بشارات الأديان بالمهدي عليه السلام
عراقة الايمان بالمصلح العالمي .
يعتبر الايمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي , واقامة الدولة الالهية العادلة في كل الارض , من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الاديان , والاختلاف فيما بينها انما هوفي تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي , الذي يحقق جميع اهداف الانبياء ـ عليهم السلام .
وقد استعرض الدكتور محمد مهدي خان , في الابواب الستة الاولى من كتابه مفتاح باب الابواب , آراء الاديـان الستة المعروفة بشاءن ظهور النبي الخاتم (ص ), ثم بشاءن المصلح العالمي المنتظر, وبين ان كل دين منها بشر بمجي ء هذا المصلح الالهي , في المستقبل اوفي آخر الزمان , ليصلح العالم , وينهي الظلم والشر, ويحقق السعادة المنشودة للمجتمع البشري .
كما تحدث عن ذلك مفصلا الـميرزا محمد الاسترابادي في كتابه ذخيرة الابواب , ونقل طرفا من نصوص وبشارات الكثير من الكتب السماوية لمختلف الاقوام بشاءنه .
وهذه الحقيقة من الواضحات , اقر بها كل من درس عقيدة المصلح العالمي , حتى الذين انكروا صحتها او شـكـكـوا فيها, كبعض المستشرقين امثال جولد زيهر المجري في كتابه العقيدة والشريعة في الاسلام , فاعترفوا باءنها عقيدة عريقة للغاية في التاءريخ الديني ,وجدت حتى في القديم من كـتـب ديـانات المصريين والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والاحباش , فضلا عن الديانات الكبرى الثلاث : اليهودية والنصرانية والاسلام .
البشارات بالمنقذ عنصر اساسي في الكتب المقدسة
والـملاحظ في عقائد هذه الاديان بشاءن المصلح العالمي , انها تستند الى نصوص واضحة في كتبهم الـمـقـدسة القديمة , وليس الى تفسيرات عرضها علماؤهم لنصوص غامضة ,حمالة لوجوه تاءويلية متعددة , وهذه الملاحظة تكشف عراقة هذه العقيدة , وكونهاتمثل اصلا مشتركا في دعوات الانـبـيـاء ـ صلوات اللّه عليهم ـ, حيث ان كل دعوة نبوية آوعلى الاقل الرئيسة والكبرى ـ تمثل خـطـوة عـلـى طـريـق الـتـمهيد لظهور المصلح الديني العالمي , الذي يحقق اهداف هذه الدعوات كـافـة , كـمـا ان لـلـتبشير بحتمية ظهور هذاالمصلح العالمي تاءثيرا على هذه الدعوات , فـهـويـشكل عامل دفع لاتباع الانبياء للتحرك باتجاه تحقيق اهداف رسالتهم , والسعي للمساهمة في تـاءهـيـل الـمـجتمع البشري لتحقيق اهداف جميع الدعوات النبوية كاملة , في عصر المنقذ الديني العالمي .
ولذلك كان التبشير بهذه العقيدة عنصرا اصليا في نصوص مختلف الديانات والدعوات النبوية .
رسوخ الفكرة في اليهودية والنصرانية
فـالايـمـان بـهـا ثابت عند اليهود, مدون في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم , وقدفصل الـحـديـث عن هذه العقيدة عند اليهود كثير من الباحثين المعاصرين , وبخاصة في العالم الغربي , من امـثـال جـورج رذرفـورد فـي كتابه ملايين من الذين هم احياء اليوم لن يموتوا ابدا, والسناتور الامـيركي بول منزلي في كتابه من يجرؤ على الكلام , والباحثة غريس هالسل في كتابها النبوءة والسياسة , و ... غيرهم كثير .
فكل من درس الديانة اليهودية التفت الى رسوخ هذه العقيدة فيها وسجلها, والنماذج التي ذكـرنـاها آنفا من هذه الدراسات , اختصت بعرض هذه العقيدة بالذات عند اليهود, والاثارالسياسية الـتـي افـرزتـها نتيجة لتحرك اليهود انطلاقا من هذه العقيدة , وفي القرون الاخيرة خاصة , بهدف الاسـتعداد لظهور المنقذ العالمي , الذي يؤمنون به , وسبب هذا التحرك هو ان عقيدة اليهود في هذا المجال تشتمل على تحديد زمني لبدء مقدمات ظهور المنقذالعالمي : يبدا مع سنه (1914) للميلاد ـ وهـو عـام تفجر الحرب العالمية الاولى كما هومعروف ـ, ثم عودة الشتات اليهودي الى فلسطين , واقامة دولتهم التي يعتبرونها من المراحل التمهيدية المهمة لظهور المنقذ الموعود, ويعتقدون باءن العودة الى فلسطين هي بداية المعركة الفاصلة , التي تنهي وجود الشر في العالم , ويبدا حينئذ حكم الـملكوت في الارض لتصبح الارض فردوسا. ((8)) وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تـفـصـيـلات فـي هـذه العقيدة عند اليهود, الا ان المقدار الثابت هو انها فكرة متاءصلة في تراثهم الـديـني ,وبقوة بالغة مكنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ ان تقيم على اساسها تـحـركـا استراتيجيا طويل المدى وطويل النفس , استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الافكار والاتجاهات , ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ماصوره قادة اليهودية لاتباعهم , باءنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود.
وواضـح ان الايـمـان بـهـذه العقيدة لولم يكن راسخا ومستندا الى جذور عميقة في التراث الديني الـيـهودي , لما كان قادرا على ايجاد مثل هذا التحرك الدؤوب , ومن مختلف الطاقات والاتباع , فمثل هذا لا يتاءتى من فكرة عارضة اوطارئة , لاتستند الى جذورراسخة مجمع عليها.
كـمـا آمـن الـنصارى باءصل هذه الفكرة استنادا الى مجموعة من الايات والبشارات الموجودة في الانـجـيل والتوراة .
ويصرح علماء الانجيل بالايمان بحتمية عودة عيسى المسيح في آخر الزمان , لـيـقـود الـبـشرية في ثورة عالمية كبرى , يعم بعدها الامن والسلام كل الارض ـ كما يقول القس الالـماني فندر في كتابه ميزان الحق ـ وانه يلجاء الى القوة والسيف لاقامة الدولة العالمية العادلة .
وهذا هوالاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى .
الايمان بالمصلح العالمي في الفكر غير الديني
بـل والـمـلاحظ ان الايمان ـ بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة , التي تضع فيهاالحرب اوزارها, ويعم السلام والعدل ـ لا يختص بالاديان السماوية , بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية ايضا.
فـنـجـد فـي الـتـراث الفكري الانساني الكثير من التصريحات بهذه الحتمية , فمثلا يقول المفكر الـبـريـطـانـي الـشهير برتراندراسل : ان العالم في انتظار مصلح يوحده تحت لواء واحدوشعار واحد. .
ويقول العالم الفيزيائي المعروف البرت اينشتاين صاحب النظرية النسبية : ان اليوم الذي يسود العالم كله فيه السلام والصفاء, ويكون الناس متحابين متخين ليس ببعيد. وادق واصـرح مـن هـذا وذاك مـا قاله المفكر الايرلندي المشهور برناردشو, فقد بشربصراحة بحتمية ظهور المصلح , وبلزوم ان يكون عمره طويلا يسبق ظهوره , بما يقترب من عقيدة الامامية فـي طـول عـمر الامام المهدي (عج ), ويرى ذلك ضروريا لاقامة الدولة الموعودة .
قال في كتابه الانـسـان الـسوبرمان ـ وحسب ما نقله الدكتور عباس محمودالعقاد في كتابه عن برناردشو في وصف المصلح العالمي ـ باءنه : انسان حي ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة , انسان اعلى يـتـرقـى اليه هذا الانسان الادنى بعدجهد طويل , وانه يطول عمره حتى ينيف على ثلاثمئة سنة , ويـسـتـطـيـع ان يـنـتـفـع بـمـااسـتـجمعه من اطوار العصور, وما استجمعه من اطوار حياته الطويلة .
طول عمر المصلح في الفكر الانساني .
الـملاحظ ان الاوصاف التي يذكرها المفكر الايرلندي للمصلح العالمي من الكمال الجسمي والعقلي , وطـول الـعـمـر, والـقـدرة على استجماع خبرات العصور والاطوار بمايمكنه من انجاز مهمته الاصلاحية الكبرى , قريبة من الاوصاف التي يعتقد بها مذهب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المهدي الـمـنـتـظر (عج ) وغيبته .
وقضية طول العمر في هذاالمصلح العالمي مستجمعا ـ عند ظهوره ـ لتجارب العصور, لكي يكون قادرا على انجازمهمته , وهذه الثمرة متحصلة من غيبة الامام الـمهدي (عج ) الطويلة , حسب عقيدة الامامية الاثني عشرية , ولكن الفرق هو ان عقيدتنا في الامام الـمـعـصـوم تـقـول بـاءنه مستجمع ـ منذ البداية ـ لهذه الخبرة والثمار المرجوة من طول عمره , فـهـو(عـج ) مـؤهـل بدءالاداء مهمته الاصلاحية الكبرى مسدد الهيا لها, قادر عليها متى ما تهياءت الاوضاع الموائمة لظهوره .
اجل , يمكن القول باءن طول الغيبة يؤدي الى اكتساب انصاره والمجتمع البشري لهذه الثمار, فيستجمعونها جيلا بعد آخر.
الايمان بالمهدي تجسيد لحاجة فطرية
ان ظـهـور الايمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الانساني عموما, يكشف عن وجود اسـس مـتينة قوية تستند اليها, تنطلق من الفطرة الانسانية , بمعنى انها تعبر عن حاجة فطرية عامة يـشـتـرك فـيها بنو الانسان عموما, وهذه الحاجة تقوم على ما جبل عليه الانسان , من تطلع مستمر لـلـكمال باءشمل صورة , وان ظهور المنقذ العالمي واقامة دولته العادلة في اليوم الموعود, يعبر عن وصول المجتمع البشري الى كماله المنشود.
يـقول العلامة الشهيد آية اللّه العظمى السيد محمد باقر الصدر ـ قدس سره ـ في مقدمة بحثه القيم عن المهدي : لـيـس المهدي (عج ) تجسيدا لعقيدة اسلامية ذات طابع ديني فحسب , بل هو عنوان لطموح اتجهت الـيـه البشرية بمختلف اديانها ومذاهبها, وصياغة لالهام فطري ادرك الناس من خلاله ـ على تنوع عـقـائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ ان للانسانية يوما موعودا على الارض تحقق فيه رسالات السماء مـغـزاها الكبير وهدفها النهائي , وتجد فيه المسيرة المكدودة للانسان على مر التاريخ استقرارها وطماءنينتها, بعد عناء طويل .
بل لم يقتصر هذا الشعور بهذا الشعور الغيبي والمستقبل المنتظر , على المؤمنين ديـنـيـا بالغيب , بل امتد الى غيرهم ايضا, وانعكس حتى على اشد الايدلوجيات والاتجاهات الغيبية رفضا للغيب , كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على اساس التناقضات , وآمنت بيوم موعود تصفى فيه كل التناقضات , ويسود فيه الوئام والسلام .
وهـكـذا نـجـد ان الـتجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الانسانية على مر الزمان , من اوسع الـتـجـارب النفسية واكثرها عموما بين بني الانسان .
اذن , فالايمان بالفكرة التي يجسدها الـمهدي الموعود هي من اكثر الافكار انتشارا بين بني الانسان كافة , لانها تستند الى فطرة التطلع للكمال باءشمل صوره , اي انها تعبر عن حاجة فطرية , لذلك فتحققها حتمي لان الفطرة لا تطلب ماهو غير موجود كما هومعلوم .
موقف الفكر الانساني من غيبة المهدي
ان الفكر الانساني لايرى مانعا من طول عمر هذا المصلح العالمي , الذي يتضمنه الايمان بغيبته وفقا لـمـذهب اهل البيت (ع ), بل يرى طول عمره امرا ضروريا للقيام بمهمته الاصلاحية الكبرى كما لاحظنا في كلام المفكر الايرلندي برناردشو. وعليه فالفكرالانساني العام لايرفض مبدئيا الايمان بـالـغيبة , اذا كانت الادلة المثبتة لها مقبولة عقليا.وقد تناول العلماء اثبات الامكان العقلي لطول عمر الامـام الـمـهـدي , وعـدم تعارضه مع اي واحد من القوانين العقلية , كما فعل الشيخ المفيد في كتابه (الفصول العشرة في الغيبة ),والسيد المرتضى في رسالته (المقنع في الغيبة ), والعلامة الكراجكي في رسالته (البرهان على طول عمر امام الزمان ـ ع ـ) التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه الـثـانـي , والـشيخ الطبرسي في اعلام الورى , والسيد الصدر في بحث حول المهدي وغيرهم كثير, اذ قل ما يخلو كتاب من كتب الغيبة عن مناقشة هذا الموضوع , والاستدلال عليه .
الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة
اما بالنسبة للفكر الديني فالامر فيه اوضح , اذ ان الاجماع على حتمية ظهور المصلح العالمي مقترن بـالايـمـان بـاءن ظـهوره ياءتي بعد غيبة طويلة , وهذا امر واضح من خلال مراجعة عقائدهم بهذا الـخـصـوص , فـقد آمن اليهود بعودة عزير او منحاس بن العازر بن هارون , وآمن النصارى بغيبة الـمـسـيح [ع ] وعودته , وينتظر مسيحيو الاحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان , وكذلك الهنود آمنوا بعودة فيشنوا, والمجوس بحياة اوشيدر, وينتظر البوذيون عودة بوذا, ومنهم من ينتظر عودة ابراهيم الخليل (ع ),وغير ذلك .
اذن , فـقـضـيـة الغيبة قبل ظهور المصلح العالمي ليست مستغربة لدى الاديان السماوية , ولايمكن لـمـنـصف ان يقول باءن كلها قائمة على الخرافات والاساطير, فالخرافات والاساطيرلا يمكن ان توجد فكرة متاءصلة بين جميع الاديان , دون ان ينكر اي من علمائها اصل هذه الفكرة , فلم ينكر احد مـنـهـم اصل فكرة الغيبة , وان انكر صحة مصداق الغائب المنتظرفي غير الدين الذي عشقه وآمن بالمصداق الذي ارتضاه .
اذن , انتشار اصل هذه الفكرة في جميع الاديان السماوية كاشف عن ارضية اعتقادية مشتركة رسخها الـوحـي الالـهـي فـيها جميعا, ودعمتها تجارب الانبياء (ع ) التي شهدت غيبات متعددة , مثل غيبة ابـراهـيم الخليل (ع ) وعودته , وغيبة موسى (ع ) عن بني اسرائيل وعودته اليهم بعد السنين التي قضاها في مدين , وغيبة عيسى (ع ) وعودته في آخرالزمان التي اقرتها الايات الكريمة , وما اتفق عليه المسلمون من الاحاديث النبوية الشريفة , وغيبة نبي اللّه الياس (ع ) التي قال بها اهل السنة كما صـرح بـذلك مفتي الحرمين الكنجي الشافعي , في الباب الخامس والعشرين من كتابه البيان في اخبار صاحب الزمان ,وصرح كذلك بايمان اهل السنة بغيبة الخضر (ع ) وهي مستمرة الى ظهور المهدي (عج )في آخر الزمان , حيث يكون وزيره .
بـل ان انـتشار فكرة غيبة المصلح العالمي في الاديان السابقة قد تكون مؤشرا على وجودنصوص سـماوية صريحة بذلك , كما سنلاحظ في نموذج النبوءة الواردة في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس والتي طبقها الباحث السني سعيد ايوب على المهدي الامامي .
امـا الاخـتـلاف فـي تشخيص هوية المصلح الغائب فهوناشى ء من الخلط بين النصوص المخبرة عن غيبات بعض الانبياء (ع ) وبين المتحدثة عن غيبة المصلح العالمي بدوافع عدة سنشير اليها لاحقا.
الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي
نـتـيـجـة لـما مضى فان الاجماع قائم في الاديان السماوية على حتمية اليوم الموعود, وكمايقول العلامة المتتبع آية اللّه السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الثالث عشر من احقاق الـحـق : ولـيـعـلم ان الامم والمذاهب والاديان اتفقت كلمتهم ـ الا من شذوندر ـ على مجي ء مصلح سـمـاوي الهي ملكوتي , لاصلاح ما فسد من العالم , وازاحة مايرى من الظلم والفساد فيه , وانارة ما غشيه من الظلم .
غاية الامر, انه اختلفت كلمتهم بين من يراه عزيرا, وبين من يراه مسيحا, ومن يراه خليلا, ومن يراه ـ من المسلمين ـ من نسل مولانا الامام ابي محمد الحسن السبط, ومن يراه من نسل مولانا الامام ابي عبد اللّه الحسين السبط الشهيد.
واذا اخـتـلـفـت الاديان , بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي , رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره , وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة , فما هو سرهذا الاختلاف ؟
اسباب الاختلاف في هوية المنقذ المنتظر
ان مـانـعتقده هو ان سبب هذا الاختلاف يرجع الى تفسير النصوص والبشارات السماوية وتاءويلها, اسـتـنـادا الـى عـوامـل خارجة عنها, وليس الى تصريحات او اشارات في النصوص نفسها, والى الـتـاءثـرالعاطفي برموز معروفة لاتباع كل دين او فرقة , وتطبيق النصوص عليها ولو بالتاءويل , بمعنى ان تحديد هوية المصلح الموعود لاينطلق من النصوص والبشارات ذاتها, بل ينطلق من انتخاب شـخـصـيـة مـن الـخـارج , ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يضاف الى ذلك عوامل اخرى سياسية ومصلحية كثيرة , لسنا هنا بصددالحديث عنها, ومعظمها واضح معروف فيما يرتبط بالاديان السابقة , وفـيـما يرتبط بالفرق الاسلامية , ومحورها العام هو: ان الاقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية والنبوية نفسها ينسف قناعات لدى تلك الاديان , وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائهاالاستقلالي , ومسوغ اصرارها على عقائدها السالفة .
اما بالنسبة للعامل الاول فنقول : ان النصوص والبشارات السماوية واحاديث الانبياءواوصيائهم (ع ) بـشـاءن الـمـصلح العالمي , تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي , وعن شخصية مستقبلية , وعن دور تـاءريـخـي كبير يحقق اعظم انجاز للبشرية على مدى تاءريخها,ويحقق في اليوم الموعود اسمى طموحاتها, والانسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها, هذا من جهة ومن جهة اخرى فكل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون اليه , ويميلون ان يكون صاحب هذا الدور التاءريخي منهم .
لذا كان من الطبيعي ان يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي , لان من الطبيعي ان يسعى اتباع كـل ديـن الـى اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية , التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الـثـابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم , ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم , يدفعهم لذلك الـتعصب الشعوري اواللاشعروي لشريعتهم ورموزها, والرغبة الطبيعية العارمة في ان يكون لهم افتخار تحقق ذاك الدور التاءريخي على يد شخصية تنتمي اليهم اوينتمون اليها.
الخلط بين البشارات وتاءويلها
من هنا اخذت كل طائفة تسعى لتطبيق الصفات التي تذكرها تلك النصوص والبشارات المروية لدى كل منها على الشخصية المحبوبة لديها, او اقرب رموزها الى الصفات المذكورة , فاذا وجدت بعض تـلـك الـصـفـات صـريحة في عدم انطباقه على الشخصية التي اختارتها, عمدت الى معالجة الامر بـالـتـاءويـل والتلفيق .
اوبتغييبها اوتحريفها, لتنطبق على من انتخبته مسبقا, اوالخلط بين النصوص والـبـشـارات الـسـماوية الواردة بشاءن النبي اللاحق او المنقذ للعالم في برهة معينة , اوالمصحح لانـحـراف امـة معينة , وبين النصوص والبشارات الخاصة بالحديث عن المصلح العالمي الذي يقيم الدولة العادلة على كل الارض في آخر الزمان , ويحقق اهداف الانبياء والاوصياء (ع ) جميعا.
منهج لحل الاختلاف
وحيث اتضح سبب الاختلاف في تحديد هوية المصلح , امكن معرفة سبيل حله والتوصل الاستدلالي لمصداقه الحقيقي بصورة علمية سليمة ومقنعة , ويمكن تلخيص مراحله على النحوالتالي : 1 ـ تـمييز البشارات والنصوص الخاصة بالمصلح العالمي الموعود في آخر الزمان , عن غيرها من الـواردة بـشـاءن نـبـي او وصي معين , استنادا الى دلالات نصوص البشارات نفسهاومن مصادرها الاصـلـيـة , وكذلك استنادا الى ماتقتضيه المبادى ء الاولية المرتبطة بمهام الانبياء والاوصياء (ع ) وسـيـرهـم والـواقـع التاءريخي الثابت , وكذلك ما تقتضيه معرفة الثابت من دوره ومهمته الكبرى كمصلح عالمي .
2 ـ تحديد الصفات والخصائص التي تحددها النصوص والبشارات نفسها للمصلح الموعود وبصورة مـجـتـمعة , وتوضيح الصورة التي ترسمها له قبل افتراض مسبق لمصداق لها, لكي لاتكون الصورة المرسومة له متاءثرة بالمصداق المفترض سلفا.
3 ـ وبـعـد اكـتـمـال الـصورة التجريدية المستفادة , تبدا عملية تعرف على الصفات والخصائص والـحقائق التاءريخية المذكورة , كمصاديق للمصلح العالمي الموعود, ثم عرضها على الصورة التي تـرسـمـهـا له نصوص البشارات نفسها, والمتحصلة من المرحلتين السابقتين , ليتم بذلك تبيان عدم انسجام صفات المصاديق غير الحقيقية مع تلك الصورة ,ومن ثم معرفة المصداق الحقيقي من بينها.
التعريف بالمهدي الامامي لحل الاختلاف
نـعـتـقد ان البشارات السماوية الواردة في الكتب المقدسة تهدي الى المهدي المنتظر الذي يقول به مـذهـب اهـل الـبـيـت (ع ), كـمـا سـنشير لذلك لاحقا, واثبتته دراسات متعددة في نصوص هذه الـبشارات , لذلك فان جهلهم به هو احد الاسباب المهمة لاختلاف علماءالاديان السابقة في تـشـخـيـص هـويـة المصلح العالمي , الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة , اذ لم يجدوا بين من يـعـرفون من تنطبق عليه الصفات التي حددتها له النصوص التي بين ايديهم , فعمدوا الى تاءويل هذه الصفات ليطبقوها على من يحبون , تاءثرا بالعوامل الاخرى التي ذكرناها فيما سبق .
من هنا فان مما يساعد على رفع هذا الاختلاف هو تعريف علماء واتباع تلك الديانات بعقيدة اهل البيت (ع ) في المهدي المنتظر (عج ), فاذا تعرفوه انفتحت امامهم آفاق اوسع للاهتداء للمصداق الحقيقي للمصلح العالمي الذي بشرت به اديانهم , وعرفوه وآمنوا به طبقا لدلالات نصوص البشارات الواردة في كتبهم المقدسة , حتى لوكان ايمانهم الجديدخلاف قناعاتهم السابقة .
وكـنـمـوذج على تاءثير هذا التعريف نشير ـ مثلا ـ الى نتيجة تحقيق القاضي جواد الساباطي ,من اعـلام القرن الثاني عشر الهجري , اذ كان في بداية امره عالما نصرانيا ثم تعرف الاسلام واعتنقه , عـلـى الـمذهب السني الذي كان اول ما عرف من الفرق الاسلامية , والف كتابه المعروف البراهين الـسـابـاطـيـة فـي رد الـنـصارى , واثبات نسخ شرائعهم استنادا الى ما وردفي نصوص كتبهم المقدسة .
راي القاضي الساباطي كنموذج ففي معرض تناوله لهذه النصوص
, تناول القاضي الساباطي احدى البشارات الواردة في كتاب اشعيا, مـن الـعـهـد القديم من الكتاب المقدس بشاءن المصلح العالمي , ثم ناقش تفسيراليهود والنصارى لها, ودحـض تاءويلات اليهود والنصارى لها ليخلص الى القول : .
.. وهذانص صريح فى المهدي (عج ), حيث اجمع المسلمون انه ـ رضي اللّه عنه ـ لا يحكم بمجرد السمع والظاهر, ومجرد البينة , بل لا يلاحظ الا الباطن , ولم يتفق ذلك لاحد من الانبياء والالياء,
ثم يقول بعد تحليل النص : .
.. وقد اختلف المسلمون في المهدي , فاءمااصحابنا من اهل السنة , وجماعة قالوا: انه رجل من اولاد فاطمة (ص), اسمه محمد واسم ابيه عبد اللّه , واسم امه آمنة .
وقـال الامـامـيـون : بل هو محمد بن الحسن العسكري , الذي ولد سنة خمس وخمسين ومئتين , من جـاريـة لـلـحـسن العسكري اسمها نرجس في سر من راى في عصر المعتمد[العباسي ], ثم غاب سنة ,ثم ظهر, ثم غاب , وهي الغيبة الكبرى , ولا يرجع بعدها الاحين يريد اللّه تعالى .
ولـما كان قولهم اقرب لما يتناوله هذا النص , وان هدفي الدفاع عن امة محمد (ص ) مع قطع النظر عن التعصب لمذهب , لذلك ذكرت لك ان ما يدعيه الامامية يتطابق مع هذاالنص .
فـنـلاحظ هنا ان هذا العالم الذي خبر النصرانية يصرح بانطباق البشارة مورد البحث على المهدي الـمـنـتظر, طبق ما يعتقده مذهب اهل البيت (ع ), على الرغم من انتمائه هو الى المذهب السني بعد اعـتـناقه الاسلام , والمذهب السني يعتقد في تشخيص هوية المهدي المنتظر غير مايراه الامامية , فـخـالـف راي المذهب الذي ينتمي اليه في هذا المجال , ورجح راى مذهب اهل البيت (ع ),وصرح بـانـطباق بشارة كتاب اشعيا على هذا الراي .
والذي اوصله الى الاهتداء للمصداق الحقيقي هوتعرف راي الامامية في المهدي المنتظر (عج ),وبدون معرفة هذا الراي لعله لم يكن ليتوصل الى المصداق الـذي تـنـطبق عليه البشارات المذكورة , ولولا ذلك لكان يقتصر اما على رد اقوال النصارى بشاءن البشارة المذكورة , اواغفالها اصلا, او تاءويل بعض دلالاتها, لتنطبق على راي المذهب السني الذي ينتمي اليه في المهدي الموعود.
والملاحظة نفسها نجدها في دراسات علماء آخرين من اهل الكتاب , بشاءن هذه البشارات , فقد اصبح عـلـيهم من اليسير معرفة المصداق الذي تتحدث عنه عندما تعرفواراي مذهب اهل البيت (ع ) في الـمـهدي المنتظر, وخاصة الذين اعتنقوا الاسلام وتهياءت لهم فرصة معرفة هذا الراي , واثارهم شـدة انـطباق ما تذكره البشارات التي عرفوها في كتبهم السابقة على المهدي المنتظر (عج ) الذي تـؤمـن به الامامية , الامر الذي دفعهم الى دراسة هذه البشارات في كتبهم , والنموذج الاخر هو: ما فـعـله العلامة محمد صادق فخر الاسلام , الذى كان نصرانيا واعتنق الاسلام وانتمى لمذهب اهل الـبـيت (ع ), والف كتابه الموسوعي انيس الاعلام في رد اليهود والنصارى .
وتناول فيه دراسة هذه البشارات وانطباقها على الامام المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام , مثل ما فعله العلامة محمد رضا رضائي الذي اعرض عن اليهودية ـ وقد كان من علمائها ـ واعتنق الاسلام ,والف كتاب منقول رضائي الذي بحث فيه موضوع تلك البشارات واثبت النتيجة نفسها.
البشارات السماوية لا تنطبق على غير المهدي الامامي
ان مـن الـواضـح لـمـن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية انها تقدم مواصفات للمصلح الـعالمي , لا تنطبق على غير المهدي المنتظر (عج ), طبقا لعقيدة مدرسة اهل البيت (ع ), لذلك فان مـن لـم يـتعرف هذه العقيدة لايستطيع التوصل الى المصداق الذي تتحدث عنه , كما نلاحظ ذلك في اقوال مفسري الانجيل بشاءن الايات (1 ـ 17) من سفرالرؤيا, الفصل الثاني عشر, مكاشفات يوحنا الـلاهـوتي , فهم يصرحون باءن الشخص الذي تتحدث عنه البشارة الواردة في هذه الايات لم يولد بـعـد, لـذا فـان تـفـسيرها الواضح ومعناها البين موكول للمستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه , في حين ان هذه الايات تتحدث بوضوح عن الحكومة الالهية التي يقيمها هذا الشخص فـي كل العالم ,ويقطع دابر الاشرار والشياطين , وهي المهمة التي حددتها البشارات الاخرى باءنها مـحـورحـركـة الـمـصـلـح الـعـالمي .
لكن مفسري الانجيل لم يستطيعوا تطبيقها على المصداق الذي اختاروه لهذا المصلح , وهو السيد المسيح عيسى بن مريم عليهماالسلام , لان البشارة واردة عن يـوحنا اللاهوتي عن السيد المسيح , فهوالمبشر بمجي ء هذا المنقذ, كما انهم لم يتعرفوا عقيدة اهل البيت (ع ) في المهدي المنتظر (عج ), لذلك لم يستطيعوا الاهتداء الى مصداق تلك الايات .
البشارات وغيبة الامام الثاني عشر
وهناك باحث سني استطاع الاهتداء الى المصداق الذي تتحدث الايات المشار اليهاعندما تعرف عقيدة اهل البيت في المهدي المنتظر ـ سلام اللّه عليهم اجمعين ـ,وهوالاستاذ سعيد ايوب , حيث يقول في كتابه المسيح الدجال عن هذه الايات نفسها:ويقول كعب : مكتوب في اسفار الانبياء: المهدي ما في عمله عيب , ثم علق على هذاالنص بالقول : واشهد اني وجدته كذلك في كتب اهل الكتاب , لقد تتبع اهـل الـكتاب اخبار المهدي كما تتبعوا اخبار جده (ص ), فدلت اخبار سفر الرؤيا الى امراة يخرج مـن صـلبها اثنا عشر رجلا, ثم اشار الى امراة اخرى : اي التي تلد الرجل الاخير الذي هو من صلب جـدتـه , وقال السفر: ان هذه المراة ستحيط بها المخاطر, ورمز للمخاطر باسم التنين , وقال : والتنين وقف امام المراة العتيدة حتى تلد, يبتلع ولدها متى ولدت .
سفرالرؤيا, 12: 3. اي ان السلطة كـانـت تـريد قتل هذا الغلام , ولكن بعد ولادة الطفل , يقول باركلي في تفسيره : عندما هجمت عليها الـمخاطر اختطف اللّه ولدها وحفظه .
والنص :واختطف اللّه ولدها, سفر الرؤيا, 12: 5, اي ان اللّه غيب هذا الطفل كما يقول باركلي .
وذكـر الـسـفـر ان غـيبة الغلام ستكون الفا ومئتين وستين يوما. , وهي مدة لها رموزها عـنـداهل الكتاب , ثم قال باركلي عن نسل المراة [الاولى ] عموما: ان التنين سيعمل حرباشرسة مع نـسـل الـمـراة , كما قال السفر: فغضب التنين على المراة , وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا اللّه .
سفرالرؤيا, 12: 13 وعـقـب الاسـتـاذ سعيد ايوب على ما تقدم بالقول : هذه هي اوصاف المهدي , وهي نفس اوصافه عند الشيعة الامامية الاثنى عشرية , ودعم قوله بتعليقات اوردها في الهامش بشأن انطباق الاوصاف على مهدي آل البيت (ع ).
البشارات وخصوصيات المهدي الامامي
ويـلاحظ في هذه البشارة الانجيلية تناولها لخصوصيات في المصلح العالمي , الا على ابرز ما يميز عقيدة مدرسة اهل البيت (ع ), والواقع التاءريخي الذي مرت به .
فتناول هذه الخصوصيات الظاهرة بالذات يشير الى حكمة ربانية في هداية الاخرين الى المصداق الحقيقي للمصلح العالمي باءبلغ حجة , من خلال الاشارة الى ابرز خصوصياته الظاهرة والمعروفة , لكي يكون الاهتداء اليها ايسر, فمثلا نلاحظ فيها الاشارة الى تعرض مدرسة اهل البيت (ع ) لمخاطر التصفية والابادة , التي تؤدي من ثم الـى غـيبة الامام الثاني عشرمنهم , ثم تاءكيد ان هذا الامام محفوظ بالرعاية الالهية في غيبته , حتى يحين موعد ظهوره المبارك .
ومعلوم ان القول بغيبة الامام الثاني عشر هو اهم ما يميز عقيدة الامامية في المهدي المنتظر, ولذلك وردت الاشارة اليها بالذات تسهيلا للاهتداء الى المصداق الحقيقي للمنقذ العالمي .
كـمـا وردت اشارات الى مميزات معروفة اخرى تختص بها عقيدة ائمة اهل البيت (ع ),مثل القول بـاءن الامام المهدي هوالامام الثاني عشر, من سلسلة مباركة متصلة , كما تشيرلذلك الايات المتقدمة وبـشـارات اخرى واردة في الكتب المقدسة , نظير ما ورد في :
(سفرالتكوين : 17: 20, ص 22 ـ 23 مـن الاصـل العبرى ), من الوعد على لسان الرب تعالى خطابا لابراهيم الخليل (ع ), بالمباركة والـتكثير في صلب اسماعيل بمحمد (ص ) والائمة الاثنى عشر من عترته (ع ). ومعلوم ان مـصـداق الائمـة الاثـنى عشر من صلب اسماعيل لم يتحقق بالصورة المتسلسلة المشار اليها في البشارات , الا في الائمة الاثنى عشر من اهل البيت (ع ), كما يثبت ذلك الواقع التاءريخي , فضلا عن الاحـاديث النبوية المتفق على صحتها بين المسلمين , فهي خاصة بهم حتى اصبحت ظاهرة واضحة في التاءريخ الاسلامي , اطلقت على المذهب المنتمي لاهل البيت (ع ), فسمي مذهب الامامية الاثـنـى عـشـرية .
وعليه يتضح ان تلك البشارات تهدي الى حقيقة ان المهدي هوخاتم هؤلاءالائمة الاثنى عشر(ع ).
البشارات واوصاف المهدي الامامي
كما وردت فيها اشارات الى القاب اختص بها المهدي الامامي (ع ), مثل وصف ((القائم )). فـمـثلا نلاحظ البشارة التالية من سفر اشعيا النبي , التي تحدث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الامامية الاثنى عشرية : 2 ـ ويـحـل عـلـيـه روح الـرب وروح الـحـكـمـة والـفـهم , وروح المشورة والقوة , وروح المعرفة ومخافة الرب .
3 ـ ولذته في مخافة الرب , ولا يقضي بحسب مراى عينيه , ولا بحسب مسمع اذنيه .
4 ـ ويحكم بالانصاف لبائسي الارض , ويضرب الارض بقضيب فمه , ويميت المنافق بنفخة شفتيه .
..
6 ـ ويـسـكـن الـذئب والـخـروف , ويربض النمر مع الجدي , والعجل والشبل معا, وصبي صغير يسوقها...
9 ـ لا يـسـيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي , لان الارض تمتلى ء من معرفة الرب , كماتغطي المياه البحر.
10 ـ وفـي ذلـك اليوم سيرفع ((القائم )) راية للشعوب والامم التي تطلبه وتنتظره , ويكون محله مجدا)). ومـثـل وصـف ((صـاحـب الـدار)) الـمـعدود من القاب الامام المهدي (عج ), فقد ورد ضـمـن بـشـارة عـن انـتـظـار الـمـنـقـذ العالمي الذي لا يختص به المسيحيون , اشارة الى عدم هـذاالاخـتـصـاص , وتـحـدثـت عـن ظـهـوره الـمـفـاجى ء, وهي في الانجيل (انجيل مرقس , 13:35) .
ومـثـل وصـف المنتقم لدم الحسين (ع ) المستشهد عند نهر الفرات , كما ورد في بشارة في (سفر ارميا, 46: 2 ـ 11), كما صرح بذلك الاستاذ الاردني عودة مهاوش في دراسته الـكـتـاب الـمـقـدس تحت المجهر, وذكر انها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسين (ع ). ونظائر ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
الاهتداء الى هوية المنقذ في ضوء البشارات
اذن مـعـرفـة هـذه الخصوصيات تقودنا الى اثبات ان المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هـوالـمـهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام , كما تقوله عقيدة اهل البيت (ع ), لان البشارات الـسـمـاوية لا تنطبق على العقائد الاخرى .
فتكون النتيجة هي ان الديانات السابقة لم تبشر بظهور الـمـنـقذ العالمي في آخر الزمان , بعنوانه العام وحسب , بل شخصت ايضا هويته الحقيقية من خلال تـحديد صفات وتفصيلات , لا تنطبق على غيره (ع ). فتكون هذه البشارات دليلا اضافيا على صحة عقيدة اهل البيت (ع ) بهذا الشاءن ,وانها ذات مصدر الهي .
ونـكـتـفـي هـنـا بالاشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد (اسفارالتوراة والانـجـيـل ) بـهذا الصدد, بحكم كونها معتبرة عند اكبر واهم الديانات السابقة على الاسلام , اي اليهودية والنصرانية , ولان هذين العهدين الموجدين حاليا قد مرا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند عـلـمـاء اليهود والنصارى واجريت بشاءنها الكثير من الدراسات ,ودونت الكثير من الشروح لهما, ونـسخها كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات .
وان كان الاعتماد على الاصول العبرية ادق , لوقوع اخطاء ولبس في الترجمات .
فـالاقتصار عليهما لا يعني بحال انحصار البشارات التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي (عج ) طبق عـقـيدة مذهب اهل البيت (ع ), بل على , العكس فان امثالها موجودة في مختلف كتب الاديان الاخرى وبـتصريحات ودلالات اوضح , ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب .
((32)) ولكنها غير مـشـهـورة عـند الجميع ونسخها غير متداولة ,واغلبها لم تترجم عن لغاتها الام الا قليلا, على ان الاقتصار على النماذج المتقدمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب , والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة المشار اليها في طيات البحث .
الاستناد الى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف
وتبقى هنا قضيتان , من الضروري التطرق لهما قبل تثبيت النتائج المتحصلة من البحث : الـقـضية الاولى هي : مناقشة السؤال التالي : كيف يمكن الاستناد الى كتب الديانات الاخرى في اثبات قـضـيـة مـهـمـة , مثل قضية تخص هوية المصلح العالمي المنتظر, واثبات انه المهدي بن الحسن العسكري (ع ), واثبات صحة هذه العقيدة وانتمائها الالهي , مع اتفاق المسلمين على وقوع التحريف في هذه الكتب ؟ نعتقد ان الاجابة عن هذا التساؤل ممكنة بقليل من التدبر في حيثيات الموضوع , ويمكن تلخيصها بما يلي : 1 ـ ان اثبات عقيدة اهل البيت (ع ) في المهدي المنتظر (عج ) يستند الى الكثير من البراهين العقلية والايـات القرآنية , وما اتفق عليه المسلمون من صحاح الاحاديث النبوية , والواقع التاءريخي لسيرة ائمـة اهـل الـبـيت (ع ), كما هو مشهود في الكتب العقائدية التي تناولت هذا الموضوع , وسنتناول الحديث عن ذلك في بحث آخر بالتفصيل ان شاءاللّه .
اما الاستناد الى البشارات الواردة في كتب الاديان المقدسة , فهو من باب الدليل الاضافي , او الشواهد الـمـؤيدة , فلا تسقط النتيجة المتحصلة منه بسقوط او بطلان الاساس , لان هذه العقيدة قائمة على اسـس اخرى ايضا, اذن لا مجال للاعتراض على صحة هذه العقيدة , حتى مع افتراض بطلان بعض اسسها, باعتبار القول بتحريف تلك الكتب .
اجـل , ثمة ثمار مهمة لدراسة وتوثيق هذا الدليل , وهي هداية اتباع الديانات الاخرى الى الحق والى المصلح الالهي الحقيقي , بالاستناد الى كتبهم نفسها, وفي ذلك حجة كاملة عليهم , هذا اولا, وثانيا فان مـثل هذه الدراسة تؤكد الجانب العاملي في القضية المهدوية ,وتوفر محوراجديداللوفاق بين الاديان المختلفة بشاءن المصلح العالمي الذي ينتظرونه جميعا.
2 ـ ليس ثمة من يقول باءن جميع ما في كتب الاديان السابقة محرف , بل ان المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فان ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية ـ قرآنا وسنة ـ مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف اليه , وهذا واضح .
الاستناد الى ما صدقه الاسلام من البشارات
ومـن الـثـابـت اسـلاميا ان الرسول الاكرم (ص ) قد بشر بالمهدي الموعود من اهل بيته ومن ولد فـاطـمة (س ), ((33)) لذلك فان البشارات الواردة في كتب الاديان السابقة من هذا النمطالذي لم تـطاله ايدي التحريف , ما دامت منسجمة مع ما صح في النصوص الشرعية الاسلامية .
اذن لا مانع من الاستناد اليه والاحتجاج به .
يضاف الى ذلك ان القرآن الكريم نفسه قد بشر بالدولة الالهية العالمية واقامتها في آخرالزمان , كما صرحت بذلك آياته الكريمة التي دل عدد منها على المهدي الموعود,وحتمية وجوده وغيبته ـ كما سـنـوضـح ذلـك في بحث لا حق ان شاء اللّه تعالى ـ وهذايعني تصديق ما ورد في بشارات الاديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه , الامر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الـكـريـم , ومـن ثـم الـحكم بصحتهاوعدم تطرق التحريف اليها, فلا مانع حينئذ من الاستناد اليها والاحتجاج بها في اطارالمضامين التي صدقها القرآن الكريم .
الواقع التاءريخي وتصديق البشارات 3 ـ ان بعض هذه البشارات يرتبط بواقع خارجي معاش اوثابت تاءريخيا, بمعنى ان الواقع الخارجي الـثـابت جاء مصدقا لها. فمثلا البشارات التي تشير الى ان المصلح العالمي هوالامام الثاني عشر من ذريـة اسـمـاعيل , وانه من ولد خيرة الاماء, وان ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لـوجـوده , فـيـحـفـظه اللّه ويغيبه عن اعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وامثالها, كلها تنباءت بحوادث ثابتة تاءريخيا, وهذا يضيف دليلا آخر على صحتها ما دام ان من الثابت علميا انها مدونة قبل وقوع الحوادث التي اخبرت عنها, فهي في هذه الحالة تثبت انها من انباء الغيب التي لا يمكن ان تصدر الا مـمـن له ارتباط بعلام الغيوب تبارك وتعالى .
وبذلك يمكن الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف اليها, ومن ثم يمكن الاستناد اليها والاحتجاج بها. ((34)) تاءثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية امـا القضية الثانية , فهي ما يرتبط بالاعتراض القائل باءن الاستناد الى هذه البشارات في اثبات عقيدة اهل البيت في المهدي المنتظر (عج ), يفتح باب التشكيك والادعاء باءن هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الاديان السابقة .
والجواب عن هذا الاعتراض واضح من الاجابة السابقة , فهو يصح اذا كانت العقيدة الامامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها, في حين ان الامر ليس كذلك .
ولـوقـلنا باءن كل فكرة اسلامية لها نظير في الاديان السابقة هي من الافكار الداخلية في الاسلام , لادى الامر الى اخراج الكثير من الحقائق والبديهيات الاسلامية , التي اقرهاالقرآن الكريم وصحاح الاحـاديث الشريفة , وهي موجودة في الاديان السابقة , وهذاواضح البطلان ولا يخفى على ذي لب .
فـالـمـعيار في تشخيص الافكار الدخيلة على الاسلام هوعرضها على القرآن والسنة , والاخذ بما وافـقهما ونبذ ما خالفهما, وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كل ما وافقها, مع العلم بـاءن فـيـهـا مـا لـم تتطرق له يد التحريف , وفيه ما ثبت صدوره عن نفس المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم .
يـضـاف الى ذلك ان عقيدة الامامية في المهدي المنتظر (عج ) تستند الى واقع تاءريخي ثابت , فكون الامـام الـمـهـدي هوالثاني عشر من ائمة اهل البيت ثابت تاءريخيا, وحتى ولادته الخفية من الحسن الـعـسـكـري (ع ) سـجـلها المؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية , واقرها علماء مختلف هذه الـمـذاهـب , حـتـى الـذيـن لم يذعنوا انه هو المهدي الموعود, وان كان عدد الذين صرحوا باءنه هوالمهدي من علماء اهل السنة كثيرون ايضا.
للفائدة منقول بتصرف
عراقة الايمان بالمصلح العالمي .
يعتبر الايمان بحتمية ظهور المصلح الديني العالمي , واقامة الدولة الالهية العادلة في كل الارض , من نقاط الاشتراك البارزة بين جميع الاديان , والاختلاف فيما بينها انما هوفي تحديد هوية هذا المصلح الديني العالمي , الذي يحقق جميع اهداف الانبياء ـ عليهم السلام .
وقد استعرض الدكتور محمد مهدي خان , في الابواب الستة الاولى من كتابه مفتاح باب الابواب , آراء الاديـان الستة المعروفة بشاءن ظهور النبي الخاتم (ص ), ثم بشاءن المصلح العالمي المنتظر, وبين ان كل دين منها بشر بمجي ء هذا المصلح الالهي , في المستقبل اوفي آخر الزمان , ليصلح العالم , وينهي الظلم والشر, ويحقق السعادة المنشودة للمجتمع البشري .
كما تحدث عن ذلك مفصلا الـميرزا محمد الاسترابادي في كتابه ذخيرة الابواب , ونقل طرفا من نصوص وبشارات الكثير من الكتب السماوية لمختلف الاقوام بشاءنه .
وهذه الحقيقة من الواضحات , اقر بها كل من درس عقيدة المصلح العالمي , حتى الذين انكروا صحتها او شـكـكـوا فيها, كبعض المستشرقين امثال جولد زيهر المجري في كتابه العقيدة والشريعة في الاسلام , فاعترفوا باءنها عقيدة عريقة للغاية في التاءريخ الديني ,وجدت حتى في القديم من كـتـب ديـانات المصريين والصينيين والمغول والبوذيين والمجوس والهنود والاحباش , فضلا عن الديانات الكبرى الثلاث : اليهودية والنصرانية والاسلام .
البشارات بالمنقذ عنصر اساسي في الكتب المقدسة
والـملاحظ في عقائد هذه الاديان بشاءن المصلح العالمي , انها تستند الى نصوص واضحة في كتبهم الـمـقـدسة القديمة , وليس الى تفسيرات عرضها علماؤهم لنصوص غامضة ,حمالة لوجوه تاءويلية متعددة , وهذه الملاحظة تكشف عراقة هذه العقيدة , وكونهاتمثل اصلا مشتركا في دعوات الانـبـيـاء ـ صلوات اللّه عليهم ـ, حيث ان كل دعوة نبوية آوعلى الاقل الرئيسة والكبرى ـ تمثل خـطـوة عـلـى طـريـق الـتـمهيد لظهور المصلح الديني العالمي , الذي يحقق اهداف هذه الدعوات كـافـة , كـمـا ان لـلـتبشير بحتمية ظهور هذاالمصلح العالمي تاءثيرا على هذه الدعوات , فـهـويـشكل عامل دفع لاتباع الانبياء للتحرك باتجاه تحقيق اهداف رسالتهم , والسعي للمساهمة في تـاءهـيـل الـمـجتمع البشري لتحقيق اهداف جميع الدعوات النبوية كاملة , في عصر المنقذ الديني العالمي .
ولذلك كان التبشير بهذه العقيدة عنصرا اصليا في نصوص مختلف الديانات والدعوات النبوية .
رسوخ الفكرة في اليهودية والنصرانية
فـالايـمـان بـهـا ثابت عند اليهود, مدون في التوراة والمصادر الدينية المعتبرة عندهم , وقدفصل الـحـديـث عن هذه العقيدة عند اليهود كثير من الباحثين المعاصرين , وبخاصة في العالم الغربي , من امـثـال جـورج رذرفـورد فـي كتابه ملايين من الذين هم احياء اليوم لن يموتوا ابدا, والسناتور الامـيركي بول منزلي في كتابه من يجرؤ على الكلام , والباحثة غريس هالسل في كتابها النبوءة والسياسة , و ... غيرهم كثير .
فكل من درس الديانة اليهودية التفت الى رسوخ هذه العقيدة فيها وسجلها, والنماذج التي ذكـرنـاها آنفا من هذه الدراسات , اختصت بعرض هذه العقيدة بالذات عند اليهود, والاثارالسياسية الـتـي افـرزتـها نتيجة لتحرك اليهود انطلاقا من هذه العقيدة , وفي القرون الاخيرة خاصة , بهدف الاسـتعداد لظهور المنقذ العالمي , الذي يؤمنون به , وسبب هذا التحرك هو ان عقيدة اليهود في هذا المجال تشتمل على تحديد زمني لبدء مقدمات ظهور المنقذالعالمي : يبدا مع سنه (1914) للميلاد ـ وهـو عـام تفجر الحرب العالمية الاولى كما هومعروف ـ, ثم عودة الشتات اليهودي الى فلسطين , واقامة دولتهم التي يعتبرونها من المراحل التمهيدية المهمة لظهور المنقذ الموعود, ويعتقدون باءن العودة الى فلسطين هي بداية المعركة الفاصلة , التي تنهي وجود الشر في العالم , ويبدا حينئذ حكم الـملكوت في الارض لتصبح الارض فردوسا. ((8)) وبغض النظر عن مناقشة صحة ما ورد من تـفـصـيـلات فـي هـذه العقيدة عند اليهود, الا ان المقدار الثابت هو انها فكرة متاءصلة في تراثهم الـديـني ,وبقوة بالغة مكنت اليهودية ـ من خلال تحريف تفصيلاتها ومصاديقها ـ ان تقيم على اساسها تـحـركـا استراتيجيا طويل المدى وطويل النفس , استقطبت له الطاقات اليهودية المتباينة الافكار والاتجاهات , ونجحت في تجميع جهودها وتحريكها باتجاه تحقيق ماصوره قادة اليهودية لاتباعهم , باءنه مصداق التمهيد لظهور المنقذ الموعود.
وواضـح ان الايـمـان بـهـذه العقيدة لولم يكن راسخا ومستندا الى جذور عميقة في التراث الديني الـيـهودي , لما كان قادرا على ايجاد مثل هذا التحرك الدؤوب , ومن مختلف الطاقات والاتباع , فمثل هذا لا يتاءتى من فكرة عارضة اوطارئة , لاتستند الى جذورراسخة مجمع عليها.
كـمـا آمـن الـنصارى باءصل هذه الفكرة استنادا الى مجموعة من الايات والبشارات الموجودة في الانـجـيل والتوراة .
ويصرح علماء الانجيل بالايمان بحتمية عودة عيسى المسيح في آخر الزمان , لـيـقـود الـبـشرية في ثورة عالمية كبرى , يعم بعدها الامن والسلام كل الارض ـ كما يقول القس الالـماني فندر في كتابه ميزان الحق ـ وانه يلجاء الى القوة والسيف لاقامة الدولة العالمية العادلة .
وهذا هوالاعتقاد السائد لدى مختلف فرق النصارى .
الايمان بالمصلح العالمي في الفكر غير الديني
بـل والـمـلاحظ ان الايمان ـ بحتمية ظهور المصلح العالمي ودولته العادلة , التي تضع فيهاالحرب اوزارها, ويعم السلام والعدل ـ لا يختص بالاديان السماوية , بل يشمل المدارس الفكرية والفلسفية غير الدينية ايضا.
فـنـجـد فـي الـتـراث الفكري الانساني الكثير من التصريحات بهذه الحتمية , فمثلا يقول المفكر الـبـريـطـانـي الـشهير برتراندراسل : ان العالم في انتظار مصلح يوحده تحت لواء واحدوشعار واحد. .
ويقول العالم الفيزيائي المعروف البرت اينشتاين صاحب النظرية النسبية : ان اليوم الذي يسود العالم كله فيه السلام والصفاء, ويكون الناس متحابين متخين ليس ببعيد. وادق واصـرح مـن هـذا وذاك مـا قاله المفكر الايرلندي المشهور برناردشو, فقد بشربصراحة بحتمية ظهور المصلح , وبلزوم ان يكون عمره طويلا يسبق ظهوره , بما يقترب من عقيدة الامامية فـي طـول عـمر الامام المهدي (عج ), ويرى ذلك ضروريا لاقامة الدولة الموعودة .
قال في كتابه الانـسـان الـسوبرمان ـ وحسب ما نقله الدكتور عباس محمودالعقاد في كتابه عن برناردشو في وصف المصلح العالمي ـ باءنه : انسان حي ذو بنية جسدية صحيحة وطاقة عقلية خارقة , انسان اعلى يـتـرقـى اليه هذا الانسان الادنى بعدجهد طويل , وانه يطول عمره حتى ينيف على ثلاثمئة سنة , ويـسـتـطـيـع ان يـنـتـفـع بـمـااسـتـجمعه من اطوار العصور, وما استجمعه من اطوار حياته الطويلة .
طول عمر المصلح في الفكر الانساني .
الـملاحظ ان الاوصاف التي يذكرها المفكر الايرلندي للمصلح العالمي من الكمال الجسمي والعقلي , وطـول الـعـمـر, والـقـدرة على استجماع خبرات العصور والاطوار بمايمكنه من انجاز مهمته الاصلاحية الكبرى , قريبة من الاوصاف التي يعتقد بها مذهب اهل البيت ـ عليهم السلام ـ في المهدي الـمـنـتـظر (عج ) وغيبته .
وقضية طول العمر في هذاالمصلح العالمي مستجمعا ـ عند ظهوره ـ لتجارب العصور, لكي يكون قادرا على انجازمهمته , وهذه الثمرة متحصلة من غيبة الامام الـمهدي (عج ) الطويلة , حسب عقيدة الامامية الاثني عشرية , ولكن الفرق هو ان عقيدتنا في الامام الـمـعـصـوم تـقـول بـاءنه مستجمع ـ منذ البداية ـ لهذه الخبرة والثمار المرجوة من طول عمره , فـهـو(عـج ) مـؤهـل بدءالاداء مهمته الاصلاحية الكبرى مسدد الهيا لها, قادر عليها متى ما تهياءت الاوضاع الموائمة لظهوره .
اجل , يمكن القول باءن طول الغيبة يؤدي الى اكتساب انصاره والمجتمع البشري لهذه الثمار, فيستجمعونها جيلا بعد آخر.
الايمان بالمهدي تجسيد لحاجة فطرية
ان ظـهـور الايمان بفكرة حتمية ظهور المنقذ العالمي في الفكر الانساني عموما, يكشف عن وجود اسـس مـتينة قوية تستند اليها, تنطلق من الفطرة الانسانية , بمعنى انها تعبر عن حاجة فطرية عامة يـشـتـرك فـيها بنو الانسان عموما, وهذه الحاجة تقوم على ما جبل عليه الانسان , من تطلع مستمر لـلـكمال باءشمل صورة , وان ظهور المنقذ العالمي واقامة دولته العادلة في اليوم الموعود, يعبر عن وصول المجتمع البشري الى كماله المنشود.
يـقول العلامة الشهيد آية اللّه العظمى السيد محمد باقر الصدر ـ قدس سره ـ في مقدمة بحثه القيم عن المهدي : لـيـس المهدي (عج ) تجسيدا لعقيدة اسلامية ذات طابع ديني فحسب , بل هو عنوان لطموح اتجهت الـيـه البشرية بمختلف اديانها ومذاهبها, وصياغة لالهام فطري ادرك الناس من خلاله ـ على تنوع عـقـائدهم ووسائلهم الى الغيب ـ ان للانسانية يوما موعودا على الارض تحقق فيه رسالات السماء مـغـزاها الكبير وهدفها النهائي , وتجد فيه المسيرة المكدودة للانسان على مر التاريخ استقرارها وطماءنينتها, بعد عناء طويل .
بل لم يقتصر هذا الشعور بهذا الشعور الغيبي والمستقبل المنتظر , على المؤمنين ديـنـيـا بالغيب , بل امتد الى غيرهم ايضا, وانعكس حتى على اشد الايدلوجيات والاتجاهات الغيبية رفضا للغيب , كالمادية الجدلية التي فسرت التاريخ على اساس التناقضات , وآمنت بيوم موعود تصفى فيه كل التناقضات , ويسود فيه الوئام والسلام .
وهـكـذا نـجـد ان الـتجربة النفسية لهذا الشعور التي مارستها الانسانية على مر الزمان , من اوسع الـتـجـارب النفسية واكثرها عموما بين بني الانسان .
اذن , فالايمان بالفكرة التي يجسدها الـمهدي الموعود هي من اكثر الافكار انتشارا بين بني الانسان كافة , لانها تستند الى فطرة التطلع للكمال باءشمل صوره , اي انها تعبر عن حاجة فطرية , لذلك فتحققها حتمي لان الفطرة لا تطلب ماهو غير موجود كما هومعلوم .
موقف الفكر الانساني من غيبة المهدي
ان الفكر الانساني لايرى مانعا من طول عمر هذا المصلح العالمي , الذي يتضمنه الايمان بغيبته وفقا لـمـذهب اهل البيت (ع ), بل يرى طول عمره امرا ضروريا للقيام بمهمته الاصلاحية الكبرى كما لاحظنا في كلام المفكر الايرلندي برناردشو. وعليه فالفكرالانساني العام لايرفض مبدئيا الايمان بـالـغيبة , اذا كانت الادلة المثبتة لها مقبولة عقليا.وقد تناول العلماء اثبات الامكان العقلي لطول عمر الامـام الـمـهـدي , وعـدم تعارضه مع اي واحد من القوانين العقلية , كما فعل الشيخ المفيد في كتابه (الفصول العشرة في الغيبة ),والسيد المرتضى في رسالته (المقنع في الغيبة ), والعلامة الكراجكي في رسالته (البرهان على طول عمر امام الزمان ـ ع ـ) التي تضمنها كتابه كنز الفوائد في جزئه الـثـانـي , والـشيخ الطبرسي في اعلام الورى , والسيد الصدر في بحث حول المهدي وغيرهم كثير, اذ قل ما يخلو كتاب من كتب الغيبة عن مناقشة هذا الموضوع , والاستدلال عليه .
الفكر الديني يؤمن بظهور المصلح العالمي بعد غيبة
اما بالنسبة للفكر الديني فالامر فيه اوضح , اذ ان الاجماع على حتمية ظهور المصلح العالمي مقترن بـالايـمـان بـاءن ظـهوره ياءتي بعد غيبة طويلة , وهذا امر واضح من خلال مراجعة عقائدهم بهذا الـخـصـوص , فـقد آمن اليهود بعودة عزير او منحاس بن العازر بن هارون , وآمن النصارى بغيبة الـمـسـيح [ع ] وعودته , وينتظر مسيحيو الاحباش عودة ملكهم تيودور كمهدي في آخر الزمان , وكذلك الهنود آمنوا بعودة فيشنوا, والمجوس بحياة اوشيدر, وينتظر البوذيون عودة بوذا, ومنهم من ينتظر عودة ابراهيم الخليل (ع ),وغير ذلك .
اذن , فـقـضـيـة الغيبة قبل ظهور المصلح العالمي ليست مستغربة لدى الاديان السماوية , ولايمكن لـمـنـصف ان يقول باءن كلها قائمة على الخرافات والاساطير, فالخرافات والاساطيرلا يمكن ان توجد فكرة متاءصلة بين جميع الاديان , دون ان ينكر اي من علمائها اصل هذه الفكرة , فلم ينكر احد مـنـهـم اصل فكرة الغيبة , وان انكر صحة مصداق الغائب المنتظرفي غير الدين الذي عشقه وآمن بالمصداق الذي ارتضاه .
اذن , انتشار اصل هذه الفكرة في جميع الاديان السماوية كاشف عن ارضية اعتقادية مشتركة رسخها الـوحـي الالـهـي فـيها جميعا, ودعمتها تجارب الانبياء (ع ) التي شهدت غيبات متعددة , مثل غيبة ابـراهـيم الخليل (ع ) وعودته , وغيبة موسى (ع ) عن بني اسرائيل وعودته اليهم بعد السنين التي قضاها في مدين , وغيبة عيسى (ع ) وعودته في آخرالزمان التي اقرتها الايات الكريمة , وما اتفق عليه المسلمون من الاحاديث النبوية الشريفة , وغيبة نبي اللّه الياس (ع ) التي قال بها اهل السنة كما صـرح بـذلك مفتي الحرمين الكنجي الشافعي , في الباب الخامس والعشرين من كتابه البيان في اخبار صاحب الزمان ,وصرح كذلك بايمان اهل السنة بغيبة الخضر (ع ) وهي مستمرة الى ظهور المهدي (عج )في آخر الزمان , حيث يكون وزيره .
بـل ان انـتشار فكرة غيبة المصلح العالمي في الاديان السابقة قد تكون مؤشرا على وجودنصوص سـماوية صريحة بذلك , كما سنلاحظ في نموذج النبوءة الواردة في سفر الرؤيا من الكتاب المقدس والتي طبقها الباحث السني سعيد ايوب على المهدي الامامي .
امـا الاخـتـلاف فـي تشخيص هوية المصلح الغائب فهوناشى ء من الخلط بين النصوص المخبرة عن غيبات بعض الانبياء (ع ) وبين المتحدثة عن غيبة المصلح العالمي بدوافع عدة سنشير اليها لاحقا.
الاختلاف في تشخيص هوية المنقذ العالمي
نـتـيـجـة لـما مضى فان الاجماع قائم في الاديان السماوية على حتمية اليوم الموعود, وكمايقول العلامة المتتبع آية اللّه السيد شهاب الدين المرعشي النجفي في مقدمة الجزء الثالث عشر من احقاق الـحـق : ولـيـعـلم ان الامم والمذاهب والاديان اتفقت كلمتهم ـ الا من شذوندر ـ على مجي ء مصلح سـمـاوي الهي ملكوتي , لاصلاح ما فسد من العالم , وازاحة مايرى من الظلم والفساد فيه , وانارة ما غشيه من الظلم .
غاية الامر, انه اختلفت كلمتهم بين من يراه عزيرا, وبين من يراه مسيحا, ومن يراه خليلا, ومن يراه ـ من المسلمين ـ من نسل مولانا الامام ابي محمد الحسن السبط, ومن يراه من نسل مولانا الامام ابي عبد اللّه الحسين السبط الشهيد.
واذا اخـتـلـفـت الاديان , بل الفرق والمذاهب المتشعبة عنها في تحديد هوية المصلح العالمي , رغم اتفاقهم على حتمية ظهوره , وعلى غيبته قبل عودته الظاهرة , فما هو سرهذا الاختلاف ؟
اسباب الاختلاف في هوية المنقذ المنتظر
ان مـانـعتقده هو ان سبب هذا الاختلاف يرجع الى تفسير النصوص والبشارات السماوية وتاءويلها, اسـتـنـادا الـى عـوامـل خارجة عنها, وليس الى تصريحات او اشارات في النصوص نفسها, والى الـتـاءثـرالعاطفي برموز معروفة لاتباع كل دين او فرقة , وتطبيق النصوص عليها ولو بالتاءويل , بمعنى ان تحديد هوية المصلح الموعود لاينطلق من النصوص والبشارات ذاتها, بل ينطلق من انتخاب شـخـصـيـة مـن الـخـارج , ومحاولة تطبيق النصوص عليها. يضاف الى ذلك عوامل اخرى سياسية ومصلحية كثيرة , لسنا هنا بصددالحديث عنها, ومعظمها واضح معروف فيما يرتبط بالاديان السابقة , وفـيـما يرتبط بالفرق الاسلامية , ومحورها العام هو: ان الاقرار بما تحدده النصوص والبشارات السماوية والنبوية نفسها ينسف قناعات لدى تلك الاديان , وهذه الفرق يسلبها مبرر بقائهاالاستقلالي , ومسوغ اصرارها على عقائدها السالفة .
اما بالنسبة للعامل الاول فنقول : ان النصوص والبشارات السماوية واحاديث الانبياءواوصيائهم (ع ) بـشـاءن الـمـصلح العالمي , تتحدث عن قضية ذات طابع غيبي , وعن شخصية مستقبلية , وعن دور تـاءريـخـي كبير يحقق اعظم انجاز للبشرية على مدى تاءريخها,ويحقق في اليوم الموعود اسمى طموحاتها, والانسان بطبعه ميال لتجسيد القضايا الغيبية في مصاديق ملموسة يحس بها, هذا من جهة ومن جهة اخرى فكل قوم يتعصبون لشريعتهم ورموزهم وما ينتمون اليه , ويميلون ان يكون صاحب هذا الدور التاءريخي منهم .
لذا كان من الطبيعي ان يقع الاختلاف في تحديد هوية المصلح العالمي , لان من الطبيعي ان يسعى اتباع كـل ديـن الـى اختيار مصداق للشخصية الغيبية المستقبلية , التي تتحدث عنها النصوص والبشارات الـثـابتة في مراجعهم المعتبرة والمعتمدة عندهم , ممن يعرفون ويحبون من زعمائهم , يدفعهم لذلك الـتعصب الشعوري اواللاشعروي لشريعتهم ورموزها, والرغبة الطبيعية العارمة في ان يكون لهم افتخار تحقق ذاك الدور التاءريخي على يد شخصية تنتمي اليهم اوينتمون اليها.
الخلط بين البشارات وتاءويلها
من هنا اخذت كل طائفة تسعى لتطبيق الصفات التي تذكرها تلك النصوص والبشارات المروية لدى كل منها على الشخصية المحبوبة لديها, او اقرب رموزها الى الصفات المذكورة , فاذا وجدت بعض تـلـك الـصـفـات صـريحة في عدم انطباقه على الشخصية التي اختارتها, عمدت الى معالجة الامر بـالـتـاءويـل والتلفيق .
اوبتغييبها اوتحريفها, لتنطبق على من انتخبته مسبقا, اوالخلط بين النصوص والـبـشـارات الـسـماوية الواردة بشاءن النبي اللاحق او المنقذ للعالم في برهة معينة , اوالمصحح لانـحـراف امـة معينة , وبين النصوص والبشارات الخاصة بالحديث عن المصلح العالمي الذي يقيم الدولة العادلة على كل الارض في آخر الزمان , ويحقق اهداف الانبياء والاوصياء (ع ) جميعا.
منهج لحل الاختلاف
وحيث اتضح سبب الاختلاف في تحديد هوية المصلح , امكن معرفة سبيل حله والتوصل الاستدلالي لمصداقه الحقيقي بصورة علمية سليمة ومقنعة , ويمكن تلخيص مراحله على النحوالتالي : 1 ـ تـمييز البشارات والنصوص الخاصة بالمصلح العالمي الموعود في آخر الزمان , عن غيرها من الـواردة بـشـاءن نـبـي او وصي معين , استنادا الى دلالات نصوص البشارات نفسهاومن مصادرها الاصـلـيـة , وكذلك استنادا الى ماتقتضيه المبادى ء الاولية المرتبطة بمهام الانبياء والاوصياء (ع ) وسـيـرهـم والـواقـع التاءريخي الثابت , وكذلك ما تقتضيه معرفة الثابت من دوره ومهمته الكبرى كمصلح عالمي .
2 ـ تحديد الصفات والخصائص التي تحددها النصوص والبشارات نفسها للمصلح الموعود وبصورة مـجـتـمعة , وتوضيح الصورة التي ترسمها له قبل افتراض مسبق لمصداق لها, لكي لاتكون الصورة المرسومة له متاءثرة بالمصداق المفترض سلفا.
3 ـ وبـعـد اكـتـمـال الـصورة التجريدية المستفادة , تبدا عملية تعرف على الصفات والخصائص والـحقائق التاءريخية المذكورة , كمصاديق للمصلح العالمي الموعود, ثم عرضها على الصورة التي تـرسـمـهـا له نصوص البشارات نفسها, والمتحصلة من المرحلتين السابقتين , ليتم بذلك تبيان عدم انسجام صفات المصاديق غير الحقيقية مع تلك الصورة ,ومن ثم معرفة المصداق الحقيقي من بينها.
التعريف بالمهدي الامامي لحل الاختلاف
نـعـتـقد ان البشارات السماوية الواردة في الكتب المقدسة تهدي الى المهدي المنتظر الذي يقول به مـذهـب اهـل الـبـيـت (ع ), كـمـا سـنشير لذلك لاحقا, واثبتته دراسات متعددة في نصوص هذه الـبشارات , لذلك فان جهلهم به هو احد الاسباب المهمة لاختلاف علماءالاديان السابقة في تـشـخـيـص هـويـة المصلح العالمي , الذي بشرت به نصوص كتبهم المقدسة , اذ لم يجدوا بين من يـعـرفون من تنطبق عليه الصفات التي حددتها له النصوص التي بين ايديهم , فعمدوا الى تاءويل هذه الصفات ليطبقوها على من يحبون , تاءثرا بالعوامل الاخرى التي ذكرناها فيما سبق .
من هنا فان مما يساعد على رفع هذا الاختلاف هو تعريف علماء واتباع تلك الديانات بعقيدة اهل البيت (ع ) في المهدي المنتظر (عج ), فاذا تعرفوه انفتحت امامهم آفاق اوسع للاهتداء للمصداق الحقيقي للمصلح العالمي الذي بشرت به اديانهم , وعرفوه وآمنوا به طبقا لدلالات نصوص البشارات الواردة في كتبهم المقدسة , حتى لوكان ايمانهم الجديدخلاف قناعاتهم السابقة .
وكـنـمـوذج على تاءثير هذا التعريف نشير ـ مثلا ـ الى نتيجة تحقيق القاضي جواد الساباطي ,من اعـلام القرن الثاني عشر الهجري , اذ كان في بداية امره عالما نصرانيا ثم تعرف الاسلام واعتنقه , عـلـى الـمذهب السني الذي كان اول ما عرف من الفرق الاسلامية , والف كتابه المعروف البراهين الـسـابـاطـيـة فـي رد الـنـصارى , واثبات نسخ شرائعهم استنادا الى ما وردفي نصوص كتبهم المقدسة .
راي القاضي الساباطي كنموذج ففي معرض تناوله لهذه النصوص
, تناول القاضي الساباطي احدى البشارات الواردة في كتاب اشعيا, مـن الـعـهـد القديم من الكتاب المقدس بشاءن المصلح العالمي , ثم ناقش تفسيراليهود والنصارى لها, ودحـض تاءويلات اليهود والنصارى لها ليخلص الى القول : .
.. وهذانص صريح فى المهدي (عج ), حيث اجمع المسلمون انه ـ رضي اللّه عنه ـ لا يحكم بمجرد السمع والظاهر, ومجرد البينة , بل لا يلاحظ الا الباطن , ولم يتفق ذلك لاحد من الانبياء والالياء,
ثم يقول بعد تحليل النص : .
.. وقد اختلف المسلمون في المهدي , فاءمااصحابنا من اهل السنة , وجماعة قالوا: انه رجل من اولاد فاطمة (ص), اسمه محمد واسم ابيه عبد اللّه , واسم امه آمنة .
وقـال الامـامـيـون : بل هو محمد بن الحسن العسكري , الذي ولد سنة خمس وخمسين ومئتين , من جـاريـة لـلـحـسن العسكري اسمها نرجس في سر من راى في عصر المعتمد[العباسي ], ثم غاب سنة ,ثم ظهر, ثم غاب , وهي الغيبة الكبرى , ولا يرجع بعدها الاحين يريد اللّه تعالى .
ولـما كان قولهم اقرب لما يتناوله هذا النص , وان هدفي الدفاع عن امة محمد (ص ) مع قطع النظر عن التعصب لمذهب , لذلك ذكرت لك ان ما يدعيه الامامية يتطابق مع هذاالنص .
فـنـلاحظ هنا ان هذا العالم الذي خبر النصرانية يصرح بانطباق البشارة مورد البحث على المهدي الـمـنـتظر, طبق ما يعتقده مذهب اهل البيت (ع ), على الرغم من انتمائه هو الى المذهب السني بعد اعـتـناقه الاسلام , والمذهب السني يعتقد في تشخيص هوية المهدي المنتظر غير مايراه الامامية , فـخـالـف راي المذهب الذي ينتمي اليه في هذا المجال , ورجح راى مذهب اهل البيت (ع ),وصرح بـانـطباق بشارة كتاب اشعيا على هذا الراي .
والذي اوصله الى الاهتداء للمصداق الحقيقي هوتعرف راي الامامية في المهدي المنتظر (عج ),وبدون معرفة هذا الراي لعله لم يكن ليتوصل الى المصداق الـذي تـنـطبق عليه البشارات المذكورة , ولولا ذلك لكان يقتصر اما على رد اقوال النصارى بشاءن البشارة المذكورة , اواغفالها اصلا, او تاءويل بعض دلالاتها, لتنطبق على راي المذهب السني الذي ينتمي اليه في المهدي الموعود.
والملاحظة نفسها نجدها في دراسات علماء آخرين من اهل الكتاب , بشاءن هذه البشارات , فقد اصبح عـلـيهم من اليسير معرفة المصداق الذي تتحدث عنه عندما تعرفواراي مذهب اهل البيت (ع ) في الـمـهدي المنتظر, وخاصة الذين اعتنقوا الاسلام وتهياءت لهم فرصة معرفة هذا الراي , واثارهم شـدة انـطباق ما تذكره البشارات التي عرفوها في كتبهم السابقة على المهدي المنتظر (عج ) الذي تـؤمـن به الامامية , الامر الذي دفعهم الى دراسة هذه البشارات في كتبهم , والنموذج الاخر هو: ما فـعـله العلامة محمد صادق فخر الاسلام , الذى كان نصرانيا واعتنق الاسلام وانتمى لمذهب اهل الـبـيت (ع ), والف كتابه الموسوعي انيس الاعلام في رد اليهود والنصارى .
وتناول فيه دراسة هذه البشارات وانطباقها على الامام المهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام , مثل ما فعله العلامة محمد رضا رضائي الذي اعرض عن اليهودية ـ وقد كان من علمائها ـ واعتنق الاسلام ,والف كتاب منقول رضائي الذي بحث فيه موضوع تلك البشارات واثبت النتيجة نفسها.
البشارات السماوية لا تنطبق على غير المهدي الامامي
ان مـن الـواضـح لـمـن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية انها تقدم مواصفات للمصلح الـعالمي , لا تنطبق على غير المهدي المنتظر (عج ), طبقا لعقيدة مدرسة اهل البيت (ع ), لذلك فان مـن لـم يـتعرف هذه العقيدة لايستطيع التوصل الى المصداق الذي تتحدث عنه , كما نلاحظ ذلك في اقوال مفسري الانجيل بشاءن الايات (1 ـ 17) من سفرالرؤيا, الفصل الثاني عشر, مكاشفات يوحنا الـلاهـوتي , فهم يصرحون باءن الشخص الذي تتحدث عنه البشارة الواردة في هذه الايات لم يولد بـعـد, لـذا فـان تـفـسيرها الواضح ومعناها البين موكول للمستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه , في حين ان هذه الايات تتحدث بوضوح عن الحكومة الالهية التي يقيمها هذا الشخص فـي كل العالم ,ويقطع دابر الاشرار والشياطين , وهي المهمة التي حددتها البشارات الاخرى باءنها مـحـورحـركـة الـمـصـلـح الـعـالمي .
لكن مفسري الانجيل لم يستطيعوا تطبيقها على المصداق الذي اختاروه لهذا المصلح , وهو السيد المسيح عيسى بن مريم عليهماالسلام , لان البشارة واردة عن يـوحنا اللاهوتي عن السيد المسيح , فهوالمبشر بمجي ء هذا المنقذ, كما انهم لم يتعرفوا عقيدة اهل البيت (ع ) في المهدي المنتظر (عج ), لذلك لم يستطيعوا الاهتداء الى مصداق تلك الايات .
البشارات وغيبة الامام الثاني عشر
وهناك باحث سني استطاع الاهتداء الى المصداق الذي تتحدث الايات المشار اليهاعندما تعرف عقيدة اهل البيت في المهدي المنتظر ـ سلام اللّه عليهم اجمعين ـ,وهوالاستاذ سعيد ايوب , حيث يقول في كتابه المسيح الدجال عن هذه الايات نفسها:ويقول كعب : مكتوب في اسفار الانبياء: المهدي ما في عمله عيب , ثم علق على هذاالنص بالقول : واشهد اني وجدته كذلك في كتب اهل الكتاب , لقد تتبع اهـل الـكتاب اخبار المهدي كما تتبعوا اخبار جده (ص ), فدلت اخبار سفر الرؤيا الى امراة يخرج مـن صـلبها اثنا عشر رجلا, ثم اشار الى امراة اخرى : اي التي تلد الرجل الاخير الذي هو من صلب جـدتـه , وقال السفر: ان هذه المراة ستحيط بها المخاطر, ورمز للمخاطر باسم التنين , وقال : والتنين وقف امام المراة العتيدة حتى تلد, يبتلع ولدها متى ولدت .
سفرالرؤيا, 12: 3. اي ان السلطة كـانـت تـريد قتل هذا الغلام , ولكن بعد ولادة الطفل , يقول باركلي في تفسيره : عندما هجمت عليها الـمخاطر اختطف اللّه ولدها وحفظه .
والنص :واختطف اللّه ولدها, سفر الرؤيا, 12: 5, اي ان اللّه غيب هذا الطفل كما يقول باركلي .
وذكـر الـسـفـر ان غـيبة الغلام ستكون الفا ومئتين وستين يوما. , وهي مدة لها رموزها عـنـداهل الكتاب , ثم قال باركلي عن نسل المراة [الاولى ] عموما: ان التنين سيعمل حرباشرسة مع نـسـل الـمـراة , كما قال السفر: فغضب التنين على المراة , وذهب ليصنع حربا مع باقي نسلها الذين يحفظون وصايا اللّه .
سفرالرؤيا, 12: 13 وعـقـب الاسـتـاذ سعيد ايوب على ما تقدم بالقول : هذه هي اوصاف المهدي , وهي نفس اوصافه عند الشيعة الامامية الاثنى عشرية , ودعم قوله بتعليقات اوردها في الهامش بشأن انطباق الاوصاف على مهدي آل البيت (ع ).
البشارات وخصوصيات المهدي الامامي
ويـلاحظ في هذه البشارة الانجيلية تناولها لخصوصيات في المصلح العالمي , الا على ابرز ما يميز عقيدة مدرسة اهل البيت (ع ), والواقع التاءريخي الذي مرت به .
فتناول هذه الخصوصيات الظاهرة بالذات يشير الى حكمة ربانية في هداية الاخرين الى المصداق الحقيقي للمصلح العالمي باءبلغ حجة , من خلال الاشارة الى ابرز خصوصياته الظاهرة والمعروفة , لكي يكون الاهتداء اليها ايسر, فمثلا نلاحظ فيها الاشارة الى تعرض مدرسة اهل البيت (ع ) لمخاطر التصفية والابادة , التي تؤدي من ثم الـى غـيبة الامام الثاني عشرمنهم , ثم تاءكيد ان هذا الامام محفوظ بالرعاية الالهية في غيبته , حتى يحين موعد ظهوره المبارك .
ومعلوم ان القول بغيبة الامام الثاني عشر هو اهم ما يميز عقيدة الامامية في المهدي المنتظر, ولذلك وردت الاشارة اليها بالذات تسهيلا للاهتداء الى المصداق الحقيقي للمنقذ العالمي .
كـمـا وردت اشارات الى مميزات معروفة اخرى تختص بها عقيدة ائمة اهل البيت (ع ),مثل القول بـاءن الامام المهدي هوالامام الثاني عشر, من سلسلة مباركة متصلة , كما تشيرلذلك الايات المتقدمة وبـشـارات اخرى واردة في الكتب المقدسة , نظير ما ورد في :
(سفرالتكوين : 17: 20, ص 22 ـ 23 مـن الاصـل العبرى ), من الوعد على لسان الرب تعالى خطابا لابراهيم الخليل (ع ), بالمباركة والـتكثير في صلب اسماعيل بمحمد (ص ) والائمة الاثنى عشر من عترته (ع ). ومعلوم ان مـصـداق الائمـة الاثـنى عشر من صلب اسماعيل لم يتحقق بالصورة المتسلسلة المشار اليها في البشارات , الا في الائمة الاثنى عشر من اهل البيت (ع ), كما يثبت ذلك الواقع التاءريخي , فضلا عن الاحـاديث النبوية المتفق على صحتها بين المسلمين , فهي خاصة بهم حتى اصبحت ظاهرة واضحة في التاءريخ الاسلامي , اطلقت على المذهب المنتمي لاهل البيت (ع ), فسمي مذهب الامامية الاثـنـى عـشـرية .
وعليه يتضح ان تلك البشارات تهدي الى حقيقة ان المهدي هوخاتم هؤلاءالائمة الاثنى عشر(ع ).
البشارات واوصاف المهدي الامامي
كما وردت فيها اشارات الى القاب اختص بها المهدي الامامي (ع ), مثل وصف ((القائم )). فـمـثلا نلاحظ البشارة التالية من سفر اشعيا النبي , التي تحدث القاضي جواد الساباطي عن دلالتها على المهدي وفق عقيدة الامامية الاثنى عشرية : 2 ـ ويـحـل عـلـيـه روح الـرب وروح الـحـكـمـة والـفـهم , وروح المشورة والقوة , وروح المعرفة ومخافة الرب .
3 ـ ولذته في مخافة الرب , ولا يقضي بحسب مراى عينيه , ولا بحسب مسمع اذنيه .
4 ـ ويحكم بالانصاف لبائسي الارض , ويضرب الارض بقضيب فمه , ويميت المنافق بنفخة شفتيه .
..
6 ـ ويـسـكـن الـذئب والـخـروف , ويربض النمر مع الجدي , والعجل والشبل معا, وصبي صغير يسوقها...
9 ـ لا يـسـيئون ولا يفسدون في كل جبل قدسي , لان الارض تمتلى ء من معرفة الرب , كماتغطي المياه البحر.
10 ـ وفـي ذلـك اليوم سيرفع ((القائم )) راية للشعوب والامم التي تطلبه وتنتظره , ويكون محله مجدا)). ومـثـل وصـف ((صـاحـب الـدار)) الـمـعدود من القاب الامام المهدي (عج ), فقد ورد ضـمـن بـشـارة عـن انـتـظـار الـمـنـقـذ العالمي الذي لا يختص به المسيحيون , اشارة الى عدم هـذاالاخـتـصـاص , وتـحـدثـت عـن ظـهـوره الـمـفـاجى ء, وهي في الانجيل (انجيل مرقس , 13:35) .
ومـثـل وصـف المنتقم لدم الحسين (ع ) المستشهد عند نهر الفرات , كما ورد في بشارة في (سفر ارميا, 46: 2 ـ 11), كما صرح بذلك الاستاذ الاردني عودة مهاوش في دراسته الـكـتـاب الـمـقـدس تحت المجهر, وذكر انها تتعلق بالمهدي المنتقم لدم الحسين (ع ). ونظائر ذلك كثيرة لا يتسع المجال لذكرها.
الاهتداء الى هوية المنقذ في ضوء البشارات
اذن مـعـرفـة هـذه الخصوصيات تقودنا الى اثبات ان المصلح العالمي الذي بشرت به جميع الديانات هـوالـمـهدي ابن الحسن العسكري عليهما السلام , كما تقوله عقيدة اهل البيت (ع ), لان البشارات الـسـمـاوية لا تنطبق على العقائد الاخرى .
فتكون النتيجة هي ان الديانات السابقة لم تبشر بظهور الـمـنـقذ العالمي في آخر الزمان , بعنوانه العام وحسب , بل شخصت ايضا هويته الحقيقية من خلال تـحديد صفات وتفصيلات , لا تنطبق على غيره (ع ). فتكون هذه البشارات دليلا اضافيا على صحة عقيدة اهل البيت (ع ) بهذا الشاءن ,وانها ذات مصدر الهي .
ونـكـتـفـي هـنـا بالاشارة الى بعض البشارات الواردة في العهدين القديم والجديد (اسفارالتوراة والانـجـيـل ) بـهذا الصدد, بحكم كونها معتبرة عند اكبر واهم الديانات السابقة على الاسلام , اي اليهودية والنصرانية , ولان هذين العهدين الموجدين حاليا قد مرا بالكثير من التحقيق والتوثيق عند عـلـمـاء اليهود والنصارى واجريت بشاءنها الكثير من الدراسات ,ودونت الكثير من الشروح لهما, ونـسخها كثيرة ومتداولة بترجمات كثيرة لمختلف اللغات .
وان كان الاعتماد على الاصول العبرية ادق , لوقوع اخطاء ولبس في الترجمات .
فـالاقتصار عليهما لا يعني بحال انحصار البشارات التي لا يمكن تفسيرها بغير المهدي (عج ) طبق عـقـيدة مذهب اهل البيت (ع ), بل على , العكس فان امثالها موجودة في مختلف كتب الاديان الاخرى وبـتصريحات ودلالات اوضح , ذكرتها الدراسات المتخصصة في هذا الباب .
((32)) ولكنها غير مـشـهـورة عـند الجميع ونسخها غير متداولة ,واغلبها لم تترجم عن لغاتها الام الا قليلا, على ان الاقتصار على النماذج المتقدمة من العهدين القديم والجديد فيه الكفاية في الاستدلال على المطلوب , والتفصيلات موكولة للمراجع المتخصصة المشار اليها في طيات البحث .
الاستناد الى بشارات الكتب السابقة ومشكلة التحريف
وتبقى هنا قضيتان , من الضروري التطرق لهما قبل تثبيت النتائج المتحصلة من البحث : الـقـضية الاولى هي : مناقشة السؤال التالي : كيف يمكن الاستناد الى كتب الديانات الاخرى في اثبات قـضـيـة مـهـمـة , مثل قضية تخص هوية المصلح العالمي المنتظر, واثبات انه المهدي بن الحسن العسكري (ع ), واثبات صحة هذه العقيدة وانتمائها الالهي , مع اتفاق المسلمين على وقوع التحريف في هذه الكتب ؟ نعتقد ان الاجابة عن هذا التساؤل ممكنة بقليل من التدبر في حيثيات الموضوع , ويمكن تلخيصها بما يلي : 1 ـ ان اثبات عقيدة اهل البيت (ع ) في المهدي المنتظر (عج ) يستند الى الكثير من البراهين العقلية والايـات القرآنية , وما اتفق عليه المسلمون من صحاح الاحاديث النبوية , والواقع التاءريخي لسيرة ائمـة اهـل الـبـيت (ع ), كما هو مشهود في الكتب العقائدية التي تناولت هذا الموضوع , وسنتناول الحديث عن ذلك في بحث آخر بالتفصيل ان شاءاللّه .
اما الاستناد الى البشارات الواردة في كتب الاديان المقدسة , فهو من باب الدليل الاضافي , او الشواهد الـمـؤيدة , فلا تسقط النتيجة المتحصلة منه بسقوط او بطلان الاساس , لان هذه العقيدة قائمة على اسـس اخرى ايضا, اذن لا مجال للاعتراض على صحة هذه العقيدة , حتى مع افتراض بطلان بعض اسسها, باعتبار القول بتحريف تلك الكتب .
اجـل , ثمة ثمار مهمة لدراسة وتوثيق هذا الدليل , وهي هداية اتباع الديانات الاخرى الى الحق والى المصلح الالهي الحقيقي , بالاستناد الى كتبهم نفسها, وفي ذلك حجة كاملة عليهم , هذا اولا, وثانيا فان مـثل هذه الدراسة تؤكد الجانب العاملي في القضية المهدوية ,وتوفر محوراجديداللوفاق بين الاديان المختلفة بشاءن المصلح العالمي الذي ينتظرونه جميعا.
2 ـ ليس ثمة من يقول باءن جميع ما في كتب الاديان السابقة محرف , بل ان المتفق عليه بين المسلمين وقوع التحريف في بعضها وليس في كلها. لذلك فان ما صدقته النصوص الشرعية الاسلامية ـ قرآنا وسنة ـ مما في الكتب السابقة محكوم بالصحة وعدم تطرق التحريف اليه , وهذا واضح .
الاستناد الى ما صدقه الاسلام من البشارات
ومـن الـثـابـت اسـلاميا ان الرسول الاكرم (ص ) قد بشر بالمهدي الموعود من اهل بيته ومن ولد فـاطـمة (س ), ((33)) لذلك فان البشارات الواردة في كتب الاديان السابقة من هذا النمطالذي لم تـطاله ايدي التحريف , ما دامت منسجمة مع ما صح في النصوص الشرعية الاسلامية .
اذن لا مانع من الاستناد اليه والاحتجاج به .
يضاف الى ذلك ان القرآن الكريم نفسه قد بشر بالدولة الالهية العالمية واقامتها في آخرالزمان , كما صرحت بذلك آياته الكريمة التي دل عدد منها على المهدي الموعود,وحتمية وجوده وغيبته ـ كما سـنـوضـح ذلـك في بحث لا حق ان شاء اللّه تعالى ـ وهذايعني تصديق ما ورد في بشارات الاديان السابقة الواردة بالمضمون نفسه , الامر الذي يعني صدورها من نفس المصدر الذي صدر منه القرآن الـكـريـم , ومـن ثـم الـحكم بصحتهاوعدم تطرق التحريف اليها, فلا مانع حينئذ من الاستناد اليها والاحتجاج بها في اطارالمضامين التي صدقها القرآن الكريم .
الواقع التاءريخي وتصديق البشارات 3 ـ ان بعض هذه البشارات يرتبط بواقع خارجي معاش اوثابت تاءريخيا, بمعنى ان الواقع الخارجي الـثـابت جاء مصدقا لها. فمثلا البشارات التي تشير الى ان المصلح العالمي هوالامام الثاني عشر من ذريـة اسـمـاعيل , وانه من ولد خيرة الاماء, وان ولادته تقع في ظل اوضاع سياسية خانقة ومهددة لـوجـوده , فـيـحـفـظه اللّه ويغيبه عن اعين الظالمين الى حين موعد ظهوره وامثالها, كلها تنباءت بحوادث ثابتة تاءريخيا, وهذا يضيف دليلا آخر على صحتها ما دام ان من الثابت علميا انها مدونة قبل وقوع الحوادث التي اخبرت عنها, فهي في هذه الحالة تثبت انها من انباء الغيب التي لا يمكن ان تصدر الا مـمـن له ارتباط بعلام الغيوب تبارك وتعالى .
وبذلك يمكن الحكم بصحتها وعدم تطرق التحريف اليها, ومن ثم يمكن الاستناد اليها والاحتجاج بها. ((34)) تاءثير البشارات في صياغة العقيدة المهدوية امـا القضية الثانية , فهي ما يرتبط بالاعتراض القائل باءن الاستناد الى هذه البشارات في اثبات عقيدة اهل البيت في المهدي المنتظر (عج ), يفتح باب التشكيك والادعاء باءن هذه العقيدة تسللت الى الفكر الاسلامي من الاسرائيليات ومحرفات الاديان السابقة .
والجواب عن هذا الاعتراض واضح من الاجابة السابقة , فهو يصح اذا كانت العقيدة الامامية المهدوية تستند الى تلك البشارات وحدها, في حين ان الامر ليس كذلك .
ولـوقـلنا باءن كل فكرة اسلامية لها نظير في الاديان السابقة هي من الافكار الداخلية في الاسلام , لادى الامر الى اخراج الكثير من الحقائق والبديهيات الاسلامية , التي اقرهاالقرآن الكريم وصحاح الاحـاديث الشريفة , وهي موجودة في الاديان السابقة , وهذاواضح البطلان ولا يخفى على ذي لب .
فـالـمـعيار في تشخيص الافكار الدخيلة على الاسلام هوعرضها على القرآن والسنة , والاخذ بما وافـقهما ونبذ ما خالفهما, وليس عرضها على ما في كتب الديانات السابقة ونبذ كل ما وافقها, مع العلم بـاءن فـيـهـا مـا لـم تتطرق له يد التحريف , وفيه ما ثبت صدوره عن نفس المصدر الذي صدر عنه القرآن الكريم .
يـضـاف الى ذلك ان عقيدة الامامية في المهدي المنتظر (عج ) تستند الى واقع تاءريخي ثابت , فكون الامـام الـمـهـدي هوالثاني عشر من ائمة اهل البيت ثابت تاءريخيا, وحتى ولادته الخفية من الحسن الـعـسـكـري (ع ) سـجـلها المؤرخون من مختلف المذاهب الاسلامية , واقرها علماء مختلف هذه الـمـذاهـب , حـتـى الـذيـن لم يذعنوا انه هو المهدي الموعود, وان كان عدد الذين صرحوا باءنه هوالمهدي من علماء اهل السنة كثيرون ايضا.
للفائدة منقول بتصرف
تعليق