إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أين هي جنة علي عليه السلام في دعاء كميل؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أين هي جنة علي عليه السلام في دعاء كميل؟

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته





    إن العبد إذا توجه إلى ربه داعياً إنما يتوجه إلى مصدر الخير بل إلى الخير كل الخير والجود المطلق. وبالدعاء يقف بين يدي بارئه عارضاً ضعفه وفقره واحتياجه أمام القادر الكريم الكامل. في الدعاء يتجلى العبد بكل عبوديته ومملوكيته ويبرز بعجزه وفقره أمام حضرة الملك المالك الرحيم الرحمن. على أن نفس مقام الداعي الصادر من ذلة العبودية إلى عزّ وجلال الربوبية صورة فيها مزج بين المقامين تستدعي ملاحظة الفارق والفوارق...
    في صورة الدعاء قرن بين "أنا" العبد و"أنت" الإله والرب وهي بنفسها ودون مزيد بيان تستدعي المقارنة بين فقير محتاج ضعيف عاجز بل هو عين ذلك كله وبين الغني القادر على الإطلاق. ولذا فإن الإمام علي عليه السلام تراه يبدأ دعاءه المسمى بدعاء كميل بن زياد بالقرن ما أمكن بين ما دل على الداعي وهو الإنسان وما دل على المدعو وهو اللَّه... بين "ياء المتكلم" وأدوات الخطاب فيقول: "اللهم إني أسألك". وفي ذلك استعطاف واسترحام لاستجلاب الإجابة. وكم من مرة استخدم في الدعاء المذكور عبارة "إلهي... سيدي.. ربي... مولاي..." كم مرة مزج بلا فواصل بين "ياء" الإنسان مع أسماء الإله وصفاته... فالسؤال والطلب ممن لا يملك شيئاً بل من المملوك بكله إلى المالك على الإطلاق ولا بد أن يكون متعلق الطلب والسؤال بحسب المخاطب والمدعو لا بحسب استحقاق الداعي، فالمدعو هو اللَّه وهو فوق أن يُنال بأمل أو أمنية أو أن يُدرك ولو بطائر خيال، ولذا فالعبد في لحظة إقبال المولى عليه يفترض أن يطلب غاية ما يصبو إليه وأكمل ما يمكن أن ينال من الكريم الجواد.
    وبناء على هذه المقدمة فيفترض أن يشتمل دعاء كميل على طلب الجنة... ولكن كم يأخذنا العجب عندما نقرأ ثم نقرأ ثم نعيد قراءة هذا الدعاء فلا نعثر على ذكر الجنة ولو مرة واحدة... فما هو سر ذلك؟ هل قصرت همة علي عليه السلام عن طلب الجنة؟ أم أنها جلت عن طلبها؟ أو أن طموحه قصَّر عن العمل لها فقنع بما دون ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر؟ وحاشا لعلي عليه السلام أن يكون كذلك... علّنا نجد أجوبة تشفي من خلال فقرات دعاء كميل بن زياد.
    * نظرة في دعاء كميل‏
    إذا قمنا بسياحة في دعاء كميل بن زياد نرى أن الدعاء يشتمل على آداب عالية وفنون رفيعة يبث فيها الإمام ربه آيات العرفان والمحبة فيبدأ بالمدح للمولى ثم الطلب إليه أن يزيل موانع إقبال المولى عليه. "اللهم اغفر لي الذنوب التي تهتك العصم اللهم اغفر لي الذنوب التي تنزل النقم اللهم اغفر لي الذنوب التي تغير النعم اللهم اغفر لي الذنوب التي تحبس الدعاء اللهم اغفر لي الذنوب التي تقطع الرجاء (تنزل البلاء)" إلى أن يصل لطلب إزالة كل الموانع والموبقات "اللهم اغفر لي كل ذنب أذنبته وكل خطيئة أخطأتها". ويجعل الإمام شفيعه إلى اللَّهِ اللَّهَ نفسه.. طالباً الرحمة. وكل ذلك مقدمة لمطلوبه الأعظم... ولتعرف مطلوب الإمام الأعظم تعالَ نعرف محذوره ومبغوضه الأعظم.

    * محذور الإمام عليه السلام الأعظم‏
    إن مما يستوقف القارئ‏ لدعاء كميل عبارة لطالما أدهشت وأخذت بألباب العلماء والعارفين والسالكين وهي قوله عليه السلام: "فهبني يا إلهي وسيدي ومولاي وربي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك". فالعذاب الأعظم والأمر الأشد في نظر علي عليه السلام ليس النار وجحيمها رغم أنه يطلب الخلاص منها... العذاب الأمرّ والأشد هو فراق المحبوب... فراق المطلوب... فراق اللَّه... وجهنم التي يطلب الإمام علي عليه السلام أن ينجو منها هي فراق محبوبه ومعشوقه فإلى أي درجة وصل تعلُّق قلب الإمام علي عليه السلام بمحبوبه الأول. حتى لا تؤثر فيه النار ولا عذاب النار... أو يرى عذاب جهنم أهون وأخف من الحرمان من وصال محبوبه والنظر إلى أنوار قدسه حيث الكرامة عنده رؤية المحبوب. "وهبني صبرت على حر نارك فكيف أصبر عن النظر إلى كرامتك". بل إن البكاء عنده لا يكون من الألم وإنما من الفراق. "ولأبكين عليك بكاء الفاقدين"...

    * لماذا يا ترى... وما هو مطلوب الإمام علي عليه السلام؟
    المطلوب عند علي عليه السلام، فالمطلوب عند علي ليس الجنة ونعيمها ولا الفرار من النار وجحيمها... المطلوب هو غاية ما يطلب وكمال ما يطلب.. فعلي عليه السلام يعلمنا أن نطلب أقصى ما يمكن... وغاية ما يمكن الذي هو اللَّه تعالى وقربه، ليست الجنة المطلوب بل صاحب الجنة ولا النار المحذور بل فراق سيدها... "يا غاية آمال العارفين..." فهو يطلب أن يكون في خاصة اللَّه وأقرب العباد منزلة منه. هل جنة علي عليه السلام في الآخرة؟ وعوداً على بدء فإن القرب الحقيقي من اللَّه الذي هو كمال النعمة وتمامها أن يتشرف الإنسان بالدنو من الحضرة الإلهية دنواً بلا وسائط ولا حجب ولا يكون ذلك إلا بالطاعة ولكنه مطلب يحتاج إلى جد وعزم وجهد ليتوصل إليه: "قوِّ على خدمتك جوارحي واشدد على العزيمة جوانحي وهب لي الجد في خشيتك والدوام في الاتصال بخدمتك...". لماذا كل ذلك لأنه بتلك العبادة والخدمة يحظى الإنسان برضا سيده فيفوز بنظرة ولفتة وجذبة ليصل إلى محبوبه فلا يعود مضطراً لانتظار القيامة والآخرة وأنى لقلب العاشق الولهان أن يحتمل طول الفترة وبعد المدة حتى يصل إلى حبيبه... وهو قادر بعون الحبيب وجذبه على وصاله قبل ذلك. "حتى أسرح إليك في ميادين السابقين وأسرع إليك في المبادرين وأشتاق إلى قربك في المشتاقين وأدنو منك دنو المخلصين وأخافك مخافة الموقنين واجتمع في جوارك مع المؤمنين".

    * كيف يحصل على المطلوب؟
    إن المطلوب الذي ذكره الإمام عليه السلام وأشرنا إليه وهو قرب المولى الكريم والكون تحت نظره وفي حضرته، لا يريده عليه السلام قرب ودنو ووصال طالب الجائزة الذي أدى ما عليه فنجح ليرتاح من العبادة والعمل... ذلك أن العزة كل العزة وكمال العزة أن يبقى عبداً. "كفى بي عزاً أن أكون لك عبداً وكفى بي فخراً أن تكون لي رباً" ليس العز والفخر أن يخرج من ساحة الطاعة إلى ساحة نيل الجوائز بل أن يقبل الإله والسيد والرب هذا الإنسان عبداً، عبادة لا تنتهي بالموت كما لا تبدأ مع بالولادة، عبادة مستغرقة لتمام مدة الوجود من الأزل إلى الأبد... أي أن يوفق لأن يكون عبداً سرمدياً لا يطلب جائزة ولا أجراً بل الجائزة والأجر أن يستمر في كونه عبداً بل يتوسل إلى ربه أن يفعل به ذلك ويقبله في هذا السلك "أسألك بحقك وقدسك وأعظم صفاتك وأسمائك أن تجعل أوقاتي في الليل والنهار بذكرك معمورة وبخدمتك موصولة وأعمالي عندك مقبولة". والمراد أن تكون حياة الإنسان عملاً عبادياً واحداً كصلاة واحدة تبدأ بالدخول في الحياة كما تبدأ الصلاة بالتكبير وتستمر إلى ما شاء اللَّه. "حتى تكون أعمالي وأورادي كلها ورداً واحداً". إلى متى تريد يا أمير المؤمنين أن تستمر هذه العبادة وهذه الخدمة؟ يقول: "وحالي في خدمتك سرمداً". وعند شاطئ‏ هذه العبارات ينكسر يراع القلم ولا يقوى على حراك فكفى بها بياناً وأي بيان. ليس العز أن يخرج الإنسان إلى ساحة نيل الجوائز بل أن يقبله اللَّه عبداً، لا تنتهي عبادته بالموت كما لا تبدأ مع الولادة.



المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X