جميلة , حنونة وطيبة...
أروع صفات العطاء لا تكفي وصفها...
لي معها ذكريات عصية على النسيان، لصيقة بأرومتي منذ لحظات حياتي الأولى، لا بل قبل ذلك بتسعة أشهر حين كنت في جوف أحشائها أنمو من عدم...
حيث كانت تحتضن روحي و تشملني بعنايتها...
شاركتها بكل شيء، حتى بدمها...
فسبحان الصانع المبدع على بديع صنعته، وأي ارتباط مقدس هذا، وأي وشيجة عظيمة تلك، وأي معجزة تجسدت في الأمومة.
لا أذكر في يوم أن أوصاها احدهم بي خيرا، ولا حتى كلمات ربي في كتابه، وأظن أن الله منحها من الرحمة ومن العشق بما لا يعد ولا يحصى، والكثير من العطاء والإيثار، حيث جعلها لا تحتاج إلى وصايا، فحبها فطري نقي لا تشوبه شائبة.
أطعمتني زادها وماءها، وقدمته لي شراب ممزوج بالحب والسكينة وشيء من الدواء.
لا أتذكر لحظات حزن في طفولتي، لأنها كانت دائما مصدر لسعادتي، وكانت توبخ الحزن أن أقترب مني!
ذكرياتي عنها جميلة، بل أجمل ما في الذكريات، فما زلت أتذكر حكايتها التي أدبتني ووجهتني وجعلتني ما أنا عليه اليوم، رفيقة قلم وأنيسة حرف، فحري بي ان أكتب لها رسالة عشقي هذه، عسى أن تتقبلها مني.
وعن الذكريات أيضا، أتذكر تحملها لشقاوتي التي جعلتني في يوم من الأيام اسقط على رأسي حيث كادت ان تنتهي حياتي ذلك اليوم لولا مشيئة ربي، لكن الألم أحكم سطوته ليلازمني بصداع لا يحتمل.
كنت صغيرة ولكن الألم كان كبير لدرجة جعل أمي لا تكف عن الدموع، ولا تهدأ، لأنها الوحيدة التي كانت تشعر بألمي عندما تراني أذبل كل يوم وأغادر ابتسامتي التي اعتادت عليها.
كانت تدعو الله وأنا اسمعها وأردد كلماتها بثقة وبراءة، كانت تقول ربي أني قليلة الحيلة فأرحم صغيرتي وأسعفها بالراحة وألبسها ثوب العافية.
وفي أحد أيام جهادي مع الألم سهرت أمي على رأسي تقرأ عنده كلمات من القران الكريم، وبعد أن سرقني النوم من حضنها وبعد ساعات صحوت منتصف الليل حيث الهدوء وأمي التي كانت ما تزال تعاند نعاسها وتحرك شفتاها وتكفكف دموعها وتمسح جبيني بلمسة دافئة، وقتها عدت إلى النوم وكأني أمسك النجوم بيدي، شعرت باهتمامها ودلالها لي وكأننا لوحدنا في هذه الدنيا.
وعندما أشرق الصباح بنوره، شعرت بنسمة هواء باردة تقترب من وجهي، ففتحت عيني لأجدها نائمة وأنفاسها تمتزج بأنفاسي، تصرفت بأنانية مفرطة، وربما ببراءة، حيث أيقظتها من نومها وهي بالكاد أغمضت جفونها، لكني كنت حريصة على استمالة عواطفها بأكبر قدر ممكن لأنعم بحنانها أكثر وأكثر، وفي ذلك الوقت سألتني: " هل مازال رأسك يؤلمك؟ أجبتها بلؤم الصغار: " قليلا!، لكنها كررت السؤال بحسرة ودمعة أشعرتني بحزن عميق اتجاهها فاستدركت ما قلت وأجبتها: "لا والله، لا أشعر بأي ألم!، وعندها عانقتني عناق لم يتكرر في حياتي، وبعدها هجرني الألم فعلا، فعرفت وقتها أن لمسة أمي كانت دوائي وسر شفائي وحياة أخرى منحتها لي، فصرت مدينة لها مرتين مرة يوم
أنجبتني ومرة يوم لمستني لمسة الشفاء، لا بل مدينة لها بمرات ومرات وقد لا يحصى دينها علي.
أمي... امنحيني رضاك دوما وأبداً، ولا تقطعي دعاءك لي عند ربي، فأنا أحيى ببركة هذا الدعاء، وأعلمي أنك امرأة بامتياز بما قدمتي لي وبما صبرتي وبما أتعبتك فكبرتي... أطال الله لي في عمرك لتكوني دائما وأبدا حرزي وظلي...
تعليق