بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
يمكن القول إنّ الناظر في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام وحده، يشاهد مخزوناً ضخماً من التجارب التي اختلفت فيها مواقف المعصوم عليه السلام في مواجهة كلِّ نوع من أنواع المشاكل، فتارةً يصبر وأخرى يوجّه وينصح، وثالثة يقاتل، ولزيادة الفائدة نتعرض لبعض المشكلات التي واجهت أمير المؤمنين عليه السلام كنموذج واضح من السيرة المليئة بالدروس المختلفة.
في كلام له عليه السلام: "دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الافاق قد أغامت والمحجّة قد تنكّرت،واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبتُ بكم ما أعلم"1.
لقد صدرت هذه الكلمات عنه عليه السلام بعد مقتل عثمان وتوافد الناس إلى بيته يصرون على مبايعته.أما موقفه فكان الإعراض عن تولية الأمر، لا لأنّه ليس صاحبا لهذا الحقّ، فقد كان عليه السلام طوال فترة الخلفاء يبرز حقّه ويذكّر الناس به عندما كانت الفرصة مناسبة لذلك.وقد كانت علّة الإعراض ما بيّنه هو عليه السلام، وهي ما سيواجه المسلمين من إضطرابات وفتن، وذلك لما أصاب المحجّة من غمام والإستقامة من اعوجاج واستنكار.وفي اخر كلامه يتمّ الحجّة على الناس بقوله عليه السلام:"...إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم". وإلا فـ"إنّي لكم وزير خير لكم منّي أمير".
ما تقدّم يكشف لنا علم الإمام عليه السلام بما سيواجهه من مشكلات أثناء خلافته، والتي حدثت بالفعل.
فما هي هذه المشكلات؟
1- مقتل عثمان
أوّل مشكلة واجهها أمير المؤمنين عليه السلام هي قصّة مقتل عثمان والتي أشار إليها بقوله: "فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان".لقد ورث عليّ عليه السلام الخلافة عن خليفة قتله الثائرون ولم يجيزوا حتى دفنه، وكان موقف عليّ عليه السلام وسطا بين اتجاهين:الأول: موقف عثمان وحاشيته وكلّ الظلم والإجحاف والامتيازات الخاصّة بأتباعه.
الثاني: موقف المجموعات الغاضبة والثائرة الاتية من أصقاع العالم الإسلامي معترضة ومنتقدة.أما عليّ عليه السلام فقد وقف بينهما مخالفاً ومنتقداً لسلوك عثمان وساعياً لحجزه عن ضلاله علّه يطفىء بذلك نار الثوّار ويخمد الفتنة القادمة، وفي نفس الوقت كان رافضاً فتح باب دار الخليفة كي لا يقتل.
ولكن لا عثمان وأتباعه صحّحوا طريقهم، ولا الثوّار أحجموا عن ثورتهم، وكانت النتيجة المعلومة.لم تكن الفتنة بنظر عليّ عليه السلام نتيجة لقتل عثمان فحسب، بل كانت هي الغاية من قتله أيضاً، ويظهر ذلك جليّا بما حققه علماء الاجتماع والتاريخ من دخالة بعض أتباع عثمان في قتله وخاصة معاوية الذي استفاد من قتل عثمان بشكل كامل.
2- مشكلة النفاق
يختلف مخالفو علي عليه السلام عن مخالفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يقاتلونه تحت شعار "أعل هبل" وهو شعار الكفر وعبادة الأصنام، وكان في المقابل شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم "اللَّه أعلى وأجل"، وأمّا أعداء علي عليه السلام فقد كانوا من طبقة المتظاهرين بالإسلام وليسوا بمسلمين واقعاً، وكانت شعاراتهم شعارات إسلامية بينما هدفهم هو القضاء على الإسلام.لقد حارب أبو سفيان رسولَ الله تحت شعار "أعلُ هبل" فكانت مواجهته سهلة، أمّا ابنه معاوية الذي يمتلك نفس الروح السفيانيّة ونفس الأهداف فقد كان شعاره قرآنيّاً وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً) سورة الإسراء، الاية: 333، مع أنّه لم يكن ولياً شرعيّاً للقتيل، فمن أرحام عثمان من كان أكثر قرابة منه كابنه مثلاً، إلا أنّه كان مصرّاً على المطالبة بدمه.
وأكثر من ذلك فكان قد نشر جواسيسه حول عثمان، حتى إذا قُتل أرسلوا إليه قميصه ملطّخاً بالدم قبل أن يجفّ، وكذا أصابع زوجة عثمان، فعلّق القميص على عمود خشبي طويل والأصابع على المنبر، وبدأ بالبكاء وإقامة العزاء في الشام مدّة من الزمن بهدف تعبئة الناس لأجل الأخذ بثأر الخليفة المظلوم، ممّن!؟ من زعيم الثوّار بزعمه الذين بايعوه وانضووا تحت لوائه!.
وأدّى ذلك في النهاية إلى حربَي الجمل وصفين تحت هذه الذريعة.
3- الإصرار على إقامة العدل
من المشكلات التي واجهت عليّاً عليه السلام ما له ارتباط بنهجه من جهة، والتغيير الذي طرأ على المسلمين من جهة أخرى.فعلي عليه السلام كان رجلاً لا يعرف الانحراف والانحناء، وقد مرّت على المسلمين سنوات بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتادوا فيها على إعطاء الإمتيازات للمتنفِّذين.وهنا كان عليّ عليه السلام يبدي صلابة عجيبة ويقول: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير"2، فأنا لست ممّن يترك نصرة الضعفاء ويسكت عن الظلم لأجل تحقيق النصر ما دام في السماء أفلاك تجري!
اللهم صلِ على محمد واله الطاهرين
يمكن القول إنّ الناظر في سيرة أمير المؤمنين عليه السلام وحده، يشاهد مخزوناً ضخماً من التجارب التي اختلفت فيها مواقف المعصوم عليه السلام في مواجهة كلِّ نوع من أنواع المشاكل، فتارةً يصبر وأخرى يوجّه وينصح، وثالثة يقاتل، ولزيادة الفائدة نتعرض لبعض المشكلات التي واجهت أمير المؤمنين عليه السلام كنموذج واضح من السيرة المليئة بالدروس المختلفة.
في كلام له عليه السلام: "دعوني والتمسوا غيري فإنّا مستقبلون أمرا له وجوه وألوان، لا تقوم له القلوب ولا تثبت عليه العقول، وإنّ الافاق قد أغامت والمحجّة قد تنكّرت،واعلموا أنّي إن أجبتكم ركبتُ بكم ما أعلم"1.
لقد صدرت هذه الكلمات عنه عليه السلام بعد مقتل عثمان وتوافد الناس إلى بيته يصرون على مبايعته.أما موقفه فكان الإعراض عن تولية الأمر، لا لأنّه ليس صاحبا لهذا الحقّ، فقد كان عليه السلام طوال فترة الخلفاء يبرز حقّه ويذكّر الناس به عندما كانت الفرصة مناسبة لذلك.وقد كانت علّة الإعراض ما بيّنه هو عليه السلام، وهي ما سيواجه المسلمين من إضطرابات وفتن، وذلك لما أصاب المحجّة من غمام والإستقامة من اعوجاج واستنكار.وفي اخر كلامه يتمّ الحجّة على الناس بقوله عليه السلام:"...إن أجبتكم ركبت بكم ما أعلم". وإلا فـ"إنّي لكم وزير خير لكم منّي أمير".
ما تقدّم يكشف لنا علم الإمام عليه السلام بما سيواجهه من مشكلات أثناء خلافته، والتي حدثت بالفعل.
فما هي هذه المشكلات؟
1- مقتل عثمان
أوّل مشكلة واجهها أمير المؤمنين عليه السلام هي قصّة مقتل عثمان والتي أشار إليها بقوله: "فإنّا مستقبلون أمراً له وجوه وألوان".لقد ورث عليّ عليه السلام الخلافة عن خليفة قتله الثائرون ولم يجيزوا حتى دفنه، وكان موقف عليّ عليه السلام وسطا بين اتجاهين:الأول: موقف عثمان وحاشيته وكلّ الظلم والإجحاف والامتيازات الخاصّة بأتباعه.
الثاني: موقف المجموعات الغاضبة والثائرة الاتية من أصقاع العالم الإسلامي معترضة ومنتقدة.أما عليّ عليه السلام فقد وقف بينهما مخالفاً ومنتقداً لسلوك عثمان وساعياً لحجزه عن ضلاله علّه يطفىء بذلك نار الثوّار ويخمد الفتنة القادمة، وفي نفس الوقت كان رافضاً فتح باب دار الخليفة كي لا يقتل.
ولكن لا عثمان وأتباعه صحّحوا طريقهم، ولا الثوّار أحجموا عن ثورتهم، وكانت النتيجة المعلومة.لم تكن الفتنة بنظر عليّ عليه السلام نتيجة لقتل عثمان فحسب، بل كانت هي الغاية من قتله أيضاً، ويظهر ذلك جليّا بما حققه علماء الاجتماع والتاريخ من دخالة بعض أتباع عثمان في قتله وخاصة معاوية الذي استفاد من قتل عثمان بشكل كامل.
2- مشكلة النفاق
يختلف مخالفو علي عليه السلام عن مخالفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فإنّ أعداء النبي صلى الله عليه وآله وسلم كانوا يقاتلونه تحت شعار "أعل هبل" وهو شعار الكفر وعبادة الأصنام، وكان في المقابل شعار النبي صلى الله عليه وآله وسلم "اللَّه أعلى وأجل"، وأمّا أعداء علي عليه السلام فقد كانوا من طبقة المتظاهرين بالإسلام وليسوا بمسلمين واقعاً، وكانت شعاراتهم شعارات إسلامية بينما هدفهم هو القضاء على الإسلام.لقد حارب أبو سفيان رسولَ الله تحت شعار "أعلُ هبل" فكانت مواجهته سهلة، أمّا ابنه معاوية الذي يمتلك نفس الروح السفيانيّة ونفس الأهداف فقد كان شعاره قرآنيّاً وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَاناً) سورة الإسراء، الاية: 333، مع أنّه لم يكن ولياً شرعيّاً للقتيل، فمن أرحام عثمان من كان أكثر قرابة منه كابنه مثلاً، إلا أنّه كان مصرّاً على المطالبة بدمه.
وأكثر من ذلك فكان قد نشر جواسيسه حول عثمان، حتى إذا قُتل أرسلوا إليه قميصه ملطّخاً بالدم قبل أن يجفّ، وكذا أصابع زوجة عثمان، فعلّق القميص على عمود خشبي طويل والأصابع على المنبر، وبدأ بالبكاء وإقامة العزاء في الشام مدّة من الزمن بهدف تعبئة الناس لأجل الأخذ بثأر الخليفة المظلوم، ممّن!؟ من زعيم الثوّار بزعمه الذين بايعوه وانضووا تحت لوائه!.
وأدّى ذلك في النهاية إلى حربَي الجمل وصفين تحت هذه الذريعة.
3- الإصرار على إقامة العدل
من المشكلات التي واجهت عليّاً عليه السلام ما له ارتباط بنهجه من جهة، والتغيير الذي طرأ على المسلمين من جهة أخرى.فعلي عليه السلام كان رجلاً لا يعرف الانحراف والانحناء، وقد مرّت على المسلمين سنوات بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم اعتادوا فيها على إعطاء الإمتيازات للمتنفِّذين.وهنا كان عليّ عليه السلام يبدي صلابة عجيبة ويقول: "أتأمروني أن أطلب النصر بالجور فيمن وليت عليه، والله ما أطور به ما سمر سمير"2، فأنا لست ممّن يترك نصرة الضعفاء ويسكت عن الظلم لأجل تحقيق النصر ما دام في السماء أفلاك تجري!
4- الصراحة والصدق في السياسة
ما كان يمتلكه علي عليه السلام من الصدق والصراحة أدّى إلى أن لا يحتمله حتى أصحابه، فكانوا يطالبونه بإعمال الدهاء والخدعة في العمل السياسي لظنّهم أنّ ذلك جزء من السياسة، بل قال بعضهم: إنّ عليّاً لا علم له بالسياسة، وأما معاوية فهو رجل السياسة، فكان جواب عليّ عليه السلام:"والله ما معاوية بأدهى منّي، ولكنه يغدر ويفجر، ولولا كراهيّة الغدر لكنت من أدهى الناس، لكن كلّ غدرة فجرة وكل فجرة كفرة ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة".
المصادر:
1- نهج البلاغة، ج1، الخطبة 92، تحقيق محمد عبده، دار التعارف، بيروت.
2- نهج البلاغة، ج2، الخطبة 126، ص 6، تحقيق محمد عبده، دار المعرفة بيروت.
تعليق