بسم الله الرحمن الرحيم
قد عُرِفَ الإمام الحسين (عليه السّلام) بخلق الغيرة على الدين والحريم والأولاد، وهو الذي تربّى في ظلّ أغير الناس جدّه المصطفى، وأبيه المرتضى، وأُمّه فاطمة الزهراء (صلوات الله عليهم)، وعاش في بيت العصمة والطهارة والنجابة، والشرف المؤبّد والكرامة، ونشأ في أهل بيتٍ لم تنجّسهم الجاهليّة بأنجاسها، ولم تلبسهم من مدلَهِمّات ثيابها.ولقد كان الإمام الحسين (صلوات الله عليه) أغير الناس على دين الله؛ فأقدم على ما أحجم عنه غيرُه، وقدّم ما بخل به غيره. وقد شهدت له مواقف كربلاء أنّه الغيور الذي لم تشغله الفجائع ولا أهوال الطفّ عن حماسة حرم رسول الله (صلّى الله عليه وآله).
.في يوم العاشر، وبعد أن قُتل جميع أنصار الحسين (عليه السّلام) وأصحابه وأهل بيته، وقُبــــــــــــيلَ الاشـتــبـــاك بــــــــالآلاف صاح عمر بن سعد بالجمع: هذا ابن الأنزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كلّ جانب.
فأتته (عليه السّلام) أربعة آلاف نبلة، وحال الرجال بينه وبين رحله، فصاح بهم: (يا شيعة آل أبي سفيان، إن لم يكن لكم دين، وكنتم لا تخافون المعاد، فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعمون).فناداه شمر: ما تقول يابن فاطمة؟ قال: (أنا الذي اُقاتلكم، والنساء ليس عليهنّ جناح، فامنعوا عتاتكم عن التعرّض لحرمي مــــــا دمــــــت حــــــيّاً). فقال الـشمر: لــــــــــــــــك ذلـــــــــــك. وحـــــــــمـــــل (علـــــيه السّــــــلام) من نـــــحــــو الفــرات عـلى عمرو بن الحجّاج، وكان في أربعة آلافٍ، فكشفهم عن الماء، وأقحم الفرسَ الماء، فلما مدَّ الحسين يده ليشرب ناداه رجل: أتلتذُّ بالماء وقد هُتكت حرمك؟! فرمى الماء ولم يشرب، وقصد الخيمة.وفي رواية الشيخ الدربندي (رحمه الله): فنفض الماء مِن يده، وحمل (عليه السّلام) على القوم فكشفهم، فإذا الخيمة سالمة.إنَّ الإمام (عليه السّلام) كان سيّد سادات أهل النفوس الأبيّة، والهمم العالية، فلمّا سمع أنَّ المنافقين يذكرون اسم الحرم والعترة الطاهرة كفَّ نفسَه عن شرب الماء بمحض ذكرهم هذا؛ فقد سنَّ ـ روحي له الفداء ـ لأصحاب الشيم الحميدة والغيرة سُنّةً بيضاء، وطريقة واضحةً في مراعاة الناموس والغيرة. وأمّا بالنسبة إلى العيال فقد بذل جهده في ذلك في حفر الخندق واضطرام النار فيه، وقوله:اقصدوني دونهم. ووصلت إلى أنّه صبَّ الماء الذي في كفّه وقد أدناه إلى فمه وهو عطشان لما سمع قول: إنّه قد هُتك خيمةُ حرَمك.روى بعضهم أنَّ أعداء الله أرادوا أن يتأكّدوا من عجزه عن القيام لمواجهتهم، فنادوا عليه بأنَّ رحله قد هُتك، فقام وسقط، وحاول النهوض غيرةً على عياله فسقط، وجاهد ذلك ثالثةً فسقط، حينذاك اطمئنّوا أنّه لا يقوى على قيام. وقد قـــــال في خصـائصه (الشيخ التستري):وكــــــــــــان (عليه السّلام) حين وقوعه صريـــعاً مـــــطـــــــروحــــــاً يســـــــعىلتخليص أهـــــــله ومـــن يـــجئ إليه، فــــــهــــــــــو المــــــطــروح الســــاعــــــــــي.