- الإعدَادُ الرّوحِيُّ إِلَهيِّاً لِلنَبي الأكرَمِ , وسِرُّ تَحَمُّلِّه لِلرِسَالَةِ الرَبّانِيَّةِ -
_____________________________________
تَيَمُنَاً بِذِكرَى وِلادَةِ النَبيِّ الأكرَمِ, مُحَمّدٍ ,صَلّى اللهُ عَليه وآلِه وسَلّم, وَوِلاَدَةِ الإمَامِ جَعفرِ الصَادِقِ ,عَليه السَلامُ,
نَودُّ التَذكِيرَ بِأنَّه يَنبَغي إقَامَةُ الذِّكرَى فِي القلوبِ قَبْل إقامَتِهَا فِي المَجَالِسِ ,وأنْ نُحييَهَا فِي النِفوسِ قَبْلَ إحيَائِهَا بالكِتَابَةِ والأقلامِ ,
ولِنَستَضيءَ بِبَعضِ الآيَاتِ القُرآنيّةِ الشَريفَةِ ,والتي بَيَّنَتْ مَعَالِمَ الإعدَادِ الرّوحِي وأهَميتِه بِالنِسبَةِ لِلنَبيّ الكَريمِ والمُؤمنين مَعَه ,وبِه
,حَتّى نَتَمَكّنَ مِن تَحَمُّلِ أعبَاءِ تَطبيقِ الرِسَالَةِ الإسلامِيّةِ العَزيزَةِ ,بَهدِيِّ النَبيّ ومِنَهَاجِه التَربَوي والرّوحِي ,
ونَتَقَرّبَ مِن اللهِ تَعَالَى , أكثَرَ فَأكثَرَ , وذلك بِاقتِفَاءِ آثَارِ النَبيّ الأعظَمِ وسُنَنِه.
قَالَ اللهُ تعالى:
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8))) المُزَّمِّلُ.
إنَّ هَذَه الآيَاتِ الشَرِيفَةَ نَزَلَتْ فِي بَيَانِ الإعدَادِ الرّوحِي لِلنَبيّ الكَريمِ , نَفسيّا وسُلُوكيّاً ,
مِمّا يَستَدعِي ذلك ضَرورَةَ مَعرِفَةِ مَفهومِ الإعدَادِ الرّوحِي وأسبَابِه, وتَطبيقَاتِه وَوسَائِله ,.
فَليسَ الإعدَادُ الرّوحِيُّ بِكَثرَةِ العِبَادَةِ مِن الصَلاةِ والصَومِ والتَنَفّلِ , والتَخلّقِ بالأخلاقِ الحَسَنَةِ ,أو التَعاملِ الحَسَنِ مَع الناسِ ,
وإنْ كَانَتْ هَذِهِ لَهَا صِلَةٌ وَثيقَةٌ به ,وإنّمَا الإعدَادُ الرّوحِي أكبَرُ مِن ذلك بِكثيرٍ , بحيث يَتَجَلّى بِطهَارَةِ القَلبِ وسَلامَتِه ,
وكَمَا عَبّر القُرَآنُ الكَريمُ ,((يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)))الشعرَاء.
إنَّ الإعدَادَ الرّوحِيَّ وَاقِعَاً هو الارتبَِاطُ الدّاخِليُّّ, السَليمُ والصَادِقُ بَينَ العَبْدِ وَرَبّه سُبحانَه ,
هو ارتبَاطٌ بِالرّوحِ والقَلبِ نَقَاءً وإخلاصَاً ,وارتبَاطُ إرَاَدَةٍ بإرادةِ اللهِ تَعَالَى ,وهَذا يَتَأتّى مِن الاعتقَادِ الحَقِّ باللهِ ,وصِفَاتِه
والخَوفِ مِنه والرَجَاءِ لَه.
ومَتى مَا ارتبطَ الإنسانُ المُؤمنُ باللهِ تَعَالىَ , ارتباطاً نَفسيّاً وروحِيّاً قَوِيَّ واشتَدَّ فِي عَبَادَتِه وقَوِيّ وَرَعٌه وأخلاقُه وتَوكّلُه.
ونَشَأ مِن ذَلِكَ تَقَدُّمَاً فِي مَراتِبِ الإيمَانِ والكَمَالِ.
- مُعطيَاتُ الإعدَادِ الرّوحِي وثِمَارُه -
___________________________
1- تَقوِيّةُ العِبَادَةِ والأخلاَقِ والاعتَقَادِ , وكُلّمَا تَوفّرتْ هَذِه قَوِيّ الإعدَادُ الرّوحِي والتَربوي في نَفسِ الإنسَانِ المُؤمِنِ.
2- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي يَعْطي القُدْرَةَ عَلَى تَحمّلِ القَولِ الثَقيلِ (القُرآن الكَريم) مِن حَيثِ فَهمِه وَوَعيّه ومَعرِفَتِه
والعَمَلِ بِه شِرعَةً ومِنهَاجَا, وهَذا يَقينَاً إنّمَا يَتَأتّى مِن قِيَامِ الليلِ , وإحيَاءِه بالذّكرِ والعِبادَةِ ,
((إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6))),
ويَخَتَزّنُ الإعدَادُ الرّوحِيُّ فِي وَاقِعِه الحُسبَانَ لِمُواجَهَةِ كُلَّّ الصعوبَاتِ وأسَاليبِ التَعذيبِ والإشَاعَةِ والتَجويعِ والحَربِ بِالِسلاَحِ ,
و يكونُ مُعينَاً لِلنَبيّ أو الإنسَانِ المُؤمِنِ عَلَى الصِمودِ أمَامَ ذَلِكَ .
وكَمَا هو حَالُنَا اليَوم , ونَحنُ نُواجِه ونُحَارِبُ دَاعش الإجرَامِي , إذ نَحتَاجُ للإعدَادِ الرّوحِي والتَربوي ,
لكي نَستَمِرّ بِنَفسِ العَزيمَةِ والثَبَاتِ والتَصَدّي لِلحَربِ الإعلاميّةِ الرَاهِنَةِ ضِدّنَا.
3- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي هو الدّافِعُ الكَبيرُ لِلنَجَاحِ والنَصرِ فِي مُوَاجَهَةِ التَدَاعِيَاتِ والضُغوطَاتِ , قَالَ تَعَالَى:
(( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)
فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148))) آلِ عُمرَان.
فَمِن أين جَاءَ عَدَمُ الضَعفِ وعَدمُ الاستِكَانَةِ , إنّمَا جَاءَ ذلك مِن الإعدَادِ الرّوحِي والصَبرِ
((وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) ,
وقد بَيّنَ سُبحانَه مَنشَأَ عَدمِ الضَعفِ وَعَدَمِ الاستكَانَةِ ,وهو الصَبرُ والذي يَأتِي مِن قُوّةِ الإيمَانِ الصَادِقِ باللهِ تَعَالى ,والتّعَلِّقِ بِه خَالِصَاً.
4- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي يُمَكِّنُ الإنسَانَ المُؤمنَ مِن مُواجَهَةِ حَربِ الإشَاعَاتِ , والتي تُضَخِّمُ مِن قُوّةِ العَدّو إعلامِيّاً ودِعَائِيّاً
,(( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)))آلِ عُمرَان.
فَبِالتّوَكّلِ عَلَى اللهِ تَعَالىِ ,والاكتِفَاءِ بِنَصْرِه وَحْدَه ومِن قُوّةِ الاعتقَادِ بِه وحُبّه والاشتدَادِ إليه
يَتَولّدُ اليَقينُ بِالقُدرَةِ عَلى تَجَاوِزِ الخَطرِ وعُبورِه.
5- مِن ثَمَراتِ الإعدَادِ الرّوحِي تَقويّةِ الاعتِقَادِ بالآخِرَةِ وحَياتِها البَاقِيّةِ لِلأبَدِ.
(( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)))طه.
والصَبرُ عَلى تَحَمّلِ المَصَائِبِ والبَلايا إنّمَا هو مَسألةٌ اعتقاديّةٌ رَاسِخَةٌ بِفِعْلِ الإعدَادِ الرّوحِي وتُتَرجَمُ بالصَبرِ والصِمودِ أمَامَ المِحَنِ.
قَالَ تَعَالَى:
((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)))البقرة.
6- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي يُعطي لِلمُؤمنين القُدرَةَ عَلَى الاستِقَامَةِ فِي مَسيرَةِ الإيمَانِ , اعتِقَادَاً وسُلُوكَاً ,
وقَد يُواجه المُؤمنون ضُغوطا ثَقافِيّةً واجتِمَاعِيّةً, مُخَالِفَةً لِدِينِهم ولِعَادَاتِهم الإسلاميّةِ ,
تَستَهدِفُ إخرَاجَهم مِن الحَقِّ إلَى البَاطِلِ ومِن الهُدى إلى الضَلالِ ,
وهذه تَتَطَلّبُ مُواجَهَةً مُمًاثِلةً فِي المَوقِفِ والخِيَارِ , وقَد تُخرِجُ هَذه المُتغيّرَاتُ والضُغوطَاتُ البَعضَ أو تُجبِرَه عَلى الخُروجِ مِن قِيَمِه
كَمَا فِي أجواءِ الاحتفَالاتِ والأعرَاسِ , وهُنَا تَبرزُ أهميةُ الإعدَادِ الرّوحِي فِي المُواجَهَةِ والقَرَارِ.
7- الإعدَادُ الرّوحِي يَمنَحُ المُؤمنينَ الحُبَّ لِبَعضِهم البَعض ,ويُقويّ تَمَاسِكَهم وصَفّهم بِالمَودّةِ والتَقدِيرِ والتَكريمِ فِيمَا بَينهم
,((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) الفتح.
8- إنَّ الإعدَادَ الجَيّدَ لِلجَانِبِ الرّوحِي والنَفسي والقَلبي يَكونُ لَه الأثرَ الكَبيرَ فِي الثَبَاتِ والاستقرَارِ والقُدرَةِ
عَلَى مُواجَهَةِ المِصَاعِبِ ,دَائِمَاً .
- صَلاةُ الليلِ وقِيَامُه الوَسِيلَةُ المُوصِلَةُ لمَقَامِ ومَرتبَةِ الرّوحِيِّةِ العَالِيّةِ -
_____________________________________
إنَّ الوَسِيلَةَ الصَالِحَةَ التي تَعُدَّنا هَذا الإعدَادَ الرّوحِي , بِحَيث نُحَقِّقُ الثِمَارَ المَرجُوّةَ مِنه ,هي إحيَاءُ صَلاةِ الليلِ ,
قَالَ تَعَالَى:
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8))) المُزَّمِّلُ.
ثَمّةَ وَسَائِلٍ عِدَةٍ صَالِحَةٍ تٌقدّمُ لَنَا إعدَادَاً روحِيّاً وبُنيَويّاً في حَرَاكِنَا وعِبَادَتِنَا ومُواجَهتِنَا فِي هَذِه الحَيَاةِ,
وهي قِيَامُ الليلِ وذِكر اللهِ تَعَالى , وقِرَاءَةُ القُرآنِ , بتَدَبرٍ ووَعيٍ وفَهمٍ , والثَقَافَةُ الإيمَانِيّةُ ومُحَاسَبَةُ النَفسِ والنَقدُ الذّاتِيُّ ,
إنَّ قِيَامَ الليلِ هو مِمَا لا يَنبَغي بِنَا تَركَه ولِنُجَرّبه ولو بالحَدّ الأدنَى بالرِكعَة ِالوَاحِدَةِ(الوِتْر) أو بِقِرَاءَةِ سورةِ الفاَتِحَةِ ,
ثُمّ نَنتَظِرُ ثِمَارَ ذَلِكَ ,.
وَقَد جَاءَ إعدَادُ النَبيِّ الأكرَمِ , بِهذه الوَسَائِلِ الرَبّانِيّةِ , لِتَجعَلَه قَادِرَاً عَلَى تَحَمّلِ ثُقْلِ الرِسَالةِ وتَبليغها لِلنّاسِ أجمَعين, .
ولِنَلتّفِتَ إلى ثِمَارِ صَلاةِ الليلِ ومُكتَسَبَاتِهَا ,
وحَديِثٌ وَاحِدٌ يَكفي فِي ذلك, (عَن أبي عبدِ الله ِ , الإمامِ الصادِقِ ,عَليه السَلامُ , في قولِ اللهِ , عَزّ وجَلّ :
إنَّ الحَسَنَاتِ يُذهبن السَيئاتِ , قَالَ : صَلاةُ المُؤمنِ بالليلِ تذهبُ بِمَا عَمِلَ مِن ذنبٍ بالنهَارِ )
:الكافي,الكليني,ج3,ص266.
ومِن أبرَزِ مَصادِيقِِ الحَسَنَاتِ هِي صَلاةُ الّليلِ ,.
وفي النّهارِ كَمْ مِن الذِنوبِ يَرتَكَبُ الإنسَانُ , وإذا أرَاد َ مَحوِهَا فَعَلَيه بِصَلاةِ الليلِ ,.
إنَّ صلاةَ الليلِ وبِحَسَبِ المَأثورِ الرّوَائِي المُعتَبرِ عَن المَعصومين , عَليهم السَلامُ, تَطردُ الدّاءَ مِن الأجسَامِ وتُبيّضُ الوَجّه
وتُطيّبُ الرِيحَ , وتَجلبُ الرِزقَ, وتُذهِبُ بالهَمِّ وتَجلو البَصَرَ , و تُحَسِّنُ الخُلُقَ ,وتَقضي الدّينَ ,ومَصَحّةُ للبَدَنِ ,
ورِضَاً لِلرّبِّ وتَمَسّكَاً بِأخلاقِ النَبيّ الأكرَم ,
وقَد ذَكرَ المُفسّرون أنّها تُقويّ الإرَادَةَ وتُنَقِيّ القَلبَ , إذ أنَّ الإنسَانَ المُؤمنَ عَادَةً مَا يحُبُّ الرّاحةَ والنَومَ ,
فالقيامُ بالليلِ يُقوي الإرَادَةَ , شَيئَاً فَشَيئَاً , حَتّى يَقوى عَلَى الوَرَعِ ويَقوَى إخلاصَه ,وخَاصّةً وهو يَبتَعِدُ عَن النّاسِ فِي قِيَامِه لَيلاً ,
ولا يَتَوقعُ مِن أحَدٍ أنْ يَمدَحَه أو أنْ يَرَاه , وهذه هي الخِلوَةُ والِلقَاءُ باللهِ ومُنَاجَاتِه, وفي وَحدَتِه يَكونُ وَحيدَاً مَع اللهِ تَعَالىَ ,
وفي وَقتِ قِيامِ الليلِ تَتَنزّلُ الفِيوضَاتُ الخَاصّةُ مِن اللهِ , وقَد يُوَفّقُ المُؤمنُ القَائِمُ لِتَلَقّي تلك الفِيوضَاتِ بِروحِه وقَلبِه ,
ولِينَعَم بِهَا , ويَتَقوّى في إخلاصِه وإرَادَاتِه عَلى مُواجَهَةِ المَصَاعِبِ وتَحَمّلِ أعبَاءِ التَكليفِ والرِسَاَلَةِ .
إنَّ تَرتيِلَ القُرآنِ الكَريمِ فِي الَليلِ بِمَا هو مَطلوبٌ مِن استِشعَارِ رِقَابَة اللهِ , وحَقِّه في الطّاعَةِ والعبودِيّةِ ,
هو مَا يَدفَعُ المُؤمِنَ نَحو الطّاعَةِ ويُبعِدَه مِن المَعصيّةِ.
فالأجواءُ الرّوحِيّةُ كَترتيلِ القُرَآنِ في الليلِ لَهَا مِن الأهميّةِ الكَبيرَةِ مَا لا تَخفى عَلى المُؤمنين ,
وكذلك الأجواءُ الإيمَانِيّةُ لَهَا الأثرُ البَليغُ فِي رَفعِ مَرتبةِ الإعدَادِ الرّوحِي وتَكامله ,
فَالحَذرُ الحَذرُ مِن الأجواءِ الهَابِطةَِ كَقرِينِ السُوءِ والذي يَأخذُ بِصَاحِبِه نحو الفِسقِ والفجورِ والضَلالِ , شَيئَاً فَشَيئاًَ
,فَضلاً عَن إضرَارِه بِسُمعَةِ القَرين, والمَرءُ عَلى دِينِ خَليلِه وقَرينِه .
__________________________________________________ ______
- مَضمونُ الخُطبَةِ الأولّى للوَكيلِ الشَرعي , الشَيخ عَبد المَهْدي الكَربَلائي, خَطيبِ , وإمَامِ الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ ,
والتي ألقَاهَا اليَومَ , الجُمْعَةَ , السَادِسِ عَشَر مِنْ رَبيعٍ الأوّلِ ,1438 هِجري ,المُوافقَ ,لِ, السَادِس عَشَر مِنْ كانونِ الأوّلِ
,2016م , وبِمُنَاسبَةِ ذِكْرَى وِلادَةِ النَبيِّ الأكرَمِ مُحَمّدٍ , صَلَى اللهُ عَلَيه وآلِه -
_______________________________________
تَدوينُ – مرتضى علي الحلي – بِتَصَرّفٍ مِني وتَخريجٍ –
رَاجين رِضَا اللهِ تَعَالى , وتَوفِيقَه .
_______________________________________
_____________________________________
تَيَمُنَاً بِذِكرَى وِلادَةِ النَبيِّ الأكرَمِ, مُحَمّدٍ ,صَلّى اللهُ عَليه وآلِه وسَلّم, وَوِلاَدَةِ الإمَامِ جَعفرِ الصَادِقِ ,عَليه السَلامُ,
نَودُّ التَذكِيرَ بِأنَّه يَنبَغي إقَامَةُ الذِّكرَى فِي القلوبِ قَبْل إقامَتِهَا فِي المَجَالِسِ ,وأنْ نُحييَهَا فِي النِفوسِ قَبْلَ إحيَائِهَا بالكِتَابَةِ والأقلامِ ,
ولِنَستَضيءَ بِبَعضِ الآيَاتِ القُرآنيّةِ الشَريفَةِ ,والتي بَيَّنَتْ مَعَالِمَ الإعدَادِ الرّوحِي وأهَميتِه بِالنِسبَةِ لِلنَبيّ الكَريمِ والمُؤمنين مَعَه ,وبِه
,حَتّى نَتَمَكّنَ مِن تَحَمُّلِ أعبَاءِ تَطبيقِ الرِسَالَةِ الإسلامِيّةِ العَزيزَةِ ,بَهدِيِّ النَبيّ ومِنَهَاجِه التَربَوي والرّوحِي ,
ونَتَقَرّبَ مِن اللهِ تَعَالَى , أكثَرَ فَأكثَرَ , وذلك بِاقتِفَاءِ آثَارِ النَبيّ الأعظَمِ وسُنَنِه.
قَالَ اللهُ تعالى:
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8))) المُزَّمِّلُ.
إنَّ هَذَه الآيَاتِ الشَرِيفَةَ نَزَلَتْ فِي بَيَانِ الإعدَادِ الرّوحِي لِلنَبيّ الكَريمِ , نَفسيّا وسُلُوكيّاً ,
مِمّا يَستَدعِي ذلك ضَرورَةَ مَعرِفَةِ مَفهومِ الإعدَادِ الرّوحِي وأسبَابِه, وتَطبيقَاتِه وَوسَائِله ,.
فَليسَ الإعدَادُ الرّوحِيُّ بِكَثرَةِ العِبَادَةِ مِن الصَلاةِ والصَومِ والتَنَفّلِ , والتَخلّقِ بالأخلاقِ الحَسَنَةِ ,أو التَعاملِ الحَسَنِ مَع الناسِ ,
وإنْ كَانَتْ هَذِهِ لَهَا صِلَةٌ وَثيقَةٌ به ,وإنّمَا الإعدَادُ الرّوحِي أكبَرُ مِن ذلك بِكثيرٍ , بحيث يَتَجَلّى بِطهَارَةِ القَلبِ وسَلامَتِه ,
وكَمَا عَبّر القُرَآنُ الكَريمُ ,((يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ (89)))الشعرَاء.
إنَّ الإعدَادَ الرّوحِيَّ وَاقِعَاً هو الارتبَِاطُ الدّاخِليُّّ, السَليمُ والصَادِقُ بَينَ العَبْدِ وَرَبّه سُبحانَه ,
هو ارتبَاطٌ بِالرّوحِ والقَلبِ نَقَاءً وإخلاصَاً ,وارتبَاطُ إرَاَدَةٍ بإرادةِ اللهِ تَعَالَى ,وهَذا يَتَأتّى مِن الاعتقَادِ الحَقِّ باللهِ ,وصِفَاتِه
والخَوفِ مِنه والرَجَاءِ لَه.
ومَتى مَا ارتبطَ الإنسانُ المُؤمنُ باللهِ تَعَالىَ , ارتباطاً نَفسيّاً وروحِيّاً قَوِيَّ واشتَدَّ فِي عَبَادَتِه وقَوِيّ وَرَعٌه وأخلاقُه وتَوكّلُه.
ونَشَأ مِن ذَلِكَ تَقَدُّمَاً فِي مَراتِبِ الإيمَانِ والكَمَالِ.
- مُعطيَاتُ الإعدَادِ الرّوحِي وثِمَارُه -
___________________________
1- تَقوِيّةُ العِبَادَةِ والأخلاَقِ والاعتَقَادِ , وكُلّمَا تَوفّرتْ هَذِه قَوِيّ الإعدَادُ الرّوحِي والتَربوي في نَفسِ الإنسَانِ المُؤمِنِ.
2- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي يَعْطي القُدْرَةَ عَلَى تَحمّلِ القَولِ الثَقيلِ (القُرآن الكَريم) مِن حَيثِ فَهمِه وَوَعيّه ومَعرِفَتِه
والعَمَلِ بِه شِرعَةً ومِنهَاجَا, وهَذا يَقينَاً إنّمَا يَتَأتّى مِن قِيَامِ الليلِ , وإحيَاءِه بالذّكرِ والعِبادَةِ ,
((إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6))),
ويَخَتَزّنُ الإعدَادُ الرّوحِيُّ فِي وَاقِعِه الحُسبَانَ لِمُواجَهَةِ كُلَّّ الصعوبَاتِ وأسَاليبِ التَعذيبِ والإشَاعَةِ والتَجويعِ والحَربِ بِالِسلاَحِ ,
و يكونُ مُعينَاً لِلنَبيّ أو الإنسَانِ المُؤمِنِ عَلَى الصِمودِ أمَامَ ذَلِكَ .
وكَمَا هو حَالُنَا اليَوم , ونَحنُ نُواجِه ونُحَارِبُ دَاعش الإجرَامِي , إذ نَحتَاجُ للإعدَادِ الرّوحِي والتَربوي ,
لكي نَستَمِرّ بِنَفسِ العَزيمَةِ والثَبَاتِ والتَصَدّي لِلحَربِ الإعلاميّةِ الرَاهِنَةِ ضِدّنَا.
3- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي هو الدّافِعُ الكَبيرُ لِلنَجَاحِ والنَصرِ فِي مُوَاجَهَةِ التَدَاعِيَاتِ والضُغوطَاتِ , قَالَ تَعَالَى:
(( وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ (146) وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (147)
فَآَتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الْآَخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (148))) آلِ عُمرَان.
فَمِن أين جَاءَ عَدَمُ الضَعفِ وعَدمُ الاستِكَانَةِ , إنّمَا جَاءَ ذلك مِن الإعدَادِ الرّوحِي والصَبرِ
((وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ)) ,
وقد بَيّنَ سُبحانَه مَنشَأَ عَدمِ الضَعفِ وَعَدَمِ الاستكَانَةِ ,وهو الصَبرُ والذي يَأتِي مِن قُوّةِ الإيمَانِ الصَادِقِ باللهِ تَعَالى ,والتّعَلِّقِ بِه خَالِصَاً.
4- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي يُمَكِّنُ الإنسَانَ المُؤمنَ مِن مُواجَهَةِ حَربِ الإشَاعَاتِ , والتي تُضَخِّمُ مِن قُوّةِ العَدّو إعلامِيّاً ودِعَائِيّاً
,(( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (173)))آلِ عُمرَان.
فَبِالتّوَكّلِ عَلَى اللهِ تَعَالىِ ,والاكتِفَاءِ بِنَصْرِه وَحْدَه ومِن قُوّةِ الاعتقَادِ بِه وحُبّه والاشتدَادِ إليه
يَتَولّدُ اليَقينُ بِالقُدرَةِ عَلى تَجَاوِزِ الخَطرِ وعُبورِه.
5- مِن ثَمَراتِ الإعدَادِ الرّوحِي تَقويّةِ الاعتِقَادِ بالآخِرَةِ وحَياتِها البَاقِيّةِ لِلأبَدِ.
(( قَالُوا لَنْ نُؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءَنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (72)
إِنَّا آَمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى (73)))طه.
والصَبرُ عَلى تَحَمّلِ المَصَائِبِ والبَلايا إنّمَا هو مَسألةٌ اعتقاديّةٌ رَاسِخَةٌ بِفِعْلِ الإعدَادِ الرّوحِي وتُتَرجَمُ بالصَبرِ والصِمودِ أمَامَ المِحَنِ.
قَالَ تَعَالَى:
((وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ (155)
الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156)
أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ (157)))البقرة.
6- إنَّ الإعدَادَ الرّوحِي يُعطي لِلمُؤمنين القُدرَةَ عَلَى الاستِقَامَةِ فِي مَسيرَةِ الإيمَانِ , اعتِقَادَاً وسُلُوكَاً ,
وقَد يُواجه المُؤمنون ضُغوطا ثَقافِيّةً واجتِمَاعِيّةً, مُخَالِفَةً لِدِينِهم ولِعَادَاتِهم الإسلاميّةِ ,
تَستَهدِفُ إخرَاجَهم مِن الحَقِّ إلَى البَاطِلِ ومِن الهُدى إلى الضَلالِ ,
وهذه تَتَطَلّبُ مُواجَهَةً مُمًاثِلةً فِي المَوقِفِ والخِيَارِ , وقَد تُخرِجُ هَذه المُتغيّرَاتُ والضُغوطَاتُ البَعضَ أو تُجبِرَه عَلى الخُروجِ مِن قِيَمِه
كَمَا فِي أجواءِ الاحتفَالاتِ والأعرَاسِ , وهُنَا تَبرزُ أهميةُ الإعدَادِ الرّوحِي فِي المُواجَهَةِ والقَرَارِ.
7- الإعدَادُ الرّوحِي يَمنَحُ المُؤمنينَ الحُبَّ لِبَعضِهم البَعض ,ويُقويّ تَمَاسِكَهم وصَفّهم بِالمَودّةِ والتَقدِيرِ والتَكريمِ فِيمَا بَينهم
,((مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآَزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا (29) الفتح.
8- إنَّ الإعدَادَ الجَيّدَ لِلجَانِبِ الرّوحِي والنَفسي والقَلبي يَكونُ لَه الأثرَ الكَبيرَ فِي الثَبَاتِ والاستقرَارِ والقُدرَةِ
عَلَى مُواجَهَةِ المِصَاعِبِ ,دَائِمَاً .
- صَلاةُ الليلِ وقِيَامُه الوَسِيلَةُ المُوصِلَةُ لمَقَامِ ومَرتبَةِ الرّوحِيِّةِ العَالِيّةِ -
_____________________________________
إنَّ الوَسِيلَةَ الصَالِحَةَ التي تَعُدَّنا هَذا الإعدَادَ الرّوحِي , بِحَيث نُحَقِّقُ الثِمَارَ المَرجُوّةَ مِنه ,هي إحيَاءُ صَلاةِ الليلِ ,
قَالَ تَعَالَى:
((يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ (1) قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا (2) نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا (3) أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا (4) إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا (5) إِنَّ نَاشِئَةَ اللَّيْلِ هِيَ أَشَدُّ وَطْئًا وَأَقْوَمُ قِيلًا (6) إِنَّ لَكَ فِي اَلنَّهَارِ سَبْحًا طَوِيلًا (7) وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلًا (8))) المُزَّمِّلُ.
ثَمّةَ وَسَائِلٍ عِدَةٍ صَالِحَةٍ تٌقدّمُ لَنَا إعدَادَاً روحِيّاً وبُنيَويّاً في حَرَاكِنَا وعِبَادَتِنَا ومُواجَهتِنَا فِي هَذِه الحَيَاةِ,
وهي قِيَامُ الليلِ وذِكر اللهِ تَعَالى , وقِرَاءَةُ القُرآنِ , بتَدَبرٍ ووَعيٍ وفَهمٍ , والثَقَافَةُ الإيمَانِيّةُ ومُحَاسَبَةُ النَفسِ والنَقدُ الذّاتِيُّ ,
إنَّ قِيَامَ الليلِ هو مِمَا لا يَنبَغي بِنَا تَركَه ولِنُجَرّبه ولو بالحَدّ الأدنَى بالرِكعَة ِالوَاحِدَةِ(الوِتْر) أو بِقِرَاءَةِ سورةِ الفاَتِحَةِ ,
ثُمّ نَنتَظِرُ ثِمَارَ ذَلِكَ ,.
وَقَد جَاءَ إعدَادُ النَبيِّ الأكرَمِ , بِهذه الوَسَائِلِ الرَبّانِيّةِ , لِتَجعَلَه قَادِرَاً عَلَى تَحَمّلِ ثُقْلِ الرِسَالةِ وتَبليغها لِلنّاسِ أجمَعين, .
ولِنَلتّفِتَ إلى ثِمَارِ صَلاةِ الليلِ ومُكتَسَبَاتِهَا ,
وحَديِثٌ وَاحِدٌ يَكفي فِي ذلك, (عَن أبي عبدِ الله ِ , الإمامِ الصادِقِ ,عَليه السَلامُ , في قولِ اللهِ , عَزّ وجَلّ :
إنَّ الحَسَنَاتِ يُذهبن السَيئاتِ , قَالَ : صَلاةُ المُؤمنِ بالليلِ تذهبُ بِمَا عَمِلَ مِن ذنبٍ بالنهَارِ )
:الكافي,الكليني,ج3,ص266.
ومِن أبرَزِ مَصادِيقِِ الحَسَنَاتِ هِي صَلاةُ الّليلِ ,.
وفي النّهارِ كَمْ مِن الذِنوبِ يَرتَكَبُ الإنسَانُ , وإذا أرَاد َ مَحوِهَا فَعَلَيه بِصَلاةِ الليلِ ,.
إنَّ صلاةَ الليلِ وبِحَسَبِ المَأثورِ الرّوَائِي المُعتَبرِ عَن المَعصومين , عَليهم السَلامُ, تَطردُ الدّاءَ مِن الأجسَامِ وتُبيّضُ الوَجّه
وتُطيّبُ الرِيحَ , وتَجلبُ الرِزقَ, وتُذهِبُ بالهَمِّ وتَجلو البَصَرَ , و تُحَسِّنُ الخُلُقَ ,وتَقضي الدّينَ ,ومَصَحّةُ للبَدَنِ ,
ورِضَاً لِلرّبِّ وتَمَسّكَاً بِأخلاقِ النَبيّ الأكرَم ,
وقَد ذَكرَ المُفسّرون أنّها تُقويّ الإرَادَةَ وتُنَقِيّ القَلبَ , إذ أنَّ الإنسَانَ المُؤمنَ عَادَةً مَا يحُبُّ الرّاحةَ والنَومَ ,
فالقيامُ بالليلِ يُقوي الإرَادَةَ , شَيئَاً فَشَيئَاً , حَتّى يَقوى عَلَى الوَرَعِ ويَقوَى إخلاصَه ,وخَاصّةً وهو يَبتَعِدُ عَن النّاسِ فِي قِيَامِه لَيلاً ,
ولا يَتَوقعُ مِن أحَدٍ أنْ يَمدَحَه أو أنْ يَرَاه , وهذه هي الخِلوَةُ والِلقَاءُ باللهِ ومُنَاجَاتِه, وفي وَحدَتِه يَكونُ وَحيدَاً مَع اللهِ تَعَالىَ ,
وفي وَقتِ قِيامِ الليلِ تَتَنزّلُ الفِيوضَاتُ الخَاصّةُ مِن اللهِ , وقَد يُوَفّقُ المُؤمنُ القَائِمُ لِتَلَقّي تلك الفِيوضَاتِ بِروحِه وقَلبِه ,
ولِينَعَم بِهَا , ويَتَقوّى في إخلاصِه وإرَادَاتِه عَلى مُواجَهَةِ المَصَاعِبِ وتَحَمّلِ أعبَاءِ التَكليفِ والرِسَاَلَةِ .
إنَّ تَرتيِلَ القُرآنِ الكَريمِ فِي الَليلِ بِمَا هو مَطلوبٌ مِن استِشعَارِ رِقَابَة اللهِ , وحَقِّه في الطّاعَةِ والعبودِيّةِ ,
هو مَا يَدفَعُ المُؤمِنَ نَحو الطّاعَةِ ويُبعِدَه مِن المَعصيّةِ.
فالأجواءُ الرّوحِيّةُ كَترتيلِ القُرَآنِ في الليلِ لَهَا مِن الأهميّةِ الكَبيرَةِ مَا لا تَخفى عَلى المُؤمنين ,
وكذلك الأجواءُ الإيمَانِيّةُ لَهَا الأثرُ البَليغُ فِي رَفعِ مَرتبةِ الإعدَادِ الرّوحِي وتَكامله ,
فَالحَذرُ الحَذرُ مِن الأجواءِ الهَابِطةَِ كَقرِينِ السُوءِ والذي يَأخذُ بِصَاحِبِه نحو الفِسقِ والفجورِ والضَلالِ , شَيئَاً فَشَيئاًَ
,فَضلاً عَن إضرَارِه بِسُمعَةِ القَرين, والمَرءُ عَلى دِينِ خَليلِه وقَرينِه .
__________________________________________________ ______
- مَضمونُ الخُطبَةِ الأولّى للوَكيلِ الشَرعي , الشَيخ عَبد المَهْدي الكَربَلائي, خَطيبِ , وإمَامِ الجُمعَةِ فِي الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ ,
والتي ألقَاهَا اليَومَ , الجُمْعَةَ , السَادِسِ عَشَر مِنْ رَبيعٍ الأوّلِ ,1438 هِجري ,المُوافقَ ,لِ, السَادِس عَشَر مِنْ كانونِ الأوّلِ
,2016م , وبِمُنَاسبَةِ ذِكْرَى وِلادَةِ النَبيِّ الأكرَمِ مُحَمّدٍ , صَلَى اللهُ عَلَيه وآلِه -
_______________________________________
تَدوينُ – مرتضى علي الحلي – بِتَصَرّفٍ مِني وتَخريجٍ –
رَاجين رِضَا اللهِ تَعَالى , وتَوفِيقَه .
_______________________________________
تعليق