لَمَحَاتٌ مِن المَنْهَجِ التَربَوي لِلإمَامِ مُحَمّدِ الجَوَادِ ,عَلَيه السَلامُ, في تَربيّةِ أصْحَابِه وشِيعَتِه :
______________________________________________
إنَّ الأئِمَةَ المَعصومين , عَليهم السَلامُ , قَد دَأبوا عَلى الاهتمَامِ بأتبَاعِهم وشِيعَتِهم , وتَربيتِهم عَلَى مَكَارِم الأخلاقِ ومَحَامِد الأفعَالِ
والصِفَاتِ , والقِيَمِ النَبيلَةِ , والإمَامُ مُحَمّدُ الجَوَادُ , هو وَاحِدٌ مِنهُم ولقد اتّبَعَهم في ذلك المَنهَجِ ,
(عن الإمامِ عَلي بن موسى الرِضا , عليه السَلامُ , قَالَ : رَحِمَ اللهُ عَبدَاً أحَيا أمرَنَا , فَقُلْتُ له :وكيفَ يُحيَى أمرَكُم ؟ قال : يُتَعَلّمُ عُلومُنَا ويُعَلِمَهَا النّاسَ , فإنَّ الناسَ لو علموا مَحَاسِنَ كلامِنَا لاتبعونَا ).
:عيونُ أخبارِ الرِضَا, الشَيخُ الصَدوقُ ,ج1,ص275.
وهُنَا نُقَدِّمُ ثَلاَثةَ أمورٍ في مَنهَجِ الإمَامِ الجَوَادِ التَربوي :
:الأمرُ الأوّلُ :
________
هُو الحَثُّ على النشَاطِ الاجتماعِي وخِدمَةِ النّاسِ , والنشاطِ العِلْمِي والتعليمي ,وأحاديثه الشريفةُ في هذا البابِ تُؤكدُ على ضَرورَةِ
الاهتمَامِ بِخِدْمَةِ الناسِ وقَضَاءِ حوائجِهم ,وخاصةً مِمّن خَصّهم اللهُ تعالى بنِعَمِه العظيمةِ , مِن المَالِ والجّاهِ ,والمَنصبِ
والمَقامِ العِلْمي والمِهَني , فَهؤلاءِ ستكونُ حَاجةُ الناسِ إليهم أعظمَ , وعليهم أنْ يَدركوا ذلك بالحِفَاظِ عَلى هَذه النِعَمِ ,
و حتى تَبقى عندهم هذه النِعَمُ لا بُدّ مِن أنْ يتحملوا مَسؤولياتهم تجاهَ النَاسِ ,وقضاءِ حَاجاتِهم , وإلاّ ستَنفرُ هذه النِعَمُ
مِنكم إلى غيرِكُم.
وعن الإمَامِ مُحَمّدٍ الجَوَادِ , أنّه قَالَ :,( مَا عَظُمَتْ نِعَمُ اللهِ على أحَدٍ إلاّ عَظُمَتْ إليه حَوائجُ الناسِ ,فَمَن لم يَتحَمّل تلك المَؤونةَ
عَرّضَ تلك النِعمَةَ للزوالِ), .
: الفِصولُ المُهمّة , ابن الصبّاغ المالكي ,ص 255 ,ط الغري.
إنَّ بقاءَ النِعَمِ مُرتهنٌ بمدى القيامِ بالواجبِ تَجَاه النَاسِ , وانجازِ أمورِهم, ولا يَرتبطُ بمدى الحصولِ على المَكاسبِ الشخصيّةِ ,
وكذلك الأمرُ في المَقامِ العِلْمي ,.
وفي حديثٍ آخرٍ قد يَخصُّ اللهُ تعالى بعضَ عبادِه بالنِعَمِ , ليكونَ بقائُها مُرتهناً بمدى توظيفها للناسِ وخِدمَتِهم.
كَمَا رويَ عن أميرِ المؤمنين عَليّ ,عليه السَلامُ,( إنَّ للهِ عباداً يَخصّهم بالنِعَمِ , ويَقرّها فيهم ما بذلوها ,فإذا مَنعوها نزَعهَا عنهم, وحَولَها إلَى غَيرِهم ).
(أهلُ المعروفِ إلى اصطناعِه أحوجُ مِن أهلِ الحاجةِ إليه لأنَّ لهم أجرَه وفخَرَه ، وذِكرَه ، فمهما اصطنعَ الرجلُ مِن معروفٍ ,
فإنما يبدأ فيه بنفسه فلا يَطلبنَ شُكرَ ما صَنعَ إلى نفسِه مِن غيره)
: بِحَارُ الأنوارِ , المَجلسي ,ج75,ص79.
وهَؤلاءِ الذين يسعونَ في خِدمَةِ الناسِ هم أحوجُ إلى اصطناعِ المعروفِ لغيرهم منه إلى حَاجةِ الناسِ إليهم.
المتمكنون مَاليّاً وأصحابُ المَقامِ العلمي أنتمُ أحوجُ إلى اصطناعِ المعروفِ للناسِ مِن حَاجتِهم إليكم .
:الأمرُ الثاني :
__________
إنَّ مِن المَبادِئ القيميّةِ التي يُربينَا عليها الإمَامُ مُحَمّدُ الجَوادُ ,عَليه السَلامُ, نَحنُ شيعتُه وأتباعُه ,والتي بيّنها بالنصائحِ والمَواعظِ ,
وتابعَ أصحابه عليها في التطبيقاتِ الحياتيةِ , وذَكّرَهم ونَبّهُهم عليها.
ألاَ وهي , كيفَ نُقيمُ العلاقاتِ الاجتماعيّةِ البنّاءَةِ ,؟
فهناك علاقاتٌ هدّامَةٌ , وهناكَ علاقاتٌ تبتني على التوادِ والتماسكِ الاجتماعي ,.
والإمامُ الجَوادُ هُنا يبينُ أسسَ وقواعدَ العلاقاتِ الاجتماعيةِ الناجحةِ والصالحةِ , حيثُ يقولُ, عَليه السَلامُ , :
( ثَلاثُ خِصَالٍ تُجتَلَبُ بهن المَحبَةُ , الانصافُ في المُعاشرَةِ , والمُواساةِ في الشِدّةِ , و الانطواع والرجوعِ إلى قَلبٍ سليمٍ).
: كَشفُ الغُمّةِ في مَعرِفَةِ الأئمَةِ , الإربلي ,ج3,ص141.
إنَّ الانصافَ في المُعاشرةِ , هو أنْ تَحبَّ لغيرك ما تَحبُ لنفسِكَ ,وأنْ تكره لغيركَ ما تَكره لنفسِكَ ,
وأنْ تقرَّ بالحقِّ ولو على نفسِك.
وأمّا المواساةُ في الشِدّةِ فهي أنْ تقفَ مع إخوانِكِ في أيامِ المِحنةِ والضيقِ وتواسيهم وتساعدهم في التغلبِ عليها
وعلى المَشاكلِ التي تَعرِضُ لهم ,بالبذلِ والعَطاءِ.
والرجوعُ إلى قَلبٍ سليمٍ , هو أنْ تتعاملَ بقلبٍ ناصحٍ , فلا تغشَّ , ولا تُظهرُ له خلافَ ما تُضمِرَه في نفسِكَ ,ولا أنْ تمدحه أمامَه
, وتَغتابه من وراءِ ظَهرِه.
ومِن القواعدِ المُهمّةِ جِدّاً في تكوينِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ الناجحةِ ,هي تجنبُ سوءِ الظنِ بالآخرين,
كما رويَ ذلك عن أمير المؤمنين عَلي , عَليه السلامُ,: ( لا يُفسِدُك الظنُّ على صَديقٍ أصلَحُه لكَ اليقينُ ،).
: بِحَارُ الأنوارِ , المَجلسي ,ج71,ص165.
وبسببِ سوءِ الظنِ بالآخرين تَفسِدُ القلوبُ والمَشاعرُ وتتحولُ إلى البغضِ والتحسّسِ مِن الآخرين ,وربمّا يكونُ سوءُ الظنِ
لا أساسَ له لا شرعاً ولا عَقلاً .
فحاول أنْ تنصحَ الصديقَ سِرّاً , وليس مِن الصحيحِ أنْ تنصحه أمامَ الجميعِ , وفي الروايةِ الشريفةِ :
(مَن وَعَظَ أخَاه سِرّاً فقد زَانَه . ومَن وعظَه علانيّةً فقَد شَانَه )
: تحفُ العقولِ ,ابن شعبه الحراني,ص489.
: الأمرُ الثالثُ :
__________
كثيراً ما يَحتاجُ الإنسانُ إلى قواعدَ ومَبادئَ قويمةٍ حتى يَنجحَ في حياتِه , ويَتجنبَ الفَشَلَ , فَمَا المطلوبُ مِنّا حتى نَنجحَ
في حياتِنا العِلميّةِ والاجتماعيّةِ , وما هي قَواعدُ النَجَاحِ ؟
وبحسبِ الروايةِ الشريفةِ عن أميرِ المؤمنين , عليه السَلامُ, وحَديثُ الإمامِ الجَوادِ حَديثُ جَدّه ,:
(ثَلاثٌ مَن كُنّ فيه لم يَندم : تَركُ العَجَلَةِ والمَشورةُ والتوكلُ عند العزمِ على اللهِ عَزّ وجَلّ)
: بِحَارُ الأنوارِ , المَجلسي ,ج75,ص81.
فإذا أردتَ أنْ تتكلمَ فلا تتسرعْ ,تأمّلْ في الكلامِ هَل هو مَقبولٌ شَرعَاً وعَقلاً ؟
وكذلك في المَوقفِ تأمّلْ فيه ,وفي الرأي والعواطفِ والمَشاعرِ لا تتسرعْ , فلا تُقدِمُ على الأفعالِ الخطيرةِ ؟
في علاقتك الاقتصاديةِ والثقافيةِ لا تتسرعِ ,ادرسْ الأمورَ جيداً , واتخذْ المَواقفَ فيما بعد.
إنَّ المشورةَ هي إضافةُ عَقلٍ آخرٍ إلى عَقلكِ ,وأعقلُ الناسِ مَن ضَمَّ عقولَ الناسِ إليه , استشرْ الآخرينَ مِن أهلِ العقلِ
والخبرةِ والحِكمَةِ, ولا نقص في ذلك ,وفي الاستشارةِ كأنما تُفكرُ بعقلين , والمَشورةُ تُنجحُ الرأيَّ وتجعلَه حَكيمَاً.
وكذلك إذا عَزمَتَ على أمرٍ فَكّرَتَ فيه وتُريده فتوكلْ على اللهِ وامضه وأقدِم وثِقْ بربك سبحانه , فهو مُسبّبُ النجاحِ ,
ولا تتردد إذا عزمتَ على الأمرِ.
ومن الأمورِ التي يحتاجُها الإنسانُ كي ينَجحَ ولا يَفشَلَ كَما عن الإمامِ مُحَمّدِ الجوادِ , عليه السَلامُ,
أنّه قالَ :(المؤمنُ يَحتاجُ إلى توفيقٍ مِن اللهِ ,وواعظٍ من نفسه , وقبولٍ مِمّن يَنصحَه )
: تحفُ العقولِ ,ابن شعبه الحراني, ص 457.
والتوفيقُ من اللهِ تعالى إنّمَا يكونُ بحُسنِ الظنِ به والثقةِ به. والإخلاصِ له واعتمادُ المَعاييرَ الشرعيّةِ في الحَراكِ الحياتي للإنسَانِ .
والواعظُ والرقيبُ الداخلي هو مِمَن يحتاجه المُؤمنُ في حياته ,والذي يَأتي مِن قوةِ العلاقةِ باللهِ تعالى ومُصاحَبَةِ الأخيارِ ,.
فأنتَ عندما تَقدِمُ على أمرٍ مُعيّنٍ فليس دائما الحُكماءُ والأخيارُ مَعك حتى يردعوكَ عن أمرٍ قبيحٍ ومَنهي عنه , فالنفسُ دائما مَعك ,
فإذا كان الواعظُ مِن داخِلِ نفسِك أمِنتَ أنّكَ في جميع المواقفِ والأقوالِ والأفعالِ والآراءِ وغير ذلك هناك واعظٌ يُلازمك دائماً
ويُوجهكَ إلى الصَحيحِ ,
وأما الأمرُ الآخر وهو (وقبولٍ مِمّن ينصحه ) فهذا أمرٌ مهمّ جداً ,
وعلى الإنسانِ أن يقبلَ النصيحةَ من الآخرِ ,ويقبلَ التقييمَ , وليس مِن العَيبِ أن تَقبَلَ النصيحَةَ ,فليس انتقاصٌ مني
إذا جاءَ شخصٌ آخرٌ ونصحني ,وقال لي هذا خطأ , ومن الأمورِ المُهمة في نجاحِ الإنسانِ في حياته ,
وتجنبه الفشلَ هو أنْ يقبلَ النصيحةَ والنقدَ البناءَ من الآخرين,
وإنما يرفضُ الإنسانُ النصحَ , لأنّه يرى الناصحَ له أقلَّ شأناُ منه في العِلمِ والمُجتمعِ ,وهذا ليس بصحيح ,
وما أدراكَ أنَّ هذا الرجلَ الناصحَ لك قد يكونُ بعقلِه وخبرتِه مِمَن يَقدِرُ على تشخيصِ أنّ الأمرَ الذي بيدك خاطئ ,
وعليكَ أن تقبلَ النصيحةَ ,ولا انتقاصَ لك في ذلك.
__________________________________________________ ___________
: مَضْمُونُ الخطبَةِ الأولى لِصَلاةِ الجُمعَةِ اليَوم, التَاسِع مِن رَجَبٍ الحَرَامِ 1438هجري,
بإمَامَةِ الوكيلِ الشَرعِي سَمَاحةِ الشَيخِ عَبد المَهدِي الكربلائي في الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ:
__________________________________________________ ___________
- تَدوينُ وتَخريجُ – مُرتَضَى عَلي الحِلّي - النَجفُ الأشرَفُ -
__________________________________________________ ___________
______________________________________________
إنَّ الأئِمَةَ المَعصومين , عَليهم السَلامُ , قَد دَأبوا عَلى الاهتمَامِ بأتبَاعِهم وشِيعَتِهم , وتَربيتِهم عَلَى مَكَارِم الأخلاقِ ومَحَامِد الأفعَالِ
والصِفَاتِ , والقِيَمِ النَبيلَةِ , والإمَامُ مُحَمّدُ الجَوَادُ , هو وَاحِدٌ مِنهُم ولقد اتّبَعَهم في ذلك المَنهَجِ ,
(عن الإمامِ عَلي بن موسى الرِضا , عليه السَلامُ , قَالَ : رَحِمَ اللهُ عَبدَاً أحَيا أمرَنَا , فَقُلْتُ له :وكيفَ يُحيَى أمرَكُم ؟ قال : يُتَعَلّمُ عُلومُنَا ويُعَلِمَهَا النّاسَ , فإنَّ الناسَ لو علموا مَحَاسِنَ كلامِنَا لاتبعونَا ).
:عيونُ أخبارِ الرِضَا, الشَيخُ الصَدوقُ ,ج1,ص275.
وهُنَا نُقَدِّمُ ثَلاَثةَ أمورٍ في مَنهَجِ الإمَامِ الجَوَادِ التَربوي :
:الأمرُ الأوّلُ :
________
هُو الحَثُّ على النشَاطِ الاجتماعِي وخِدمَةِ النّاسِ , والنشاطِ العِلْمِي والتعليمي ,وأحاديثه الشريفةُ في هذا البابِ تُؤكدُ على ضَرورَةِ
الاهتمَامِ بِخِدْمَةِ الناسِ وقَضَاءِ حوائجِهم ,وخاصةً مِمّن خَصّهم اللهُ تعالى بنِعَمِه العظيمةِ , مِن المَالِ والجّاهِ ,والمَنصبِ
والمَقامِ العِلْمي والمِهَني , فَهؤلاءِ ستكونُ حَاجةُ الناسِ إليهم أعظمَ , وعليهم أنْ يَدركوا ذلك بالحِفَاظِ عَلى هَذه النِعَمِ ,
و حتى تَبقى عندهم هذه النِعَمُ لا بُدّ مِن أنْ يتحملوا مَسؤولياتهم تجاهَ النَاسِ ,وقضاءِ حَاجاتِهم , وإلاّ ستَنفرُ هذه النِعَمُ
مِنكم إلى غيرِكُم.
وعن الإمَامِ مُحَمّدٍ الجَوَادِ , أنّه قَالَ :,( مَا عَظُمَتْ نِعَمُ اللهِ على أحَدٍ إلاّ عَظُمَتْ إليه حَوائجُ الناسِ ,فَمَن لم يَتحَمّل تلك المَؤونةَ
عَرّضَ تلك النِعمَةَ للزوالِ), .
: الفِصولُ المُهمّة , ابن الصبّاغ المالكي ,ص 255 ,ط الغري.
إنَّ بقاءَ النِعَمِ مُرتهنٌ بمدى القيامِ بالواجبِ تَجَاه النَاسِ , وانجازِ أمورِهم, ولا يَرتبطُ بمدى الحصولِ على المَكاسبِ الشخصيّةِ ,
وكذلك الأمرُ في المَقامِ العِلْمي ,.
وفي حديثٍ آخرٍ قد يَخصُّ اللهُ تعالى بعضَ عبادِه بالنِعَمِ , ليكونَ بقائُها مُرتهناً بمدى توظيفها للناسِ وخِدمَتِهم.
كَمَا رويَ عن أميرِ المؤمنين عَليّ ,عليه السَلامُ,( إنَّ للهِ عباداً يَخصّهم بالنِعَمِ , ويَقرّها فيهم ما بذلوها ,فإذا مَنعوها نزَعهَا عنهم, وحَولَها إلَى غَيرِهم ).
(أهلُ المعروفِ إلى اصطناعِه أحوجُ مِن أهلِ الحاجةِ إليه لأنَّ لهم أجرَه وفخَرَه ، وذِكرَه ، فمهما اصطنعَ الرجلُ مِن معروفٍ ,
فإنما يبدأ فيه بنفسه فلا يَطلبنَ شُكرَ ما صَنعَ إلى نفسِه مِن غيره)
: بِحَارُ الأنوارِ , المَجلسي ,ج75,ص79.
وهَؤلاءِ الذين يسعونَ في خِدمَةِ الناسِ هم أحوجُ إلى اصطناعِ المعروفِ لغيرهم منه إلى حَاجةِ الناسِ إليهم.
المتمكنون مَاليّاً وأصحابُ المَقامِ العلمي أنتمُ أحوجُ إلى اصطناعِ المعروفِ للناسِ مِن حَاجتِهم إليكم .
:الأمرُ الثاني :
__________
إنَّ مِن المَبادِئ القيميّةِ التي يُربينَا عليها الإمَامُ مُحَمّدُ الجَوادُ ,عَليه السَلامُ, نَحنُ شيعتُه وأتباعُه ,والتي بيّنها بالنصائحِ والمَواعظِ ,
وتابعَ أصحابه عليها في التطبيقاتِ الحياتيةِ , وذَكّرَهم ونَبّهُهم عليها.
ألاَ وهي , كيفَ نُقيمُ العلاقاتِ الاجتماعيّةِ البنّاءَةِ ,؟
فهناك علاقاتٌ هدّامَةٌ , وهناكَ علاقاتٌ تبتني على التوادِ والتماسكِ الاجتماعي ,.
والإمامُ الجَوادُ هُنا يبينُ أسسَ وقواعدَ العلاقاتِ الاجتماعيةِ الناجحةِ والصالحةِ , حيثُ يقولُ, عَليه السَلامُ , :
( ثَلاثُ خِصَالٍ تُجتَلَبُ بهن المَحبَةُ , الانصافُ في المُعاشرَةِ , والمُواساةِ في الشِدّةِ , و الانطواع والرجوعِ إلى قَلبٍ سليمٍ).
: كَشفُ الغُمّةِ في مَعرِفَةِ الأئمَةِ , الإربلي ,ج3,ص141.
إنَّ الانصافَ في المُعاشرةِ , هو أنْ تَحبَّ لغيرك ما تَحبُ لنفسِكَ ,وأنْ تكره لغيركَ ما تَكره لنفسِكَ ,
وأنْ تقرَّ بالحقِّ ولو على نفسِك.
وأمّا المواساةُ في الشِدّةِ فهي أنْ تقفَ مع إخوانِكِ في أيامِ المِحنةِ والضيقِ وتواسيهم وتساعدهم في التغلبِ عليها
وعلى المَشاكلِ التي تَعرِضُ لهم ,بالبذلِ والعَطاءِ.
والرجوعُ إلى قَلبٍ سليمٍ , هو أنْ تتعاملَ بقلبٍ ناصحٍ , فلا تغشَّ , ولا تُظهرُ له خلافَ ما تُضمِرَه في نفسِكَ ,ولا أنْ تمدحه أمامَه
, وتَغتابه من وراءِ ظَهرِه.
ومِن القواعدِ المُهمّةِ جِدّاً في تكوينِ العلاقاتِ الاجتماعيةِ الناجحةِ ,هي تجنبُ سوءِ الظنِ بالآخرين,
كما رويَ ذلك عن أمير المؤمنين عَلي , عَليه السلامُ,: ( لا يُفسِدُك الظنُّ على صَديقٍ أصلَحُه لكَ اليقينُ ،).
: بِحَارُ الأنوارِ , المَجلسي ,ج71,ص165.
وبسببِ سوءِ الظنِ بالآخرين تَفسِدُ القلوبُ والمَشاعرُ وتتحولُ إلى البغضِ والتحسّسِ مِن الآخرين ,وربمّا يكونُ سوءُ الظنِ
لا أساسَ له لا شرعاً ولا عَقلاً .
فحاول أنْ تنصحَ الصديقَ سِرّاً , وليس مِن الصحيحِ أنْ تنصحه أمامَ الجميعِ , وفي الروايةِ الشريفةِ :
(مَن وَعَظَ أخَاه سِرّاً فقد زَانَه . ومَن وعظَه علانيّةً فقَد شَانَه )
: تحفُ العقولِ ,ابن شعبه الحراني,ص489.
: الأمرُ الثالثُ :
__________
كثيراً ما يَحتاجُ الإنسانُ إلى قواعدَ ومَبادئَ قويمةٍ حتى يَنجحَ في حياتِه , ويَتجنبَ الفَشَلَ , فَمَا المطلوبُ مِنّا حتى نَنجحَ
في حياتِنا العِلميّةِ والاجتماعيّةِ , وما هي قَواعدُ النَجَاحِ ؟
وبحسبِ الروايةِ الشريفةِ عن أميرِ المؤمنين , عليه السَلامُ, وحَديثُ الإمامِ الجَوادِ حَديثُ جَدّه ,:
(ثَلاثٌ مَن كُنّ فيه لم يَندم : تَركُ العَجَلَةِ والمَشورةُ والتوكلُ عند العزمِ على اللهِ عَزّ وجَلّ)
: بِحَارُ الأنوارِ , المَجلسي ,ج75,ص81.
فإذا أردتَ أنْ تتكلمَ فلا تتسرعْ ,تأمّلْ في الكلامِ هَل هو مَقبولٌ شَرعَاً وعَقلاً ؟
وكذلك في المَوقفِ تأمّلْ فيه ,وفي الرأي والعواطفِ والمَشاعرِ لا تتسرعْ , فلا تُقدِمُ على الأفعالِ الخطيرةِ ؟
في علاقتك الاقتصاديةِ والثقافيةِ لا تتسرعِ ,ادرسْ الأمورَ جيداً , واتخذْ المَواقفَ فيما بعد.
إنَّ المشورةَ هي إضافةُ عَقلٍ آخرٍ إلى عَقلكِ ,وأعقلُ الناسِ مَن ضَمَّ عقولَ الناسِ إليه , استشرْ الآخرينَ مِن أهلِ العقلِ
والخبرةِ والحِكمَةِ, ولا نقص في ذلك ,وفي الاستشارةِ كأنما تُفكرُ بعقلين , والمَشورةُ تُنجحُ الرأيَّ وتجعلَه حَكيمَاً.
وكذلك إذا عَزمَتَ على أمرٍ فَكّرَتَ فيه وتُريده فتوكلْ على اللهِ وامضه وأقدِم وثِقْ بربك سبحانه , فهو مُسبّبُ النجاحِ ,
ولا تتردد إذا عزمتَ على الأمرِ.
ومن الأمورِ التي يحتاجُها الإنسانُ كي ينَجحَ ولا يَفشَلَ كَما عن الإمامِ مُحَمّدِ الجوادِ , عليه السَلامُ,
أنّه قالَ :(المؤمنُ يَحتاجُ إلى توفيقٍ مِن اللهِ ,وواعظٍ من نفسه , وقبولٍ مِمّن يَنصحَه )
: تحفُ العقولِ ,ابن شعبه الحراني, ص 457.
والتوفيقُ من اللهِ تعالى إنّمَا يكونُ بحُسنِ الظنِ به والثقةِ به. والإخلاصِ له واعتمادُ المَعاييرَ الشرعيّةِ في الحَراكِ الحياتي للإنسَانِ .
والواعظُ والرقيبُ الداخلي هو مِمَن يحتاجه المُؤمنُ في حياته ,والذي يَأتي مِن قوةِ العلاقةِ باللهِ تعالى ومُصاحَبَةِ الأخيارِ ,.
فأنتَ عندما تَقدِمُ على أمرٍ مُعيّنٍ فليس دائما الحُكماءُ والأخيارُ مَعك حتى يردعوكَ عن أمرٍ قبيحٍ ومَنهي عنه , فالنفسُ دائما مَعك ,
فإذا كان الواعظُ مِن داخِلِ نفسِك أمِنتَ أنّكَ في جميع المواقفِ والأقوالِ والأفعالِ والآراءِ وغير ذلك هناك واعظٌ يُلازمك دائماً
ويُوجهكَ إلى الصَحيحِ ,
وأما الأمرُ الآخر وهو (وقبولٍ مِمّن ينصحه ) فهذا أمرٌ مهمّ جداً ,
وعلى الإنسانِ أن يقبلَ النصيحةَ من الآخرِ ,ويقبلَ التقييمَ , وليس مِن العَيبِ أن تَقبَلَ النصيحَةَ ,فليس انتقاصٌ مني
إذا جاءَ شخصٌ آخرٌ ونصحني ,وقال لي هذا خطأ , ومن الأمورِ المُهمة في نجاحِ الإنسانِ في حياته ,
وتجنبه الفشلَ هو أنْ يقبلَ النصيحةَ والنقدَ البناءَ من الآخرين,
وإنما يرفضُ الإنسانُ النصحَ , لأنّه يرى الناصحَ له أقلَّ شأناُ منه في العِلمِ والمُجتمعِ ,وهذا ليس بصحيح ,
وما أدراكَ أنَّ هذا الرجلَ الناصحَ لك قد يكونُ بعقلِه وخبرتِه مِمَن يَقدِرُ على تشخيصِ أنّ الأمرَ الذي بيدك خاطئ ,
وعليكَ أن تقبلَ النصيحةَ ,ولا انتقاصَ لك في ذلك.
__________________________________________________ ___________
: مَضْمُونُ الخطبَةِ الأولى لِصَلاةِ الجُمعَةِ اليَوم, التَاسِع مِن رَجَبٍ الحَرَامِ 1438هجري,
بإمَامَةِ الوكيلِ الشَرعِي سَمَاحةِ الشَيخِ عَبد المَهدِي الكربلائي في الحَرَمِ الحُسَيني المُقَدّسِ:
__________________________________________________ ___________
- تَدوينُ وتَخريجُ – مُرتَضَى عَلي الحِلّي - النَجفُ الأشرَفُ -
__________________________________________________ ___________