أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
الدرس الحادي عشر: الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى الاستعارة بقسميها.
2- أن يميّز بين الاستعارة التصريحية والمكنية.
3- أن يتعرّف إلى بلاغة الاستعارة المكنية وجمالها.
الاستعارةُ التصريحيةُ والْمَكنيَّةُ هي استعمالُ اللفظُ في غيرِ مَا وُضِعَ لَهُ لعلاقةِ المشابهةِ بَينَ المَعنَى الحقيقي والمعنى المستعملِ فيهِ، مع قرينةٍ صارفةٍ عن إرادةِ المعنَى الأصليِّ.
ومعنى تصريحية أي مصرح فيها بلفظ المشبه به الذي استعمل في المشبه وأريد به المشبه، ومعنى مكنية أي مخفي فيها لفظ المشبه به استغناء بذكر شيء من لوازمه، فلم يذكر فيها من أركان التشبيه سوى المشبه.
وقد سبقَ أنَّ التشبيهَ أولُ طريقةٍ دلتْ عليها الطبيعةُ، لإيضاحِ أمرٍ يجهلُه المخاطبُ، بذكر شيءٍ آخر، معروفٍ عندَه، ليقيسَه عليه، وقد نتجَ من هذه الطريقة، طريقة أخرى في تراكيبِ الكلامِ، تَرى فِيهَا ذكرَ المشبَّهِ به أو المشبَّهِ فقط1 وترى الاستعارة تشبيهاً حذف أحد طرفيه.
وتُسمَّى هذه بـ "الاستعارةِ"، وقد جاءتْ هذه التراكيبُ المشتملةُ عَلَى الاستعارةِ
125
أبلغَ مِن تراكيبِ التشبيهِ، وأشدَّ وقعاً في نفسِ المخاطَبِ, لأنَّه كلَّمَا كانَتْ داعيةً إِلَى التحليقِ في سماءِ الخَيَالِ، كانَ وقعُها في النفسِ أشدَّ، ومنزلتُها في البلاغةِ أعلَى.
وما يبتكرُهُ أُمراءُ الكلامِ من أنواع ِصور الاستعارةِ البديعةِ، الّتي تأخذُ بمجامعِ الأفئدةِ، وتملكُ على القارئ والسامعِ لبَّهما وعواطفهُما هو سرُّ بلاغةِ الاستعارةِ.
الاسْتِعارَةُ مِنَ المجاز اللّغَويَّ، وهيَ تَشْبيهٌ حُذِفَ أحَدُ طَرفَيْهِ، فَعلاقتها المشابهةُ دائماً، وهي قسمانِ:
1- تَصْريحيّةٌ، وهي ما صُرِّحَ فيها بلَفظِ المشبَّه بهِ.
2- مَكنِيَّةٌ، وهي ما حُذِفَ فيها المشَبَّهُ بهِ ورُمِزَ لهُ بشيء مِنْ لوازمه.
تمارين
1- عيِّنِ التصريحيةَ والمكنيةَ من الاستعارات الآتية مع بيان السبب:
قال دعبِل الخُزَاعِيُّ:
لا تَعجَبي يا سَلْمُ مِنْ رَجُلٍ ضحكَ المشيبُ برأسهِ فبكى
قال الشاعر:
وإِذا السعادةُ لاحظتْك عيونُها نَمْ فالمخاوِفُ كلُّهُنَّ أَمانُ
قال المتنبي يَصِفُ دخول رسولِ الرّوم على سيف الدولة:
وَأقْبَلَ يَمشِي في البِساطِ فَما درَى إلى البَحرِ يَسعَى أمْ إلى البَدْرِ يرْتَقي
وقال تعالى على لسان زكريا عليه السلام: ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾6.
وقال البحتري:
فَمَا قَاتَلَتْ عَنْهُ المَنَايَا جُنُودُهُ وَلاَ دَافَعَتْ أمْلاَكُهُ وَذَخَائِرُهْ
2- ضع الأسماء الآتية في جمل بحيث يكون كلُّ منها استعارة تصريحية مرة، ومكنية أخرى:
الشمس - البلبل - البحر - الأزهار - البرق.
للمطالعة
بلاغةُ الاستعارةِ7:
سبق لك أَنَّ بلاغة التشبيه آتيةٌ من ناحيتين: الأُولى تأْليف أَلفاظه، والثانية ابتكار مشبَّه به بعيد عن الأَذهان، لا يجولُ إِلّا في نفس أديبٍ وهب الله له استعدادًا سليماً في تعرُّف وجوه الشَّبه الدقيقة بين الأَشياء، وأودعه قدْرةً على ربْطِ المعاني وتوليدِ بعضها من بعض إلى مدىً بعيدٍ لا يكاد ينتهي.
وسرُّ بلاغة الاستعارة لا يتعدَّى هاتين الناحيتين، فبلاغتها من ناحية اللفظ، أنَّ تركيبها يدلّ على تناسي التشبيه، ويحمْلُكَ عمدًا على تخيُّل صورة جديدة تُنْسيك رَوْعَتُها ما تضمَّنه الكلام من تشبيه خفيٍّ مستور.
انظر إِلى قول البُحْتُرِيِّ في الفتح بن خاقان:
يَسمُو بكَفٍّ، على العافينَ، حانيَةٍ تَهمي، وَطَرْفٍ إلى العَلياءِ طَمّاحِ
ألستَ ترى كفَّه وقد تمثَّلتْ في صورة سحابةٍ هتَّانةٍ تصُبُّ وَبْلَهَا على العافينَ السائلين، وأنَّ هذه الصورة قد تملّكتْ عليك مشاعرك، فأذْهلتْكَ عمّا اختبأَ في الكلام من تشبيه؟
وأمَّا بلاغةُ الاستعارة من حيثُ الابتكارُ ورَوْعَة الخيال، وما تحدثه من أثرٍ في نفوس سامعيها، فمجالٌ فسيحٌ للإبداع، وميدانٌ لتسابق المُجِيدين من فُرسان الكلام.
انظر إلى قوله - عزَّ شأْنه - في وصف النار: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾8، ترتسمْ أمامك النار في صورة مخلوقِ ضَخْمٍ بطَّاشٍ مُكْفَهِرِّ الوجه عابسٍ يغلي صدرُه حقدًا وغيظاً.
ثمّ انظر إلى قول أبي العتاهية في تهنئةِ المهديِّ بالخلافة:
أتتْهُ الخِلاَفَةُ مُنْقادَةً إلَيْهِ تُجَرِّرُ أذْيالَها
تجدْ أنَّ الخِلافة غادةٌ هيفاءُ مُدَلَّلَة مَلُولٌ فُتِنَ الناس بها جميعاً، وهي تأْبى عليهم وتصدُّ إِعراضاً، ولكنها تأْتي للمهدي طائعة في دلال وجمال تجرُّ أَذيالها ذلاً وخفرًا.
هذه صورة لا شكّ رائعة أَبْدع أَبو العتاهية في تصويرها، وستبقى حُلوة في الأسماع حبيبةً إِلى النفوس ما بقي الزمان".
وانظر إلى قول الشريف الرَّضِيِّ في الودَاع:
نَسرِقُ الدّمعَ في الجُيوبِ حَياءً وَبِنَا مَا بِنَا مِنَ الأشواقِ
هو يسرق الدمع حتّى لا يُوصمَ بالضعف والخَور ساعةَ الوداع، وقد كان يستطيع أن يقول: "نَستُر الدمع في الجيوب حياءً", ولكنّه يريد أن يسمو إِلى نهاية المُرْتقَى في سحر البيان، فإنَّ الكلمة "نسْرِقُ" ترسُم في خيالك صورةً لشدّة خوفه أَنْ يظهر فيه أثرٌ للضعف، ولمهارته وسرعته في إِخفاء الدمع عن عيون الرقباء.
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى الاستعارة التمثيلية.
2- أن يُحسن استخدام الاستعارة التمثيلية.
133
الاستعارة التمثيلية:
يقسّم البلاغيون الإستعارة من جهة الإفراد والتركيب إلى قسمين: مفردة، ومركبة. الاستعارة المفردة: وهي ما كان المستعار فيها لفظاً مفرداً، كما هو الحال في الإستعارة التصريحية والمكنيّة، وقد سبقت الإشارة إليهما. الاستعارة (المركبة) التمثيلية: وهي ما كان المستعار فيها مثلاً، أو تركيباً، استعمل في غير ما وضع له مع وجود علاقة مشابهة بين المستعار منه والمستعار له. وهذا النوع من الاستعارة فيه روائع التعبير الفني يستخدمه الأديب عن طريق قول مأثور، أو حكمة، أو مثل مضروب.
تأمّل الأمثلة التالية:
قال الله تعالى: ï´؟يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِï´¾1.
قال المتنبي:
إذا رأيتَ نيُوب الليث بارزةً فلا تظنَّنَّ أنّ الليثَ يبتسمُ
135
قال الشاعر:
أُعلّمه الرِّماية كلَّ يومٍ فلما اشتدَّ ساعدُه رماني
روي عن النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يلدغ المؤمن من جُحرٍ مرتين"2.
جاء في المثل: "لكلّ جواد كبوة، ولكل صارم نبوة". بالتأمّل بالأمثلة السابقة، تجد أنّ كلّاً منها يتّصل بمناسبة خاصة بعينها، يرتبط بها ارتباطاً وثيقاً، بحيث يصبح كل مقال ومناسبته، كطرفي التشبيه، لا تتم المشابهة إلا بهما.
وليس من الضروري أن تعرف المناسبة التي يرتبط بها المثال، فمعناه يفرض عليك المناسبة التي يمكنك أن تربطه بها.
ففي الآية الكريمة، في المثال الأول ï´؟يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْï´¾، هؤلاء هم اليهود، الذين أمرهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالجلاء عن المدينة، فصاروا يخربون بيوتهم قبل الخروج منها، ولكن هذا التعبير يمكن أن يطلق على كلِّ حالة تشبه الحالة التي قيل فيها لأوّل مرة، فمثلاً، ربُّ الأُسرة، الذي يبذّر أمواله فيما لا نفع فيه لأسرته، ويترك ما فيه تربيتهم وسعادتهم, تقول عنه ï´؟يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْï´¾، والطالب الذي يهمل دروسه ويشغل نفسه باللّعب، ويهمل القيام بواجباته، تقول عنه:"يخربون بيوتهم بأيديهم" كأنّما صارت العبارة مثلاً يطلق على كل حالة تشبه الحالة التي قيل فيها من قبل، فالتعبير يشبّه حالاً بحال، حال من يهمل دروسه، أو من يترك تدبير شؤون أُسرته، بحال من يخرب بيته بيده، فالتعبير إذاً مجازي، وقد نقل التركيب الدال على المشبّه به للمشبّه على سبيل الاستعارة، والعلاقة بين الطرفين هي المشابهة، ولكنّ أحد الحالين محذوف دائماً، ولأنّها
136
تمثل حالاً بحالة سمّيت (الاستعارة تمثيلية)، مع قرينة حالية تفهم من السياق مانعة من إرادة المعنى الأصلي.
وفي المثال الثاني: يقول المتنبي: إذا رأيت الأسد، فاغر الفم، بارز الأنياب، فلا تظنَّ أنه يبتسم لك، فلو ظننت ذلك، فأنت مقضيٌ عليك، وهذا المعنى تُشبّه به حال من يخدعك مظهره عن حقيقة أمره، وعندئذٍ يكون استعمال اللّيث في مثل هذه الحال مجازاً، وقد نقل التركيب الدال على المشبّه به، للمشبّه على سبيل الاستعارة التمثيلية، والعلاقة بين الطرفين المشابهة، وهي ظهور الأنياب لغير الضحك، والقرينة حالية.
وفي المثال الثالث: يقول الشاعر: إنّه يعلّم الرماية بالسهام لمن يتوقع معاونته والوقوف إلى جانبه، ولكن ما إنْ أتْقَنْ هذا التلميذ الجاحد الرماية حتى وجه سهامه إلى معلمه، ويقال هذا المعنى حينما يريد أن يشبّه حال مَن يأخذ بيد إنسان ويعلمه ويدرّبه على أمور تنفعه في حياته، فلا يلبث أن ينقلب عليه مستخدماً ما تعلّمه في الكيد لأُستاذه وولي نعمته. والعلاقة بين الطرفين هي المشابهة كما هو واضح.
وانظر في المثال الرابع: الحديث الشريف، تجده سار مسار الأمثال، فقد شبهت به حال من يخطئ مرة، ويستفيد من هذا الخطأ، فلا يعود ثانية إليه، بحال المؤمن الذي لدغ مرة من ثعبان مختبئ في حجره فلم يَعُد يقترب من الجحر أو من غيره ثانية، فتقول لهذا الإنسان: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين. والحديث لا يريد هذا المعنى بل قصد المعنى المجازي الذي بيّناه.
ولاحظ المثلين المشهورين في المثال الخامس (لكلّ جواد كبوة، ولكلّ صارم نبوة) يضربان لتصوير حال من يصدر منه الخطأ بالرغم منه في مجال غير معروف عنه الخطأ فيه، فهو كالجواد الأصيل الذي تعوّد الجري والسبق وربما
137
أتى عليه يوم فتعثَّر، أو هو كالسيف القاطع ربما يأتي عليه يوم فينبو ويكلّ عن القطع.
فكلُّ مثلٍ هو (استعارة تمثيلية). وذلك لاستعارة الصورة المركبة للمشبّه به ونقلها إلى المشبّه. والقرينة الحالية تمنعك من أنْ تظنَّ أنّ التعبير يعني حقيقةً أنّ الحصان كبا أو أنّ السيف نبا. وتدرك أنّه مثلٌ فقط للحال الذي تشاهده.
القاعدة: 1- الاستعارة التمثيلية: تركيب لغوي من قول مأثور، أو حكمة، أو مثل استعمل في غير ما وضع له، مع وجود علاقة مشابهة بين المستعار منه والمستعار له. 2- لا بدّ في الاستعارات بأنواعها من وجود قرينة (حالية أو مقالية) مانعة من إرادة المعنى الحقيقي. 3- ملاحظة: هناك أنواع أُخرى من الاستعارة أعرضنا عنها, لغرض التركيز على أشهرها، وأكثرها نفعاً واستخداماً.
138
القواعد الرئيسة
1- الاستعارة التمثيلية هي ما كان المستعار فيهما مثلاً، أو تركيباً استعمل في غير ما وضع له مع وجود علاقة مشابهة.
2- لا بدّ في الاستعارة التمثيلية من وجود قرينة حالية أو مقالية مانعة من إرادة المعنى الحقيقي.
تمارين
افرض حالاً، تجْعَلُها مشبهاً لكُل من التراكيب الآتية، ثم أجرِ الاستعارة في ثلاثة تراكيب.
1- إنَّك لا تَجْني من الشَّوْكِ العنبَ.
2- يبتغي الصَّيْدَ في عرِّيسَة الأسد3.
3- أخذ القوْسَ باريها.
4- استسمنت ذا ورم.
5- أنت تضرب في حديد بارد.
6- هو يبني قصوراً بغير أساس.
7- المورد العذب كثير الزحام.
8- اعقلها وتوكل4.
9- أنت تحصد ا زرعت.
10- ألق دلوك في الدِّلاء
بيِّن نوع كلّ إستعارة من الإستعارات الآتية وأجرها:
قال المتنبي:
غاض الوفاء فما تلقاهُ في عِدّة ٍ وأَعْوز الصّدقُ في الأخبار والقسمِ5
قال البحتري:
إذا ما الجرحُ رُمَّ على فَساد ٍ تبيّن فيه إهمال الطّيبِ6
وقال الشاعر:
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامَهُ إذا كنت تبنِيهِ وغيرُكَ يهدمُ
وقال تعالى: ï´؟اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَï´¾7.
وَمَنْ مَلك البلاد بغير حرْبٍ يهونُ علَيْه تسليمُ البلاد
للمطالعة
من شعرائنا: الشاعر العبدي الكوفي
وهو أبو محمَّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي. من شعراء أهل البيت الطاهرين، المتزلِّفين إليهم بولائه وشعره، المقبولين عندهم لصدق نيَّته وانقطاعِهِ إليهم، وقد تضمّن شعره غير يسيرٍ من مناقب مولانا أمير المؤمنين الشَّهيرة، وأكثرَ من مدحِه ومدحِ ذريَّته الأطيبين وأطاب، وتفجَّع على مصائبهم ورثاهم على ما انتابهم من المحن، ولم نجدْ في غير آلِ الله له شعراً. استنشده الإمام الصادق صلوات الله عليه شعره كما في رواية ثقة الإسلام الشيخ الكليني، بإسناده عن أبي داود المسترقّ عنه قال: "دخلت على أبي عبد الله عليه السلام فقال: قولوا لأم فروة: تجيءُ فتسمع ما صنع بجدها. قال: فجاءت فقعدت خلف الستر ثم قال: فأنشدنا. قال: فقلت: فر وجودي بدمعك المسكوب.
قال: فصاحت وصحن النساء.
عده شيخ الطايفة في رجاله من أصحاب الإمام الصادق ولم يك صحبته مجرد ألفة معه، أو محض اختلاف إليه، أو أن عصرا واحدا يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الود وخالص الولاء، وإيمان لا يشوبه أي شائبة حتى أمرالإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم وقال: إنه على دين الله. كما رواه الكشي في رجاله بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا معشر الشيعة علموا أولادكم شعر العبدي فإنه على دين الله.
وينم عن صدق لهجته، واستقامة طريقته في شعره، وسلامة معانيه عن أي مغمز، أمر الإمام عليه السلام إياه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي في رجاله (ص 254). وكان يأخذ الحديث عن الصادق عليه السلام في مناقب العترة الطاهرة فينظمه في الحال ثم يعرضه عليه كما رواه ابن عياش في "مقتضب الأثر" عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم؟! قال: هم الأوصياء من آل محمد الإثني عشر لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه. قال: فما الأعراف جعلت فداك؟! قال: كتائب من مسك عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلا بسيماهم. فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئا؟! فقال من قصيدة:
أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مَربعُ؟! وهلْ لليالٍ كُنَّ لي فيكَ مرجعُ؟!
يقول فيها:
وأنتم ولاةُ الحشرِ والنشرِ والجزاءِ وأنتمْ ليومِ المفزعِ الهولِ مفزعُ
وأنتم على الأعراف وهي كثائب من المسك ريّاها بكم يتضوّعُ
ثمانيةٌ بالعرش إذ يحملونه ومن بعدهم في الأرض هادون أربعُ
إن الواقف على شعر شاعرنا (العبدي) وما فيه من الجودة. والجزالة. والسهولة. والعذوبة. والفخامة. والحلاوة. والمتانة. يشهد بنبوغه في الشعر، وتضلعه في فنونه، ويعترف له بالتقدم والبروز9.
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى المجاز المرسل.
2- أن يدرك علاقات المجاز المرسل.
3- أن يحسن استخدام المجاز المرسل.
143
المجازُ المرسلُ:
عرفْنَا فيما مضَى أنَّ المجازَ الّلغويّ، إمّا أن تكون علاقته المشابهة فهو الاستعارة، وإمّا أن تكون علاقته غير المشابهة فهو المجاز:
يقولُ المتنبّي:
لَـهُ أَيـادٍ إِلَيَّ سابِـقَةٌ أُعَـدُّ مِنها وَلا أُعَـدِّدُهـا
قال ابن الزَّيات في رثاءِ زوْجه:
أَلاَ منْ رأى الطِّفْلَ المُفارقَ أمَّه بَعِيدَ الكَرى عَيْنَاهُ رويت
ويُنسبُ إلى السموأل:
تسِيلُ على حدِّ السُّيوفِ نُفوسُنَا وَلَيْسَ على غَيْر السُّيُوف تَسيلُ
وقال الشاعر:
أَلِمَّا على مَعْنٍ وَقولاَ لِقبرهِ سَقتْك الغواديَ مربعاً ثُمَّ مَرْبعا
وقال الشاعر:
لا أركبُ البحرَ أخشى عليَّ منهُ المعاطبْ
طينٌ أنا وَهْوَ ماءٌ والطينُ في الماء ذائبْ
وقال آخر:
وما مِنْ يدٍ إلا يَدُ اللهِ فَوْقَها ولاَ ظَالم إِلاَّ سيُبْلى بأَظْلَمِ
وقال المتنبي في ذم كافور:
إنّي نَزَلْتُ بكَذّابِينَ، ضَيْفُهُمُ عَنِ القِرَى وَعَنِ الترْحالِ محْدُودُ
وقال أيضاً:
رَأيتُكَ محْضَ الحِلْمِ في محْضِ قُدرَةٍ وَلوْ شئتَ كانَ الحِلمُ منكَ المُهنّدَا
للمطالعة
الشاعر العبدي الكوفي
الشريف وهو أبو محمَّد سفيان بن مصعب العبدي الكوفي. من شعراء أهل البيت الطاهرين عليهم السلام، المتزلِّفين إليهم بولائه وشعره، المقبولين عندهم لصدق نيَّته وانقطاعِهِ إليهم، وقد تضمّن شعره غير يسيرٍ من مناقب مولانا أمير المؤمنين عليه السلام الشَّهيرة، وأكثرَ من مدحِه ومدحِ ذريَّته الأطيبين وأطاب، وتفجَّع على مصائبهم ورثاهم على ما انتابهم من المحن، ولم نجدْ في غير آلِ الله له شعراً.
عدّه شيخ الطائفة في رجاله من أصحاب الإمام الصادق عليه السلام ولم يك صحبته مجرّد ألفة معه، أو محض اختلاف إليه، أو أن عصراً واحداً يجمعهما لكنه حظي بزلفة عنده منبعثة عن صميم الود وخالص الولاء، وإيمان لا يشوبه أي شائبة حتى أمرالإمام عليه السلام شيعته بتعليم شعره أولادهم وقال: إنّه على دين الله. كما رواه الكشي في رجاله بإسناده عن سماعة قال: قال أبو عبد الله عليه السلام: يا معشر الشيعة علّموا أولادكم شعر العبدي فإنّه على دين الله.
وينم عن صدق لهجته، واستقامة طريقته في شعره، وسلامة معانيه عن أي مغمز، أمر الإمام عليه السلام إياه بنظم ما تنوح به النساء في المأتم كما رواه الكشي في رجاله (ص 254). وكان يأخذ الحديث عن الصادق عليه السلام في مناقب العترة الطاهرة فينظمه في الحال ثم يعرضه عليه كما رواه ابن عياش في "مقتضب الأثر" عن أحمد بن زياد الهمداني قال: حدثني علي بن إبراهيم بن هاشم قال: حدثني أبي عن الحسن بن علي سجاده عن أبان بن عمر ختن آل ميثم قال: كنت عند أبي عبد الله عليه السلام فدخل عليه سفيان بن مصعب العبدي قال: جعلني الله فداك ما تقول في قوله تعالى ذكره: وعلى الأعراف رجال يعرفون كلا بسيماهم؟! قال: هم الأوصياء من آل محمد الإثني عشر لا يعرف الله إلا من عرفهم وعرفوه. قال: فما الأعراف جعلت فداك ؟ ! قال: كتائب من مسك عليها رسول الله والأوصياء يعرفون كلا بسيماهم. فقال سفيان: أفلا أقول في ذلك شيئا؟! فقال من قصيدة:
أيا ربعهم هل فيك لي اليوم مَربعُ؟! وهلْ لليالٍ كُنَّ لي فيكَ مرجعُ؟!
يقول فيها:
وأنتم ولاةُ الحشرِ والنشرِ والجزاءِ وأنتمْ ليومِ المفزعِ الهولِ مفزعُ
وأنتم على الأعراف وهي كثائب من المسك ريّاها بكم يتضوّعُ
ثمانيةٌ بالعرش إذ يحملونه ومن بعدهم في الأرض هادون أربعُ
إن الواقف على شعر شاعرنا (العبدي) وما فيه من الجودة. والجزالة. والسهولة. والعذوبة. والفخامة. والحلاوة. والمتانة. يشهد بنبوغه في الشعر، وتضلعه في فنونه، ويعترف له بالتقدم والبروز19.
والمَجَازُ العقليُّ غير اللغويّ، لأن الأخير يُستعمل فيه اللفظ في غير ما وُضع له ويراد غير ما وُضع له، بينما يُستعمل اللفظ في المجاز العقليّ فيما وُضع له.
فلو قلنا "بنى وزير التعليم العالي جامعةٌ" استعملنا فعل بنى في معناه، وكذلك كلمة الوزير، وأردنا منها دلالتهما الموضوعة، ولكننا سلكنا مسلك مجاز آخر هو الموسوم بالمجاز العقلي والذي يكون فيه المجاز في إسناد وبناء
157
الجامعة إلى الوزير، أي أنّنا ادّعينا في العقل أنّه الوزير, لأنّه الآمر بالبناء مسبِّبهُ هو الباني مع أنه ليس الباني حقيقة. وهذا يختلف عما لو استعملنا لفظ السبب في المُسَبّب وأردنا منه المُسَبِّب كما في المجاز اللغوي المرسل، حيث لا يعود الوزير مستعملاً في الموضوع له.
والعقل هو القرينة على هذا المجاز العقلي وهذا الادعاء والتنزيل، وهذا المجاز في الإسناد, لأن الوزير يستحيل في العادة أن يبنيَ جامعةً وحده، بل هو لا يشارك في بنائها في العادة إلا رمزياً بوضع حجر الأساس، بل رجاله من مهندسين وعُمال هم الذين قاموا بهذا العمل، وإسناد البناء إليه مجاز عقليّ وإسناد للفعل إلى غير صاحبه. ولِهَذَا النَّوعِ مِنَ المَجَازِ علاقاتٌ مختلفةٌ باختلافِ الإسنادِ سنوضِّحُهَا مِنْ خِلَالِ الأمثِلَةِ الآتيةِ: 1- علاقة السببية: يقولُ اللهُ سبحانَهُ حِكَايَةً عَنْ فِرعَونَ: ï´؟وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَّعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَï´¾4.
فِي هَذِهِ الآيةِ نجدُ يُشبه في تحليله المثل السابق, فالفعلُ "ابنِ" أسنِدَ إلَى غيرِ فاعِلِهِ الحقيقيّ, فإنَّ هَامَانَ - وهُوَ الوزيرُ والمستشارُ - لَا يَقومُ بِفعلِ البِنَاءِ بنفسِهِ, وإنَّمَا مَنْ يَقُومُ بالفعلِ هُمُ العمَّالُ والبنَّاؤونَ, وهُوَ مَنْ يُعطِي الأَمرَ, ولكنْ لمَّا كانَ هَذَا الوزيرُ سَبَباً فِي بِنَاءِ الصَّرحِ, أُسنِدَ الفعلُ إليهِ, فعلاقَةُ هَامَانَ بالبِنَاءِ علاقَةٌ سَبَبِيَّةٌ, ولأنَّ الفِعلَ - هنَا - أُسنِدَ إِلَى سَبَبِهِ, وَهَذَا الإِسنَادُ غيرُ حقيقيّ, لأنَّ الإسنَادَ الحقيقيّ هُوَ إسنَادُ الفِعْلِ إلَى فَاعِلِهِ الحقيقيّ, فالإسنادُ هَذَا مَجَازِيٌّ, ويُسَمَّى بـ "المجاز العقلي".
4- علاقة المصدرية: يقولُ أبُو فِراسٍ الحَمْدَانِيُّ:
سَيَذكُرُني قَومي إِذا جَدَّ جِدُّهُم وَفي اللَيلَةِ الظَّلماءِ يُفتَقَدُ البَدرُ
فقد أسندَ الجِدَّ إلى الجِدِّ، أي الاجتهادِ، وهو ليسَ بفاعلِ له، بل فاعلُه الجادُّ - فأصله جدَّ الجادُّ جدًّا، أي اجتهدَ اجتهاداً، فحذفَ الفاعلَ الأصليَّ وهو الجادُّ، وأسندَ الفعلَ إلى الجِدِّ وهو مصدرُ الفاعلِ الحقيقيّ, ولِهَذَا كانت علاقة الإسنادَ المجازيَّ هُنَا هي "المصدريةٌ".
5- علاقة الفاعلية: يقولُ اللهُ - تَعَالَى-: ï´؟وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِالآخِرَةِ حِجَابًا مَّسْتُورًاï´¾8.
الحِجَابُ فِي أَصلِهِ سَاتِرٌ, وليسَ مَستُوراً, وهنا نقولُ: أُسنِدَ الوَصْفُ المبنيُّ للمَفعولِ إلَى الفَاعِلِ, وكان حقّه أن يُسْنَدَ الى المفعول: لأن اسم المعفول يطلب نائب فاعل أي: مفعولاً، لا فاعلاً، فإذا أُسند إلى الفاعل كانَ هَذَا مَجَازاً عَقليَّاً عَلاقَتُهُ "الفاعليَّةُ". ومثلُ الآيةِ المبارَكَةِ قولُهُ - تَعَالَى-: ï´؟إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّاï´¾9.
6- علاقة المفعولية: يقول الله -تعالى-: ï´؟أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًاï´¾10.
الحرمُ لَا يكونُ آمِنَاً, لأنَّ الإحسَاسَ بالأمنِ مِنْ صفاتِ الأحياءِ, وإنَّمَا هُوَ مأمونٌ فيه, فاسمُ الفَاعِلِ - هنَا - أسنِدَ إلَى المفعولِ, وهَذَا مَجَازٌ عَقليٌّ عَلَاقَتُهُ "المفعوليَّةُ"11.
160
القواعد الرئيسة
1- المجاز العقلي هو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له لعلاقة مع قرينة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي.
2- الإسناد المجازي يكون إلى سبب الفعل أو زمانه أو مكانه أو مصدره أو بإسناد المبني للفاعل إلى المفعول أو المبني للمفعول إلى الفاعل.
تمارين
وضّح المجاز العقلي فيما يأتي وبين علاقته وقرينته:
- قال تعالى: ï´؟أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًاï´¾12
كان المنزلُ عامراً وكانَت حجرُهُ مضيئةً
عظمتْ عظمَتُهُ وصَالتْ صولتُه
لقد لمتِنَا يا أمَّ غيلانَ فِي السُّرَى ونمتِ وما لَيْلُ المَطّيِّ بنائِمِ
ضربَ الدهرُ بينهم وفرَّق شملَهم
والهمُّ يَختَرِمُ الجسيمَ نحافةً ويُشيبُ ناصيةَ الصبيِّ ويُهرِمُ
فبتُّ كأنِّي ساوَرَتنِي ضئيلةٌ مِنَ الرُّقشِ فِي أنيابِها السُّمُّ ناقعُ
بلاغةُ المجازِ المرسلِ والمجازِ العقليِّ15
فوائد بلاغية للمجازين المرسل والعقلي:
إنَّ للمجازِ المرسل، على أنواعه، وكذلك العقليِّ، على أقسامه، فوائدَ كثيرةً منها:
1- الإيجاز، فإنَّ قوله: بنَى الأميرُ المدينةَ أوجزُ من ذكر البَنّائينَ والمهندسينَ ونحوهِما، ونحوه غيره.
2- سعةُ اللفظِ وطرق التعبير، فإنه لو لم يجزْ إلا جرَى ماءُ النهرِ كان لكلِّ معنَى تركيبٌ واحدٌ، وهكذا بقيّةُ التراكيب.
3- إيرادُ المعنى في صورةٍ دقيقةٍ قريبة إلى الذهنِ، إلى غير ذلك من الفوائدَ البلاغيةِ.
4- المبالغة الموجودة، ففي إسناد بناء الجامعة إلى الوزير، مبالغة لطيفة.
5- جمالية الدقة في اختيار العلاقة.
إذا تأمّلت أنواع المجاز المرسل والعقلي رأيت أنّها في الغالب تؤدّي المعنَى المقصود بإيجاز، فإذا قلت:"هزمَ القائدُ الجيشَ" أو "قرّرَ المجلس كذا" كان ذلك أوجزَ من أنْ تقول: "هزمَ جنودُ القائد الجيش"، أو "قرّر أهل المجلس كذا"، ولا شكَّ أنَّ الإيجاز ضربٌ من ضروب البلاغة. وهناك مظهر آخر للبلاغة في هذين المجازين هو المهارة في تخيّر العلاقة بين المعنى الأصلي والمعنى المجازيِّ، بحيث يكون المجاز مصوّراً للمعنى المقصود خير تصوير كما في إطلاق العين على الجاسوس، والأذن على سريع التأثّر بالوشاية. والخفِّ والحافر على الجمال والخيل في المجاز المرسل، وكما في إسناد الشيء إلى سببه أو مكانه أو زمانه في المجاز العقلي،فإنّ البلاغة توجبُ أنْ يختار السبب القوي والمكان والزمان المختصّين.
وإذا دقّقتَ النظر رأيت أنَّ أغلب ضروب المجاز المرسل والعقلي لا تخلو من مبالغة بديعة ذات أثر في جعل المجاز رائعاً خلّاباً، فإطلاقُ الكلِّ على الجزء مبالغة ومثله إطلاق الجزء وإرادة الكلّ، كما إذا قلت: "فلان فم" تريد أنّه شره يلتقم كلَّ شيء. أو "فلانٌ أنفٌ" عندما تريد أن تصفه بعظم الأنف فتبالغ فتجعله كلّه أنفاً. وممّا يؤثر عن بعض الأدباء في وصف رجل أنافيٍّ16 قوله: "لست أدري أهو في أنفه أمْ أنفهُ فيه".
وتنقسمُ الكنايةُ بحسبِ المعنَى الَّذي تُشيرُ إليهِ إِلَى ثلاثةِ أقسامٍ:
والكناية وسط بين الحقيقة والمجاز، فليست مجازاً وليست حقيقة, وذلك لأنها يُستعمل فيها اللفظ في معناه الحقيقي الموضوع، أو الالفاظ - إن كانت الكناية مركبة من ألفاظ - في معانيها الموضوعة لها، فتختلف بهذا عن المجاز اللغوي، ولكننا لا نريد من هذه الألفاظ معانيها الحقيقية، بل نريد لازم تلك المعاني، وبهذا تختلف الكناية عن الحقيقة.
أولاً: الكناية عن صفة: نَقْرَأُ كلامَ الخنساءِ3, تِلكَ الشَّاعرةَ البَاكِيَةَ المفجوعَةَ تَرثِي أخَاهَا بأعذَبِ الأَبيَاتِ, وتَختَصِرُ مآثِرَهُ ببيتٍ حَمَلَ الكَثِيرَ, فَتَقُولُ:
طويلُ النِّجادِ رَفِيعُ العِمَادِ كثيرُ الرَّمَادِ إذا مَا شَتَا
وهَذِهِ الكنايةُ نوعانِ:
أ- إمَّا أنْ يكونَ ذو النِّسبةِ مذكوراً فِيهَا، كقولِ الشَّاعِرِ12:
الْيُمْنُ يَتْبَعُ ظلَّهُ والمجدُ يمشي في ركابه
ب- وإمَّا أنْ يكونَ ذو النِّسبةِ غيرَ مذكورٍ فِيهَا: كقولِناَ: خيرُ الناسِ مَنْ يَنفعُ النَّاسَ، كنايةً عَنْ نَفي الخيريَّةِ عَمَّنْ لَا ينفعُهم. وكقولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"13.
172
القواعد الرئيسة
1- الكنايةُ لفظٌ أُطلقَ وأريدَ به لازمُ معناهُ مع جوازِ إرادة ذلك المعنَى.
2- تنقسمُ الكنايةِ باعتبارِ المَكْنِيِّ عنه ثلاثةَ أقسامٍ، فإنَّ المَكْنِيِّ عنه قد يكون صفةً، وقد يكون موصوفاً، وقد يكون نسبةً.
- قال أبو نواس:
فلما شَربناها ودَبَّ دبيبُها إلى مَوْضع الأسْرار قلتُ لها قفي
- وقال المعريُّ في السيف:
سليلُ النار دقَّ ورقَّ حتى كأنّ أباه أورثَهُ السُّلالا
- كبرتْ سنُّ فلانٍ وجاءهُ النذيرُ.
- سئلَ أعرابيٌّ عن سببِ اشتعال شيبهِ، فقال: هذا رغوةُ الشبابِ.
- وسئلَ آخرُ، فقال: هذا غبارُ وقائعِ الدهرِ.
3- بيّنِ النسبةَ التي تلزم كلَّ كناية من الكنايات الآتية:
- قال أعرابيٌّ: دخلتُ البصرةَ، فإذا ثيابُ أحرارٍ على أجسادِ العبيدِ.
- وقال في مدح كافور:
إنّ في ثَوْبِكَ الذي المَجْدُ فيهِ لَضِيَاءً يُزْري بكُلّ ضِيَاءِ
للمطالعة
بلاغةُ الكِنايةِ 16:
الكنايةُ مَظهرٌ من مظاهر البلاغةِ، وغايةٌ لا يصل إليها إلّا من لطف طبعُه، وصفتْ قريحتُه، والسرُّ في بلاغتها أنّها في صور كثيرةٍ تُعطيك الحقيقةَ، مصحوبةً بدليلها، والقضيةً وفي طيِّها برْهانها، كقول البحتري في المديح:
يَغضُّونَ فَضْلَ اللّحظِ مِن حَيثُ ما بدا لهمْ عَنْ مَهيبٍ، في الصّدورِ، مَحبَّبِ
فإنّه كَنَى عن إكبار الناس للممدوحِ، وهيبتِهم إيّاه، بغضِّ الأبصارِ الّذي هو في الحقيقة برهانٌ على الهيبة والإجلالِ، وتظهرُ هذه الخاصّةُ جليّةً في الكناياتِ عن الصفةِ والنسبةِ.
ومن أسباب بلاغةِ الكنايات أنّها تضعُ لكَ المعاني في صورة المحسوساتِ، ولا شكَّ أنّ هذه خاصّةُ الفنون، فإنَّ المصوّرَ إذا رسم لك صورةً للأملِ أو لليأسِ، بهرَكَ وجعلكَ ترى ما كنتَ تعجزُ عن التعبير عنه واضحاً ملموساً، فمثلُ كثيرِ الرمادِ في الكناية عن الكرمِ، ورسول ُالشرِّ، في الكنايةِ عن المزاحِ.
ومن خواصِّ الكنايةِ: أنّها تُمكّنُك منْ أنْ تَشْفيَ غلَّتَك منْ خصمِك منْ غيرِ أنْ تجعلَ له إليك سبيلاً، ودون أنْ تخدشَ وجهَ الأدب، وهذا النوعُ يُسمَّى بالتعريضِ، ومثالُه قولُ المتنبّي في قصيدة، يمدحُ بها كافوراً:
فِراقٌ وَمَنْ فَارَقْتُ غَيرُ مُذَمَّمِ
وَمَا مَنزِلُ اللّذّاتِ عِندي بمَنْزِلٍ
سَجِيّةُ نَفْسٍ مَا تَزَالُ مُليحَةً
رَحَلْتُ فكَمْ باكٍ بأجْفانِ شَادِنٍ
وَمَا رَبّةُ القُرْطِ المَليحِ مَكانُهُ بـ
فَلَوْ كانَ ما بي مِنْ حَبيبٍ مُقَنَّعٍ
رَمَى وَاتّقى رَميي وَمن دونِ ما اتّقى
إذا ساءَ فِعْلُ المرْءِ ساءَتْ ظُنُونُهُ
وَأَمٌّ وَمَنْ يَمّمْتُ خيرُ مُيَمَّمِ
إذا لم أُبَجَّلْ عِنْدَهُ وَأُكَرَّمِ
منَ الضّيمِ مَرْمِيّاً بها كلّ مَخْرِمِ
عَلَيّ وَكَمْ بَاكٍ بأجْفانِ ضَيْغَمِ
ـأجزَعَ مِنْ رَبّ الحُسَامِ المُصَمِّمِ
عَذَرْتُ وَلكنْ من حَبيبٍ مُعَمَّمِ
هوًى كاسرٌ كفّي وقوْسي وَأسهُمي
وَصَدَّقَ مَا يَعتَادُهُ من تَوَهُّمِ
فإنّه كَنَى عن سيف الدولة، أوّلا: بالحبيبِ المعمّم، ثمّ وصفه بالغدرِ الّذي يدّعي أنّه من شيمةِ النساءِ، ثمّ لامه على مبادهته بالعدوانِ، ثمّ رماه بالجبنِ, لأنّه يرمي ويتّقي الرمي بالاستتارِ خلف غيره، على أنَّ المتنبّي لا يُجازيه على الشرِّ بمثله, لأنّه لا يزال يحمل له بين جوانحه هوًى قديماً، يكسرُ كفّه وقوسه، وأسهمه، إذا حاول النِّضَال، ثمّ وصفه بأنّه سيّءُ الظنِّ بأصدقائهِ, لأنّه سيّءُ الفعل كثيرُ الأوهام والظنون، حتّى ليظنَّ أنَّ الناس جميعاً مثلَه في سوءِ الفعل، وضعفِ الوفاء. فانظر كيف نالَ المتنبّي من هذا، ومن أوضح مميّزات الكنايةِ التعبيرُ عن القبيح بما تُسيغُ الآذانُ سماعَه، وأمثلة ذلك كثيرة جدّاً في القرآن الكريم وكلام العربِ، فقد كانوا لا يُعبّرون عمّا لا يحسنُ ذكره إلّا بالكنايةِ، وكانوا لشدّة نخوتهِم يكنّونَ عن المرأة بالبيضةِ والشاةِ.
ومن بدائع الكنايات قولُ بعض العرب:
أَلاَ يا نَخْلةً مِنْ ذَاتِ عِرْقٍ عَلَيْك وَرَحْمَةُ اللهِ السّلامُ
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الخبر وفائدته البلاغية.
2- أن يدرك بيان الأغراض التي يُستخدم فيها الخبر.
181
الخَبَرُ:
تعريف الخبر:
كلامٌ يحتملُ الصدقَ والكذبَ لذاتهِ، وإن شئتَ فقل: "الخبرُ هو ما يتحقّقُ مدلولهُ في الخارجِ بدون النطقِ به" نحو: العلمُ نافعٌ. فقد أثبتنا صفةَ النفعِ للعلم، وتلكَ الصفةُ ثابتةٌ له، سواءٌ تلفظتَ بالجملةِ السابقة أمْ لم تتلفظْ, لأنَّ نفعَ العلمِ أمرٌ حاصلٌ في الحقيقةِ والواقعِ، وإنما أنتَ تحكي ما اتفقَ عليه الناسُ قاطبةً، وقضَتْ به الشرائعُ، وهُدِيتْ إليه العقولُ، بدونِ نظر ٍإلى إثباتٍ جديدٍ.
فهُوَ يُخبِرُ عَنْ نفسِهِ بأنَّه قانِعٌ راضٍ بحالِهِ الَّتي هُوَ فِيهَا, فَليسَ مِنْ عادتِهِ أنْ يَتَطَلّعَ مستشرِفَاً إلَى مَا هُوَ آتٍ, وَلَيسَ مِنْ دَأبِهِ أنْ يَندَمَ عَلَى مَا فَاتَ, ومِنَ المحتَمَلِ أنْ يَكونَ كاذِبَاً غيرَ صادقٍ. الأغراضُ الَّتي مِن أَجلِهَا يُلقَى الخَبَرُ4
الأصلُ في الخبر أن يلقَى لأحدِ غرضينِ:
1- إمَّا إفادةُ المخاطبِ الحكمَ الَّذي تضمنتْهُ الجملةُ، إذَا كان جاهلاً له، ويسمَّى هذا النوع ُ "فائدةُ الخبرِ"نحوُ قولِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم - لأصحابِهِ -: "الدِّينُ النصيحةُ، قُلنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: للهِ، ولكتابهِ، ولرسولهِ، ولأئمةِ المسلمينَ، وعامتِهِم"5.
2- وإمَّا إفادةُ المخاطبِ أنَّ المتكلمَ عالمٌ أيضاً بأنهُ يعلمُ الخبرَ، كما تقولُ لتلميذٍ أخفَى عليكَ نجاحَه في الامتحانِ - وعلمتَه من طريقٍ آخرَ: "أنتَ نجحتَ في الامتحانِ"، ويسمَّى هذا النوعُ "لازمَ الفائدةِ"، لأنَّه يلزم ُ في كلِّ خبرٍ له هذا الغرض أن يكونَ المخبَرُ به عنده علمٌ أو ظَن بهِ.
3- وقد يخرجُ الخبرُ عن الغرضينِ السابقينِ إلى أغراضٍ أخرى تُستفادُ بالقرائنِ، ومنْ سياقِ الكلامِ.
184
أهمُّهَا:
أ- الاسترحامُ والاستعطافُ، كقولِ أميرِ المؤمنينَ علي عليه السلام فِي دعاءِ كُمَيْلٍ: "يا سَيِّدِي فَكَيْفَ بي وَاَنَا عَبْدُكَ الضَّعيـفُ الـذَّليـلُ الْحَقيـرُ الْمِسْكيـنُ الْمُسْتَكينُ"6.
ب- إظهارُ الضعفِ والخشوعِ، كقولهِ تعالى على لسانِ النبّي زكريّا عليه السلام: ï´؟قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُن بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّاï´¾7.
ج- إظهارُ التحُّسرِ على شيءٍ محبوبٍ كقولِهِ - تَعَالَى- عَلَى لسانِ أمِّ مريمَ عليها السلام: ï´؟قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنثَىï´¾8.
- قال الشاعر:
مَضَت الليالي البيضُ في زَمَن الصِّبا وَأَتَى الْمَشِيبُ بِكَل يوْم أَسْودِ
- قال مروانُ بْنُ أبي حَفْصَةَ من قصيدة طويلة يَرثي بها مَعْنَ بن زائدةَ:
مَضَى لِسَبِيلِهِ مَعْنٌ وأبْقَى
كَأَنَّ الشَّمْسَ يومَ أُصِيبَ مَعْنٌ
هَوَى الجَبَلُ الذي كانَتْ نِزارٌ
فإن يَعْلُ البِلادَ به خُشُوعٌ
أصَابَ الموْتُ يَوْمَ أصاب
وكانَ النّاسُ كلُّهُمُ لمَعْنٍ،
مَحامِدَ لَنْ تَبِيدَ ولَنْ تُنالا
مِن الإظْلامِ مُلْبَسَةٌ جلالا
تَهُدُّ مِن العَدُوِّ به الجِبالا
فقَدْ كانَتْ تَطُولُ به اخْتِيالا
مَعْناً مِنَ الأَحياءِ أكْرَمَهُمْ فَعالاَ
إلى أنْ زارَ حُفْرَتَهُ، عِيالا
- وقال أبو العتاهية قبل موته:
إلهي لا تعذبني فإني
فما ليَ حيلةٌ إلا رجائي
وكمن مِنْ زَلْةٍ لي في الخطايا
إذا فكرتُ في نَدَمي عليها
أجنُّ بزهرة الدنيا جنوناً
ولو أنِّي صدقتُ الزهدَ عنها
يظنُّ الناسُ بي خيراً وإني
مقرٌّ بالذي قد كانَ مني
لعفوكَ إن عفوت وحُسْنَ ظني
وأنت عليَّ ذو فضل ومَنِّ
عضضت أناملي وقَرَعْتُ سني
وأقطع طول عمري بالتمنّي
قلبتُ لأهلها ظهرَ المجنِّ
لَشَرُّ الناس إن لم تعف عني
من شعرائنا: ابن العرندس17 الشيخ صالح بن عبد الوهاب بن العَرَنْدَس الحِلِّي الشهير بابنِ العَرَنْدَسِ، أحد أعلام الشيعة ومن علمائها و مؤلفيها في الفقه والأصول، وله مدائح ومراث لأئمّة أهل البيت عليهم السلام تنمّ عن تفانيه في ولائهم ومناوءته لأعدائهم. عقد له العلّامة السَّمَاوِيّ في "الطليعة" ترجمة أطراه فيها بالعلم والفضل والتُّقَى والنُّسْك و المشاركة في العلوم. وأشفعَ ذلك الخطيبُ الفاضلُ اليعقوبيّ في "البابليات" وأثنى عليه ثناء جميلاً، وذكر في "الطليعة" أنّه توفي حدود 840 هـ بالحلّة الفيحاء ودفن فيها وله قبر يزار ويتبرك به. كان ابن العرندس يحاول في شعره كثيراً الجناس على نمط الشيخ علاء الدِّين الشفهيني وتعلوه القوّة والمتانة، ويُعرب عن تضلّعه من العربية واللغة. ومن شعره رائية اشتهر بين الأصحاب أنّها لم تقرأ في مجلس إلّا وحضره الإمام الحجّة المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف، منها:
وقفـتُ على الدار التي كنتُـمُ بها
وسالت عليها من دموعِيْ سحائبٌ
فَراقَ فِراقُ الروح لِيْ بَعْدَ بُعدِكُـمْ
وقد أقلعتْ عنها السحابُ ولم يُجد
إمامُ الهدى سِبْطُ النبوّةِ والدُ الأئمة
إمامٌ أبوه المُرْتَضَى عَلَمُ الهُـدَى
إمامٌ بَكَتْهُ الإنْسُ والجِنُّ والسَّـمَا
له القُبَّةُ البيضاءُ بالطَّـفِّ لم تَزَلْ
وفيـهِ رسـولُ اللهِ قالَ وقولُـهُ
حُبِـيْ بثلاثٍ ما أحـاطَ بِمِثْلِـهَا
له تُرْبَـةٌ فيـها الشِّـفَاءُ وَقُبَّـةٌ
وذُرِّيَّـةٌ دُرِّيَّـةٌ منــهُ تِسْـعَةٌ
أيُقْتَـلُ ظَمْآناً حُسَـيْنٌ بِكَرْبَـلَا
ووالدُهُ السَّاقِي على الحَوْضِ في
فَمَغْنَاكُـمُ من بَعـد مَعْنَـاكُـمُ فَقْـرُ
إلى أن تَرَوَّى البانُ بالدَّمْعِ والسِّـدْرُ
ودارَ برسـمِ الدارِ في خاطِرِي الفِكْرُ
ولا دَرُّ مِنْ بعـدِ الحسـينِ لهـا دَرُّ
ربُّ النُّـهَى مـولـىً لـه الأمْـرُ
وصيُّ رسولِ اللهِ والصِّنْوِ والصِّهْـرُ
وَوَحْشُ الفَلَا والطَّيْرُ والبَرُّ والبَحْـرُ
تَطُـوفُ بِهَا طَـوْعاً ملائكـةٌ غُـرُّ
صحيحٌ صـريحٌ ليسَ في ذلِكُـمْ نَكْرُ
وليٌّ فَمَنْ زَيْدٌ هـناكَ وَمَنْ عَمْـرُو
يُجَابُ بها الدَّاعِي إذا مَسَّـهُ الضُّـرُّ
أَئِمَّـةُ حَـقٍّ لا ثَمَـانٍ ولا عَشْــرُ
وفي كلِّ عضـوٍ مِنْ أناملِـهِ بَحْـرُ
غَدٍ وفاطمـةٌ ماءُ الفُـرَاتِ لها مَهْـرُ
فـ "شقيقٌ" رَجلٌ لا يُنكرُ رماحَ بني عمّه، ولكنَّ مجيئهُ على صورةِ المُعْجَبِ
198
بشجاعتهِ، واضعاً رُمحَه على فخذيهِ بالعرضِ - وهو راكبٌ - أو حَاملاً له عرضاً على كتفهِ في جهةِ العدُوِّ بدون اكتراثهِ به، بمنزلةِ إنكارهِ أنَّ لبني عمّهِ رماحاً، ولنْ يجدَ منهم مُقاوماً له، كأنَّهم كلَّهم في نظرهِ عزّل، ليسَ مع أحد منهم رمحٌ. فَأُكِّدَ له الكلامُ، وخُوطبَ خطابَ المنكر.
لِلْمخَاطِبِ ثَلاَثُ حالاتٍ23:
1- أَن يَكونَ خاليَ الذِّهْنِ مِنَ الحُكْمِ، وفي هذه الحال يُلْقَى إلَيْهِ الخبَرُ خالياً مِنْ أدواتِ التوٍ كيد، ويُسَمَّى هذا الضَّرْبُ من الخَبر ابتدائيّا.
2- أن يِكونَ مُترَدِّدا في الحكُمِ طالباً أَنْ يَصِلَ إلى اليقين في معرفَتهِ، و في هذه الحال يَحْسُنُ توكيده له لِيَتَمَكنَ مِنْ نفسه، ويُسَمَّى هذا الضَّرب طلبيًّا.
3- أَنْ يَكون مُنْكرًا لهُ، وفى هذه الحال يَجبُ أَنْ يُؤَكَّدَ الْخَبَر بمؤكِّدٍ أَوْ أَكْثَرَ على حَسب إِنكاره قوّةً وضَعْفاً، وَيُسَمَّى هذا الضَّرْبُ إِنكاريًّا.
4- لِتَوْكِيدِ الخَبَرِ أدواتٌ كثيرَةٌ منها إِنّ، والقَسمُ, ولاَمُ الابْتِدَاء، ونُونَا التَّوْكيدِ، وأَحْرُفِ التَّنْبيه، و الْحُرُوفُ الزَّائِدَةُ، وقَدْ قبل الفعل الماضي, وضمير الفصل.
5- إِذَا ألقيَ الْخَبَرُ خالِياً من التَّوْكِيدِ لخالي الذِّهْن، ومؤَكَّدا استحسانا للسائل المُتَردِّدِ، و مؤكدًا وُجُوباً لِلْمُنكِر، كان ذلك الخبرُ جارياً عَلَى مُقْتَضى الظَّاهِر.
6- قد يَجْري الخَبَرُ عَلَى خلافِ ما يَقْتَضِيهِ الظَّاهِرُ لاعتبارات يَلْحَظها المتكَلِّمُ ومنْ ذلك ما يأتي:
أ- أَنْ يُنَزَّلَ خاليَ الذِّهْن مَنْزلَةَ السائل المُتَرَدِّدِ، إذَا تَقَدَّمَ في الكلام ما يُشِيرُ إِلى حُكْمِ الخَبَرِ.
ب- أَنْ يُجْعلَ غَيْرُ الْمُنْكرِ كالْمُنْكِر، لِظُهور إمارات الإِنكار عَلَيْهِ.
ج- أَنْ يُجْعَلَ الْمُنْكِرُ كغَيرِ المنكر، إن كانَ لدَيْهِ دَلائلُ وشَوَاهِدُ لَوْ تأملها لارْتَدَعَ عَنْ إِنْكارهِ.
تمارين
1- بيِّن أَضربَ الخبر فيما يأتي وعَيّنْ أَداة التوكيد:
- يقول أمير المؤمنين عليّ عليه السلام: "الدَّهرُ يُخْلِقُ الاْبْدَانَ، وَيُجَدِّدُ الاْمَالَ، وَيُقَرِّبُ الْمَنِيَّةَ، ويُبَاعِدُ الأُمْنِيَّةَ، مَنْ ظَفِرَ بِهِ نَصِبَ، ومَنْ فَاتَهُ تَعِبَ"24.
- قال الأرجاني:
ذَهَبَ التكَرُّم وَالوَفَاءُ مِنَ الوَرَى وتصَرَّمَا إلا منَ الأشعارِ
وفَشَتْ خِياناتُ الثِّقاتِ وغَيْرِهِمْ حتى اتهَمْنَا رؤْيَةَ الأبْصارِ
- وقال العبَّاس بن الأَحْنَف:
فأُقِسمُ ما تركي عِتابَكِ عنْ قِلىً ولكنْ لِعِلْمِيْ أنّهُ غيرُ نافعِ
- وقال محمّد بن بشير:
إنى وإنْ قصُرَتْ عن همتي جِدَتِي وكان ماليَ لاَ يَقْوَى عَلَى خُلُقِيْ
لَتَارِكٌ كلَّ أمرٍ كان يُلْزِمُنِيْ عارًا وَيُشْرعُنِي في المَنْهَلِ الرَنِقِ
- قال - تعالى -: ï´؟أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللّهِ لاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَï´¾25.
- قال أبو نُوَاس:
ولقد نَهَزْتُ مع الغُوَاةِ بِدَلْوِهِمْ وَأَسَمْتُ سَرْحَ اللَّهْوِ حيثُ أَسَامُوا
وبَلَغْتُ ما بَلَغَ امرؤٌ بِشَبَابِهِ، فإذا عُصَارَةُ كلِّ ذاكَ أَثَامُ
- وقال أعرابيٌّ:
ولَمْ أَر كالمَعْرُوفِ، أمَّا مَذاقُهُ، فَحُلْوٌ، وأما وجْهُهُ، فَجَمِيلُ
- وقال كَعْب بن سعدٍ الغَنَوِيّ:
ولستُ بُمبدٍ للرجالِ سَرِيرَتي ومَا أنَا عَنْ أسرارِهِمْ بِسَؤلِ
- وقال المَعَرِّيُّ في الرثاء:
إنَّ الذي الوَحْشَةُ في دارِهِ تُؤْنِسُهُ الرَّحمةُ فِي لَحْدِهِ
2- بين وجه خروج الخبر عن مقتضى الظاهر في كل مثال من الأمثلة الآتية:
- قال - تعالى -: ï´؟وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْï´¾27.
- إِنَّ الفراغ لَمَفْسدةٌ (تقوله لمنْ يعرفُ ذلك ولكنه يَكره العمَلَ).
- العلم نافعٌ (تقول ذلك لمن ينكر فائدة العلوم).
- قال أبو الطَّيِّب:
تَرَفّقْ أيّهَا المَوْلَى عَلَيهِمْ فإنّ الرّفْقَ بِالجانِيْ عِتَابُ
للمطالعة
من شعرائنا المعاصرين: الشيخ أحمد الوائلي30
الشيخ أحمد ابن الشيخ حسون بن سعيد بن حَمُّود. عالم بارز وخطيب وكاتب وأديب شاعر. ولد في النجف الأشرف في 17 ربيع الأوّل سنة 1347 هـ / 1927 م، وتتلمذ على أبيه الخطيب الشاعر، وعلى غيره ثمّ التحق بجمعيّة منتدى النشر متدرّجاً في مناهجها، ثمّ أكمل خارجها مراحل الدراسة الحوزوية العالية على يد أساتذة النجف ومجتهديها المشهورين، ثمّ ساهم في المنهج الإصلاحيّ يومذاك. ضمّ إلى جانب ذلك الدراسة المنهجيّة الأكاديمية منتهياً بالحصول على شهادة الدكتوراه من جامعة القاهرة.
يتميّز شعر الأستاذ الوائلي بفخامة الألفاظ وبريق الكلمات وإشراقة الديباجة، فهو يُعْنَى كثيراً بأناقة قصائده، وتلوين أشعاره بريشة مترفة.
لذلك فهو شاعر محترف مجرّب، ومن الرعيل الأوّل المتقدّم من شعراء العراق. وهو شاعر ذو لسانين فصيح ودارج، وأجاد وأبدع بكليهما، وهي بحقّ من عيون الشعر الشعبي كقصيدة (حمد)، وقصيدة (سيارة السهلاني)، وقصيدة (شُّبَّاك العباس)، وقصيدة (سوق ساروجه)، وقصيدة (داخل لندن)، وقصيدة (وفد النجف)، وكلّها من القصائد الرائعة. ويجري الشعر على لسانه مجرى السهل الممتنع، بل يرتجله ارتجالاً.
وللوائلي دواوين صغيرة مطبوعة تحت عنوان الديوان الأوّل والديوان الثاني من شعر الشيخ أحمد الوائلي، وقد جمعت بعض قصائده الّتي تنوّعت في مضامينها في ديوانه المسمّى باسم (ديوان الوائلي)، والّتي كانت من غرر أشعاره في المدح، والرثاء، والسياسة. ومن شعره في أهل البيت قصيدة في رثاء أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم تطبع كغيرها في ديوان شعره مطلعها:
أَفِيـــــضِيْ فَـــبَرْدُ الليلِ مدَّ حواشِيهِ وعُــبِّيْ فــــؤادُ الكرمِ رَاقَتْ دَوَالِيهِ
وهي أكثر من أربعين بيتاً طُبعت في كتاب شعراء الغَرِيّ للخاقاني مع مجموعة أخرى من شعره القديم.
وله قصيدة في الامام الحسين عليه السلام:
الجراحاتُ والدَّم المطلولُ أينعتْ فالزَّمانُ منها خَميْلُ
ومضتْ تُنْشِئُ الفُتُـوحَ وبعضُ فيما يُعْطِيهِ فَـتْحٌ جَلِيْلُ
والدَّمُ الحـُـرُّ ماردٌ يُنبئُ الأحـرارَ والثائرينَ: هـذا السبيلُ
وحديثُ الجِرَاحِ مَجْدٌ وَأَسْمَى سِيرِالمجدِ ما رَوَتْهُ النُّصُولُ
ثمّ عُذْراً إنْ تِهتُ يا دَمُ، يا جُرْحُ، فقدْ أسكرَ البيانَ الشَّمُولُ
- وقال آخر:
يا ليتَ منْ يمْنَع المعروفَ يَمْنعُهُ حتى يذوقَ رجالٌ غِبَّ ما صنعوا
- وقال دِعْبلُ الخُزاعيُّ:
ما أكْثر النَّاسِ! لا بلْ ما أقَلَّهُمُ! اللهُ يَعلَمُ أَنّي لَم أَقُلْ فَنَدا
إنِّي لأفْتَحُ عيني حِين أفتَحُها على كثير ولكنْ لا أرى أَحدا
2- حدّد صيغ الامر في الأبيات الآتية ومفاد كل واحد منها:
- قال المتنبي:
وَكُنْ عَلى حَذَرٍ للنّاسِ تَسْتُرُهُ وَلا يَغُرَّكَ مِنهُمْ ثَغْرُ مُبتَسِمِ
- وقال علي الجارم:
يا خَلِيلَيَّ خَلِّيانِي وَما بِي أَوْ أعِيدَا إِلَيَّ عَهْدَ الشَّبابِ
- وقال عنترة:
يا دَارَ عَبْلَةَ بالْجِواءِ تَكَلَّمِي وعِمِي صَباحاً دَارَ عَبْلَةَ واسْلَمِي
- قال مسلم بن الوليد:
اسْلَمْ يزيدُ فَما في الدين من أوَدٍ إذا سلمتَ وما في المُلكِ منْ خَلل
- وقال ابن الرومي:
أرني الذي عاشَرْتَهُ فَوَجدْتَه مُتَغاضِياً لَكَ عَنْ أقَلِّ عِثَارِ
- وقال - تعالى -: ï´؟اصْلَوْهَا فَاصْبِرُوا أَوْ لَا تَصْبِرُوا سَوَاء عَلَيْكُمْ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَï´¾37.
للمطالعة
من شعرائنا المعاصرين: السيّد مصطفى جمال الدِّين38.
السيّد مصطفى بن جعفر ابن الميرزا عناية الله، من أسرة جمال الدِّين، وهي أسرة مشهورة بالعلم والشرف والأدب. أديب كبير وعالم فاضل مؤلّف وَعَلَم بارز. ولد بقرية المؤمنين التابعة لسوق الشيوخ(في العراق) عام 1346هـ / 1927 م. وأرسله أهله إلى النجف الأشرف للدراسة في الحوزة العلمية صبيّاً، فتدرّج في مراحلها حتّى حضر بحوث مرحلة الخارج على أيدي أمثال السيّد الخوئي قدس سرهوغيره، وتأثّر بمنهج الشيخ المظفّر الإصلاحيّ وساهم فيه إلى جانب زملائه العديدين من رموز دينيّة وسياسيّة معاصرة، ووقف في خضمّ ذلك مع حركة التجديد في النجف المنادية بتغيير المناهج الدراسيّة وتطويرها، كما برز شاعراً مميّزاً من الرعيل الأوّل له أسلوبه الخاصّ ورؤيته الفريدة الّتي صقلتها في موهبته مواكبته لمجمل حركة الأدب العربي، فجاء شعره امتداداً لمدرسة العمود الّتي كادت أن تأتي عليها نزعات التحديث والاستلاب، وله في ذلك أتباع من الشعراء الشباب. وقد واصل إلى جانب ذلك دراسته الأكاديمية متخرّجاً من كليّة الفقه عام 1382هـ / 1962م، ثمّ من جامعة بغداد في مرحلتي الماجستير والدكتوراه برسالتين مشهورتين تُعدّان إلى جانب مؤلّفاته الأخرى في النحو والأصول والأدب ثروة هامّة للحركة الثقافية المعاصرة. وقد صدر له أخيراً (الديوان) قبل وفاته بعام. كما ارتبط بأغلب أدباء العربية بعلائق متينة، وشارك في مؤتمرات شعريّة وملتقيات كثيرة، كما كتبت عنه الصحافة الأدبية واحتفى به الشعراء والمثقّفون. هاجر من بلده العراق في عام 1401هـ/ 1980م إلى الكويت ثمّ إلى سوريا حيث شارك في تجربة معارضة النظام المتسلّط على العراق إلى جانب مشاركته في رعاية الحركة الثقافيّة والأدبيّة حتّى وافته المنيّة في دار الهجرة في عام 1417هـ - 1996م، وبذلك فقد الأدب العربيّ المعاصر واحداً من أعلامه الكبار، والحوزات والمؤسّسات العلمية شيخاً من روّادها المميّزين. وله من قصيدة في أمير المؤمنين عليه السلام:
سَمَوْتَ فكيف يلحقُكَ القَصِيدُ
وكيف يُطالُ شَأْوُكَ في جَنَاح
فَهَبْنِي ما أقولُ.. فإنّ فِكْراً
فلستَ الأرضَ يقطعها مُغِذٌّ
أبا حسنٍ وإن أعيىَ خَيَالِي
وأجنحةُ الخيالِ لها حُدُودُ؟!
قوادِمُهُ مَزَامِيرٌ وَعُودُ!!
إليك رَقَى.. سَيُتْعِبُه الصُّعُودُ
ولستَ النورَ يُدْرِكُ ما يريدُ
فقصّرَ دونَ غايَتِهِ النَّشِيدُ
وله أيضاً قوله:
ظَمِئَ الشعرُ أم جفاكَ الشُّعُورُ
كيف تَعْنُو للجَدْبِ أغراسُ فِكْرٍ
كيفَ يَظْمَا مَنْ فيهِ يَجْرِي الغَدِيرُ
لعليٍّ بها تَمُتُّ الجُذُورُ
ومنها:
سيّدي أيّها الضميرُ المُصَفَّى
لك مَهْوَى قلوبِنَا، وعلى زا
وإذا هَزّتِ المخاوفُ رُوحاً
قَرَّبَتْنَا إلى جراحِكَ نارٌ
باعدتنا عن (قومنا) لغةُ الحُبّ
بعضُ ما يُبْتَلَى بهِ الحبُّ هَمْسٌ
إنّ أقسى ما يحملُ القلبُ أن
نحن نَهْواكَ، لا لشيءٍ، سوى أنّـ
ضرب الله بين وَهْجَيْكُمَا حد
وإذا الشمسُ آذَنَتْ بمَغِيبٍ
والصراطُ الّذي عليهِ نَسِيرُ
دِكَ نُرْبِيْ عُقُولَنَا، وَنَمِيْر ُ
وارتمَى خافقٌ بها مذعورُ
وهدانا إلى ثُبَاتِكَ نورُ
فظنّوا: أنّ اللُبَابَ القُشُورُ
من ظُنونٍ.. وبعضُهُ تشهيرُ
يُطلبَ منهُ لِنَبْضِهِ تفسيرُ
ـك من أحمدٍ أخ ووزيرُ
داً: فأنتَ المَنَارُ وَهْوَ المنيرُ
غطّتِ الكونَ مِنْ سَنَاهَا البدورُ
3- الالتماسُ، كقولِ أبي الطيِّبِ فِي سيفِ الدولةِ:
فَلا تُبلِغاهُ ما أَقولُ فَإِنَّهُ شُجاعٌ مَتى يُذكَرْ لَهُ الطَّعْنُ يَشْتَقِ4
4- الإرشادُ، كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْï´¾5. وقولِ الشاعر6:
وَلا تَجلِس إِلى أَهلِ الدَنايا فَإِنَّ خَلائِقَ السُفَهاءِ تُعْدِيْ
5- التيئيسُ، كقولِهِ - تَعَالَى- عن المنافقين: ï´؟لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْï´¾7.
6- التمنّي، كقولِ الشَّاعِرِ8:
لا تبزغي يا شمس في أفقٍ حَيَاً من زينبٍ فلقد أَطَلْتِ أَنِينَهَا
7- التهديدُ، كقولك لولدك مهدِّدَاً: (لا تذهبْ إلى مجالسِ البَطَّالينَ).
8- التوبيخُ، كقولِ أبي الأسودِ الدُّؤَلِيّ9:
لا تَنْهَ عَنْ خُلُقٍ وتَأْتِيَ مِثْلَهُ عَارٌ عَلَيْكَ إِذَا فَعَلْتَ عَظِيمُ
9- التحقيرُ، كقولِ الحطيئة يهجو الزِّبْرِقَانَ بنَ بدر10:
222
دَعِ المَكارِمَ لا تَرحَل لِبُغيَتِها وَاقعُدْ فَإِنَّكَ أَنتَ الطاعِمُ الكاسي الاستفهامِ:
هو طلبُ الفهم، فيما يكونُ المستفهَمُ عنه مجهولاً لدى المتكلّم، وقد يكونُ لغيرِ ذلك كما سيأتي، ويقعُ الاستفهام بأدواتٍ كثيرة نقتصر في البحث على "الهمزة" و"هل" منها، لمزيد أهميةٍ لهما11.
ونشير الى باقي الادوات إشارةً: أقسامُ أدواتِ الاستفهامِ:
تنقسمُ أدواتُ الاستفهام إلى ثلاثةِ أقسامٍ:
1- ما يُطْلَبُ به التصوّرُ.
2- ما يُطْلَبُ به التَّصديقُ.
3- ما يُطْلَبُ به التصوّرُ مرةً، والتصديقُ أخرَى.
والتصوّرُ، هو إدراكُ المفردِ، بمعنى أنْ لا يكونَ هناك نسبةٌ، فـ "زيدٌ" و"عمروٌ" و"القرآنُ" و"اللهُ". ونحوها كلُّها مفردٌ، فهي تصوراتٌ.
والتصديقُ: هو إدراكُ النسبةِ، أي نسبةُ الفعل إلى فاعلهِ أو المبتدأُ إلى خبرهِ، فـ "زيدٌ قائمٌ" و"اللهُ عالمٌ" و"محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم نبيٌّ".. ونحوها كلُّها نسبةٌ، فهي تصديقاتٌ.
وخلاصة القول: إنَّ العلم َإنْ كانَ إذعاناً للنسبةِ فتصديقٌ، وإلا فتصوُّرٌ.
والتصديقُ كما يكونُ في الإثباتِ، كذلكَ يكونُ في النفي.
223
همزةُ الاستفهامِ:
منْ أدواتِ الاستفهام "الهمزةُ"، وهي مشتركةٌ، فتأتي تارةً لطلبِ التصورِ، وأخرى لطلبِ التصديقِ.
1- أمَّا ما كانَ لطلبِ التصوّرِ، فيلي الهمزةَ المسؤولُ عنه، والسؤالُ حينئذٍ عن المفرد لا النسبةِ، بمعنى: أنَّ السائلَ يعلمُ بالنسبةِ، وإنما لا يعلمُ شيئاً من أطرافِها.
مثلاً يعلمُ أنهُ وقعَ فعلٌ ما، لكنهُ لا يعرفُ المسنَد، أو المسنَد إليه، أو المفعولَ، أو الحالَ، أو الظرفَ، أو الصفةَ.. أو نحوها.
ففي قولنا: "ضربَ زيدٌ عمراً، راكباً، في الصحراءِ", يقعُ المجهولُ بعد همزة الاستفهامِ.
فنقولُ في الجهلِ بالفعلِ: "أَضَرَبَهُ أمْ قَتَلَهُ"؟
ونقولُ في الجهلِ بالفاعلِ: "أجوادٌ الضاربُ أمْ رضَا"؟
ونقولُ في الجهلِ بالمفعول: "أعمروٌ المضروبَ أمْ محمدٌ"؟
ونقولُ في الجهلِ بالصفة: "أعليٌّ القائدُ أمِ التاجرُ"؟
ونقولُ في الجهل بالحالِ: "أراكباً كانَ حسنٌ أمْ راجلاً"؟
ونقول ُفي الجهلِ بالظرفِ: "أفي الصحراءِ أمْ في البلدِ حصل الأمر"؟
وهكذا..
وقد علِمنا من هذه الأمثلة: أنَّ النسبةَ معلومةٌ، وإنما المجهولُ مفردٌ من المفرداتِ.
224
2- وأمَّا ما كانَ لطلبِ التصديقِ، فالهمزةُ تدخلُ على الجملةِ، والسؤالُ يقع عن النسبةِ، كقولنا: "أجاءَ زيدٌ؟" فيما لم نعلمْ بالمجيء.
ثمّ إنَّ الغالبَ أن يؤتَى للهمزةِ التي لطلبِ التصور بمعادلٍ، كما تبين في الأمثلة: من معادلةِ (أمْ) للهمزة.
بخلافِ طلب التصديقِ فلا يؤتَى للهمزة بمعادلِ، كما تقدَّم في المثال.
ثمَّ إنَّ جوابَ الهمزة التي لطلبِ التصور: تعيينُ أحدِ الشِّقين:
فنقولُ في السؤال الأول: "ضربَهُ".
ونقولُ في السؤال الثاني: "جوادٌ".
ونقولُ في السؤال الثالث: "عمروٌ".
وهكذا...
بخلاف الهمزةِ التي لطلبِ التصديق، فالجوابُ: (نعمْ) أو (لا).
هل الاستفهامية:
من أدواتِ الاستفهامِ هلْ، وهي مختصةٌ بطلبِ التصديقِ، فيرادُ بها معرفةُ وقوع النسبةِ وعدم وقوعها، ولذا لا يذكرُ معها معادلٌ، كما يكون ُجوابها: (نعمْ) أو (لا).
نقولُ: (هلْ قامَ زيدٌ)؟ والجواب: (نعم) أو (لا).
وتنقسمُ هلْ إلى:
أ- بسيطةٍ، وهي أن يكون المستَفهَمُ عنه بها وجودَ الشيء وعدمَه، كما نقولُ: "هل العنقاء موجودة"؟ الجواب: لا، و: "هلِ الخِلُّ الوفِيُّ موجودٌ"؟
225
ب- مركبةٌ، وهي أن يكون المستفهَمُ عنه بها صفةَ زائدةَ على الوجودِ، كما نقول: "هلِ الخفاشُ يبصرُ"؟, و"هلِ النَّباتُ حسَّاسٌ"؟
بقيةُ أدواتِ الاستفهام: 1- مَنْ: موضوعةٌ للاستفهامِ عن العقلاء، كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَاï´¾12، وقد ينعكسُ، فتستعملُ (ما) للعاقلِ، و(مَن) لغيرهِ.
2- ما تكونُ للاستفهام عن غير العقلاءِ، وهي أقسام ٌ: الأول: إيضاحُ الاسمِ، نحو ما الْعَسْجَدُ؟ فيقال في الجواب: إنه ذهبٌ. الثاني: بيانُ حقيقةِ الشيء، مثلاً يقال: "ما الأسدُ"؟ فيقالُ في الجواب: "حيوانٌ مفترسٌ". الثالث: بيانُ صفةِ الشيءِ، مثلاً يقالُ: "ما الحيوانُ"؟ فيقال في الجواب: "حساسٌ نامٍ متحركٌ بالإرادةِ".
3- متَى: موضوعةٌ للاستفهامِ عن الزمانِ، مستقبلاً كان أم ماضياً، كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟...مَتَى نَصْرُ اللّهِ...ï´¾13، وقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟وَيَقُولُونَ مَتَى هَذَا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَï´¾14.
4- أيّانَ: موضوعةٌ للاستفهامِ عن زمان المستقبلِ فقط، كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟يَسْأَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِï´¾15, وقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَï´¾16.
9- أيُّ: موضوعةٌ للاستفهام عن تمييزِ أحد المتشارِكينِ في أمرٍ يعمُّهما: شخصاً، أو زماناً أو مكاناً، أو حالاً، أو عدداً، عاقلاً أو غيره، كقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّاï´¾24.
227
القواعد الرئيسة
1- النَّهيُ طَلَبُ الكَفِّ عَن الْفِعْل عَلَى وَجْهِ الاستعلاء.
2- لِلنَّهْي صِيغَةٌ واحِدةُ هي المضَارعُ مَعَ لا النَّاهِيَةِ
3- قَدْ تَخْرُجُ صِيغَةُ النَّهي عَنْ مَعْناها الحقيقيّ إلى مَعانٍ أخرى تُسْتَفَادُ مِنَ السياق و قَرَائن الأحوال، كالدُّعاء، والالتماس، والتمني، والإرشاد، والتوبيخ، والتيئيس، والتهديد، و التحْقِير.
4- الاِسْتِفْهامُ طلَبُ الْعِلْمِ بشيء لَمْ يَكُن مَعْلوماً مِنْ قَبْلُ، ولهُ أَدَوَاتٌ كثِيرَةٌ مِنْها: الْهَمْزَةُ، وهلْ.
5- يُطْلَبُ بالْهَمْزَةِ أَحَدُ أَمْرَيْن:
أ- التَّصَورُ، وهو إِدْراكُ الْمُفْرَدِ، وفي هذِهِ الحَال تأتي الهمْزَةُ متلوَّةً بالْمَسْؤُول عَنْهُ ويُذْكَرُ لهُ في الغَالِب مُعَادِلٌ بَعْدَ أَمْ.
ب- التَّصْديقُ وهو إِدْراكُ النِّسْبَةِ، وفي هذِه الحال يمتَنعُ ذكْرُ الْمُعَادِل.
6- يُطْلَبُ بهل التَّصْدِيقُ لَيْسَ غَيْرُ، وَيَمتَنِعُ مَعَهَا ذكْرُ الْمُعَادل.
7- لِلاِسْتِفْهَام أَدَوَاتٌ أخرى غيْرُ الهمزة وهَلْ، وهي: مَنْ, ما, مَتَى, أَيَّان, كَيفَ, أيْنَ, أَنَّى, كمْ, أي.
8- جَمِيعُ الأَدَوَاتِ الْمُتَقَدِّمةِ يُطلَبُ بها التصوُّر، ولذلِك يكونُ الجوابُ معَهَا بَتعْيين الْمَسْؤُول عَنْهُ.
تمارين
1- بيّن صيغةَ النهي والمراد منها في كل مثال من الأَمثلة الآتية:
- قال تعالى: ï´؟وَلاَ تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَاï´¾25.
- وقال أبو العلاء:
لا تَحلِفَنّ على صِدقٍ ولا كَذِبٍ فما يُفيدُكَ، إلاّ المأثمَ، الحَلَفُ
- وقال تعالى عن المنافقين: ï´؟لاَ تَعْتَذِرُواْ قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْï´¾27.
- قال أبو الطيّب في مدح سيف الدولة:
لا تَطْلُبَنّ كَريماً بَعْدَ رُؤيَتِهِ إنّ الكِرامَ بأسخاهُمْ يَداً خُتِمُوا
- وقال الشاعر:
لا تَحْسَبِ الْمجْد تَمْراً أنْتَ آكِلُهُ لَنْ تبْلُغَ المَجْدَ حتى تَلْعقَ الصَّبرا
- وقال الطغْرائي:
لا تطْمَحَنَّ إلى المراتِبِ قَبْل أن تتَكَاملَ الأدواتُ والأسبابُ
- وقال الشريف الرَّضِيّ:
لا تَأمنَنَّ عدُوًّا لانَ جانبُهُ خُشُونَةُ الصِّلِّ عُقْبَى ذلِكَ اللِينِ
- وقال أبو الطيب:
فَلا تَنَلْكَ اللّيالي إنّ أيْدِيَهَا إذا ضَرَبنَ كَسَرْنَ النَّبْعَ بالغَرَبِ
- وقال الشاعر:
لا تلهينَّكَ عنْ مَعادكَ لذَّةٌ تَفْنى وتُورثْ دائِمَ الحسراتِ
- وقال المتنبي:
لا تَحْسَبُوا مَن أسرْتم كانَ ذا رَمَقٍ فَلَيْسَ يأكُلُ إلاّ المَيْتَةَ الضَّبُعُ
- وقال أَبو العلاء:
لا تَطْويَا السِّرَّ عني يوْم نائبةٍ فإنَّ ذلِكَ ذَنْبٌ غيْرُ مُغتَفَرِ
و الخِلُّ كالماءِ يُبْدِي لي ضمائرَه مع الصَّفَاءِ ويُخْفِيهَا مع الكَدَرِ
- وقال الله تعالى: ï´؟وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَï´¾28.
- وقال أبو الطيّب:
وَلا تَشَكَّ إلى خَلْقٍ فَتُشْمِتَهُ شكوَى الجريحِ إلى الغِرْبانِ وَالرَّخَمِ
2- بينِ الأغراض التي يدلُّ عليها الاستفهام في الأمثلة الآتية:
- قال أبو تمّام في المديح:
هَل اجتَمعتْ أَحْيَاءُ عَدْنَانَ كُلُّهَا بِمُلْتَحَمٍ إلاَّ وأَنْتَ أَمِيرُها؟
- وقال البحتريّ:
أأكفُرُكَ النَّعْمَاءَ عِندي، وَقد نمتْ عَليّ نُمُوَّ الفَجْرِ، والفَجْرُ ساطِعُ
وأنتَ الذي أعْزَزْتَني بَعدَ ذِلّتي فلا القوْلُ مَخفوضٌ ولا الطّرْفُ خاشعُ
- وقال ابن الرُّومِيّ في المدح:
أَلستَ المرءَ يَجْبِي كلَّ حمد إذا ما لم يكنْ للحمدِ جابِي
- وقال أبو تمام:
مَا للخُطوبِ طَغَتْ عليَّ كأنَّها جهلتْ بأنَّ نداكَ بالمِرْصَادِ
- وقال آخر:
فَدَعِ الوَعيدَ فما وَعيدُكَ ضَائِرِي أطَنينُ أجْنِحَةِ الذُّبابِ يَضِيرُ
من شعرائنا: الكُمَيْتُ الأسديُّ29
هو الكميت بن زيد الأسديّ ينتهي نسبه إلى مضر بن نزار بن عدنان من أشعر شعراء الكوفة المُقَدَّمِينَ في عصره. عالم بلغات العرب خبير بأيّامها. ومن شعراء القرن الأوّل من الهجرة. كان في أيّام الدولة الأُمَوِيّة، وولد أيّام مقتل الحسين عليه السلام سنة إحدى وستين ومات في سنة ست وعشرين ومائة في خلافة مروان بن محمّد ولم يُدرك الدولة العبّاسية. وكان معروفاً بالتشيّع لبني هاشم مشهوراً بذلك قال أبو عبيدة: لو لم يكن لبني أسد منقبةٌ غيرُ الكميت لكفاهم. وقال أبو عِكْرِمَةَ الضَّبِّيُّ: لولا شعرُ الكُمَيْتِ لم يكن للّغة تَرْجُمَانٌ ولا للبيانِ لسانٌ.
محبّته لآل البيت عليهم السلام وإخلاصه لهم
قيل إنّ الكميت دخل على أبي عبد الله جعفر بن محمّد عليه السلام في أيام التَشْرِيق بمنى فقال له جُعلت فداك إنّي قلت فيكم شعراً أُحِبُّ أن أُنْشِدَكَهُ. فقال: يا كُمَيْتُ اذكرِ اللهَ في هذه الأيّام المعدوداتِ، فأعاد عليه القول، فرقّ له أبو عبد الله، فقال هات: وبعث أبو عبد الله إلى أهله فقرب فأنشده فكثر البكاء حتّى أتى على قوله:
يصيب به الرامون عن قوس غيرهم فيا آخراً أسدى له الغيَّ أوّلُ
فرفع أبو عبد الله يديه فقال: اللهمّ اغفر للكميت. ودخل - أيضاً - على أبي جعفر محمّد بن عليّ عليه السلام فأعطاه ألف دينار وكسوة. فقال له الكميت: والله ما أحببتكم للدنيا ولو أردتُ الدنيا لأتيتُ من هي في يديه. ولكنّي أحببتُكُمْ للآخرة أمّا الثيابُ الّتي أصابت أجسامكم فأنا أقبلها لبركتها، وأمّا المال فلا أقبله. وحكى صاعد مولى الكميت. قال: دخلتُ معه على عليّ بن الحسين. فقال: إنّي قد مدحتُكَ بما أرجو أن يكون لي وسيلةٌ عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ثمّ أنشده قصيدته: "مَنْ لقلبٍ مُتَيَّمٍ مُسْتَهَاِم". فلمّا أتى على آخرها قال له: ثوابك نعجز عنه، ولكن ما عجزنا عنه، فإنّ الله لا يعجز عن مكافأتك، وأراد أن يُحسن إليه، فقال له: إن أردت أن تُحسن إليّ فادفع إليّ بعض ثيابك الّتي تلي جسدك أتبرّك بها فنزع ثيابه، ودفعها إليه ثمّ قال: اللهمّ إنّ الكُمَيْتَ جاد في آل رسول الله وذريّة نبيّك بنفسه حين ضنّ الناس، وأظهر ما كتمه غيره من الحقّ فأحْيِهِ سعيداً وأمِتْهُ شهيداً وأرِهِ الجزاء عاجلاً، فإنّا قد عجزنا عن مكافأته. والكُمَيْتُ بعد هذا من أعاظم الشعراء الّذين عرفهم العصر الأموي، ومن أصدقهم عاطفة... وشعره ليس عاطفياً كبقيّة الشعراء، بل إنّ شعره، شعر مذهبيّ، ذهنيّ، عقليّ, فهو شاعر يناضل عن فكرة عقائديّة معيّنة، وعن مبدأ واضح، ومنهج صحيح، ودعوة آمن بها وكرّس لها حياته وجهده وتحمّل في سبيلها الأذى ومات بسببها. وأغلب شعره السياسيّ أو الهاشميّات، وها هو يبدأ إحدى هاشميّاته قائلاً:
طَرِبتُ وما شَوقاً إلى البِيضِ أَطرَبُ
وَلكِنْ إِلى أهلِ الفَضَائِلِ والنُّهَى
إلى النَّفَرِ البِيْضِ الّذِينَ بِحُبِّهم
بَنِي هَاشِمٍ رَهطِ النَّبِيِّ فإنَّنِي
خَفَضتُ لَهُم مِنّي جَنَاحَي مَوَدَّةٍ
ولاَ لَعِبَاً منّي وذو الشَّيبِ يَلْعَبُ
وَخَيرِ بَنِي حَوَّاءَ والخَيرُ يُطلَبُ
إلى الله فِيمَا نَابَنِي أتَقَرَّبُ
بِهِم ولَهُم أَرضَى مِرَاراً وأغضَبُ
إلى كَنَفٍ عِطفَاهُ أهلٌ وَمَرحَبُ
قد تخرجُ ألفاظُ الندَاءِ عن معناها الأصليِّ إلى معانٍ أخرَى، تُفهَمُ من السِّياق بمعونةِ القرائنِ، ومن أهمِّ ذلكَ:
أ- الإغراءُ, كقولنا لمن أقبل يتظَّلَّمُ: يا مظلومُ.
ب- الاستغاثةُ, كقولِ أبي فراس:
يا لِلرِجالِ، أَمَا لِلهِ مُنتَصِفٌ مِنَ الطُغاةِ، أَمَا لِلدينِ مُنتَقِم13
- إذا كان الأمرُ المحبوبُ مِما يُرجَى حُصُولُهُ كانَ طَلَبُهُ ترَجِّياً، ويُعَبّرُ فيهِ بلعلَّ أَوْ عَسَى، وقد تستعمل فيه لَيتَ لَغَرَض بلاغيّ 25.
تمارين
1- بيِّن ما في الأمثلة الآتية من تمنٍّ أو ترجٍّ، و ما جاء من الأدوات على غير وضعِهِ الأصليّ:
- قال مرْوانُ بن أبي حفصة في رثاء معْن بن زائدة:
فليتَ الشامِتِين بهِ فَدَوْهُ ولَيتَ العُمْرَ مُدَّ لَهُ فطَالا
- وقال أبو الطَّيِّب في رثاء أخت سيف الدولة:
فَلَيْتَ طالِعَةَ الشّمْسَينِ غَائِبَةٌ وَلَيتَ غائِبَةَ الشّمْسَينِ لم تَغِبِ
- وقال المتنبي:
لَيتَ المُلُوكَ على الأقدارِ مُعْطِيَةٌ فلَمْ يكُنْ لدَنيءٍ عندَهَا طَمَعُ
- وقال في المديح:
لَيْتَ المَدائحَ تَسْتَوْفي مَنَاقِبَهُ فَما كُلَيْبٌ وَأهْلُ الأَعْصُرِ الأُوَلِ
2- بيِّن أدوات النداء في الأمثلة الآتية، وما جرى منها على أصل وضعه في نداء القريب أو البعيد، و ما خرج منها عن ذلك مع بيان الأسباب البلاغية في الخروج:
- قال أبو الطَّيِّب:
يا صائِدَ الجَحْفَلِ المَرْهوبِ جانِبُهُ إنّ اللّيوثَ تَصيدُ النّاسَ أُحْدانَا
- وقال الشاعر:
أيا رَبِّ قَدْ أَحْسنتَ عودًا و بدْأةً إليَّ فلم ينْهَضْ بإحْسانِكَ الشُّكْرُ
- وقال الشاعر:
أَسُكَّانَ نَعْمَانِ الأَرَاكِ تَيَقَّنُوا بأنَّكمُ في ربعِ قلبيَ سكَّانُ
- وقال تعالى يحكى قول فرعون لموسى عليه السلام: ï´؟وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَونُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًاï´¾28.
- وقال أبو العتاهية:
أيا منْ يُؤَمِّلُ طولَ الحياة وطولُ الحياة عليه خَطَرْ
إذا ما كبِرْتَ وبانَ الشَّبابُ فلا خيرَ في العيشِ بعدَ الكِبَرْ
- وقال أبو الطيب في مدح كافور من قصيدة أنشده إياها:
يا رَجاءَ العُيُونِ في كلّ أرْضٍ لم يكُنْ غيرَ أنْ أرَاكَ رَجَائي
- أي بُنَيَّ، أعدْ عليَّ ما سمعتَ مِنِّي.
- أمحمدُ، لا ترفعْ صوتكَ حتى لا يسمعَ حديثنا أحدٌ.
- أيا هذا، تَنَبَّهْ فالمكارهُ مُحْدِقَةٌ بك.
- يا هذا، لا تتكلمْ حتى يُؤْذَنَ لكَ.
للمطالعة
من شعرائنا: السيّد رضا الهندي29.
أبو أحمد السيّد رضا بن محمّد بن هاشم بن مير شجاعة عليّ التقويّ الرضويّ الموسويّ المعروف بالهنديّ، عالم شاعر مشتهر. ولد في النجف عام 1290 هـ / 1873م وترعرع فيها، ثمّ انتقل إلى سامرّاء عند الثامنة من عمره مع والده في العام 1298 هـ / 1880م، وهو عام الطاعون، حيث استقرّ فيها ثلاث عشرة سنة، ثمّ عاد إلى النجف فاشتغل بتحصيل العلم. قرأ على الشربياني، والسيّد محمّد الطباطبائي، والشيخ محمّد طه نجف، والشيخ حسن بن صاحب الجواهر. له مؤلّفات مهمّة في العقائد والأدب. توفّي بالفيصليّة - من أعمال الديوانية - في عام 1362 هـ / 1943 م بالسكتة القلبية ودفن بمقبرته الخاصّة قرب داره في الحويش. وله يمدح الإمام عليّاً بقصيدته المشهورة الّتي دعاها بـ "الكوثرية":
أَمُفَلَّجُ ثغرُك أم جوهرْ
قد قال لثغرك صانعه
والخالُ بخدِّك أم مِسْكٌ
أم ذاك الخالُ بذاك الخدِّ
عجباً من جَمْرَتِهِ تَذْكُو
يا مَن تبدو ليَ وفْرَتُه
ورحيقُ رِضَابِكَ أم سُكَّرْ
إنَّا أعطيناك الكوثرْ
نَقَّطتَ به الورد الأحمرْ
فَتِيْتُ الندِّ على مجْمَرْ
وبها لا يَحْتَرِقُ العنبرْ
في صبحِ مُحَيّاه الأزهرْ
ومنها:
قدمُ العنقود ولحنُ العو
بَكِّر للسُكرِ قبيل الفجـ
هذا عَمَلِيْ فاسْلُكْ سُبُلِيْ
فلقد أسرفتُ وما أسلفـ
ـدِ يُعيد الخير وينفي الشرّ
ـرِ فصفوُ الدهر لمن بَكَّر
إن كنت تُقِرُّ على المُنْكَرْ
ـتُ لنفسيَ ما فيهِ أُعْذَرْ
ومنها:
سَوَّدت صحيفة أعمالِي
هو كهفيَ من نُوَبِ الدنيا
قد تَمَّت لِيْ بولايته
لِأُصيبَ بها الحظَّ الأوفَى
بالحفظِ من النارِ الكبرى
هل يمنعُنِيْ وهو الساقِيْ
أم يطردُنِيْ عن مائدةٍ
ووكلتُ الأمرَ إلى حيدرْ
وشفيعيَ في يوم المحشر
نِعَمٌ جَمَّت عن أن تُشْكَرْ
وأُخَصَصَ بالسَّهْمِ الأَوْفَرْ
والأمنِ من الفَزَعِ الأكبرْ
أن أشربَ مِنْ حوضِ الكوثرْ
وُضِعَتْ للقانعِ والمُعْتَرْ
وختامها:
آياتُ جلالِكَ لا تُحْصَى
من طوَّلَ فيكَ مدائِحَهُ
فَاقْبَلْ يا كعبةَ آمالِيْ
وصفاتُ كَمَالِكَ لا تُحْصَرْ
عن أدنى واجِبِهَا قَصَّرْ
مِنْ هَدْيِ مَدِيحِيَ مَا استَيْسَرْ
تعليق