اللهم صل على محمد وآله الطاهرين
مماأجمع عليه أهل النقل من المسلمين كافّة أنّ آية التطهير قد نزلت لوحدها منفردة دونما قبلها وما بعدها، وهذا شيء متّفق عليه(1), فمن هنا يبطل القول بأنّها نازلة في خصوصالنساء؛ لورود سبب نزول صحيح عند الجميع، وهو: أنّها نزلت في أصحاب الكساء(عليهم السلام).
وكذلكيبطل القول بأنّها نازلة في الاثنين معاً: النساء وأصحاب الكساء(عليهم السلام)؛ لعدمذكرهنّ في سبب النزول, وعدم إدخال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمّ سلمة معطلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها وعظمتها التي لا تنكر.
وأمّامن يحتجّ على دخول النساء بمسألة السياق, فالسياق لا يُستدلّ به مع ورود سبب نزول بخلافه.
وكذلكفإنّ السياق قد هُدم بمجيء ضمير التذكير خلافاً لما قبلها ولما بعدها, فيكون الخطابحينئذ غير متوجّه لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطعاً، مهما كانت تأويلاتهملضمير التذكير في (( عَنكُمُ )), (( وَيُطَهِّرَكُم )), فلو أراد الله تعالى إبقاءالسياق في الكلام مع النساء لَما أعرض عن ضمير التأنيث إلى التذكير؛ فإنّ ذلك يهدمالسياق ويوهم السامع.
وعلىكلّ حال فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يبيّن سبب النزول حتى تعرفالأُمّة المراد؛ فقد قال تعالى: (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِمَا نُزِّلَ إِلَيهِم )) (النحل:44), فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضّح نزولآية التطهير لوحدها دون ما قبلها وما بعدها, وكذلك بيّن حصر أهل البيت المقصودين فيآية التطهير، قولاً وفعلاً، بحصرهم في الكساء وقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اللّهمّهؤلاء أهل بيتي...)، كما خصّهم الله تعالى بذلك بقوله: (( إِنَّمَا )).
ونكتفيلتأكيد قولنا هذا، بقول أبي المحاسن الحنفي في كتابه (معتصر المختصر)، وهو من علماءالسُنّة؛ إذ قال فيه: ((والكلام لخطاب أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تمإلى قوله: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ )) (الأحزاب:33), وقوله تعالى( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ )) استئنافتشريفاً لأهل البيت وترفيعاً لمقدارهم؛ ألا ترى أنّه جاء على خطاب المذكر فقال: ((عَنكُمُ )) ولم يقل: (عنكن)؟! فلا حجّة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية..
يدلّعليه: ما روي أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمةفقال: (السلام عليكم أهل البيت، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركمتطهيراً )))(2). انتهى كلامه؛ فإنّه كلام حقّ قلَّ من نطق به.
وأخيراً،فلعلّ وضع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذه الآية وسط آيات خطاب الله تعالىورسوله لنساءه (قبلها وبعدها)، إنّما كان للتمييز فيما بين نساء النبيّ(صلّى الله عليهوآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام)، المتماثلين بالقرب منه، والصلة به، والملاصقةله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
فنساءالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد طُلب منهنّ الالتزام بأوامر الله تعالى، والحذرمن مخالفتها؛ فإنّهن لسن كغيرهنّ من النساء، فيجب عليهنّ الالتزام أكثر من غيرهنّ,لأنّهنّ لا يمثّلن أنفسهنّ فحسب، وإنّما ينتمين إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)ويُحسبن عليه, فيجب عليهنّ عدم الإساءة إليه بتصرفاتهنّ غير المسؤولة..
فقدقال الله تعالى: (( وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ)) (الأحزاب:34)، أي: تذكّرن وانتبهن للتعاليم التي خرجت إلى الناس من بيوتكنّ، فأنتنّأولى بتذكّرها وذكرها, وذلك بعد تخييرهنّ واختيارهنّ الله ورسوله(صلّى الله عليه وآلهوسلّم), فكأنّ تلك الآيات الشريفة شروط وخطوط يبيّنها الله تعالى لهنّ، وأوجبها عليهن.
أمّاالخطاب الذي ذكر أهل البيت(عليهم السلام) فكان خطاباً يختلف عن ذلك الخطاب المتوجّهإلى نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فأهل البيت(عليهم السلام) ذكروا في هذهالآية مدحاً، ورفعاً لشأنهم، كما قال أبو المحاسن، ودون قيد أو شرط, فيكون ذكر شطريقرابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبيان حالهم والتمييز بينهم.
وبيانحالهم نكتة لطيفة من الله تعالى في جمعهم بمكان واحد؛ فقد يساء لأهل البيت(عليهم السلام)بالفهم الخاطئ بسبب التنديد الوارد في النساء ومطالبتهنّ بالإلتزام وتذكّر أحكام الله،وعدم إيذاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتضييق عليه، فيدخلهم في ذلك التخييرمن الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه يشملهم وأنّهم مطالبون بتذكر آياتالله وعدم مخالفتها, فلذا جيئ بهذه الجملة المعترضة والآية الكريمة في وسط ذلك الجولينزه أهل البيت(عليهم السلام) عن ذلك العتاب وذلك الإلزام وتلك الشروط, ويدفع ذلكالتوهم بمدحهم مدحاً عظيماً مؤكداً ومخصصاًً لهم بذلك الفضل دون من سواهم.
الهوامش
-------------------------------------------------------------
(1)انظر: مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، صحيحمسلم 7: 130 باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الترمذي5: 30 سورة الأحزاب، المستدرك على الصحيحين 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، السنن الكبرىللبيهقي 2: 149 باب (أهل بيته الذين هم آله).
ولفظرواية أحمد: ((حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن نمير، قال: ثنا عبد الملك،يعنى: ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أُمّ سلمة تذكر أنّالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلتبها عليه، فقال لها: ادعى زوجك وابنيك. قالت: فجاء عليّ والحسين والحسن فدخلوا عليه،فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري، قالت:وأنا أُصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُلِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، قالت: فأخذفضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: (اللّهم هؤلاء أهلبيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهبعنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً). قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟قال: (إنّك إلى خير، إنّك إلى خير))).
(2)معتصر المختصر 2: 267، في باب أهل البيت
مماأجمع عليه أهل النقل من المسلمين كافّة أنّ آية التطهير قد نزلت لوحدها منفردة دونما قبلها وما بعدها، وهذا شيء متّفق عليه(1), فمن هنا يبطل القول بأنّها نازلة في خصوصالنساء؛ لورود سبب نزول صحيح عند الجميع، وهو: أنّها نزلت في أصحاب الكساء(عليهم السلام).
وكذلكيبطل القول بأنّها نازلة في الاثنين معاً: النساء وأصحاب الكساء(عليهم السلام)؛ لعدمذكرهنّ في سبب النزول, وعدم إدخال النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأمّ سلمة معطلبها لذلك، على الرغم من فضيلتها وعظمتها التي لا تنكر.
وأمّامن يحتجّ على دخول النساء بمسألة السياق, فالسياق لا يُستدلّ به مع ورود سبب نزول بخلافه.
وكذلكفإنّ السياق قد هُدم بمجيء ضمير التذكير خلافاً لما قبلها ولما بعدها, فيكون الخطابحينئذ غير متوجّه لنساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قطعاً، مهما كانت تأويلاتهملضمير التذكير في (( عَنكُمُ )), (( وَيُطَهِّرَكُم )), فلو أراد الله تعالى إبقاءالسياق في الكلام مع النساء لَما أعرض عن ضمير التأنيث إلى التذكير؛ فإنّ ذلك يهدمالسياق ويوهم السامع.
وعلىكلّ حال فإنّ النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي يبيّن سبب النزول حتى تعرفالأُمّة المراد؛ فقد قال تعالى: (( وَأَنزَلنَا إِلَيكَ الذِّكرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِمَا نُزِّلَ إِلَيهِم )) (النحل:44), فالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وضّح نزولآية التطهير لوحدها دون ما قبلها وما بعدها, وكذلك بيّن حصر أهل البيت المقصودين فيآية التطهير، قولاً وفعلاً، بحصرهم في الكساء وقوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اللّهمّهؤلاء أهل بيتي...)، كما خصّهم الله تعالى بذلك بقوله: (( إِنَّمَا )).
ونكتفيلتأكيد قولنا هذا، بقول أبي المحاسن الحنفي في كتابه (معتصر المختصر)، وهو من علماءالسُنّة؛ إذ قال فيه: ((والكلام لخطاب أزواج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) تمإلى قوله: (( وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ )) (الأحزاب:33), وقوله تعالى( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ )) استئنافتشريفاً لأهل البيت وترفيعاً لمقدارهم؛ ألا ترى أنّه جاء على خطاب المذكر فقال: ((عَنكُمُ )) ولم يقل: (عنكن)؟! فلا حجّة لأحد في إدخال الأزواج في هذه الآية..
يدلّعليه: ما روي أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان إذا أصبح أتى باب فاطمةفقال: (السلام عليكم أهل البيت، إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركمتطهيراً )))(2). انتهى كلامه؛ فإنّه كلام حقّ قلَّ من نطق به.
وأخيراً،فلعلّ وضع النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لهذه الآية وسط آيات خطاب الله تعالىورسوله لنساءه (قبلها وبعدها)، إنّما كان للتمييز فيما بين نساء النبيّ(صلّى الله عليهوآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام)، المتماثلين بالقرب منه، والصلة به، والملاصقةله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)..
فنساءالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قد طُلب منهنّ الالتزام بأوامر الله تعالى، والحذرمن مخالفتها؛ فإنّهن لسن كغيرهنّ من النساء، فيجب عليهنّ الالتزام أكثر من غيرهنّ,لأنّهنّ لا يمثّلن أنفسهنّ فحسب، وإنّما ينتمين إلى النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)ويُحسبن عليه, فيجب عليهنّ عدم الإساءة إليه بتصرفاتهنّ غير المسؤولة..
فقدقال الله تعالى: (( وَاذكُرنَ مَا يُتلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِن آيَاتِ اللَّهِ وَالحِكمَةِ)) (الأحزاب:34)، أي: تذكّرن وانتبهن للتعاليم التي خرجت إلى الناس من بيوتكنّ، فأنتنّأولى بتذكّرها وذكرها, وذلك بعد تخييرهنّ واختيارهنّ الله ورسوله(صلّى الله عليه وآلهوسلّم), فكأنّ تلك الآيات الشريفة شروط وخطوط يبيّنها الله تعالى لهنّ، وأوجبها عليهن.
أمّاالخطاب الذي ذكر أهل البيت(عليهم السلام) فكان خطاباً يختلف عن ذلك الخطاب المتوجّهإلى نساء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ فأهل البيت(عليهم السلام) ذكروا في هذهالآية مدحاً، ورفعاً لشأنهم، كما قال أبو المحاسن، ودون قيد أو شرط, فيكون ذكر شطريقرابة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لبيان حالهم والتمييز بينهم.
وبيانحالهم نكتة لطيفة من الله تعالى في جمعهم بمكان واحد؛ فقد يساء لأهل البيت(عليهم السلام)بالفهم الخاطئ بسبب التنديد الوارد في النساء ومطالبتهنّ بالإلتزام وتذكّر أحكام الله،وعدم إيذاء النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والتضييق عليه، فيدخلهم في ذلك التخييرمن الله ورسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأنّه يشملهم وأنّهم مطالبون بتذكر آياتالله وعدم مخالفتها, فلذا جيئ بهذه الجملة المعترضة والآية الكريمة في وسط ذلك الجولينزه أهل البيت(عليهم السلام) عن ذلك العتاب وذلك الإلزام وتلك الشروط, ويدفع ذلكالتوهم بمدحهم مدحاً عظيماً مؤكداً ومخصصاًً لهم بذلك الفضل دون من سواهم.
الهوامش
-------------------------------------------------------------
(1)انظر: مسند أحمد 6: 292 حديث أُمّ سلمة زوج النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، صحيحمسلم 7: 130 باب (فضائل أهل بيت النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الترمذي5: 30 سورة الأحزاب، المستدرك على الصحيحين 2: 416 تفسير سورة الأحزاب، السنن الكبرىللبيهقي 2: 149 باب (أهل بيته الذين هم آله).
ولفظرواية أحمد: ((حدّثنا عبد الله، حدّثني أبي، ثنا عبد الله بن نمير، قال: ثنا عبد الملك،يعنى: ابن أبي سليمان، عن عطاء بن أبي رباح، قال: حدّثني من سمع أُمّ سلمة تذكر أنّالنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان في بيتها، فأتته فاطمة ببرمة فيها خزيرة، فدخلتبها عليه، فقال لها: ادعى زوجك وابنيك. قالت: فجاء عليّ والحسين والحسن فدخلوا عليه،فجلسوا يأكلون من تلك الخزيرة وهو على منامة له على دكان تحته كساء له خيبري، قالت:وأنا أُصلّي في الحجرة، فأنزل الله عزّ وجلّ هذه الآية: (( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُلِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيراً ))، قالت: فأخذفضل الكساء فغشّاهم به، ثم أخرج يده فألوى بها إلى السماء، ثم قال: (اللّهم هؤلاء أهلبيتي وخاصّتي، فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، اللّهم هؤلاء أهل بيتي وخاصّتي فأذهبعنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً). قالت: فأدخلت رأسي البيت فقلت: وأنا معكم يا رسول الله؟قال: (إنّك إلى خير، إنّك إلى خير))).
(2)معتصر المختصر 2: 267، في باب أهل البيت
تعليق