🍃🌹🍃🌺🍃🌻🍃🌼🍃🌸🍃🌷🍃
خصائص السيّدة زينب الكبرى عليها السّلامأمام الباحث المتأمّل في شخصيّة عقيلة الهاشميّين عليها السلام طريقان لتحديد ملامح تلك الشخصيّة الفذّة:
أ ـ دراسة سيرتها الذاتيّة وكلامها وخُطبها عليها السّلام.
ب ـ دراسة كلام المعصومين عليهم السّلام في شأنها، وكيفيّة تعاملهم معها.
في هذه المقالة نتحدّث عن شخصيّة السيّدة زينب عليها السلام من خلال كلمات النبيّ صلّى الله عليه وآله وأئمّة الهُدى عليهم السّلام في شأنها عليها السّلام والطريقة التي كانوا يتعاملون بها معها.
النبيّ صلّى الله عليه وآله يسمّي زينب عليها السّلام:
أطلّت السيّدة زينب عليها السّلام على الدنيا في الخامس من شهر جمادى الأولى في السنة الخامسة للهجرة في بيتٍ أذن اللهُ أن يُرفع ويُذكر فيه اسمُه، وفتحت الوليدة المباركة عينيها تتطلّع إلى وجوهٍ أكرمها ربّ العزّة عن أن تسجد لصنمٍ قطّ، مُتسلسلةً في أصلاب الطاهرين وأرحام المطهّرات.
وحَمَلت سيّدةُ نساء العالمين: فاطمة عليها السّلام وليدتها إلى خير الخلق بعد رسول الله صلّى الله عليه وآله: أميرِ المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام تسأله أن يختار للنسمة الطاهرة المباركة اسماً، فأبى أن يَسبِق رسولَ الله صلّى الله عليه وآله ـ وكان غائباً يومذاك ـ في تسميتها، ثمّ عاد النبيُّ صلّى الله عليه وآله إلى المدينة، فحملت الزهراء عليها السّلام وليدتها إلى أشرف الكائنات وخاتم الرسل صلّى الله عليه وآله من الوحي اسماً لها، فسمّاها « زينب »(1).
لماذا بكى رسول الله صلّى الله عليه وآله في ولادة زينب ؟
من غير المعهود أنّ الأب أو الجدّ إذا رُزِق ولداً أو حفيداً بكى وانتحب وذرف الدموع سِخاناً، فلماذا يحدّثنا التاريخ أن الحسين عليه السّلام حَمَل إلى أبيه أمير المؤمنين عليه السّلام بشارةَ ولادة أخته زينب، وأنّ أمير المؤمنين عليه السّلام بكى ـ بأبي هو وأمّي ـ لمّا بُشّر بولادتها، فسأله الحسينُ عليه السّلام عن علّة بكائه، فأخبره أنّ في ذلك سرّاً ستبيّنه له الأيّام.
ثمّ حُملت الوليدة الطاهرة إلى جدّها الحبيب محمّد صلّى الله عليه وآله، فاحتضن رسولُ الله صلّى الله عليه وآله الطفلةَ الصغيرة وقبّل وجهها، ثمّ لم يتمالك أن أرخى عينَيه بالدموع.
وكان جبرئيل عليه السّلام الذي هبط باسم « زينب » من ربّ العزّة قد أخبر حبيبه المصطفى صلّى الله عليه وآله بأنّ هذه الوليدة ستشاهد المصائب تلو المصائب، وأنّها ستُفجَع بجدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، وبأمّها فاطمة سيّدة النساء عليها السّلام، وبأبيها أمير المؤمنين عليه السّلام، وبأخيها الحسن المجتبى عليه السّلام سِبطِ رسول الله صلّى الله عليه وآله، ثمّ تُفجع بمصيبةٍ أعظمَ وأدهى، هي مصيبة قتل أخيها الحسين عليه السّلام سيّد شباب أهل الجنّة في أرض كربلاء (2).
أُمّ المصائب:
تُسمّى العقيلة زينب سلام الله عليها أمَّ « المصائب »، وحقّ لها أن تُسمّى بذلك، فقد شاهَدَت مصيبةَ جدّها رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومحنةَ أمّها فاطمة الزهراء سلام الله عليها، ثمّ وفاتها؛ وشاهدت مقتلَ أبيها الإمام عليّ بن أبي طالب سلام الله عليه، ثمّ شاهدت محنةَ أخيها الحسن سلام الله عليه ثمّ قَتْله بالسمّ، وشاهدت أيضاً المصيبةَ العظمى، وهي قتل أخيها الحسين عليه السّلام وأهل بيته، وقُتل ولداها عَونٌ ومحمّد مع خالهما أمام عينها، وحُملت أسيرةً من كربلاء إلى الكوفة، وأُدخلت على ابن زياد في مجلس الرجال، وقابلها بما اقتضاه لُؤمُ عنصره وخِسّةُ أصله من الكلام الخشن الموجع وإظهار الشماتة المُمِضّة. وحُملت أسيرةً من الكوفة إلى ابن آكلة الأكباد بالشام، ورأسُ أخيها ورؤوس ولدَيها وأهل بيتها أمامها على رؤوس الرماح طول الطريق، حتّى دخلوا دمشق على هذه الحالة، وأُدخلوا على يزيد في مجلس الرجال وهم مُقرّنون بالحبال (3).
ثواب البكاء على مصائب زينب عليها السّلام:
روي أنّ جبرئيل عليه السّلام لمّا أخبر النبيّ صلّى الله عليه وآله بما يجري على زينب بنت أمير المؤمنين عليهما السّلام من المصائب والمحن، بكى النبيّ صلّى الله عليه وآله وقال: من بكى على مصاب هذه البنت، كان كمن بكى على أخوَيها الحسن والحسين عليهما السّلام (4).
ومن الجليّ أنّ البكاء على مصائب أهل البيت عليهم السّلام والتلهّف والتوجّع لِما أصابهم، يتضمّن معنى مواساتهم والوفاء لهم وأداء بعض حقوقهم التي افترضها الله تعالى في آية المودّة وغيرها، فقال عزّ مِن قائل: قُل لا أسألُكُم عليه أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى (5)، وقد روى علماء المسلمين أنّه لمّا نزلت هذه الآية الكريمة قالوا: يا رسول الله، مَن قَرابتُك الذين وَجَبَت علينا مودّتُهم ؟ قال صلّى الله عليه وآله: عليّ وفاطمة وابناهما (6).
كما يتضمّن البكاء على مصائب العترة الطاهرة انتماءً من المؤمن الباكي إلى صفّ أهل البيت عليهم السّلام، وإعلاناً منه لنفوره من أعداء أهل البيت عليهم السّلام وقتلتهم، وإدانةً منه لتلك الجرائم البشعة التي ارتُكبت في حقّ العترة الطاهرة، وإعلاناً من الباكي عن استعداده للسير تحت لوائهم والانضواء في رَكبهم والالتزام بنهجهم صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.