بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
روى في كتاب الغيبة عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) جلوسا فقال لنا: ( إن لصاحب هذا الامر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثم قال هكذا بيده فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليا، ثم قال: إن لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه).
نعتقد نحن الشيعة بإمامة إمام غائب احتجبه الله تعالى لحكمة هو بالغها ، وقد صارت هذه الغيبة سبباً لأمرين يشكلان تحديا حقيقا لثبات المؤمن والتزامه بعقيدة على مستوى الامامة خاصة وسائر معارف الدين بشكل عام :
الامر الاول : وجود جملة من الشبهات ترتبط بإمامة الغائب ( عليه السلام) و أصل الغيبة من حيث الحكمة و دور الامام فيها و الوجه في استمرارها .
الامر الثاني : صعوبة دفع الشبهات المثارة في زمن تراكم الشبهات وتطورها في جميع معارف الدين، وليس الامامة خاصة ، في الوقت الذي يفتقر فيه الشيعة الى تصدي المعصوم ( عليه السلام) القادر على دفع كل شبهة، فأفضل أسلوب علانا كما كان ( عليه السلام ) في زمن الظهور .
وقد اخبرت الروايات عن وضع المؤمن الصعب في زمن الغيبة من حيث الثبات على العقيدة ، ففي كتاب الغيبة عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) جلوسا فقال لنا: ( إن لصاحب هذا الامر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثم قال هكذا بيده فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليا، ثم قال: إن لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه) .
وفيه - ايضا- عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: ( إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الامر من غيبة حتى يرجع عن هذا الامر من كان يقول به، إنما هو محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه ) قال: فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ فقال: ( يا بني ! عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه ) .
و عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ( لصاحب هذا الامر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلى أهله والاخرى يقال: هلك، في أي واد سلك )، قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: ( إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله ) .
و في إكمال الدين قال الباقر (عليه السلام ) : ( يأتي على الناس زمانٌ يغيب عنهم إمامهم ، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان!.. إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجل :
عبادي !.. آمنتم بسرّي ، وصدقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني !.. فأنتم عبادي وإمائي حقا ، منكم أتقبّل ، وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي ..)
قال جابر : فقلت :
يا بن رسول الله !.. فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان ؟.. قال : ( حفظ اللسان ولزوم البيت ) . ص145.
والسؤال الذي نريد الاجابة عليه في هذه المحاضرة هو كيف يحافظ المؤمن على دينه وعقيدته في زمن الشبهات والدعوات الكاذبة ؟
والسبب وراء طرح هذا السؤال ومحاولة الإجابة عليه ، ان بعض الاخوة اخبرني ان بعض المؤمنين في هذا البلد خصوصا حديثي العهد بالتشيع تأثر بدعوة احمد بن كاطع فكان من المفيد جدا ان نتحدث حول ما ينبغي على المؤمن في زمن الغيبة ليكون حافظا لدينه ومتمسكا بمنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) القويم ، وكلامنا في ذلك سوف يكون ضمن نقاط :
النقطة الاولى: دلت جملة من الروايات على ان وظيفة المؤمن في زمن الغيبة الحفاظ على دينه والثبات على معتقده وعدم التأثر بالشبهات والاستجابة للدعوات الكاذبة ، ورتبت على ذلك ثوابا عظيما ، ففي رواية ( فليتق الله عبد وليتمسك بدينه) وفي أخرى ( فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان!.. إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجل : عبادي !.. آمنتم بسرّي ، وصدقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني !.. فأنتم عبادي وإمائي حقا ، منكم أتقبّل ، وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي).
النقطة الثانية : بينت الروايات ان العلم بمسائل الدين - عقائده ومعارفه - والبصيرة فيها الحصن الذي يمكن ان يحافظ به المؤمن على عقيده والترس الذي يدفع به الشبهات المثارة والميزان الذي يمكن ان يزن به الدعوات ويمز الصادقة منها عن الكاذبة .
ويدل على ذلك عدة روايات منها :
1- قول الامام الكاظم (عليه السلام) في رواية يمان (لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه) في سياق الحديث عن محنة الغيبة ، فانه بيان للطريق الذي سلكه الآباء نحو الهداية ، وان هذا الطريق ينبغي ان يسلك في زمن الغيبة ، وذلك الطريق هو طريق العلم ، فقد كان الآباء على درجة من العلم و الوعي تمكنهم من تقييم الدعوات المتعددة ، فاتبعوا الحق عن بصيرة بعد ان علموا انه لا اصلح منه.
2- جملة من الروايات التي وصفت اهل زمان الغيبة الثابتين على ولاية اهل البيت ( عليهم السلام) بانهم أصحاب يقين وبصيرة وفهم وعقل .
ففي بصائر الدرجات قال النبي (صلى الله عليه واله ) لعلي (عليه السلام ) : ( يا علي !.. واعلم أنّ أعظم الناس يقيناً قومٌ يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي وحُجب عنهم الحجة ، فآمنوا بسواد في بياض ) . ص125
و في الغيبة : ( سيجيء قومٌ بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهاد أوّليهم ) . ص130.
و في الاحتجاج عن الامام السجاد (عليه السلام ) : ( تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (ص) والأئمة بعده ، يا أبا خالد !.. إنّ أهل زمان غيبته ، القائلون بإمامته ، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان ، لأنّ الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (ص) بالسيف ، أولئك المخلصون حقا ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً ، وقال (ع) : انتظار الفرج من أعظم الفرج . ص122.
3- ما دل على ان العلماء هم الذين يحفظون ايمان المؤمنين و يُثَبّتُونَهم على العقيدة المهدوية.
فقد روي عن الإمام علي النقي (عليه السلام) أنّه قال: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل).
وروي في فضل الدور الذي يقوم به العلماء المدافعين عن المذهب والذابين عنه عمد الانقطاع عن الامام في تفسير الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) أنّ الإمام محمد التقي (عليه السلام )قال: ( إنّ من تكفل بأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله، المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردْ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم، ودليل أئمتهم، ليفضلون عند الله على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرض والكرسي والحجب، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء).
النقطة الثالثة: اذا كان العلم والمعرفة والثقافة الواعية بمعارف الدين ، وبالتالي وجدان اليقين التام والبصيرة ، والقدرة على تحديد الحق وتمييزه عن الدعوات المهمة هو ما يحقق وظيفة المؤمن في زمن الغيبة اعني التمسك بالدين والثبات على العقيدة ، فينبغي على المؤمن ان يهتم بتحصيل العلم والمعرفة اهتماما بالغا وذلك بتحصيل العلم بقدر المستطاع بالامرين التاليين :
الامر الاول : معرفة المنهج الذي به يمكن اثبات هذه الدعوى او نفي تلك ، فان معرفة المنهج امر مهم جدا لانها تعطي الانسان قدرة سريعة على أبطال الباطل ورد الشبهة ، ولكي يتضح ذلك اذكر مثالا :و هو ان جماعة احمد كاطع زعموا ان هنالك اثني عشر مهديا ومعصوما بعد الامام الحجة بن الحسن (عليه السلام) وان الهداية والضلال في زمانهم منوطة بمعرفتهم واتباعهم ، وزعموا ان احمد بن كاطع هو اول المهديين وانه الذي يحقق دولة العدل ويزفها الى الحجة بن الحسن ( عليه السلام) كما تزف العروس في ليلة عرسها !
واستدلوا على ذلك ببعض الظنيات منها ما أسموها برواية الوصيّة رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا نصّها:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصـري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضـر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّىٰ انتهىٰ إلىٰ هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشـر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشـر مهديّاً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشـر إماماً، سمَّاك الله تعالىٰ في سمائه: عليّاً المرتضـىٰ، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيّي علىٰ أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلىٰ نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلَّقْتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي علىٰ أُمَّتي من بعدي، فإذا حضـرتك الوفاة فسلّمها إلىٰ ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه محمّد الباقر، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه جعفر الصادق، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه موسىٰ الكاظم، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه علي الرضا، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه علي الناصح، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه محمّد المستحفَظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشـر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشـر مهديّاً، (فإذا حضـرته الوفاة) فليسلّمها إلىٰ ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين»
وقد ناقش جملة من كتاب الشيعة هذه الرواية بضعف السند تارة حيث انها تشتمل على جملة من المجاهيل الذين لم يوثقوا كأحمد بن محمد بن خليل وجعفر بن احمد المصري و الحسن بن علي عم جعفر المصري وبضعف الدلالة أخرى .
والذي اريد قوله هنا هو أننا لو سلمنا صحة هذه الرواية سندا ودلالة فانه لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات مضمونها وذلك لان مضمونها لو كان حقا ، فهو امر خطير جدا تقتضي الدواعي ان يهتم الائمة ( عليهم السلام) ببيانه بكثرة والتشديد والتأكيد عليه وفي عدة مناسبات حتى يكون جليا وواضحا للشيعة ، كما تقتضي الدواعي نقله من قبل رواة الشيعة بنحو يصل إلينا على نحو التواتر على غرار الروايات الواردة في عدد الائمة والنص على امامتهم ( عليهم السلام).
ان آية واحدة من ايات القران الكريم لا يمكن ان تثبت بنقل الواحد، لان القران امر مهم ومحط اهتمام المسلمين وتقتضي الدواعي نقل اياته على نحو التواتر ، فكيف يعقل ان يكون نقل اصل وجود المهديين الذين هم عدل القران ، و لا يتفع القران الا بهم بخبر واحد!
لو أخبركم شخص بانه قبل عشرة أيام وقع زلزال عظم ومسح ( واشنطن) من الخريطة ، فهل تقبلون منه لانه ثقة وكلامه واضح الدلالة !
ام تقولون له تفردك بالنقل دليل اشتباهك ، لانه لو كان ما تنقل صحيا لاهتمت بنقله جميع وسائل الاعلام ، ولكان حديث المجالس كما حصل فعلا لما سقط برجا التجارة في مانهاتن في نيويورك !.
ان معرفة المنهج الذي ينبغي ان يتبع في كيفية إثبات اي مسالة وأنها هل من المسائل التي يمكن ان يكتفى في إثباتها بالظن او الخيرة او الرؤيا في المنام او لا ؟ مهم جدا ، اذ به يستطيع ان يحاكم استدلال هؤلاء بمثل رواية الوصية ، ونعم ما قال الحرّ العاملي (قدس سره) في (الفوائد الطوسية):
(فائدة 38: حديث الاثني عشـر بعد الاثني عشـر عليهم السلام: اعلم أنَّه قد ورد هذا المضمون في بعض الأخبار، وهو لا يخلو من غرابة وإشكال، ولم يتعرَّض له أصحابنا إلَّا النادر منهم علىٰ ما يحضـرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزماً قطعاً؛ لأنَّ ما ورد بذلك لم يصل إلىٰ حدّ اليقين، بل تجويزه احتمالاً علىٰ وجه الإمكان مشكل....).
الامر الثاني : معرفة عقائد الدين ومعارفه والضروريات والمسلمات والقطعيات النقلية والعقلية التي تشكل ادلة تارة للاثبات او قرائن لتحديد المراد او اجوبة قطعية لرد الشبهات وتمييز الحق من الباطل ، ولكي يتضح ذلك اذكر مثالا :
يدعي اتباع الدعوة الكاطعية ان الذي يملأ الارض عدلا كما ملئت ظلمنا وجورا احمد الكاطع وانه اول المهديين و اليماني واعتمدوا في ذلك على رواية وردت في مصادر عديدة منها (الكافي) و(كمال الدين) و(الغيبتين) و(الارشاد) و(الاختصاص) و(دلائل الامامة) و(الهداية الكبرى) وغيرها.
وهي ما روي ان الامام علي (عليه السلام ) قال ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) .
ومفادها ان المهدي الذي يملأ الارض عدلا ليس الحادي عشر من ولد الامام امير المؤمنين ( عليه السلام) فلا يكون الحجة ابن الحسن ( عليه السلام) وانما هو ولده الذي من ظهره .
وقد ناقش كتاب الشيعة هذا الاستدلال :
اولا : بضعف السند لان في طريقه مالك الجهني وهو لم يوثق .
وثانيا: أن الرواية مضطربة المتن لانها رويت - ايضا - بصيغتين تدلان على ان الذي يملأ الارض عدلا هو الحادي عشر من ولد الامام أمير المؤمنين (عليهما السلام) اي الحجة بن الحسن ( عليه السلام ) :
الصيغة الاولى : (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) روى هذا الصيغة ابن بابويه القمي، في (الامامة والتبصرة) و الشيخ الكليني، في الكافي و الشيخ الصدوق، في كتاب كمال الدين والشيخ محمد بن ابراهيم النعماني، في كتاب (الغيبة).
الصيغة الثانية : (فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي بها آخرون).و نقلها محمد بن جرير الطبري في (دلائل الامامة) .
وثالثا: بان هذه الرواية لو صحت سندا وسلمت متنا ، فهي خبر واحد وخبر الواحد ليس حجة في هذه المسالة المهمة والتي يعتبرها الكاطعيون من أصول الاعتقاد.
والذي اريد قوله هو ان كون الامام الثاني عشر من أئمة اهل البيت ( عليهم السلام) هو من يملأ الارض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما وجورا من ضروريات المذهب المتسالم عليها ، ولا يجهلها العلماء المتخصصون و غيرهم وعليه روايات متواترة ، وهذا كاف لرفض اي رواية ترد مخالفة لهذا الامر الجلي الواضح الذي لا يقبل الشك ، نعم من يجهل التراث او يجعل واضحات المذهب يمكن ان يقع فريسة مثل هذه التخبطات .
من هنا ينبغي على المؤمن في هذا الزمان ان يهتم اهتماما بالغا بتحصيل العلم الكافي لتحصين نفسه وأهله من الشبهات والفتن المضلة ، و مراجعة اهل العلم والمتخصصين القادرين على بيان الحق بدقة ودفع الشبهة عنه ، فبهذا ذاك يتمكن من الثبات ويكون متمسكا بدينه محافظا عليه .
نعتقد نحن الشيعة بإمامة إمام غائب احتجبه الله تعالى لحكمة هو بالغها ، وقد صارت هذه الغيبة سبباً لأمرين يشكلان تحديا حقيقا لثبات المؤمن والتزامه بعقيدة على مستوى الامامة خاصة وسائر معارف الدين بشكل عام :
الامر الاول : وجود جملة من الشبهات ترتبط بإمامة الغائب ( عليه السلام) و أصل الغيبة من حيث الحكمة و دور الامام فيها و الوجه في استمرارها .
الامر الثاني : صعوبة دفع الشبهات المثارة في زمن تراكم الشبهات وتطورها في جميع معارف الدين، وليس الامامة خاصة ، في الوقت الذي يفتقر فيه الشيعة الى تصدي المعصوم ( عليه السلام) القادر على دفع كل شبهة، فأفضل أسلوب علانا كما كان ( عليه السلام ) في زمن الظهور .
وقد اخبرت الروايات عن وضع المؤمن الصعب في زمن الغيبة من حيث الثبات على العقيدة ، ففي كتاب الغيبة عن يمان التمار قال: كنا عند أبي عبدالله ( عليه السلام ) جلوسا فقال لنا: ( إن لصاحب هذا الامر غيبة، المتمسك فيها بدينه كالخارط للقتاد - ثم قال هكذا بيده فأيكم يمسك شوك القتاد بيده؟ ثم أطرق مليا، ثم قال: إن لصاحب هذا الامر غيبة فليتق الله عبد وليتمسك بدينه) .
وفيه - ايضا- عن علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليه السلام) قال: ( إذا فقد الخامس من ولد السابع فالله الله في أديانكم لا يزيلكم عنها أحد، يا بني إنه لا بد لصاحب هذا الامر من غيبة حتى يرجع عن هذا الامر من كان يقول به، إنما هو محنة من الله عزوجل امتحن بها خلقه، لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه ) قال: فقلت: يا سيدي من الخامس من ولد السابع؟ فقال: ( يا بني ! عقولكم تصغر عن هذا، وأحلامكم تضيق عن حمله، ولكن إن تعيشوا فسوف تدركونه ) .
و عن مفضل بن عمر قال: سمعت أبا عبدالله عليه السلام يقول: ( لصاحب هذا الامر غيبتان: إحداهما يرجع منها إلى أهله والاخرى يقال: هلك، في أي واد سلك )، قلت: كيف نصنع إذا كان كذلك؟ قال: ( إذا ادعاها مدع فاسألوه عن أشياء يجيب فيها مثله ) .
و في إكمال الدين قال الباقر (عليه السلام ) : ( يأتي على الناس زمانٌ يغيب عنهم إمامهم ، فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان!.. إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجل :
عبادي !.. آمنتم بسرّي ، وصدقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني !.. فأنتم عبادي وإمائي حقا ، منكم أتقبّل ، وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي ..)
قال جابر : فقلت :
يا بن رسول الله !.. فما أفضل ما يستعمله المؤمن في ذلك الزمان ؟.. قال : ( حفظ اللسان ولزوم البيت ) . ص145.
والسؤال الذي نريد الاجابة عليه في هذه المحاضرة هو كيف يحافظ المؤمن على دينه وعقيدته في زمن الشبهات والدعوات الكاذبة ؟
والسبب وراء طرح هذا السؤال ومحاولة الإجابة عليه ، ان بعض الاخوة اخبرني ان بعض المؤمنين في هذا البلد خصوصا حديثي العهد بالتشيع تأثر بدعوة احمد بن كاطع فكان من المفيد جدا ان نتحدث حول ما ينبغي على المؤمن في زمن الغيبة ليكون حافظا لدينه ومتمسكا بمنهج أهل البيت ( عليهم السلام ) القويم ، وكلامنا في ذلك سوف يكون ضمن نقاط :
النقطة الاولى: دلت جملة من الروايات على ان وظيفة المؤمن في زمن الغيبة الحفاظ على دينه والثبات على معتقده وعدم التأثر بالشبهات والاستجابة للدعوات الكاذبة ، ورتبت على ذلك ثوابا عظيما ، ففي رواية ( فليتق الله عبد وليتمسك بدينه) وفي أخرى ( فيا طوبى للثابتين على أمرنا في ذلك الزمان!.. إنّ أدنى ما يكون لهم من الثواب أن يناديهم الباري عزّ وجل : عبادي !.. آمنتم بسرّي ، وصدقتم بغيبي ، فأبشروا بحسن الثواب مني !.. فأنتم عبادي وإمائي حقا ، منكم أتقبّل ، وعنكم أعفو ، ولكم أغفر ، وبكم أسقي عبادي الغيث ، وأدفع عنهم البلاء ، ولولاكم لأنزلت عليهم عذابي).
النقطة الثانية : بينت الروايات ان العلم بمسائل الدين - عقائده ومعارفه - والبصيرة فيها الحصن الذي يمكن ان يحافظ به المؤمن على عقيده والترس الذي يدفع به الشبهات المثارة والميزان الذي يمكن ان يزن به الدعوات ويمز الصادقة منها عن الكاذبة .
ويدل على ذلك عدة روايات منها :
1- قول الامام الكاظم (عليه السلام) في رواية يمان (لو علم آباؤكم وأجدادكم دينا أصح من هذا لاتبعوه) في سياق الحديث عن محنة الغيبة ، فانه بيان للطريق الذي سلكه الآباء نحو الهداية ، وان هذا الطريق ينبغي ان يسلك في زمن الغيبة ، وذلك الطريق هو طريق العلم ، فقد كان الآباء على درجة من العلم و الوعي تمكنهم من تقييم الدعوات المتعددة ، فاتبعوا الحق عن بصيرة بعد ان علموا انه لا اصلح منه.
2- جملة من الروايات التي وصفت اهل زمان الغيبة الثابتين على ولاية اهل البيت ( عليهم السلام) بانهم أصحاب يقين وبصيرة وفهم وعقل .
ففي بصائر الدرجات قال النبي (صلى الله عليه واله ) لعلي (عليه السلام ) : ( يا علي !.. واعلم أنّ أعظم الناس يقيناً قومٌ يكونون في آخر الزمان ، لم يلحقوا النبي وحُجب عنهم الحجة ، فآمنوا بسواد في بياض ) . ص125
و في الغيبة : ( سيجيء قومٌ بعدنا بصائرهم في دينهم أفضل من اجتهاد أوّليهم ) . ص130.
و في الاحتجاج عن الامام السجاد (عليه السلام ) : ( تمتد الغيبة بولي الله الثاني عشر من أوصياء رسول الله (ص) والأئمة بعده ، يا أبا خالد !.. إنّ أهل زمان غيبته ، القائلون بإمامته ، المنتظرون لظهوره أفضل أهل كل زمان ، لأنّ الله - تعالى ذكره - أعطاهم من العقول والأفهام والمعرفة ما صارت به الغيبة عندهم بمنزلة المشاهدة ، وجعلهم في ذلك الزمان بمنزلة المجاهدين بين يدي رسول الله (ص) بالسيف ، أولئك المخلصون حقا ، وشيعتنا صدقاً ، والدعاة إلى دين الله سرّاً وجهراً ، وقال (ع) : انتظار الفرج من أعظم الفرج . ص122.
3- ما دل على ان العلماء هم الذين يحفظون ايمان المؤمنين و يُثَبّتُونَهم على العقيدة المهدوية.
فقد روي عن الإمام علي النقي (عليه السلام) أنّه قال: (لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم من العلماء الداعين إليه، والدالّين عليه، والذابّين عن دينه بحجج الله، والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته ومن فخاخ النواصب لما بقي أحد إلاّ ارتد عن دين الله، ولكنهم الذين يمسكون أزمّة قلوب ضعفاء الشيعة كما يمسك صاحب السفينة سكّانها، أولئك هم الأفضلون عند الله عز وجل).
وروي في فضل الدور الذي يقوم به العلماء المدافعين عن المذهب والذابين عنه عمد الانقطاع عن الامام في تفسير الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) أنّ الإمام محمد التقي (عليه السلام )قال: ( إنّ من تكفل بأيتام آل محمد صلى الله عليه وآله، المنقطعين عن إمامهم، المتحيرين في جهلهم، الأُسراء في أيدي شياطينهم وفي أيدي النواصب من أعدائنا فاستنقذهم منهم، وأخرجهم من حيرتهم، وقهر الشياطين بردْ وساوسهم، وقهر الناصبين بحجج ربّهم، ودليل أئمتهم، ليفضلون عند الله على العباد بأفضل المواقع، بأكثر من فضل السماء على الأرض والعرض والكرسي والحجب، وفضلهم على هذا العابد كفضل القمر ليلة البدر على أخفى كوكب في السماء).
النقطة الثالثة: اذا كان العلم والمعرفة والثقافة الواعية بمعارف الدين ، وبالتالي وجدان اليقين التام والبصيرة ، والقدرة على تحديد الحق وتمييزه عن الدعوات المهمة هو ما يحقق وظيفة المؤمن في زمن الغيبة اعني التمسك بالدين والثبات على العقيدة ، فينبغي على المؤمن ان يهتم بتحصيل العلم والمعرفة اهتماما بالغا وذلك بتحصيل العلم بقدر المستطاع بالامرين التاليين :
الامر الاول : معرفة المنهج الذي به يمكن اثبات هذه الدعوى او نفي تلك ، فان معرفة المنهج امر مهم جدا لانها تعطي الانسان قدرة سريعة على أبطال الباطل ورد الشبهة ، ولكي يتضح ذلك اذكر مثالا :و هو ان جماعة احمد كاطع زعموا ان هنالك اثني عشر مهديا ومعصوما بعد الامام الحجة بن الحسن (عليه السلام) وان الهداية والضلال في زمانهم منوطة بمعرفتهم واتباعهم ، وزعموا ان احمد بن كاطع هو اول المهديين وانه الذي يحقق دولة العدل ويزفها الى الحجة بن الحسن ( عليه السلام) كما تزف العروس في ليلة عرسها !
واستدلوا على ذلك ببعض الظنيات منها ما أسموها برواية الوصيّة رواها شيخ الطائفة الشيخ الطوسي قدس سره في كتاب (الغيبة)، وهذا نصّها:
أخبرنا جماعة، عن أبي عبد الله الحسين بن علي بن سفيان البزوفري، عن علي بن سنان الموصلي العدل، عن علي بن الحسين، عن أحمد بن محمّد بن الخليل، عن جعفر بن أحمد المصـري، عن عمّه الحسن بن علي، عن أبيه، عن أبي عبد الله جعفر بن محمّد، عن أبيه الباقر، عن أبيه ذي الثفنات سيّد العابدين، عن أبيه الحسين الزكي الشهيد، عن أبيه أمير المؤمنين عليه السلام، قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم _ في الليلة التي كانت فيها وفاته _ لعلي عليه السلام: يا أبا الحسن أحضـر صحيفة ودواة. فأملا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وصيَّته حتَّىٰ انتهىٰ إلىٰ هذا الموضع، فقال: يا علي، إنَّه سيكون بعدي اثنا عشـر إماماً، ومن بعدهم اثنا عشـر مهديّاً، فأنت يا علي أوّل الاثني عشـر إماماً، سمَّاك الله تعالىٰ في سمائه: عليّاً المرتضـىٰ، وأمير المؤمنين، والصدّيق الأكبر، والفاروق الأعظم، والمأمون، والمهدي، فلا تصحُّ هذه الأسماء لأحد غيرك، يا علي أنت وصيّي علىٰ أهل بيتي حيّهم وميّتهم، وعلىٰ نسائي، فمن ثبَّتَّها لقيتْني غداً، ومن طلَّقْتَها فأنا بريء منها، لم ترَني ولم أرَها في عرصة القيامة، وأنت خليفتي علىٰ أُمَّتي من بعدي، فإذا حضـرتك الوفاة فسلّمها إلىٰ ابني الحسن البرّ الوصول، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابني الحسين الشهيد الزكي المقتول، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه سيّد العابدين ذي الثفنات علي، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه محمّد الباقر، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه جعفر الصادق، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه موسىٰ الكاظم، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه علي الرضا، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه محمّد الثقة التقي، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه علي الناصح، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه الحسن الفاضل، فإذا حضـرته الوفاة فليسلّمها إلىٰ ابنه محمّد المستحفَظ من آل محمّد عليهم السلام، فذلك اثنا عشـر إماماً، ثمّ يكون من بعده اثنا عشـر مهديّاً، (فإذا حضـرته الوفاة) فليسلّمها إلىٰ ابنه أوّل المقرَّبين، له ثلاثة أسامي: اسم كاسمي واسم أبي وهو عبد الله وأحمد، والاسم الثالث: المهدي، هو أوّل المؤمنين»
وقد ناقش جملة من كتاب الشيعة هذه الرواية بضعف السند تارة حيث انها تشتمل على جملة من المجاهيل الذين لم يوثقوا كأحمد بن محمد بن خليل وجعفر بن احمد المصري و الحسن بن علي عم جعفر المصري وبضعف الدلالة أخرى .
والذي اريد قوله هنا هو أننا لو سلمنا صحة هذه الرواية سندا ودلالة فانه لا يمكن الاعتماد عليها في إثبات مضمونها وذلك لان مضمونها لو كان حقا ، فهو امر خطير جدا تقتضي الدواعي ان يهتم الائمة ( عليهم السلام) ببيانه بكثرة والتشديد والتأكيد عليه وفي عدة مناسبات حتى يكون جليا وواضحا للشيعة ، كما تقتضي الدواعي نقله من قبل رواة الشيعة بنحو يصل إلينا على نحو التواتر على غرار الروايات الواردة في عدد الائمة والنص على امامتهم ( عليهم السلام).
ان آية واحدة من ايات القران الكريم لا يمكن ان تثبت بنقل الواحد، لان القران امر مهم ومحط اهتمام المسلمين وتقتضي الدواعي نقل اياته على نحو التواتر ، فكيف يعقل ان يكون نقل اصل وجود المهديين الذين هم عدل القران ، و لا يتفع القران الا بهم بخبر واحد!
لو أخبركم شخص بانه قبل عشرة أيام وقع زلزال عظم ومسح ( واشنطن) من الخريطة ، فهل تقبلون منه لانه ثقة وكلامه واضح الدلالة !
ام تقولون له تفردك بالنقل دليل اشتباهك ، لانه لو كان ما تنقل صحيا لاهتمت بنقله جميع وسائل الاعلام ، ولكان حديث المجالس كما حصل فعلا لما سقط برجا التجارة في مانهاتن في نيويورك !.
ان معرفة المنهج الذي ينبغي ان يتبع في كيفية إثبات اي مسالة وأنها هل من المسائل التي يمكن ان يكتفى في إثباتها بالظن او الخيرة او الرؤيا في المنام او لا ؟ مهم جدا ، اذ به يستطيع ان يحاكم استدلال هؤلاء بمثل رواية الوصية ، ونعم ما قال الحرّ العاملي (قدس سره) في (الفوائد الطوسية):
(فائدة 38: حديث الاثني عشـر بعد الاثني عشـر عليهم السلام: اعلم أنَّه قد ورد هذا المضمون في بعض الأخبار، وهو لا يخلو من غرابة وإشكال، ولم يتعرَّض له أصحابنا إلَّا النادر منهم علىٰ ما يحضـرني الآن، ولا يمكن اعتقاده جزماً قطعاً؛ لأنَّ ما ورد بذلك لم يصل إلىٰ حدّ اليقين، بل تجويزه احتمالاً علىٰ وجه الإمكان مشكل....).
الامر الثاني : معرفة عقائد الدين ومعارفه والضروريات والمسلمات والقطعيات النقلية والعقلية التي تشكل ادلة تارة للاثبات او قرائن لتحديد المراد او اجوبة قطعية لرد الشبهات وتمييز الحق من الباطل ، ولكي يتضح ذلك اذكر مثالا :
يدعي اتباع الدعوة الكاطعية ان الذي يملأ الارض عدلا كما ملئت ظلمنا وجورا احمد الكاطع وانه اول المهديين و اليماني واعتمدوا في ذلك على رواية وردت في مصادر عديدة منها (الكافي) و(كمال الدين) و(الغيبتين) و(الارشاد) و(الاختصاص) و(دلائل الامامة) و(الهداية الكبرى) وغيرها.
وهي ما روي ان الامام علي (عليه السلام ) قال ولكن فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر من ولدي هو المهدي الذي يملؤها قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما وجورا تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) .
ومفادها ان المهدي الذي يملأ الارض عدلا ليس الحادي عشر من ولد الامام امير المؤمنين ( عليه السلام) فلا يكون الحجة ابن الحسن ( عليه السلام) وانما هو ولده الذي من ظهره .
وقد ناقش كتاب الشيعة هذا الاستدلال :
اولا : بضعف السند لان في طريقه مالك الجهني وهو لم يوثق .
وثانيا: أن الرواية مضطربة المتن لانها رويت - ايضا - بصيغتين تدلان على ان الذي يملأ الارض عدلا هو الحادي عشر من ولد الامام أمير المؤمنين (عليهما السلام) اي الحجة بن الحسن ( عليه السلام ) :
الصيغة الاولى : (ولكن فكرت في مولود يكون من ظهري الحادي عشر من ولدي هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت جوراً وظلماً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي فيها آخرون) روى هذا الصيغة ابن بابويه القمي، في (الامامة والتبصرة) و الشيخ الكليني، في الكافي و الشيخ الصدوق، في كتاب كمال الدين والشيخ محمد بن ابراهيم النعماني، في كتاب (الغيبة).
الصيغة الثانية : (فكرت في مولود يكون من ظهر الحادي عشر هو المهدي يملأها عدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً تكون له حيرة وغيبة يضل فيها اقوام ويهتدي بها آخرون).و نقلها محمد بن جرير الطبري في (دلائل الامامة) .
وثالثا: بان هذه الرواية لو صحت سندا وسلمت متنا ، فهي خبر واحد وخبر الواحد ليس حجة في هذه المسالة المهمة والتي يعتبرها الكاطعيون من أصول الاعتقاد.
والذي اريد قوله هو ان كون الامام الثاني عشر من أئمة اهل البيت ( عليهم السلام) هو من يملأ الارض عدلا و قسطا كما ملئت ظلما وجورا من ضروريات المذهب المتسالم عليها ، ولا يجهلها العلماء المتخصصون و غيرهم وعليه روايات متواترة ، وهذا كاف لرفض اي رواية ترد مخالفة لهذا الامر الجلي الواضح الذي لا يقبل الشك ، نعم من يجهل التراث او يجعل واضحات المذهب يمكن ان يقع فريسة مثل هذه التخبطات .
من هنا ينبغي على المؤمن في هذا الزمان ان يهتم اهتماما بالغا بتحصيل العلم الكافي لتحصين نفسه وأهله من الشبهات والفتن المضلة ، و مراجعة اهل العلم والمتخصصين القادرين على بيان الحق بدقة ودفع الشبهة عنه ، فبهذا ذاك يتمكن من الثبات ويكون متمسكا بدينه محافظا عليه .