في رحاب تفسير آيات القرآن المجيد (104)

قال تعالى (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ ، وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ، وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ ) سورة البقرة من الاية 204 الى الاية 206 .
نتعرض في هذه الايات الى عدة مطالب
اولا : الانسان بين التنظير والتطبيق

الكلام والتنظير ليس عملية معقدة ،فيستطيع بعض الناس ان يحفظ العلوم والمعارف ويصبح خطيبا ومتكلما مفوها في شتى الاختصاصات من اجل اقناع الناس بما يريد ،ولكن العملية المعقدة في التطبيق لهذه المفاهيم والقيم والعدالة فما لم يكن الانسان قد روض نفسه واصبحت هذه المفاهيم جزء من كيانه لا يمكن ان يطبق هذه المفاهيم في الواقع الخارجي .
ثانيا : بين المظهر الخادع والواقع

مع ان الله والانبياء والحكماء كلهم ومنذ بدء الخليقة يحذرون من المظاهر الخادعة ولكن لا زال لكثير من الناس يسير خلف هذه المظاهر ويخدع بها ثم لا تكون له عبرة وعظة ،وهذا في الحقيقة نتيجة ضعف القوة العاقلة فيه وقوة الميل العاطفي ونسيان التجربة .لذلك على الانسان ان يقوي القوة العاقلة عنده ويتحرك ويدعم المواقف والمباديء لا يخدع بالالفاظ والكلمات والصور .؟؟ .
ثالثا : القيادة لا تليق الا باهلها

نحن نحتاج في القيادة الى الامانة ،والكفاءة ، والقوة ، وان يحمل القائد مكارم الاخلاق وحب الخير للناس وان يكون المجتمع كابنائه لا يفرق بينهم ،وكما ترون مثل هذه الصفات لا يمكن ان تتوفر الا في الانبياء والائمة والاولياء عليهم السلام . كما في قوله تعالى (قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ) وكقوله تعالى (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ )
بخلاف غيرالانبياء عليهم السلام من الذين يتصدون لقيادة الامة والمجتمع فهم يخدعون الناس قبل وصولهم الى سدة الحكم والسلطة وانهم سوف يطبقون العدل والنظام والقانون وخدمة المجتمع وحب الخير لهم ويشهدون الله على ما في انفسهم ويحلفون بالله انهم صادقون وان ما يقولونه الموافق والمطابق للواقع ، ولكن سرعان ما يكذبون على الناس ويفكرون في انفسهم ومصالحهم الشخصية واطفالهم اكثر مما يفكرون في المجتمع ،وما ينتج عن قيادة هؤلاء هو الفساد الكبير الذي سوف يقع على البلاد والعباد .
رابعا : المتكبر لا يقبل النصيحة

قبل السلطة والولاية والحكم قد يقبل الانسان النصيحة والتوجيه والارشاد ، ولكن السلطة والمال تجعل الانسان يعيش البطر والتكبر والغرور ، لذلك مثل هؤلاء سوف يرون كلامهم الحق المطابق للواقع وكلام غيرهم المخالف للحق الذي يرونه ، وهذا قد يكون مشاهدا من قبل الكثير من الناس فبعض الناس كان تافها لا يعبا به وبكلامه ولكن بعد ما صار مسؤولا كبيرا اصبح لكلامه شأن في الواقع الاجتماعي ،بل سوف يرى اي نصيحة من الاخرين تدخلا في شؤونه وبالتالي سوف يعمل ضدها لانه يرى ان الاخرين لا قيمة لكلامهم وانهم انما يحسدونه عندما يقدمون اليه النصيحة والوعظ والارشاد والتوجيه والتصحيح .
خامسا : الدنيا دار ابتلاء ومحنة

ان مثل هؤلاء الحكام الظلمة لا يعجزون الله في الارض او السماء ولكن الله تعالى يختبر العباد بهم لكي يرى من يؤيدهم ومن يخرج عليهم او ينعزل عنهم وهذه سنة الله في الارض ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة وتستمر عجلة الحياة في هذه الدنيا ضمن دائرة الامتحان والبلاء وكما قال تعالى ( أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ۖ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ )
اللهم بحق الحسين اشف صدر الحسين بظهور المهدي عليه