نص الشبهة:
الجواب:
يروي صاحب كتاب (نهج البلاغة) ـ وهو كتاب معتمد عند الشيعة ـ أن علياً « رضي الله عنه » استعفى من الخلافة وقال : « دعوني والتمسوا غيري »! (« نهج البلاغة » ، (ص 136) ، وانظر : (ص 366ـ 367) و (ص 322) .) وهذا يدل على بطلان مذهب الشيعة ، إذ كيف يستعفي منها ، وتنصيبه إماماً وخليفة أمر فرض من الله لازم ـ عندكم ـ كان يطالب به أبابكر ـ كما تزعمون ـ ؟! وفي صياغة أخرى لهذا السؤال قال : لماذا استعفى علي « رضي الله عنه » من الخلافة وأبى قبولها بعد قتل عثمان عندما قال لأصحاب رسول الله « صلى الله عليه وآله » : دعوني والتمسوا غيري كما ذكر صاحب (نهج البلاغة ( ، والسؤال المطروح على الرافضة هو : إذا كانت الإمامة ركن من أركان الدين ونزل بها الوحي الأمين على إمام المرسلين وسيد الأولين والآخرين ، فلماذا تنحى عنها علي ؟! أليس في ذلك هدم لركن الإمامة المزعوم ، وطعن في الكرار المقدم : علي « رضي الله عنه » ؟!
الجواب:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين . .
وبعد . .
إن بعض أو كثير من الذين سخطوا سياسات عثمان لن ترضيهم سياسات علي « عليه السلام » الذي سيعمل فيهم بمرِّ الحق ، لأن الكثيرين ممن سخطوا إمارة عثمان ، إنما سخطوها لأنهم لم ينالوا ما توقعوه منها ، بعد أن آثر عثمان أقاربه بكل شيء . .
كما أن الفريق العثماني لن يرضى باستعادة علي « عليه السلام » ما كان عثمان قد أعطاهم إياه من أموال المسلمين . .
يضاف إلى ذلك : أنه « عليه السلام » سيعود بالناس إلى النهج النبوي ، الذي يقضي بإعادة الأمور إلى نصابها ، ويحتم عليه نقض الكثير من السياسات التي تستبطن الظلم والتعدي ، وقد اعتاد عليها الناس ، ومنها السياسات المالية ، ولو كلفه ذلك خوض اللجج وبذل المهج .
وأما ما كان حقاً لله تعالى ، فعليه أن يرشد الناس إلى الصواب فيه ، وعليهم أن يستجيبوا لنداء الله .والذين يصرون منهم على المخالفة قسمان :قسم وقع في شبهة ، بسبب إحسانه الظن بمن سن وقرر ، أو رأى أو ارتأى . . فهذا يوكل أمره إلى الله تعالى .
وقسم مُصِّر ومعاند ، مع وضوح الحق له ، فإن أراد أن يعاقب هذا القسم فسيطالب بالمبرِّر ، وسيتهم بالتعدي والظلم ، وبالعمل بالهوى . . إذ لا يعترف أحد له أنه يعلم بما في ضمائر الناس .
فإذا وجد هؤلاء وأولئك : أن علياً « عليه السلام » سينتهج سياسة تضر بطموحاتهم ، فإنهم سيواجهونه بالرفض ، وسيتداعون لمقاومته . . وسيؤدي ذلك إلى كارثة حقيقية تحل بالناس ، فكان لا بد من إفهامهم قبل أن يستجيب لهم : أنهم إن كانوا يريدون حاكماً يسير فيهم بالسياسات التي ترضي طموحاتهم ، وتجلب لهم الأموال والمناصب من دون مراعاة أحكام الشرع ، فإن ما أرادوه لن يحصلوا عليه منه . . كما أن بيعتهم له ، وهم يفكرون بهذه الطريقة ، ويسعون إلى هذا الأمر ، لن تمكنه من إجراء سنة العدل فيهم . .
وليس هؤلاء ممن يمكن أن ينتصر بهم ، أو أن يعينوه على إقامة الحق . . وكبح جماح الباطل .
وعلى هذا . . ستكون وزارته لهم خير من إمارته عليهم ، ما داموا لا يريدون الانصياع للحق الذي سيلتزم وسيلزمهم به في إمارته ، لأن إمارته ستتصادم مع أهوائهم ، وسيؤدي ذلك إلى الدمار والبوار لهم في الدنيا والآخرة .
وبذلك يكون الإنتظار إلى أن تتغير أحوالهم هو الأقرب والأصوب . .
ولكنه « عليه السلام » قَبِلَ البيعة منهم حين أعلنوا رضاهم بسياساته ، وتعهدوا بنصرته ومعونته ، فقامت الحجة عليه بذلك ، وكان لا بد من القبول .
ولذلك قال « عليه السلام » : « لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها » .
وقد أوضح « عليه السلام » في نفس هذا الموضع هذه الحقيقة بأتم ما يكون ، فقد قال لهم : « دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان . لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول . وإن الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكرت .
واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب . وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم . . وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً » 1 .
فظهر بذلك : أنه « عليه السلام » لم يتنحَّ عن الخلافة ، إلا عن خلافة يريدونها له كجسر لأطماعهم ، وبلوغ غاياتهم واهوائهم . . ولم يهدم ركن الإمامة ، بل أراد أن يأخذ منهم الوعد والعهد على نصرته ، وطاعته ، وأن يعرِّفهم : أنهم مقدمون على أمور هائلة ، وصعبة ، وقد يكون بعضها غائماً عليهم ، وغير مفهوم لهم . . فعليهم أن يتخذوا قرارهم على بصيرة من أمرهم ، لكي لا يكون لهم أي مبرر للعصيان والنكث في أي حال ، ولكي لا يدعي أحد منهم أن بيعته كانت فلتة 2 ، من دون تأمل وتفكير . .
فلما تحقق له ذلك قام بالأمر ، وكان ما كان . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . .
الفهارس
1. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص181 و 182 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص378 وبحار الأنوار ج32 ص35 و 36 وج41 ص116 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص33 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج12 ص157 .
2. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص19 الخطبة 136 وراجع الكتاب 54 والإرشاد ج1 ص243 وكتاب الأربعين للشيرازي ص202 وبحار الأنوار ج32 ص33 و 49 ونهج السعادة ج1 ص196 و 197 والمعيار والموازنة ص105 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص31 .
والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله الطيبين الطاهرين . .
وبعد . .
إن بعض أو كثير من الذين سخطوا سياسات عثمان لن ترضيهم سياسات علي « عليه السلام » الذي سيعمل فيهم بمرِّ الحق ، لأن الكثيرين ممن سخطوا إمارة عثمان ، إنما سخطوها لأنهم لم ينالوا ما توقعوه منها ، بعد أن آثر عثمان أقاربه بكل شيء . .
كما أن الفريق العثماني لن يرضى باستعادة علي « عليه السلام » ما كان عثمان قد أعطاهم إياه من أموال المسلمين . .
يضاف إلى ذلك : أنه « عليه السلام » سيعود بالناس إلى النهج النبوي ، الذي يقضي بإعادة الأمور إلى نصابها ، ويحتم عليه نقض الكثير من السياسات التي تستبطن الظلم والتعدي ، وقد اعتاد عليها الناس ، ومنها السياسات المالية ، ولو كلفه ذلك خوض اللجج وبذل المهج .
وأما ما كان حقاً لله تعالى ، فعليه أن يرشد الناس إلى الصواب فيه ، وعليهم أن يستجيبوا لنداء الله .والذين يصرون منهم على المخالفة قسمان :قسم وقع في شبهة ، بسبب إحسانه الظن بمن سن وقرر ، أو رأى أو ارتأى . . فهذا يوكل أمره إلى الله تعالى .
وقسم مُصِّر ومعاند ، مع وضوح الحق له ، فإن أراد أن يعاقب هذا القسم فسيطالب بالمبرِّر ، وسيتهم بالتعدي والظلم ، وبالعمل بالهوى . . إذ لا يعترف أحد له أنه يعلم بما في ضمائر الناس .
فإذا وجد هؤلاء وأولئك : أن علياً « عليه السلام » سينتهج سياسة تضر بطموحاتهم ، فإنهم سيواجهونه بالرفض ، وسيتداعون لمقاومته . . وسيؤدي ذلك إلى كارثة حقيقية تحل بالناس ، فكان لا بد من إفهامهم قبل أن يستجيب لهم : أنهم إن كانوا يريدون حاكماً يسير فيهم بالسياسات التي ترضي طموحاتهم ، وتجلب لهم الأموال والمناصب من دون مراعاة أحكام الشرع ، فإن ما أرادوه لن يحصلوا عليه منه . . كما أن بيعتهم له ، وهم يفكرون بهذه الطريقة ، ويسعون إلى هذا الأمر ، لن تمكنه من إجراء سنة العدل فيهم . .
وليس هؤلاء ممن يمكن أن ينتصر بهم ، أو أن يعينوه على إقامة الحق . . وكبح جماح الباطل .
وعلى هذا . . ستكون وزارته لهم خير من إمارته عليهم ، ما داموا لا يريدون الانصياع للحق الذي سيلتزم وسيلزمهم به في إمارته ، لأن إمارته ستتصادم مع أهوائهم ، وسيؤدي ذلك إلى الدمار والبوار لهم في الدنيا والآخرة .
وبذلك يكون الإنتظار إلى أن تتغير أحوالهم هو الأقرب والأصوب . .
ولكنه « عليه السلام » قَبِلَ البيعة منهم حين أعلنوا رضاهم بسياساته ، وتعهدوا بنصرته ومعونته ، فقامت الحجة عليه بذلك ، وكان لا بد من القبول .
ولذلك قال « عليه السلام » : « لولا حضور الحاضر ، وقيام الحجة بوجود الناصر لألقيت حبلها على غاربها ، ولسقيت آخرها بكأس أولها » .
وقد أوضح « عليه السلام » في نفس هذا الموضع هذه الحقيقة بأتم ما يكون ، فقد قال لهم : « دعوني والتمسوا غيري ، فإنا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان . لا تقوم له القلوب ، ولا تثبت عليه العقول . وإن الآفاق قد أغامت ، والمحجة قد تنكرت .
واعلموا أني إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم ، ولم أصغ إلى قول القائل وعتب العاتب . وإن تركتموني فأنا كأحدكم ، ولعلي أسمعكم وأطوعكم لمن وليتموه أمركم . . وأنا لكم وزيراً خير لكم مني أميراً » 1 .
فظهر بذلك : أنه « عليه السلام » لم يتنحَّ عن الخلافة ، إلا عن خلافة يريدونها له كجسر لأطماعهم ، وبلوغ غاياتهم واهوائهم . . ولم يهدم ركن الإمامة ، بل أراد أن يأخذ منهم الوعد والعهد على نصرته ، وطاعته ، وأن يعرِّفهم : أنهم مقدمون على أمور هائلة ، وصعبة ، وقد يكون بعضها غائماً عليهم ، وغير مفهوم لهم . . فعليهم أن يتخذوا قرارهم على بصيرة من أمرهم ، لكي لا يكون لهم أي مبرر للعصيان والنكث في أي حال ، ولكي لا يدعي أحد منهم أن بيعته كانت فلتة 2 ، من دون تأمل وتفكير . .
فلما تحقق له ذلك قام بالأمر ، وكان ما كان . .
والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى محمد وآله . . .
الفهارس
1. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص181 و 182 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص378 وبحار الأنوار ج32 ص35 و 36 وج41 ص116 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج7 ص33 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج12 ص157 .
2. نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص19 الخطبة 136 وراجع الكتاب 54 والإرشاد ج1 ص243 وكتاب الأربعين للشيرازي ص202 وبحار الأنوار ج32 ص33 و 49 ونهج السعادة ج1 ص196 و 197 والمعيار والموازنة ص105 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص31 .
تعليق