بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال : خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام راجيا لثواب الله رب العالمين ،
فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء ، ومليحة الوجه عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها ، وهي تقول :
اللهم رب الكعبة الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العظام ورب محمد خير الأنام ، صلى الله عليه وآله البررة الكرام ، أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين ، وأبنائهم الغر المحجلين الميامين .
ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين ، أن مواليّ خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، والذين علا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار ، المرتدين بالفخار .
قال ورقة بن عبد الله : فقلت : يا جارية !.. إني لأظنك من موالي أهل البيت عليهم السلام .. فقالت : أجل ، قلت لها : ومن أنتِ من مواليهم ؟.. قالت : أنا فضة أمَة فاطمة الزهراء بنة محمد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
فقلتُ لها : مرحبا بك وأهلا وسهلا ، فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك ومنطقك فأريد منك الساعة أن تجيبني من مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك وأنت مثابة مأجورة ، فافترقنا .
فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي ، جعلت طريقي على سوق الطعام ، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقد أنها صدقة ، ثم قلت لها : يا فضة!.. أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء (ع) ، وما الذي رأيتِ منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد (ص)؟..
قال ورقة : فلما سمعتْ كلامي ، تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت : يا ورقة بن عبد الله !.. هيّجت عليّ حزنا ساكنا ، وأشجانا في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدت منها (ع) :
اعلم أنه لما قُبض رسول الله (ص) افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، وقلّ العزاء ، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب ، ولم تلق إلا كل باك وباكية ، ونادب ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب ، والأقرباء والأحباب ، أشد حزنا وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء (ع) ، وكان حزنها يتجدد ويزيد ، وبكاؤها يشتد . فجلستْ سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول .
فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت ، فكأنها من فم رسول الله (ص) تنطق ، فتبادرت النسوان ، وخرجت الولائد والولدان ، وضج الناس بالبكاء والنحيب ، وجاء الناس من كل مكان ، وأُطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء ، وخُيّل إلى النسوان أن رسول الله (ص) قد قام من قبره ، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم ، وهي (ع) تنادي وتندب أباها :
وا أبتاه ، وا صفياه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا ربيع الأرامل واليتامى ، من للقبلة والمصلى ، ومن لابنتك الوالهة الثكلى !..
ثم أقبلت تعثر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد (ص) فلما نظرت إلى الحجرة ، وقع طرفها على المأذنة فقصّرت خطاها ، ودام نحيبها وبكاها ، إلى أن أُغمى عليها ، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت ، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول :
رُفعت قوّتي ، وخانني جلدي ، وشمت بي عدوي ، والكمد قاتلي .
يا أبتاه !.. بقيت والهة وحيدة ، وحيرانة فريدة ، فقد انخمد صوتى ، وانقطع ظهري ، وتنغص عيشي ، وتكدر دهري ، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي ، ولا رادا لدمعتي ، ولا معينا لضعفي ، فقد فني بعدك محكم التنزيل ، ومهبط جبرائيل ، ومحل ميكائيل .
انقلبتْ بعدك يا أبتاه الأسباب ، وتغلّقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعدك قاليةٌ ، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكيةٌ ، لا ينفذ شوقي إليك ، ولا حزني عليك .. ثم نادت : يا أبتاه ، والبّاه !.. ثم قالت :
إنّ حزني عليك حزنٌ جديد***وفؤادي والله صبٌّ عنيدُ
كلّ يومٍ يزيد فيه شجوني***واكتيابي عليك ليس يبيدُ
جلّ خطبي فبان عني عزائي***فبكائي كلّ وقتٍ جديدُ
إنّ قلباً عليك يألف صبرا***أو عزاء فإنه لجليدُ
ثم نادت :
يا أبتاه !.. انقطعت بك الدنيا بأنوارها ، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة ، فقد اسوّد نهارها ، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها .
يا أبتاه !.. لا زلتُ آسفة عليك إلى التلاق .
يا أبتاه !.. زال غمضي منذ حقّ الفراق .
يا أبتاه !.. مَن للأرامل والمساكين ؟.. ومَن للأمة إلى يوم الدين ؟.
يا أبتاه !.. أمسينا بعدك من المستضعفين .
يا أبتاه !.. أصبحت الناس عنّا معرضين، ولقد كنا بك معظّمين ، في الناس غير مستضعفين ، فأيّ دمعةٍ لفراقك لا تنهمل ؟.. وأيّ حزنٍ بعدك عليك لا يتصل ؟.. وأيّ جفنٍ بعدك بالنوم يكتحل ؟.. وأنت ربيع الدين ، ونور النبيين ، فكيف للجبال لا تمور ؟.. وللبحار بعدك لا تغور ؟.. والأرض كيف لم تتزلزل ؟.. رُميتُ يا أبتاه بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزيةُ بالقليل ، وطُرقت يا أبتاه بالمُصاب العظيم ، وبالفادح المهول .
بكتك يا أبتاه !.. الأملاك ، ووقفت الأفلاك ، فمنبرك بعدك مستوحشٌ ، ومحرابك خالٍ من مناجاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، والجنة مشتاقةٌ إليك وإلى دعائك وصلاتك .
ويا أبتاه ، ما أعظم ظلمة مجالسك !.. فوا أسفاه !.. عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك ، وأُثكل أبو الحسن المؤتمن ، أبو ولديك الحسن والحسين ، وأخوك ووليك وحبيبك ، ومن ربّيته صغيراً وآخيته كبيراً ، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك ، من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً ، والثكل شاملنا ، والبكاء قاتلنا ، والأسى لازمنا .. ثم زفرتْ زفرةٌ ، وأنّت أنّةٌ كادت روحها أن تخرج ، ثم قالت :
قلّ صبري وبان عني عزائي***بعد فقدي لخاتم الأنبياء
عين يا عين اسكبي الدمع سحا***ويك لا تبخلي بفيض الدماء
يا رسول الإله يا خيرة الله***وكهف الأيتام والضعفاء
قد بكتك الجبال والوحش جمعا***والطير والأرض بعد بكْي السماء
ثم رجعت إلى منزلها ، وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها ، وهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تهدأ زفرتها
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
روى ورقة بن عبد الله الأزدي قال : خرجت حاجا إلى بيت الله الحرام راجيا لثواب الله رب العالمين ،
فبينما أنا أطوف وإذا أنا بجارية سمراء ، ومليحة الوجه عذبة الكلام ، وهي تنادي بفصاحة منطقها ، وهي تقول :
اللهم رب الكعبة الحرام ، والحفظة الكرام ، وزمزم والمقام ، والمشاعر العظام ورب محمد خير الأنام ، صلى الله عليه وآله البررة الكرام ، أسألك أن تحشرني مع ساداتي الطاهرين ، وأبنائهم الغر المحجلين الميامين .
ألا فاشهدوا يا جماعة الحجاج والمعتمرين ، أن مواليّ خيرة الأخيار ، وصفوة الأبرار ، والذين علا قدرهم على الأقدار ، وارتفع ذكرهم في سائر الأمصار ، المرتدين بالفخار .
قال ورقة بن عبد الله : فقلت : يا جارية !.. إني لأظنك من موالي أهل البيت عليهم السلام .. فقالت : أجل ، قلت لها : ومن أنتِ من مواليهم ؟.. قالت : أنا فضة أمَة فاطمة الزهراء بنة محمد المصطفى صلى الله عليها وعلى أبيها وبعلها وبنيها .
فقلتُ لها : مرحبا بك وأهلا وسهلا ، فلقد كنت مشتاقا إلى كلامك ومنطقك فأريد منك الساعة أن تجيبني من مسألة أسألك ، فإذا أنت فرغت من الطواف قفي لي عند سوق الطعام حتى آتيك وأنت مثابة مأجورة ، فافترقنا .
فلما فرغت من الطواف وأردت الرجوع إلى منزلي ، جعلت طريقي على سوق الطعام ، وإذا أنا بها جالسة في معزل عن الناس ، فأقبلت عليها واعتزلت بها وأهديت إليها هدية ولم أعتقد أنها صدقة ، ثم قلت لها : يا فضة!.. أخبريني عن مولاتك فاطمة الزهراء (ع) ، وما الذي رأيتِ منها عند وفاتها بعد موت أبيها محمد (ص)؟..
قال ورقة : فلما سمعتْ كلامي ، تغرغرت عيناها بالدموع ثم انتحبت نادبة وقالت : يا ورقة بن عبد الله !.. هيّجت عليّ حزنا ساكنا ، وأشجانا في فؤادي كانت كامنة ، فاسمع الآن ما شاهدت منها (ع) :
اعلم أنه لما قُبض رسول الله (ص) افتجع له الصغير والكبير ، وكثر عليه البكاء ، وقلّ العزاء ، وعظم رزؤه على الأقرباء والأصحاب والأولياء والأحباب والغرباء والأنساب ، ولم تلق إلا كل باك وباكية ، ونادب ونادبة ، ولم يكن في أهل الأرض والأصحاب ، والأقرباء والأحباب ، أشد حزنا وأعظم بكاء وانتحابا من مولاتي فاطمة الزهراء (ع) ، وكان حزنها يتجدد ويزيد ، وبكاؤها يشتد . فجلستْ سبعة أيام لا يهدأ لها أنين ، ولا يسكن منها الحنين ، كل يوم جاء كان بكاؤها أكثر من اليوم الأول .
فلما كان في اليوم الثامن أبدت ما كتمت من الحزن ، فلم تطق صبرا إذ خرجت وصرخت ، فكأنها من فم رسول الله (ص) تنطق ، فتبادرت النسوان ، وخرجت الولائد والولدان ، وضج الناس بالبكاء والنحيب ، وجاء الناس من كل مكان ، وأُطفئت المصابيح لكيلا تتبين صفحات النساء ، وخُيّل إلى النسوان أن رسول الله (ص) قد قام من قبره ، وصارت الناس في دهشة وحيرة لما قد رهقهم ، وهي (ع) تنادي وتندب أباها :
وا أبتاه ، وا صفياه ، وا محمداه ، وا أبا القاسماه ، وا ربيع الأرامل واليتامى ، من للقبلة والمصلى ، ومن لابنتك الوالهة الثكلى !..
ثم أقبلت تعثر في أذيالها ، وهي لا تبصر شيئا من عبرتها ، ومن تواتر دمعتها حتى دنت من قبر أبيها محمد (ص) فلما نظرت إلى الحجرة ، وقع طرفها على المأذنة فقصّرت خطاها ، ودام نحيبها وبكاها ، إلى أن أُغمى عليها ، فتبادرت النسوان إليها فنضحن الماء عليها وعلى صدرها وجبينها حتى أفاقت ، فلما أفاقت من غشيتها قامت وهي تقول :
رُفعت قوّتي ، وخانني جلدي ، وشمت بي عدوي ، والكمد قاتلي .
يا أبتاه !.. بقيت والهة وحيدة ، وحيرانة فريدة ، فقد انخمد صوتى ، وانقطع ظهري ، وتنغص عيشي ، وتكدر دهري ، فما أجد يا أبتاه بعدك أنيسا لوحشتي ، ولا رادا لدمعتي ، ولا معينا لضعفي ، فقد فني بعدك محكم التنزيل ، ومهبط جبرائيل ، ومحل ميكائيل .
انقلبتْ بعدك يا أبتاه الأسباب ، وتغلّقت دوني الأبواب ، فأنا للدنيا بعدك قاليةٌ ، وعليك ما تردّدت أنفاسي باكيةٌ ، لا ينفذ شوقي إليك ، ولا حزني عليك .. ثم نادت : يا أبتاه ، والبّاه !.. ثم قالت :
إنّ حزني عليك حزنٌ جديد***وفؤادي والله صبٌّ عنيدُ
كلّ يومٍ يزيد فيه شجوني***واكتيابي عليك ليس يبيدُ
جلّ خطبي فبان عني عزائي***فبكائي كلّ وقتٍ جديدُ
إنّ قلباً عليك يألف صبرا***أو عزاء فإنه لجليدُ
ثم نادت :
يا أبتاه !.. انقطعت بك الدنيا بأنوارها ، وزوت زهرتها وكانت ببهجتك زاهرة ، فقد اسوّد نهارها ، فصار يحكي حنادسها رطبها ويابسها .
يا أبتاه !.. لا زلتُ آسفة عليك إلى التلاق .
يا أبتاه !.. زال غمضي منذ حقّ الفراق .
يا أبتاه !.. مَن للأرامل والمساكين ؟.. ومَن للأمة إلى يوم الدين ؟.
يا أبتاه !.. أمسينا بعدك من المستضعفين .
يا أبتاه !.. أصبحت الناس عنّا معرضين، ولقد كنا بك معظّمين ، في الناس غير مستضعفين ، فأيّ دمعةٍ لفراقك لا تنهمل ؟.. وأيّ حزنٍ بعدك عليك لا يتصل ؟.. وأيّ جفنٍ بعدك بالنوم يكتحل ؟.. وأنت ربيع الدين ، ونور النبيين ، فكيف للجبال لا تمور ؟.. وللبحار بعدك لا تغور ؟.. والأرض كيف لم تتزلزل ؟.. رُميتُ يا أبتاه بالخطب الجليل ، ولم تكن الرزيةُ بالقليل ، وطُرقت يا أبتاه بالمُصاب العظيم ، وبالفادح المهول .
بكتك يا أبتاه !.. الأملاك ، ووقفت الأفلاك ، فمنبرك بعدك مستوحشٌ ، ومحرابك خالٍ من مناجاتك ، وقبرك فرح بمواراتك ، والجنة مشتاقةٌ إليك وإلى دعائك وصلاتك .
ويا أبتاه ، ما أعظم ظلمة مجالسك !.. فوا أسفاه !.. عليك إلى أن أقدم عاجلاً عليك ، وأُثكل أبو الحسن المؤتمن ، أبو ولديك الحسن والحسين ، وأخوك ووليك وحبيبك ، ومن ربّيته صغيراً وآخيته كبيراً ، وأحلى أحبابك وأصحابك إليك ، من كان منهم سابقاً ومهاجراً وناصراً ، والثكل شاملنا ، والبكاء قاتلنا ، والأسى لازمنا .. ثم زفرتْ زفرةٌ ، وأنّت أنّةٌ كادت روحها أن تخرج ، ثم قالت :
قلّ صبري وبان عني عزائي***بعد فقدي لخاتم الأنبياء
عين يا عين اسكبي الدمع سحا***ويك لا تبخلي بفيض الدماء
يا رسول الإله يا خيرة الله***وكهف الأيتام والضعفاء
قد بكتك الجبال والوحش جمعا***والطير والأرض بعد بكْي السماء
ثم رجعت إلى منزلها ، وأخذت بالبكاء والعويل ليلها ونهارها ، وهي لا ترقأ دمعتها ، ولا تهدأ زفرتها
تعليق