بسم الله الرحمن الرحيم
كان تعلّق الحسين (عليه السلام) بالقرآن شديداً، يتلوه في حلّه وترحاله، ويجادل ويحاجج به أعداءه، فمثلاً: فلمّا خرج من المدينة ليلة الأحد ليومين بقياً من رجب سنة ستين ببنيه واُخوته وبني أخيه وجلَّ أهل بيته إلاّ محمّد بن الحنفية أخذ يتلو هذه الآية: (فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفاً يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ)(1)، وتابع الحسين (عليه السلام) حالة التمثّل بموسى، فلمّا وصل إلى مكّة قرأ آية: (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَن يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ )(2).وكانت اجاباته انتزاعات قرآنية، فلما خرج من مكة واعترضه عمرو بن سعيد أمير الحجاز ليرده ويمنعه من المسير الى العراق، ردّه ردّاً قرآنيا حاسماً، بقوله عليه السلام: (فَقُل لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنتُم بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ .ولما انتهى الى قصر مقاتل نزل ورأى فسطاطاً مضروباً لعبيد الله بن الحرّ الجعفي، فدعاه الى نصرته لكنه امتنع،عندها أعـــــــــرض الإمــــام (علــــــيه الســــــــــــلام) عنـــــــه قائلاً: ( وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدا ً). وقد حذر الجيش الأموي من الخسران وسوء العاقبة، فلما طلب منه قيس بن الأشعث أن ينزل على حكم يزيد، قال له الحسين (عليه السلام) ولمن معه : « عباد الله إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَرَبِّكُم مِن كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لاَ يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسَابِ »(4).ومع ذلك لم يستجيبوا لدعوته الحقة بعدما غشيت الأطماع أبــــصــارهــــم، وغـــــشي الجـــهل بـــــصــــائرهـــم.ولما تنــــاهـــــى إليـــه وهـــو في طـــريقـــه الى الــــكـــــوفــــة خــــــبر مـــقــــتل ســـفـيــره قيـــس بن مسهّر الـــصيـــداوي، تــــلا الآيـــــة الشـــريفــــة : (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا الله عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَــــدَّلُوا تَبْدِيلاً) وأثنى على وفــــاتـــه، وترحّم عليه. وردّد نفس هذه الآيـــــة عــــنــــدمـــــــا تــــــناهــــى إلى سمعه مصرع مسلم بن عوسجة، فمشى إليه ومعه حبيب بن مظاهر، فقال له الإمام عليه السلام: «رحمك الله يا مسلم»، ثم قرأ: (فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً)وعن الضحّاك بن عبد الله المشرقي، قال: «فلمّا أمسى حُسين وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون، قال: فتمرّ بنا خيل لهم تحرسنا، وإنّ حسيناً ليقرأ: (وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ مَا كَانَ اللّه لِيَذَرَ المُؤْمِنِيْنَ عَـــلَى مَـــا أَنْتُــــمْ عَلَـــــيْهِ حَتَـــى يَمِــيْزَ الْخَبِيْثَ مِنَ الطَّيِّبِ.ولما لمح الإمام ابنه عــــــلي الأكــــــبــر (عليه السلام) وهو يصول ويجول في الميدان، رفع شيبته نحو الســـماء قــــــــائلاً: ( إِنَّ الله اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَالله سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) .وعندما دنا الجيش من معسكر الإمام، دعا الإمام براحلته فركبها، ونادى بأعلى صوته: «أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم (فَعَلَى اللَّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَشُرَكَاءَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً ثُمَّ اقْضُوا إِلَيَّ وَلاَ تُنظِرُونِ)»، ثم قرأ : ( إِنَّ وَلِيِّيَ الله الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ ).
إعـــــــلان
تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.
الحسين (عليه السلام) قرآن ناطق
تقليص