِنت كيده ، ويئست من روحه ؛ فهو لك بالمرصاد ، وأنت منه في غرور ، والسلام على من اتبع الهدى .
فكتب إليه معاوية : من معاوية بن صخر ، إلى الزاري على أبيه محمد ابن أبي بكر ، أما بعد : فقد أتاني كتابُك تذكر فيه ما الله أهلُه في عظمته وقدرته وسلطانه ، وما اصطفى به رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، مع كلام كثير لك فيه تضعيف ، ولابيك فيه تعنيف ، ذكرت فيه فضل ابن أبي طالب ، وقديم سوابقه ، وقرابته إلى رسول الله ـ صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ، ومُواساته إيّاه في كل هول وخوف ، فكان احتجاجك عليَّ وعيبك لي بفضل غيرك لا بفضلك ، فأحمد ربّا صرف هذا الفضل عنك ، وجعله لغيرك ، فقد كنا وأبوك فينا نعرف فضل ابن أبي طالب وحَقه لازما لنا مبرورا علينا ، فلما اختار الله لنبيه ـ عليه الصلاة والسلام ـ ما عنده ، وأتم له ما وعده ، وأظهر دعوته ، وأبلج حُجَّته ، وقبضه الله إليه ـ صلوات الله عليه ـ، فكان أبوك وفاروقه أول من ابتزه حقَّه ، وخالفه على أمره ، على ذلك اتفّقا واتَّسقا .
ثم إنهما دعواه إلى بيعتهما فأبطأ عنهما ، وتلكأ عليهما ، فهمَّا به الهموم ، وأرادا به العظيم ، ثم إنه بايع لهما وسلّم لهما ، وأقاما لا يشركانه في أمرهما ، ولا يُطْلعانه على سرهما ، حتى قبضهما الله .
ثم قام ثالثهما عثمان فهدى بهديهما وسار بسيرهما ، فعبته أنت وصاحبك حتى طمع فيه الاقاصى من أهل المعاصي ، فطلبتما له الغوائل ، وأظهرتما عداوتكما فيه حتى بلغتما فيه مُناكما ، فخذ حذرك يابن أبي بكر ، وقس شبرك بفترك ، يقصر عن أن توازي أو تساوي من يزنُ الجبال بحلمه ، لا يلين عن قسر قناته ، ولا يدرك ذو مقال أناته أبوك مهَّد مهاده ، وبنى لملكه وساده ، فإن يك ما نحن فيه صوابا فأبوك استبدَّ به ونحن شركاؤه ، ولو لا ما فعل أبوك من قبل ما خالفنا ابن أبي طالب ، ولسلمنا إليه ، ولكنا رأينا أباك فعل ذلك به من قبلنا فأخذنا بمثله ، فعب أباك بما بدا لك أودَعْ ذلك ، والسلام على من أناب(3).
____________
(1) هو : محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة القُرَشيَّ التيميّ ، جليل القدر عظيم المنزلة ، كان شجاعا زاهدا فاضلاً ، صحيح العقل والرأي ، من خواص علي ـ عليه السلام ـ ومن حواريه المجتهدين في طاعته ، وأمه أسماء بنت عُميس بن النعمان ، كانت تحت جعفر بن أبي طالب ، وهاجرت معه إلى الحبشة ، فولدت له هناك عبدالله بن جعفر الجواد ، ثم قُتل عنها يوم مُؤتة ، فخلف عليها أبو بكر ، فأولدها محمدا ، ثم مات عنها ، فخلف عليها علي بن أبي طالب ـ عليه السلام ـ، وكان محمد ربيبه وخرّيجه ، وجاريا عنده مجرى أولاده ، رضع الولاء والتشيع مذ زمن الصِّبا ، فنشأ عليه ، فلم يكن يعرف له أبا غير عليّ ، ولا يعتقد لاحد فضيلة غيره ، حتى قال علي ـ عليه السلام ـ : محمد ابني من صلب أبي بكر ، ولد ـ رضي الله عنه ـ في حجة الوداع ، وقتل بمصر في خلافة علي ـ عليه السلام ـ سنة 38 هـ ـ بعد واقعة صفين ـ وكان عامله عليها ، وقال فيه ـ عليه السلام ـ لما استشهد : فعند الله نحتسبه ولدا ناصحا ، وعاملاً كادحا ، وسيفا قاطعا ، وركنا دافعاً . ( نهج البلاغة ص408 رقم الكتاب : 35 ) ومن ولده : القاسم فقيه الحجاز ، ومن ولد القاسم : عبد الرحمن من فضلاء قريش ومن ولد القاسم ايضا أم فروة ، تزوجها الباقر محمد بن علي ـ عليه السلام ـ ، فأولدها الصادق أبا عبدالله جعفر بن محمد ـ عليه السلام ـ.
راجع ترجمته في : شرح نهج البلاغة لابن أبيالحديد : ج6 ص53 و ج10 ص249 ، تهذيب الكمال ج24 ص541 ، تهذيب التهذيب ج9 ص 80 ، تنقيح المقال للمامقاني ج2 ص58.
(2) هو : عبد مناف ـ وقيل عمران ـ ، بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف ، عم رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وكافله وكاشف كربه ، وابو الائمة الاطهار ـ عليهم السلام ـ ، وكان أبو طالب ـ عليه السلام ـ شيخاً جسيماً وسيماً عليه بهاء الملوك ووقار الحكماء ، وهو الذي كفل الرسول صغيراً وحماه وحاطه كبيراً ، ومنعه من مشركي قريش ، ولقى لاجله عناءاً عظيماً وقاسى بلاً شديداً ، وصبر على نصره والقيام بأمره ، وقد جاء في الخبر أنه لما توفي ابو طالب أوحى الله للنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وقيل له اخرج منها فقد مات ناصرك .
فقد كان ـ عليه السلام ـ بحق نعم الناصر والكافل والمحامي المجاهد بالنفس والولد والاهل ، والى هذا ، يشير ابن أبي الحديد المعتزلي في ميميته العصماء :
ولــولا أبو طالب وابنه * لما مثل الدّين شخصاً فقاما
فذاك بـمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جسّ الحمـاما
فللّه ذا فاتـحـاً للهُـدى * ولله ذا للمعالي خـتــاما
والادلة والشواهد على ايمان ابي طالب ـ عليه السلام ـ ظاهرة كظهور الشمس في رابعة النهار لا تخفى على من له ادنى بصيرة ، إلا أن حاسدي ومبغضي امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يأبوا الا أن يكفّروه حسداً وحقداً .
ان يحسدوك على علاك فانما * متسافل الدرجات يحسد من علا وذلك مع وجود الادلة الواضحة ، والشواهد اللائحة والتي منها : مواقفه المشهورة تجاه النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ والتي تدل على ايمانه العميق بوحدانية الله تعالى وبرسالة رسوله الكريم ومن تلك الدلائل الواضحة على ايمانه هو : ان فاطمة بنت أسد ـ عليها السلام ـ من السابقات الى الاسلام ، ولم تزل تحت أبي طالب حتى مات ، وان الله تعالى نهى رسوله أن يقرّ مسلمة على نكاح كافر ، وكان امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ يأمر أن يُحج عن عبد الله وأبيه وأبي طالب ، ولا يُحج عن كافر .
وتولى هو ـ عليه السلام ـ غسل أبيه ، والمسلم لا يجوز له أن يتولى غسل الكافر .
ومن الشواهد الدالة على ايمانه ، الاشعار التي تضمنت اقراره بالله تعالى وبالنبي ـ صلى الله عليه وآله ـ وحيث انه لا فرق بين ان يكون هذا الاقرار في النثر او الشعر .
فمنها قوله ـ عليه السلام ـ :
أذبُّ وأحـمـي رسـولَ الالهِ * حـمــاية حامٍ عليه شفيقْ
ومنها أيضاً قوله :
والله لــن يصـلوا إليك بجمعهم * حتى أوسد بالتراب دفـيـنافاصدع بأمرك ما عليك غضاضة * وابشر بذاك وقرّ منك عيونـا
وعـرضت ديـناً قد عرفت بأنه * من خير أديان البرية ديــنا
وانما لم يظهر الاسلام ويجاهر به ، لانه لو أظهره لم يتهيأ له من نصرة النبي ـ صلى الله عليه وآله ـ ما تهيأ له .
ومن تلك الادلة ايضاً اجماع اهل البيت ، الائمة الطاهرين ـ عليهم السلام ـ الذين هم كسفينة نوح ، من ركبها نجى ومن تأخر عنها غرق وهوى ، وهم العترة الذين من تمسك بهم لن يضل ابداً .
ومما ورد عنهم في ذلك : ما ورد عن عبد العظيم بن عبد الله العلوي انّه كان مريضاً فكتب الى ابي الحسن الرّضا ـ عليه السلام ـ عرّفني يابن رسول الله عن الخبر المروي انّ ابا طالب في ضحضاح من نار يغلي منه دماغه فكتب اليه الرّضا ـ عليه السلام ـ : بسم الله الرحمن الرحيم ، اما بعد : فأنّك ان شككت في ايمان أبى طالب كان مصيرك الى النار .
واما الاخبار التي يرويها البعض في كفر ابي طالب فلا اساس لها من الصحة ، واما احاديث الضحضاح فانما تروى عن المغيرة بن شعبة ، وبغضه لبني هاشم وعلى الخصوص امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ مشهور معلوم وفسقه غير خافٍ .
وتوفي ابو طالب ـ عليه السلام ـ في آخر السنة العاشرة من الهجرة وتوفيت السيدة خديجة ام المؤمنين ـ عليها السلام ـ بعده بثلاثة ايام ، فسمى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ ذلك العام عام الحزن ، وقال : ما زالت قريش قاعدة عني حتى مات ابو طالب .
وقد رثاه امير المؤمنين ـ عليه السلام ـ بقوله :
لقد هـدّ فقدك أهل الحفاظ * فصلّى عليك ولي النـعــم
ولـقــاك ربك رضوانه * فقد كنت للطهر من خير عم
فسلامٌ عليه يوم ولد ويوم مات ويم يُبعث حيا.
ورزقنا الله شفاعته .
ورزقنا الله شفاعته .
راجع : رسالة ايمان ابي طالب للشيخ المفيد ، اسنى المطالب في ايمان ابي طالب للعلامة احمد زيني دحلان ، ديوان ابي طالب وذكر إسلامه لابي نعيم علي بن حمزة البصري ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج14 ص 65 ـ 84 ، سفينة البحار للقمي ج2 ص 87 ـ 90 ، ابو طالب مؤمن قريش للعلامة الشيخ عبد الله الخنيزي .
(3) مروج الذهب للمسعودي : ج 3 ص 20 ، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج 3 ص 188 ، الاحتجاج للطبرسي ج 1 ص 183 ، بحار الانوار ج 33 ص 575 ح 723 .