بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نعيش هذه الايام في ظلال شهر رجب المرجب، وهو اول شهور الموسم الروحي للامة الاسلامية، يعقبه شهر شعبان ثم شهر رمضان المبارك.
هذا الموسم الروحي ينبغي ان يعزز في انفسنا التطلعات الروحية، وان يقوّي ارادتنا للانتصار لبعد الروح في شخصياتنا، وان يساعدنا على ضبط انشدادات الطين ورغبات المادة في حياتنا.
و قد وردت في فضل شهر رجب روايات كثيرة منها:
ما روي عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله انه قال:«الا ان رجباً شهر الله الأصم وهو شهر عظيم»[2]
و ما روي عن الامام موسى بن جعفر أنه قال:«رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات»[3]
و عن الامام جعفر الصادق قال:« قال رسول الله: (رجب شهر الاستغفار لامتي فأكثروا فيه الاستغفار، فانه غفور رحيم، ويسمى الرجب الاصبّ لأن الرحمة على امتي تُصب صبّاً فيه، فاستكثروا من قول: استغفر الله واسأله التوبة»[4]
و هناك روايات واحاديث عن ائمة اهل البيت ترسم امامنا بعض البرامج الروحية لاستثمار هذا الشهر الكريم، والاستفادة من خيراته المعنوية، ومن اهم تلك البرامج والمستحبات:
أولاً: الصوم :
و الصوم اعداد وتدريب للإنسان على الضبط والتحكم في الرغبات والشهوات، حيث يمتنع الإنسان بارادته واختياره عند الصوم عن المفطرات والتي هي من ابرز الرغبات كالاكل والشرب والجنس.
و اذا كان الصوم واجباً في شهر رمضان فقط فلأنه الحد الادنى من ما يحتاجه الإنسان من اعداد وتدريب سنوي، لكن اصحاب الطموح والتطلع للرقي الروحي والتقدم المعنوي لا يكتفون بصيام شهر رمضان الواجب، لذا وضع الاسلام برامج صوم اضافية على نحو الاستحباب، لاتاحة الفرصة لهؤلاء الطامحين المتطلعين.
و الصوم في شهر رجب هو من ابرز تلك البرامج، فمن استطاع ان يصوم طوال شهر رجب فقد نال النصيب الاوفى، والا فليصم نصفه او ثلثه او ربعه، ولا ينبغي ان يفوت الإنسان الصوم في شهر رجب ولو يوماً واحداً.
روي عن الامام موسى الكاظم:«رجب نهر في الجنة اشد بياضاً من اللبن واحلى من العسل، فمن صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر»[5]
و عن علي بن سالم عن ابيه )قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام) في رجب وقد بقيت منه ايام، فلما نظر اليّ قال لي: «يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟»
قلت: لا والله يا بن رسول الله. فقال لي:« لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل، ان هذا شهر قد فضله الله، وعظم حرمته، واوجب للصائم فيه كرامته»[6]
ثانياً: العمرة :
زيارة الإنسان لبيت الله الحرام، واداؤه لمناسك الطواف والصلاة والسعي وما تستلزمه من تكاليف ويتبعها من احكام وواجبات، هذه الزيارة تؤكد في نفس الإنسان الخضوع لله، وتنفيذ اوامره في جميع شؤونه، كما توحي له بأن يكون الرب محور حياته وحركته، وان يجتهد في السعي لتحقيق مرضاته، وكل منسك من المناسك ومعلم من معالم الحرم الشريف، تشكل رموزاً واضاءات للإنسان في حياته الروحية وبعده المعنوي.
و اذا كان الواجب على الإنسان قصد البيت الحرام، واداء مناسك الحج والعمرة مرة واحدة في العمر، فان التردد على زيارة البيت الحرام واداء النسك، يعني المزيد من الاستلهام الروحي والاضاءة الالهية لقلب الإنسان ومسيرته.
و من مستحبات شهر رجب المبارك اداء مناسك العمرة، واذا كان البعض من علماء المسلمين لا يرون ميزة خاصة للعمرة في شهر رجب، فان اتباع اهل البيت يأخذون باقوال ائمتهم الهداة، والتي تؤكد استحباب العمرة في هذا الشهر وافضليتها فيه على بقية الشهور، واقوال الائمة بالنسبة لنا حجة شرعية.
فقد سئل الامام جعفر الصادق: أي العمرة افضل عمرة في رجب او عمرة في شهر رمضان؟ فقال:« لا، بل عمرة في رجب افضل.»[7]
و عنه أيضاً:«المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، وافضل العمرة عمرة رجب»[8]
ثالثاً : الصلاة والدعاء والذكر :
الصلاة معراج المؤمن، حيث ينطلق بروحه وقلبه وفكره في آفاق السمو الالهي، متجاوزاً حدود الاهتمامات المادية، سارحاً محلقاً في اجواء ذكر الله، ومتنعماً بلذة المثول في حضرة الرب سبحانه.
و في شهر رجب المبارك ينبغي المواظبة على اداء النوافل اليومية وخاصة صلاة الليل، كذلك فان هناك صلوات بكيفيات خاصة يستحب اداؤها في ايام وليالي هذا الشهر الفضيل، وهناك ادعية خاصة، تذكّر الإنسان بعظمة ربه وباسمائه الحسنى، وتوجه الإنسان إلى الحقائق الكونية، وإلى مكارم الاخلاق وجميل السلوك والصفات، ورد استحباب قرائتها والمواظبة عليها في هذا الشهر الفضيل. وهي مذكورة في كتب الادعية المعروفة كمفاتيح الجنان للشيخ القمي والدعاء والزيارة للامام الشيرازي.
رابعاً: الصدقة :
ان مساعدة الفقراء والمحتاجين تدل على صدق تديّن الإنسان، ولعله لذلك سمّيت صدقة من الصدق، بينما التجاهل لاوضاع المحرومين علامة على كذب ادعاء التدين، فلا يثبت للإنسان دين وايمان مع اعراضه عن حاجات الضعفاء والفقراء يقول تعالى:﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين﴾[9] .
و اذا كانت الصدقة مطلوبة في كل وقت ولها نتائجها العظيمة على حياة الإنسان قبل آخرته، حيث انها كما ورد في الاحاديث، تدفع البلاء وتزيد الرزق، وتطيل العمر، الا أنها في هذا الشهر الكريم اكثر ثواباً واعظم بركة.
ففي حديث مروي عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلم) كان يتحدث فيه عن فضل شهر رجب والصيام فيه ثم قال:«يتصدق كل يوم برغيف على المساكين، والذي نفسي بيده إنه اذا تصدّق بهذه الصدقة كل يوم ينال ما وصفت واكثر، انه لو اجتمع جميع الخلائق على ان يقدّروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات»[10]
نسأل الله تعالى ان يبارك لنا جميعاً في هذا الشهر الكريم، وان يوفقنا واياكم فيه لصالح الاعمال وان يعيده علينا كل عام بالخير والبركة انه ارحم الراحمين.
-------------------
[2] الحر العاملي: محمد بن الحسن/ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ج 10 ص 475/
[3] المصدر السابق ص 473
[4] القمي: الشيخ عباس/ مفاتيح الجنان ص 185 الطبعة الاولى 1983م دار الاضواء – بيروت.
[5] الحر العاملي / محمد بن الحسن / تفصيل وسائل الشيعة ج 10 ص 472.
[6] المصدر السابق ص 475.
[7] الحر العاملي: محمد بن الحسن/ تفصيل وسائل الشيعة ج 14 ص 301.
[8] المصدر السابق ص 303.
[9] سورة الماعون / الآية 1-3
[10] الحر العاملي: محمد بن الحسن/ تفصيل وسائل الشيعة ج 10 ص 483.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
نعيش هذه الايام في ظلال شهر رجب المرجب، وهو اول شهور الموسم الروحي للامة الاسلامية، يعقبه شهر شعبان ثم شهر رمضان المبارك.
هذا الموسم الروحي ينبغي ان يعزز في انفسنا التطلعات الروحية، وان يقوّي ارادتنا للانتصار لبعد الروح في شخصياتنا، وان يساعدنا على ضبط انشدادات الطين ورغبات المادة في حياتنا.
و قد وردت في فضل شهر رجب روايات كثيرة منها:
ما روي عن ابي سعيد الخدري عن رسول الله انه قال:«الا ان رجباً شهر الله الأصم وهو شهر عظيم»[2]
و ما روي عن الامام موسى بن جعفر أنه قال:«رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات، ويمحو فيه السيئات»[3]
و عن الامام جعفر الصادق قال:« قال رسول الله: (رجب شهر الاستغفار لامتي فأكثروا فيه الاستغفار، فانه غفور رحيم، ويسمى الرجب الاصبّ لأن الرحمة على امتي تُصب صبّاً فيه، فاستكثروا من قول: استغفر الله واسأله التوبة»[4]
و هناك روايات واحاديث عن ائمة اهل البيت ترسم امامنا بعض البرامج الروحية لاستثمار هذا الشهر الكريم، والاستفادة من خيراته المعنوية، ومن اهم تلك البرامج والمستحبات:
أولاً: الصوم :
و الصوم اعداد وتدريب للإنسان على الضبط والتحكم في الرغبات والشهوات، حيث يمتنع الإنسان بارادته واختياره عند الصوم عن المفطرات والتي هي من ابرز الرغبات كالاكل والشرب والجنس.
و اذا كان الصوم واجباً في شهر رمضان فقط فلأنه الحد الادنى من ما يحتاجه الإنسان من اعداد وتدريب سنوي، لكن اصحاب الطموح والتطلع للرقي الروحي والتقدم المعنوي لا يكتفون بصيام شهر رمضان الواجب، لذا وضع الاسلام برامج صوم اضافية على نحو الاستحباب، لاتاحة الفرصة لهؤلاء الطامحين المتطلعين.
و الصوم في شهر رجب هو من ابرز تلك البرامج، فمن استطاع ان يصوم طوال شهر رجب فقد نال النصيب الاوفى، والا فليصم نصفه او ثلثه او ربعه، ولا ينبغي ان يفوت الإنسان الصوم في شهر رجب ولو يوماً واحداً.
روي عن الامام موسى الكاظم:«رجب نهر في الجنة اشد بياضاً من اللبن واحلى من العسل، فمن صام يوماً من رجب سقاه الله من ذلك النهر»[5]
و عن علي بن سالم عن ابيه )قال: دخلت على الصادق جعفر بن محمد(عليهما السلام) في رجب وقد بقيت منه ايام، فلما نظر اليّ قال لي: «يا سالم هل صمت في هذا الشهر شيئاً؟»
قلت: لا والله يا بن رسول الله. فقال لي:« لقد فاتك من الثواب ما لا يعلم مبلغه إلا الله عز وجل، ان هذا شهر قد فضله الله، وعظم حرمته، واوجب للصائم فيه كرامته»[6]
ثانياً: العمرة :
زيارة الإنسان لبيت الله الحرام، واداؤه لمناسك الطواف والصلاة والسعي وما تستلزمه من تكاليف ويتبعها من احكام وواجبات، هذه الزيارة تؤكد في نفس الإنسان الخضوع لله، وتنفيذ اوامره في جميع شؤونه، كما توحي له بأن يكون الرب محور حياته وحركته، وان يجتهد في السعي لتحقيق مرضاته، وكل منسك من المناسك ومعلم من معالم الحرم الشريف، تشكل رموزاً واضاءات للإنسان في حياته الروحية وبعده المعنوي.
و اذا كان الواجب على الإنسان قصد البيت الحرام، واداء مناسك الحج والعمرة مرة واحدة في العمر، فان التردد على زيارة البيت الحرام واداء النسك، يعني المزيد من الاستلهام الروحي والاضاءة الالهية لقلب الإنسان ومسيرته.
و من مستحبات شهر رجب المبارك اداء مناسك العمرة، واذا كان البعض من علماء المسلمين لا يرون ميزة خاصة للعمرة في شهر رجب، فان اتباع اهل البيت يأخذون باقوال ائمتهم الهداة، والتي تؤكد استحباب العمرة في هذا الشهر وافضليتها فيه على بقية الشهور، واقوال الائمة بالنسبة لنا حجة شرعية.
فقد سئل الامام جعفر الصادق: أي العمرة افضل عمرة في رجب او عمرة في شهر رمضان؟ فقال:« لا، بل عمرة في رجب افضل.»[7]
و عنه أيضاً:«المعتمر يعتمر في أي شهور السنة شاء، وافضل العمرة عمرة رجب»[8]
ثالثاً : الصلاة والدعاء والذكر :
الصلاة معراج المؤمن، حيث ينطلق بروحه وقلبه وفكره في آفاق السمو الالهي، متجاوزاً حدود الاهتمامات المادية، سارحاً محلقاً في اجواء ذكر الله، ومتنعماً بلذة المثول في حضرة الرب سبحانه.
و في شهر رجب المبارك ينبغي المواظبة على اداء النوافل اليومية وخاصة صلاة الليل، كذلك فان هناك صلوات بكيفيات خاصة يستحب اداؤها في ايام وليالي هذا الشهر الفضيل، وهناك ادعية خاصة، تذكّر الإنسان بعظمة ربه وباسمائه الحسنى، وتوجه الإنسان إلى الحقائق الكونية، وإلى مكارم الاخلاق وجميل السلوك والصفات، ورد استحباب قرائتها والمواظبة عليها في هذا الشهر الفضيل. وهي مذكورة في كتب الادعية المعروفة كمفاتيح الجنان للشيخ القمي والدعاء والزيارة للامام الشيرازي.
رابعاً: الصدقة :
ان مساعدة الفقراء والمحتاجين تدل على صدق تديّن الإنسان، ولعله لذلك سمّيت صدقة من الصدق، بينما التجاهل لاوضاع المحرومين علامة على كذب ادعاء التدين، فلا يثبت للإنسان دين وايمان مع اعراضه عن حاجات الضعفاء والفقراء يقول تعالى:﴿ أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ . فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ . وَلاَ يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِين﴾[9] .
و اذا كانت الصدقة مطلوبة في كل وقت ولها نتائجها العظيمة على حياة الإنسان قبل آخرته، حيث انها كما ورد في الاحاديث، تدفع البلاء وتزيد الرزق، وتطيل العمر، الا أنها في هذا الشهر الكريم اكثر ثواباً واعظم بركة.
ففي حديث مروي عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلم) كان يتحدث فيه عن فضل شهر رجب والصيام فيه ثم قال:«يتصدق كل يوم برغيف على المساكين، والذي نفسي بيده إنه اذا تصدّق بهذه الصدقة كل يوم ينال ما وصفت واكثر، انه لو اجتمع جميع الخلائق على ان يقدّروا قدر ثوابه ما بلغوا عشر ما يصيب في الجنان من الفضائل والدرجات»[10]
نسأل الله تعالى ان يبارك لنا جميعاً في هذا الشهر الكريم، وان يوفقنا واياكم فيه لصالح الاعمال وان يعيده علينا كل عام بالخير والبركة انه ارحم الراحمين.
-------------------
[2] الحر العاملي: محمد بن الحسن/ تفصيل وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة ج 10 ص 475/
[3] المصدر السابق ص 473
[4] القمي: الشيخ عباس/ مفاتيح الجنان ص 185 الطبعة الاولى 1983م دار الاضواء – بيروت.
[5] الحر العاملي / محمد بن الحسن / تفصيل وسائل الشيعة ج 10 ص 472.
[6] المصدر السابق ص 475.
[7] الحر العاملي: محمد بن الحسن/ تفصيل وسائل الشيعة ج 14 ص 301.
[8] المصدر السابق ص 303.
[9] سورة الماعون / الآية 1-3
[10] الحر العاملي: محمد بن الحسن/ تفصيل وسائل الشيعة ج 10 ص 483.
تعليق