بسم الله الرحمن الرحيم
لقد عرف المسلمون قيمة الصلاة والقوة الدافعة التي هي سر من أسرارها الكثيرة، وتمكن الإسلام من أن يخلق رجالاً من طراز خاص يتمتعون بشخصيات قوية ورصينة كالسبيكة الصُلبة التي يصعب اختراقها، نقلتهم العبادة والصلاة خارج أسوار الذات كلّما عصفت بهم أزمة أو انتابهم بلاء، كانوا يعتصمون بصلاتهم ويتزودون من زادها الروحي مثل مائدة شهية يقترب منها الإنسان عندما يشعر بالحاجة إلى الطعام.وأبرز مصداق ـ باتفاق المسلمين ـ لتلك الشخصيات، التي أدركت ما للصلاة من قوة معنويّة كبيرة، هم أهل البيت عليهم السلام الذين يجسدون المثل الأعلى في الالتزام الديني، وعندما ننتخب الحسين عليه السلام ـ وهو أحد أقطاب آل البيت عليهم السلام ـ نموذجاً لمعرفة مدى صلتهم بالصلاة، حينئذ نرى عجباً، نرى هذه الشخصية الكبيرة تنصهر تماماً في بوتقة الصلاة، على الرغم من المعاناة التي كان يقاسيها، والمأساة التي نسجت من حوله خيوطها السوداء في كربلاء.لقـــد اهتـــم بـــإقامـــة الصلاة في ذلــك الوقـت العصيب عندما صاح مؤذنه أبو ثمامة الصيداوي، وصلى بأصحابه، ولكن صلاة الخوف قصراً وسهام الأعداء تترى عليه بالرغم من استمهاله إيّاهم لإقامتها!أيخشى الإمام عليه السلام قتله في الصلاة وقد مضى أبوه قتيلاً في محرابه؟ أم يخشى الموت صحبه وهم يتسابقون إليه تسابق الجياع إلى القصاع، ويحبّذون الموت دونه لوجه الله وفي سبيل رسوله؟ يقول الشهرستاني: «لقد كانت صلاة الحسين عليه السلام من أصدق مظاهر إخلاصه لله وتمسّكه بالشريعة» لقد أظهر الحسين عليه السلام بلسان الحال بأن الصلاة هي أثمن ما في الحياة، وبأنّ لها نكهة خاصة في الظروف غير الطبيعية، حيث تُزوّد الإنسان المقهور بشحنات من النور، ودفقات من الحرارة الروحية، فتشد من عزيمته وتخفف من وطأة الخطوب عنه.
تعليق