بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته




إنّ قضية المرأة، كسواها من القضايا الأخرى، باتت ألعوبة في يد النفعيين الذين يتاجرون بكافة القيم الإنسانية في العالم، وفي وسائل الإعلام العالمية على مرّ السنين، والذين لا يعرفون قيمة للمرأة، ولا للبشرية، ولا للكرامة الإنسانية سوى ما يهمّهم من المكاسب المادية –وللأسف فإنهم يلعبون دوراً بارزاً على شتى الأصعدة في إطار الحضارة الغربية الحديثة- فجعلوا من قضية المرأة وسيلة لاستدرار الربح المادي، وراحوا ينشئون حولها الأبحاث، ويبتدعون لها التقاليد، وينشرون عنها الدعايات، فزجّوا بعقل الرجل والمرأة معاً في كافة أنحاء العالم إلى متاهة مظلمة، ودفعوا بهما سوية إلى مفترق طرق من الضياع والضلال.
وفي مثل هذه الظروف يجدر بالمرأة المسلمة أن تستعيد هويتها عن طريق التأمل في المفاهيم الإسلامية والمثل الدينية واسكناه الخطوط والتدابير التي اتخذها النظام الإسلامي من أجل تطور ورخاء المرأة والرجل، وأن تتسلح بالأدلة الموضوعية في مواجهة سفسطة وهراء العناصر الصهيونية، وأصحاب الثراء الفاحش واللاهثين خلف بريق الذهب.
لقد وقف الإسلام في وجه الجاهلية التي جارت على المرأة وغمطتها حقها، سواء أكان ذلك على الصعيد المعنوي والفكري أو على مستوى القيم الإنسانية أو في مجال المشاركة السياسية، وفوق كل ذلك في مجال الأسرة، حيث إن هذا المجتمع الصغير، المكون من الرجل والمرأة، سيجعل من المرأة خاصة عرضة للجور إذا لم تقم عماده في ظل مجتمع تسوده القيم والمثل. ولهذا فقد وضع الإسلام قيماً لكل هذه المجالات الثلاثة.
الدور المعنوي للمرأة:
فعلى الصعيد المعنوي أعطى الإسلام للمرأة دوراً مؤثراً في سَوق الحركو المعنوية للإنسان صوب التطور والمدنية. وعندما يريد القرآن أن يضرب مثلاً للمؤمنين فإنه يقول «وَضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امرَأَة فِرْعَوْن»(التحريم: 11) فيضرب مثلاً بامرأة. وكذلك عندما يدور الحديث حول الإيمان والإسلام والصبر والصدق والجهاد في سبيل القيم الإنسانية والإسلامية والمعنوية فإنه يقول «إنّ المُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَات وِالْمُؤمِنِينَ وَالمُؤْمِنَات وَالقَانِتِينَ وَالقانِتَات وَالصَادِقِينَ وَالصَادِقَات وَالصَابِرِينَ وَالصَابِرات وَالخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَات»(الأحزاب: 35). فقد ورد في هذه الآية عشرة أسماء للقيم المعنوية: الإسلام، والإيمان، والقنوت، والصدق، والصبر، والخشوع، وسواها. فالمرأة والرجل يسيران جنباً إلى جنب في هذا الإتجاه، ويتقدمان معاً على طريق واحد كما ذكر القرآن الكريم. إن ذلك الصنم الذي أقامته الجاهلية للرجل دائماً فأقبل على تقديسه الرجل والمرأة كلاهما، حطّمه الإسلام في هذه الآيات.
الدور السياسي والاجتماعي للمرأة:
كما أن الإسلام يعتبر بيعة المرأة أمراً ضرورياً وقضية حيوية على صعيد القضايا السياسية والإجتماعية.
وبإلقاء نظرة على العالم الغربي وتلك البلدان الأوروبية التي تدّعي جميعها الدفاع عن حقوق المرأة –وهي أكاذيب في مجملها- فإننا نجد أن المرأة، وحتى العقود الأولى من هذا القرن، لم يكن لها حق في إبداء الرأي، ولا في الإنتخاب، بل وحتى لم يكن لها حق في الملكية؛ أي أنها لم تكن أيضاً مالكة لأموالها الموروثة، وإنّما كان المالك هو زوجها! ولكن الإسلام يقرّ بيعة المرأة ومالكيتها ومشاركتها في الساحات الأساسية السياسية والإجتماعية، فيقول القرآن الكريم «إذا جَاءَكَ المُؤْمِنَات يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللهِ شَيْئاً»(الممتحنة: 12)؛ فالنساء كنّ يأتين أيضاً لمبايعة النبي(ص) ولم يقل رسول الإسلام بأن الرجال ينوبون عن النساء؛ فيخترن من اختاروا ويقبلن بمن قبلوا، بل قال بأن النساء يبايعن أيضاً ولهن أن يشاركن في القبول بهذه الحكومة وهذا النظام الإجتماعي والسياسي. فالغربيون متأخرون عن الإسلام ألفاً وثلاثمائة سنة في هذا المجال، ولكنهم يتشدقون بهذه المزاعم!
وكذلك هو الأمر في مجال الملكية وسواه من المجالات الأخرى ذات الصلة بالقضايا الإجتماعية والسياسية.
ولقد كانت فاطمة الزهراء(ع) هي نفسها أسوة في ذلك سواء في مرحلة الطفولة أو في المدينة المنورة بعد هجرة الرسول(ص) إليها، وكذلك في كافة الشؤون العامة في ذلك الزمان الذي كان فيه أبوها محوراً لجميع الأحداث السياسية والإجتماعية، حيث كان لها(ع) حضور واسع، وكانت مظهراً لدور المرأة في النظام الإسلامي. وبالطبع فإن فاطمة الزهراء(ع) كانت قمة في هذه الأمور، ولكن سيدات أخريات كنّ في صدر الإسلام على قدر كبير من المعرفة والحكمة والعلم، وكان لهن حضور في ميادين الحرب، لدرجة أن بعض مَن كُنّ يتمتعن بقوة بدنية كانت لهن صولات وبطولات في المعارك والضرب بالسيف وسوح التضحية. ولكن الإسلام لم يوجب ذلك طبعاً على النساء، بل أسقطه عنهن لعدم ملائمته لطبيعتهن الجسدية وكذلك لعواطفهن.
مكانة المرأة داخل الأسرة:
وأما في داخل الأسرة، فقد أوجب الإسلام على الرجل المحافظة على المرأة كما وردة، ولذلك يقول "المرأة ريحانة". وهذا لا يتعلق بالمجالات السياسية والإجتماعية والدراسية وشتى ألوان الكفاح الإجتماعي والسياسي، بل يتعلق بالكيان العائلي.
إن "المرأة ريحانة، وليست بقهرمانة"، وبهذا يقضي النبي(ص) على تلك النظرة الخاطئة التي كانت لا ترى في المرأة سوى خادمة داخل المنزل؛ فهي على غرار الزهرة ويجب الحفاظ عليها. وبمثل هذا التصور ينبغي النظر إلى هذا المخلوق ذي اللطافة والرقة الروحية والجسمية، وهذا هو رأي الإسلام. وعلى هذا فقد حافظ الإسلام على المميزات النسوية للمرأة والتي يقوم على أساسها كل ما لديها من مشاعر وإرادات، فلم يخضعها ولم يطلب منها أن تفكر كالرجل، أو تعمل كالرجل أو تكدح وتطمح كالرجل –أي أن حفظ لها خصوصيتها الأنثوية والتي هي خصوصية طبيعية وفطرية، كما أنه محور كافة المشاعر والمساعي النسوية- في حين فتح أمامها شتى أبواب العلم والمعنوية والتقوى والسياسة، وحثها على اكتساب العلم وأيضاً على المشاركة في الميادين الإجتماعية والسياسية المختلفة. وفي نفس الوقت فإنه لا يحق للرجل داخل الأسرة أن يجبر المرأة أو يضطرها أو يدفعها للقيام بما ليس من واجبها، ولا أن يستخدم معها السيطرة الجاهلة واللاقانونية. فهذه هي النظرة الإسلامية.

إنّ أمهات وزوجات الشهداء لو كنّ قد أظهرت اليأس والإمتعاض لما حققنا الإنتصار في الحرب ولجفّ شوق الجهاد في سبيل الله وغاض ينبوع الشهادة في قلوب الرجال، ولما كان هذا الحماس، ولما أضفى هذه الغضارة على المجتمع. لقد اضطلع النساء بدور طليعيّ في ميدان الحرب أيضاً. ولولا وفاء النساء وعواطفهن وحضورهن في الساحات المختلفة ومشاركتهن في المسيرات وفي الإنتخابات لما استطاع الرجال القيام بهذا التحرك العظيم ولما تمكنوا من مواصلة الطريق. فهذه هي نظرة الإسلام والنظام الإسلامي.
خيانة الثقافة الغربية للمرأة:
إنّ الغربيين يتحملون المسؤولية الجسيمة أمام المرأة، فلقد خانوا المرأة. وإن الحضارة الغربية لم تمنح المرأة شيئاً يذكر. وما حققته المرأة من تقدم علمي وسياسي وفكري فإنما بفضل جهودها وسعيها، وهذا يحدث في كل مكان، وقد حدث في إيران الإسلام وفي بلدان أخرى.
لقد كان ذلك بفضل المرأة، وإن ما أدى بالغربيين إلى حافة الهاوية وساق الحضارة الغربية إلى شفا الإنهيار هو ما فشا في المحيط النسوي من انحراف وتحلل وابتذال. لقد جرّوا المرأة إلى الإبتذال وأفسدوها حتى داخل الأسرة. وها هي الصحف الأمريكية والأوروبية تطلع علينا، دائماً، بارتفاع نسبة تعذيب المرأة ومعاملتها بوحشية.
إنّ الثقافة الغربية -فيما يتعلق بالمرأة وجرّ المرأة إلى الإنحلال والابتذال في تلك البلدان- أدت إلى ضعف الأسرة وزلزلت الكيان العائلي، ولم يعد يعطي الزوج أو الزوجة كبير أهمية للخيانة الزوجية، أفليس هذا إثماً؟ أليست هذه خيانة للمرأة؟
ومع مثل هذه الثقافة المنحرفة نجدهم يتبجّحون على كل العالم، مع أنهم مدينون! إن الثقافة الغربية النسوية ينبغي لها أن تقف موقف الدفاع، وعليها أن تدافع عن نفسها، ولا بد لها من إعطاء الإيضاحات، ولكن غلبة وسيطرة الرأسمالية والإعلام الغربي المستكبر والتجبر تقلب الأمور رأساً على عقب، فيتحول هؤلاء إلى أصحاب حقوق ومدافعين عن حقوق المرأة كما يقولون ويزعمون! والحال أن الأمر ليس كذلك.
وبالتأكيد فإن بين الغربيين مفكرين وفلاسفة وأشخاصاً صادقين وصالحين يفكرون ويتحدثون بصدق، وإنّ ما أقوله هو أن الإتجاه الثقافي والحضاري العام في الغرب ليس في صالح المرأة بل ضدها.
وظيفة المرأة المسلمة اليوم:
إنّ على المرأة المسلمة الإيرانية في إيران الإسلام أن تسعى لإحياء القيمة السامية للمرأة المسلمة لتشد إليها أنظار العالم، وهذه هي مسؤولية المرأة المسلمة اليوم، ولاسيما الفتيات الشابات في المدارس والجامعات.
إنّ الهوية الإسلامية هي أن تحافظ المرأة على هويتها وخصوصيتها كامرأة والتي تعد أمراً طبيعياً وفطرياً، حيث إن خصوصيات كل جنس تمثل قيمة له؛ أي أن عليها أن تحافظ على مشاعرها الرقيقة، وعواطفها الملتهبة، وعطفها ومحبتها، ورقتها، وصفائها وتألقها الأنثوي. وفي نفس الوقت، فإنّ عليها أن تتقدم وثّابة في مجالات القيم المعنوية، كالعلم والعبادة والتقرب إلى الله، وكالمعرفة الإلهية والسلوك في وديان العرفان. كما أن عليها أن ترقى في المجالات الإجتماعية والسياسية وفي ميادين الصمود والصبر والمقاومة والمشاركة السياسية والإرادة السياسية، ومعرفة مستقبلها، واستشراف الأهداف الوطنية والكبرى والأهداف الإسلامية التي تصبو إليها البلدان والشعوب الإسلامية، ومعرفة العدو ومؤامراته وأساليبه، والإنطلاق إلى الأمام يوماً بعد آخر. ويجدر بها التقدم أيضاً على نطاق تحقيق العدل والإنصاف وتوفير الأجواء الهادئة والأمن والسكون في الحياة العائلية.
كما أنه إذا كانت ثمة حاجة إلى سن القوانين الضرورية، وإحداث تصحيح وإصلاح، على صعيد القضايا المؤدية إلى هذا الهدف، فإنّ على المرأة المثقفة والواعية والمتعلمة أن تتقدم في كافة هذه المجالات، وعليها أن تكون قدوة وأسوة، حتى يقولوا بأن المرأة المسلمة هي التي تراعي دينها وحجابها ونعومتها ورقتها ولطافتها، كما تدافع في نفس الوقت عن حقوقها، وتتقدم في ميادين المعنويات والعلم والبحث والتقرب إلى الله، وتكشف عن شخصيتها البارزة، وهي –مع كل هذا- حاضرة في الساحة السياسية، ومن هنا تكون أسوة للنساء.
اعلمن أن أنظار المرأة المسلمة في الكثير من بلدان العالم مشدودة إليكنّ اليوم، وأنها تتعلم منكن. وإنّ الذي نشاهده في بعض البلدان الغربية، وبعض البلدان الإسلامية التي تتحكم فيها أنظمة غير إسلامية من مهاجمة أعداء الدين للحجاب الإسلامي لدليل على تطلع وتمسك تلك المرأة بالحجاب. وفي البلدان الجارة، حيث لا أهمية تعطى للحجاب، وفي البلدان الإسلامية التي شاهدتها بنفسي عن قرب ولم يكن يُسمع فيها ذكر للحجاب، وبعد عشرين عاماً من عمر الثورة، نجد أن المرأة، ولاسيما المثقفة والجامعية، قد أقبلت على الحجاب وتعلقت به وتعودت عليه وغدت مراعية له، وثمة نماذج لذلك حتى في البلدان الغربية فضلاً عن الإسلامية، وأنتنّ الأسوة والقدوة.
اعلمن أنه لا يوجد في أي مكان من العالم اليوم نساء كأمهات شهدائنا، ومنهن من هي أم لشهيدين، وأم لثلاثة شهداء، وأم لأربعة شهداء.
إنّ الكثير من الأمهات المتميزات اللائي تفوقن على الآباء في القوة والوعي والمثابرة، وهذا بفض التربية الإسلامية، ومن الآثار الطاهرة والمطهرة والنورانية لفاطمة الزهراء(ع).
إنكن بنات فاطمة الزهراء، وأتباع فاطمة الزهراء. وإنني لأدعو الله تعالى أن تشرق على قلوبكن أنوار الولاية والمعنوية والمعرفة المقدسة.