بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
تصدير : -
قال الله تعالى : - *(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىظ° إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ غ? )*
من الأمور التي عالجها الشرع المقدس قرآناً وسنة هو أمر سوء الظن الذي محله القلب ، وهو تفسير الإنسان لعمل إنسان آخر أو قوله على محمل السوء بحيث يقول أن فلاناً نيته وقصده الشيئ الفلاني السيئ وهذا يعتبر من الأمراض القلبية التي لاسمح الله لو أُبتلي بها الإنسان تكون لذلك نتائج سلبية على روحيته وأخلاقه وسلوكياته وكذلك أيضاً يترتب عليها آثار سلبية مع علاقاته بالآخرين ربما تنعكس على كل أصعدة المجتمع إلى أن يصبح هذا المرض مرضاً متفشياً لاسمح الله ،
ومن خلال الآيات و الروايات الشريفة نعرف أن العمل والقول الذي يصدر من أحد ما لابد من أن يقيّم بما هو هو مع غض النظر عن النوايا التي لايعلمها إلا الله ، فالنوايا محلها القلب والإنسان عندما يصدر منه عمل ما فإننا لانعلم ماهي نيته وباطنه ، فإذا كانت النية محجوبة عنّا يأتي هنا دور تقييم العمل هل هو حسن أم أنه قبيح هل هو جيد أم سيئ ،
أما ماهي نيته وقصده فهذا يرجع إلى علم الله بنوايا الإنسان
و الآية القرانية والتي صرنا بها الخطبة تشير إلى هذا المعنى ، وهناك عدة روايات في سبب نزول الآية والأحداث التاريخية التي تنطبق عليها الآية كثيرة جرت في التاريخ ولذلك المفسرون مختلفون فيمن نزلت هذه الآية ، هل نزلت في أسامة ابن زيد أم خالد ابن الوليد أو غيرهما ممن عاصر النبي الأعظم (ص) ،
ومن ضمن الروايات في تفسير الآية
ما روي عن أسامة ابن زيد أن النبي (ص) بعثه مع مجموعة من الصحابة في سرية إلى حي من الأحياء إسمها حرقه وإنهزم القوم آنداك-غير المسلمين- فبقي واحد منهم وولى هاربا ، فقال أسامه بن زيد تبعته مع أحد الأنصار فغشيناه ، فلما غشيناه قال لاإله إلا الله ، فكيف عنه الأنصاري فطعنته برمحي حتى قتلته .فوقع في نفسي من ذلك .
ولما قدمنا بلغ النبي (ص) ذلك - فانزعج رسول الله إنزعاجاً شديداً -
-- وقال : - *ياأسامة أقتلته بعد ما قال لاإله إلا الله* ؟!
-- قلت : - كان متعوذا
- يعني خوفاً من السيف -
فكرر عليه رسول الله السؤال عدة مرات
-- ثم قال *(هلا شققت عن قلبه حتى تعلم أقالها أم لا )*
إشارة إلى انه هل دخلت إلى قلبه وعرفت مابداخله؟ فالأولى هو إحسان الظن به والنظر إلى شهادته بلاإله إلا الله كما هي لا بما يُحتمل أن يحمل في قلبه من نوايا هل هي صادقة أم غير صادقة ،
وهذا يعطينا درساً مهماً في التعامل مع الآخر إذا صدر منه قول أو فعل لايصح أن نحمل فعله على النية السيئة إلا إذا كان هناك علم واضح بنواياه ، ولايصح أن نبني ماقاله على إفتراضات وإحتمالات سيئة فهذا مما لايرتضيه شرع الله ،
-- قال الله تعالى : - *( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ )*
الكثير من الظن إثم وليس القليل ،
فعندما لايُسلّم علي شخص لاينبغي أن أخمّن وأحمل نيته على السوء ، فلربما لم ينتبه لي فأكون قد إرتكبت المحرم في اغتيابه وسوء الظن فيه
- القرآن والعترة يعلماننا أننا علينا أن نقيم العمل بما هو عمل بدون الدخول إلى النوايا ،
دوافع سوء الظن : -
الحب والبغض (الشخصنه)
أُحب فلاناً فأفسر كل مايصدر من عنده على أنها صح ونواياه صحيحه ، وأبغض فلاناً فأفسر حتى أعماله الحسنه بتفسيرات سيئة ، وهذا تشخيص للعمل بحسب الإنسان الذي يصدر منه هل هو محل حبنا أو محل بغضنا ،وهذا مما لايرتضيه شرع الله عز وجل
*( وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى )*
إشارة إلى وجوب العدل في تشخيص الأعمال فكما أننا نحمل من نحب على حسن الظن كذلك لاينبغي أن نحمل من يختلف معنا على سوء الظن ، بل لابد من نظرة العدل في تقييم العمل
*وعين الرضا عن كل عيب كليلة*
*و لكن عين السخط تبدي المساويا*
وهذه النظرة ليست عادلة ربما تؤدي إلى الرضا بعمل المعاصي والتشتت والتفرقة
الأحكام المسبقة : -
قد يكون هناك مشكلة ما بين شريحتين أو صنفين من المجتمع فيكون عندي حكم مسبق على إحدى الشريحتين أنهم كذا وكذا ، وبالتالي يكون تقييمنا لأعمالهم بالحكم السابق وهذا من الأخطاء الكبيرة ،
حتى لو عندنا هناك أحكام معينة مسبقة واقعية وسليمة نتيجة مواقف سابقة فلايعني أن أطبق تلك الأحكام على هذا الموقف أو ذاك ، فلابد من تقييم نفس العمل لنكون منصفين ،
والحكم المسبق قد يجعل من المظلوم ظالماً إذا حكم في موقف حالي بنفس الحكم المسبق ،
التلقين : -
اليوم وسائل التواصل لها دور كبير جداً في تلقيننا ، ففي جو الإختلاف تصل إلينا ربما رسائل من جهة واحدة ولاتأتي من الجهة الأخرى ، فيكون تلقّينا للمعلومات من طرف واحد ، وهنا يأتي دور تأثير التلقين بحيث أن هذا التلقين له دور في العقل اللاواعي ويؤثر تأثيراً سلبياً في إساءة الظن لإننا أصبحنا آلة تخزنت فيها معلومات تجاه فلان أو غيره وتراكمت هذه المعلومات دون أن نتلقى معلومات عكسية فهذا مما يؤثر في أننا نحسن الظن في الطرف الذي نتلقى منه المعلومات ونسيئ الظن في الطرف الآخر ، فإذا أراد الإنسان أن يكون منصفاً ولايكون مصطفاً بغير عدل عليه أن يسمع من جميع الأطراف ،
أما التلقي من طرف واحد من خلال أراءه وأفعاله سواء كانت سليمة أو لا بدون النظر إلى الطرف الآخر فإننا نكون غير عادلين في الحكم ، فإما إنني أتجنب الحكم أو أتحمل المسؤولية في الوقوف بوقفة القاضي العادل بالإستماع من الطرفين
من علاجات سوء الظن : -
هي حمل الآخرين على محامل الخير ، وعدم الولوج للنوايا ، وإنما تقييم العمل كما هو
جاء في الروايات عن الإمام الصادق عليه السلام
قوله : - ( *لاتظنن بكلمة خرج من أخيك سوءاً وأنت تجد لها في الخير محملا*)
قال الله تعالى : - *(وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ غ? إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَظ°ئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)*
فنحن مسؤولون عن كل مانسمعه ونشاهده ونقرأه وماتحمله أفئدتنا ، وكما أنه علينا الإلتفات إلى الجوارح من العين والسمع علينا الإلتفات إلى قلوبنا ..
وروي عن رسول الله(ص) قوله : - *(إني لم أؤمر أن أنقب قلوب الناس ولاأشق بطونهم )*
مع علم النبي الأعظم بنوايا الناس لكنه لايرتّب أثراً عملياً على ذلك ،وإنما يتعامل معهم بما يظهرونه له وليس بما في قلوبهم ،
هكذا تأتي وصايا القرآن والعترة للحفاظ على الإنسجام العام واللحمه والوحده بين أبناء المجتمع عندما يمتثلون بمثل هذه التوجيهات القرآنية .
والحمدلله رب العالمين
تعليق