أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
- والمقصورُ عليه في "تقديمِ ما حقُّهَ التأخيرُ" هوَ المذكورُ المتقدِّمُ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ﴿عَلَى اللّهِ تَوَكَّلْنَا﴾10, وكقولِ المتنبِّي:
وَمَنَ البَلِيّة عَذلُ مَنْ لا يَرْعوِي عن جَهلِهِ وَخِطَابُ مَنْ لا يَفْهمُ
القصر باعتبار طَرَفيه:
ينقسمُ القصرُ باعتبارِ طرفيهِ (المقصُورُ والمقصورُ عليه) إلى نوعينِ:
253
أ- قصرُ صفةٍ على موصوفٍ11: هو أن تُحبسَ الصفةُ على موصوفِها وتَختصَّ به، فلا يتَّصفُ بها غيرُه، وقد يتَّصفُ هذا الموصوفُ بغيرها من الصفات، نحو: "لا رازقَ إلا اللهُ"، و"لا فتى إلا عليّ".
ب- قصرُ موصوفٍ على صفةٍ: هو أن يُحبسَ الموصوفُ على الصفةِ ويَختصَّ بها، دون غيرها، وقدْ يشاركُه غيرُهُ فيها، نحو: "ما اللهُ إلا خالقُ كلِّ شيءٍ"، وكقولِهِ - تَعَالَى-: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ﴾12.
أمورٌ ترتبطُ بالقصرِ:
هناك أمورٌ ترتبط بالقصر أهمُّهَا:
1- القصرُ يحدّدُ المعاني تحديداً كاملاً, ولذا كثيراً ما يستفادُ منه في التعريفاتِ العلميةِ وغيرها.
3- يُفهمُ من "إنما" حكمانِ: إثباتٌ للشيءِ والنفيُ عن غيرهِ دفعةً واحدةً، بينما يُفهم من العطفِ الإثباتُ أوّلاً والنفيُ ثانياً، أو بالعكسِ، ففي المثال السابقِ: الخشيةُ للعلماءِ دونَ غيرِهِم، والفخرُ للتقوى لا للنَّسبِ، مع وضوحِ الدفعةِ في الأولِ، والترتّبِ في الثاني.
4- في "النفي والاستثناءِ" يكونُ النفي بغيرِ "ما" - أيضاً -، كقولِهِ -
5- يشترطُ في كلٍّ منْ "بل" و "لكنْ" أنْ تُسبَقَ بنفيٍ أو نَهْيٍ، وأنْ يكونَ المعطوفُ بهما مفرداً، وأنْ لا تقترنَ "لكنْ" بالواو، وفي "لا" أنْ تُسبقَ بإثباتٍ، وأن يكونَ معطوفُها مفرداً وغيرَ داخلٍ في عمومِ ما قَبلَها.
6- يدلُّ التقديمُ على القصرِ بالذوقِ، بَينَمَا الثلاثةُ الباقيةُ تدلُّ عَلَى القصرِ بالوضعِ، يعني بـ"الأدوات".
7- إنَّ الأصلَ هو أن يتأخّرَ المعمولُ عن عاملهِ إلاّ لضرورةٍ، أهمُّها إفادةُ القصرِ، فإنَّ منْ تتبعَ كلامَ البلغاءِ في تقديمِ ما حقُّهُ التأخيرُ، وجدهُم يريدونَ بهِ القصرَ والتخصيصَ عادةً.
255
القواعد الرئيسة
- القصرُ تخصيصُ أمرٍ بآخرَ بطريقٍ مخصوصٍ.
- طرقُ القصرِ المشهورةُ أربعٌ:
أ- النفيُ، والاستثناء، وهنا يكونُ المقصورُ عليهِ مَا بَعدَ أداةِ الاستثناءِ.
ب- إنَّما، ويكونُ المقصورُ عليهِ مؤخراً وجوباً.
ج- العطفُ بـ لا، أو بلْ، أو لكنْ، فإنْ كانَ العطفُ بـ لا، كانَ المقصورُ عليهِ مقابلاً لِمَا بَعدَهَا، وإنْ كانَ العطفُ بـ بل أو لكنْ، كانَ المقصورُ عليهِ مَا بَعدَهمَا.
د- تقديمُ مَا حقُّهُ التأخيرُ. وهنَا يكونُ المقصورُ عليهِ هوَ المقدَّمَ.
- لكلِّ قصرٍ طرفانِ: مقصورٌ، ومقصورٌ عليه.
- ينقسمُ القصرُ باعتبارِ طرفيهِ قسمين:
أ- قصرُ صفةٍ على موصوفٍ.
ب- قصرُ موصوفٍ على صفةٍ.
وقال ابو الطيب:
بِرجَاءِ جودِكَ يُطرَدُ الفَقْرُ وبأنْ تُعَادَى يَنْفذُ العُمْرُ
2- بيّن المقصور عليه في الجملتين الآتيتين، وبيِّن الفرق بينهما في المعنى.
- إنّما يدافع عن أحسابكم عليّ.
- إنّما يداع علي عن أحسابكم.
للمطالعة
من شعرائنا: الشيخ عبد المنعم الفرطوسي17.
الشيخ عبد المنعم ابن الشيخ حسين ابن الشيخ حسن ابن الشيخ عيسى، علّامة فاضل وشاعر معروف. ولد في النجف عام 1335 هـ / 1917 م وفيها ترعرع فاتجه إلى الدراسة، فدرس المقدّمات على بعض الفضلاء وأخذ الفقه والأصول على السيّد محمّد باقر الشخص الأحسائي وغيره من أفاضل عصره، ثمّ لازم حلقة السيّد الخوئي مع اختلافه على حلقة الشيخ محمّد عليّ الخراساني في الأصول، فعرف بمستواه العلميّ المميّز، وَعُدَّ من ذوي الرأي في الحوزة العلمية إلى جانب أدبه الجمّ وحافظته المتّقدة وصفاته الأخلاقية السامية، وما أُثِرَ عنه من مواهب عقليّة ونفسيّة.لازم جمعية الرابطة الأدبيّة الّتي عمل فيها بجدٍّ معالجاً نقائصها ومقدّماً الاقتراحات لحلّ ذلك، وشارك في كثير من النشاطات الثقافيّة والأدبيّة خارجها بعد أن ذاع صيته وعلا كعبه. نحا في شعره مناحي عالجت كثيراً من المشاكل الاجتماعية، وكان حسّه يمتزج مع آرائه الإصلاحية، وهو أحد مبرّزي شعر الاحتفالات الدينية في أغلب مناسباتها، ويمتاز شعره بفخامة اللفظ، ولا سيّما المُلْقَى منه حيث كان يحدو به حداء مميّزاً على طريقة سابقة معروفة، أمّا وفاته فكانت عام 1404 هـ / 1984 م في الإمارات العربية مغترباً عن وطنه بعيداً عن مَنْبِتِه. وله في الإمام أمير المؤمنين عليّ عليه السلام قوله:
نشيدي وأنت له مطلعُ
وَقَدْرُكَ أرفعُ إنَّ الثناءَ
ومجدُكَ جاوزَ أُفْقَ الخلودِ
وأنّى يُطَاوَلُ نجمُ عليٍّ
طلبْتُكَ في الأُفْقِ حيثُ النجومُ
وفي الحقلِ حيثُ عبيرُ الورودِ
وفي موجةِ البحرِ حيثُ الجُمَانُ
وفي كلِّ مُسْتَوْدَعٍ للجمالِ
وعدت إلى لوحةٍ في الحشا
رأيتُكَ فيها وأنتَ اليقينُ
من الشمس يَعْنُو له مَطْلَعُ
ولو بالمثانِي به يُرْفَعُ
سمّواً ونفسُكَ لا تَقْنَعُ
خِتَامُ الخلودِ بِهِ يُشْرِعُ
مناقبُ فضلِكَ إذ تَلْمَعُ
شمائلُ قُدْسِكَ إذ يفرعُ
نُثَارُ بيانِكَ إذ يجمعُ
سموُّ الجلالِ بهِ مُوْدَعُ
حروفُ الولاءِ بها تطبع
بقلبِي وقلبِي هو الموضع
وله في الامام الحسين عليه السلام:
قـرآنُ فَضْـلِكَ فيـه يُفتتـحُ الفَمُ
وبأفق مَهْدِكَ من جهادِكَ أشـرقَتْ
أنت الحسينُ ودونَ مجدِكَ في العلا
فلقـد وُلِدْتَ مطهّـراً في بُـْردةٍ
ولقـد قُتلـتَ بمصرعٍ يسـمو به
والحـقُّ مـن عَيْنَيْـكَ ينبعُ نورُهُ
وضُحَى جَبِينِكَ وَهْوَ فُرْقَانُ الهُدَى
إذا تأمَّلنا كلَّ كلمتين متجانستين في هذين المثالين رأيْنَا أنَّهما اختلفتَا فِي ركنٍ مِن أَركانِ الوِفَاقِ الأَربعةِ المتقدِّمةِ، مثلُ "تقْهر" و"تَنْهَر"، و"نَهاكَ" و"نُهَاكَ". عَلَى ترتيبِ الأَمثلةِ، ويُسمَّى ما بَيْنَ كلِّ كلمتين هنَا مِنْ تَجَانسٍ "جناساً غير تامٍّ".
268
القواعد الرئيسة
- الجِنَاسُ أَنْ يَتَشَابَهَ اللفظانِ في النُّطْق وَيَخْتَلِفَا في الْمَعْنى. وهو نَوْعانِ:
أ- تَامٌّ: وهو ما اتَّفَقَ فيه اللفظان في أمورٍ أَربعةٍ هيَ: نَوْعُ الحُروفِ، وشَكلُهَا، وعَدَدُها، وتَرْتيبُها.
ب- غَيْرُ تَامِّ: وهو ما اخْتَلَفَ فيه اللفظان في واحدٍ مِنَ الأمور الْمُتَقَدِّمة.
تمارين
بَيّن الجناسَ التامّ من غير التامّ في كلِّ مثالٍ منَ الأمثلة الآتية:
- قال أبو العلاءِ المَعَرِّيّ:
لَمْ نَلْقَ غَيْرَكَ إِنْساناً يُلاذُ بهِ فَلا برحْتَ لِعيْنِ الدهْر إِنْسانا
- قال أبو الفتح البُسْتِيُّ:
فَهمْتُ كتَابَكَ يا سيِّدِي فَهمْتُ ولاَ عجبٌ أنْ أهِيما
- وقال ابن جُبير الأندلسي:
فَيا راكِبَ الوجْنَاءِ هل أنْت عالِمٌ فِداؤُكَ نَفْسِي كيْفَ تلكَ المَعالِمُ
- وقال يمدح سيف الدولة:
بسيفِ الدَّوْلة اتَّسقَتْ أمُورٌ رأَيْنَاها مُبدَّدَةَ النَّظَامِ
سَمَا وحَمَى بني سامٍ وحامٍ فليسَ كمثلهِ سامٍ وحامِ
- وقال أبو نُواس:
عبَّاسُ عبَّاسٌ إِذَا احتَدَم الوغَى والفَضْلُ فَضْلٌ والربيعُ ربيعُ
- قال أبو تمام:
ما مات مِنْ كرمِ الزمان فإِنَّه يحْيا لَدى يحْيى بْنِ عبد الله
للمطالعة
من شعرائنا: ابن حماد العبدي8
وهو أبو الحسن علي بن حمّاد بن عبيد الله بن حماد العدوي العبدي البصري.
كان حمّاد والد المترجم أحد شعراء أهل البيت عليهم السلام كما ذكره ولده شاعرنا في شعره بقوله من قصيدة:
وإن العبد عبدكم عليا كذا حماد عبدكم الأديب
رثاكم والدي بالشعر قبلي وأوصاني به أن لا أغيب
والمترجم له علم من أعلام الشيعة، وفذ من علمائها، ومن صدور شعرائها، ومن حفظة الحديث المعاصرين للشيخ الصدوق ونظرائه، وقد أدركه النجاشي وقال في رجاله: قد رأيته.
ولادته ووفاته:
لم نقف على تاريخ ولادة ابن حمّاد ووفاته غير أن النجاشي الذي أدركه ورآه ولم يرو عنه ولد في صفر سنة 372، وشيخه الذي يروي عنه وهو الجلودي البصري توفي 17 ذي الحجة سنة 332 فيستدعي التاريخان أن المترجم ولد في أوائل القرن الرابع وتوفي في أواخره.
ومن شعره:
ألا قل لسلطان الهوى: كيف أعمل
أأبدي إليك اليوم ما أنا مضمر
وما أنا إلا هالك إن كتمته
فخذ بعض ما عندي وبعض أصونه
لقد كنت خلوا من غرام وصبوة
إلى أن دعاني للصبابة شادن
بديع جمال لو يرى الحسن حسنه
فسبحان من أنشاه فردا بحسنه
دعاني فلم ألبث ولبيت عاجلا
بذلت له روحي وما أنا مالك
وصرت له خدنا ثلاثون حجة
بسمعي وقر إن لحا فيه كاشح
إلى أن بدا شيبي ولاح بياضه
وبدل وصلي بالجفا متعمدا
فحاولته وصلا فقال لي ابتدأ
وفر كما من (حيدر) فر قرنه
غداة رأته المشركون وسيفه
حسام كصل الريم في جنباته
لقد جار من أهوى وأنت المؤمل؟!
من الوجد في الأحشاء أم أتحمل؟!؟!
ولا شك كتمان الهوى سوف يقتل
فإن رمت صون الكل فالحال مشكل
أبيت وما لي في الهوى قط مدخل
تحير فيه الواصفون وتذهل
لفر اختيارا أنه منه أجمل
فلا تعجبوا فالله ما شاء يفعل
وما كنت لولا ذلك الحسن أعجل
وفي مثله الأرواح والمال تبذل
أعانق منه الشمس والليل أليل
كذاك به عن عذل من راح يعذل
كما لاح قرن من سنا الشمس مسدل
وما خلته للهجر والصد يفعل
وإلا يمينا إنه ليس يقبل 15
وقد ثار من نقع السنابك قسطل
بكفيه منه الموت يجري ويهطل
دبيب كما دبت على الصخر أنمل
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الاقتباس ودواعي استعماله.
2- أن يُحسن استخدام الاقتباس.
273
الاقتباسُ:
هوَ أن يُضمّنَ المتكلِّم منثورَه، أو منظومَه، شيئاً من القرآنِ، أو الحديثِ، على وجهٍ لا يُشعِرُ فيه بأنَّه منهُما، والغرضُ مِنْ هَذَا التضمينِ أنْ يسْتعِيرَ مِن قوَّتها قوةً، وأنْ يكشِفَ عَن مهارتِهِ فِي إِحكامِ الصِّلةِ بَينَ كلامِهِ والكلامِ الَّذي أخَذَهُ، ويجوزُ للمُقْتَبسِ أنْ يُغَيِّرَ قليلاً فِي الآثارِ الَّتي يقْتَبِسُها. ومِنَ الأمثلةِ عَلَى الاقتباسِ مَا جَاءَ فِي خطبةِ الزّهراءِ عليها السلام: "... حتى تفَرَّى الليلُ عن صبحه1وأسفرَ الحقُّ عن مَحْضِهِ، ونطقَ زعيم الدين، وخرستْ شقاشقُ الشياطين2 وطاح وَشِيظُ النِّفاق3وانحلّتْ عُقَدُ الكفر والشِّقَاق، وفُهْتُمْ بكلمةِ الإخلاص4 في نَفَرٍ من البِيْضِ الخِمَاص5 وكنتم على شَفَا حُفرة من النار، مذْقَةَ الشارب6 ونهْزَةَ الطامع7 وقَبْسَة العَجْلَان، ومَوْطِئ الأقدام8 تشربونَ الطَّرق9وتقتاتون القِدَّ10 أذلة
275
خاسئين، تخافون أن يتخطفكم الناس من حولكم، فأنقذكم الله - تبارك وتعالى - بمحمّد صلى الله عليه وآله وسلم، وبعد أنُ منِيَ بِبُهْمِ11 الرجال وذُؤْبَانِ العرب، ومَرَدَةِ أهل الكتاب، كلّما أوقدوا ناراً للحرب أطفأها الله، أو نَجَم قَرْنُ الشيطان12 أو فَغَرَت فاغِرَةٌ من المشركين13 قَذَفَ أخاه في لَهَوَاتِهَا14 فلا ينكفئُ حتى يَطَأ جناحَهَا بأخْمَصِه15 ويُخْمَدَ لَهَبَهَا بسيفه، مكدوداً في ذات الله، مجتهداً في أمر الله، قريباً من رسول الله، سيّداً في أولياء الله، مشمّراً ناصحاً، مُجِدّاً، كادحاً، لا تأخذه في الله لومةُ لائم، وأنتم في رفاهيةٍ من العيش، وَادِعُون16 فاكهون17 آمنون، تتربّصونَ بنا الدوائر18 وتتوكَّفُونَ الأخبار19 وتَنْكصُون عند النزال، وتَفِرُّونَ من القتال، فلمّا اختار الله لنبيه دارَ أنبيائه ومأوى أصفيائه، ظهر فيكم حَسَكَةُ النِّفَاقِ20 وسَملَ جِلْبابُ الدين21, ونطقَ كاظمُ الغاوين22، ونَبَغَ خاملُ الأَقَلِّينَ23، وهَدَرَ فنيق المُبْطِلِينَ24، فخطر في عرصاتكم25، وأَطْلَعَ الشيطانُ رأسَهُ من مغرزة هاتفاً بكم26، فألفاكم
276
لدعوتِهِ مُستجيبينَ، وللعزّة فيه ملاحظين، ثم استنهضكم فوجدكم خِفَافاً، وأَحْشَمَكُمْ فألفاكم غِضَابا27، فَوَسْمُتم غيرَ إِبِلِكُمْ28 وَوَرَدْتُمْ غير مَشْرَبِكُم29. هذا، والعهد قريب والكلم رحيب30، والجرح لمّا يَنْدَمِلْ31 والرسولُ لمّا يُقْبَرِ، ابتداراً، زعمتم خوف الفتنة، أَلَا في الفتنة سقطوا، وإن جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين، فهيهات منكم، وكيف بكم، وأَنَّى تُؤْفَكُون، وكتابُ الله بين أَظْهُرِكُمْ، أمورُهُ ظاهرة، وأحكامُهُ زاهرَةْ، وأعلامه باهرة، وزواجره لايحة، وأوامره واضحة، وقد خَلَّفْتُمُوهُ وراء ظهوركم، أَرَغْبَةً عنه تُرِيْدُون؟ أم بغيره تحكمون؟ بئس للظالمين بدلاً، ومن يبتغِ غيرَ الإسلامِ ديناً، فلن يُقبل منه، وهو في الآخرة من الخاسرين".
ومن أمثلةِ الاقتباسِ فِي الشِّعرِ - وهِيَ كثيرةٌ - قولَ الشَّاعِرِ32 فِي مدحِ رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم:33
لا كَـانَ فُـؤَادٌ لَـيْـسَ يَهِـيْـ ـمُ عَــلَى ذِكْــرَاكَ وَيـَنْـزَعِــجُ
- الاقْتِباسُ: تَضْمِينُ النَّثْر أو الشِّعر شَيْئاً مِنَ الْقُرآن الكريم أو الحديثِ الشريفِ مِنْ غَيْر دلالةٍ عَلَى أنَّهُ منهما، ويَجُوز أنْ يُغَيِّرَ في الأَثَر المُقْتَبِس قَليلاً34.
تمارين
1- اقتبسِ الآياتِ الكريمةَ الآتيةَ مع إجادة الاقتباس وإِحكامه:
- قال تعالى: ï´؟إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْï´¾35.
- وقال تعالى: ï´؟..وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ..ï´¾36.
- وقال تعالى: ï´؟قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَï´¾37.
- وقال تعالى: ï´؟وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍï´¾38.
- وقال تعالى: ï´؟إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ..ï´¾39.
2- صُغْ عباراتٍ تَقْتَبِسُ في كلٍّ منها حديثاً من الأَحاديث الشريفةِ مع العناية بحسنِ وضعها:
للمطالعة
من شعرائنا: أبو الفرج الرازي40
آل هندو، من أسر الإمامية الناهضين بنشر العلم والأدب، وفيهم جمع ممن تحلوا بفنون الفضايل، ولهم في الكتابة والقريض قدم وقدم، طفحت بذكرهم المعاجم منهم: أبو الفرج محمد بن هندو مؤسس شرف بيتهم، عده ابن شهرآشوب في (معالم العلماء) من شعراء أهل البيت عليهم السلام المتقين.
ومنهم: أبو الفرج الحسين بن محمد بن هندو, ترجمه الثعالبي في (اليتيمة) ج3 ص 362 وعده من أصحاب الوزير الصاحب بن عباد وذكر شطرا من شعره وقال: ملحه كثيرة ولا يسع هذا الباب إلا هذا الأنموذج منها.
ومما ذكر له قوله:
لا يوحشنك من مجد تباعده فإن للمجد تدريجا وتدريبا
إن القناة التي شاهدت رفعتها تنمي فتصعد أنبوبا فأنبوبا
وله قوله:
قالوا: اشتغل عنهم يوما بغيرهم وخادع النفس إن النفس تنخدع
قد صيغ قلبي على مقدار حبهم فما لحب سواه فيه متسع
ومن شعره في الإمام علي عليه السلام:
تجلى الهدى يوم (الغدير) على الشبه وبرز إبريز البيان عن الشبه
وأكمل رب العرش للناس دينهم كما نزل القرآن فيه فأعربه
وقام رسول الله في الجمع رافعا بضبع علي ذي التعالي من الشبه
وقال: ألا من كنت مولى لنفسه فهذا له مولى فيا لك منقبه !"
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى السجع وأقسامه.
2- أن يحسن استخدامه دون تكلّف.
281
السَّجَعُ1:
هو توافقُ الفاصلتينِ في الحرفِ الأخيرِ, ويكونُ مركباً مِن فِقْرتَين متَّحدتَينِ فِي الحرفِ الأَخيرِ، أو مركَّباً مِنْ أكثرِ مِنْ فِقْرَتين متَمَاثِلتَين فِي الحرفِ الأَخيرِ أيضاً،. وتسمَّى الكلمة الأخيرة منْ كلِّ فقرةٍ فاصلةً، وتُسكَّن الفاصلةُ دائماً في النثرِ للوقفِ, كقولِ أميرِ المؤمنينَ عليه السلام: "اتخذوا الشيطان لأمرهم ملاكا، واتخذهم له أشراكا2. فباض وفَرَّخَ في صدورهم3. ودَبَّ ودَرَجَ في حُجُورِهِم4. فنظرَ بأعْيُنِهِمْ ونَطَقَ بألسنتهم. فَرَكِبَ بهم الزَّلَلَ، وزَيّنَ لهم الخَطَل5، فعل من قد شَرِكَهُ الشيطانُ في سلطانه، ونطقَ بالباطل على لسانه"6.
- السَّجْعُ:َ توَافُقُ الْفَاصِلَتَيْن في الْحَرْفِ الأخِير، وأَفْضَلهُ ما تسَاوَتْ فِقَرُهُ10.
- السجع ثلاثة أقسام: قصير ومتوسِّط وطويل.
- السجع موطنه النثر، وقد يجيء في الشعر.
تمارين
بيِّنِ السجعَ في الأَمثلة الآتية، ووضِّح وجوه حسنه:
- من كلام لأمير المؤمنين عليه السلام في ذم أهل البصرة: "كنتم جُنْدَ المرأة. وأتباع البَهِيْمَة. رَغَا فأجبتم. وعُقِرَ فهربتم. أخلاقُكُمْ دِقَاق11 وعهدُكُمْ شِقَاق، ودينُكُمْ نِفَاق، وماؤُكُمْ زعاق12. والمقيمُ بين أظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بذنبه، والشاخصُ عنكم مُتَدَارَكٌ برحمةٍ من ربّه"13.
- ومن كتاب له عليه السلام الى عثمان بن حنيف: "أما بعد يا ابن حنيف، فقد بلغني أن رجلا من فتية أهل البصرة دعاك إلى مَأْدُبَةٍ14 فأسرعتَ إليها تُستطابُ لك الألوان، وتُنقل إليك الجِفَان15، وما ظننت أنك تُجيبُ إلى طعامِ قومٍ عائِلُهُمْ مَجْفُوٌّ16. وغَنِيُّهُمْ مَدْعُوّ. فانظر إلى ما تَقْضِمُهُ من هذا المقضم17، فما اشتبه عليك عِلْمُهُ فالفظْهُ18، وما أَيْقَنْتَ بِطِيبِ وجوهِهِ19 فَنَلْ منه. ألا وإن لكل مأموم إماماً يقتدي به ويستضيء بنور علمه، ألا وإن إمامكم قد اكتفى من دنياه بِطِمْرَيه20، ومن طعمه بقُرْصَيْه. ألا وإنكم لا تقْدِرُون على ذلك، ولكن أعينوني بورع واجتهاد، وعفّةٍ وسداد. فوالله ما كَنَزْتُ من دنياكم تِبْرَاً، ولا ادّخَرْتُ من غنائمها وفراً21، ولا أعددتُ لبالي ثوبي طِمْراً"22.
للمطالعة
من شعرائنا: الصاحب بن عبّاد23.
أبو القاسم الملقّب بالصاحب كافي الكُفَاة إسماعيل بن أبي الحسن عبّاد بن العبّاس بن عبّاد بن أحمد بن إدريس الدَّيْلَمِيّ الأصفهاني القزوينيّ الطالقانيّ وزير مؤيّد الدولة ثمّ فخر الدولة وأحد كتّاب الدنيا الأربعة. وُلد لأربع عشرة ليلة بقيت من ذي القعدة سنة 326 بإصطخر فارس وتوفّي ليلة الجمعة 24 من صفر سنة 385 بالرّي.
قال ابن شهرآشوب في معالم العلماء عند ذكر شعراء أهل البيت المجاهرين: الصاحب كافي الكفاة إسماعيل بن عبّاد الأصفهاني وزير فخر الدولة شهنشاه متكلّم شاعر نحوي وقد مدحه الرضي مكاتبة ثمّ رثاه. وقال عبد الرحمن بن محمّد الأنباري في نُزْهة الأَلِبَّاء في طَبَقَاتِ الأُدَبَاء كان الصاحبُ غزير الفَضْلِ متفّنناً في العلوم. وبالجملة فالصاحب علَم من أعلام القرن الرابع جمع بين الوزارة، والكتابة، والسيف، والقلم، وكان صدراً في العلم والأدب، وغايةً في الكرم وجلالة القدر، وفرداً في الرِّيَاسة وكثرة الفضائل.الصاحب مُجَوِّدٌ في شعره كما هو بارع في نثره، وقلّما يكون الكاتب جيّد الشعر، ولكن الصاحب جمع بينهما. له في مدح أمير المؤمنين عليه السلام سبع وعشرون قصيدة أشهرها على الإطلاق:
الدرس الخامس والعشرون: المحسِّنات المعنوية - الطباق والمقابلة
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى الطباق وفائدته.
2- أن يتدرّب إلى حسن استخدام الطباق في الكتابة الأدبية.
3- أن يتعرّف إلى معنى المقابلة وتذوّق جماليتها.
289
الطباقُ والمقابلة:
أولاً: الطباق:
هو الجمعُ بَينَ الشَّيءِ وضِدِّهِ فِي الكلامِ، وهُوَ نوعانِ:
أ- طِبَاقُ الإيجابِ: هو ما لم يختلفْ فيه الضِّدانِ إيجاباً وسلباً، كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌï´¾1، وكقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟..وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ..ï´¾2، ففيهما تطابقٌ إيجابيٌّ بين هذه المذكوراتِ.
ب- طِبَاقُ السَّلبِ: هو ما اختلفَ فيه الضِّدَانِ إيجاباً وسلباً، بحيثُ يُجمعُ بين فعلينِ من أصل واحدِ، أحدُهُما مثبتٌ مرةً، والآخرُ منفيٌّ تارةً أخرى، في كلامٍ واحدٍ، كقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللّهِ...ï´¾3، وكقولِهِ - تَعَالَى -: ï´؟يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِّنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَï´¾4،
- وقال المعريُّ:
يا دهْرُ يا مُنجزَ إِيعادِهِ ومُخْلِفَ المأْمول مِنْ وعْدِه
للمطالعة
من شعرائنا: أبو الفتح كشاجم23
أبو الفتح محمود بن محمد بن الحسين المعروف بكشاجم. هو نابغة من رجالات الأمة، وفذ من أفذاذها، وأوحدي من نياقدها، كان لا يجارى ولا يبارى، ولا يساجل ولا يناضل، فكان شاعراً كاتباً متكلماً منجما منطقيا محدثا، ومن نطس الأواسي محققا مدققا مجادلا جوادا. فهو جماع الفضايل وإنما لقّب نفسه بكشاجم إشارة بكل حرف منها إلى علم فبالكاف إلى أنه كاتب، وبالشين إلى أنّه شاعر، وبالألف إلى أدبه أو إنشاده، وبالجيم إلى نبوغه في الجدل أو جوده، وبالميم إلى أنّه متكلّم أو منطقي أو منجّم، ولمّا ولع في الطب وبرع فيه زاد على ذلك حرف الطاء فقيل: طكشاجم.
إن المترجم قدوة في الأدب وأسوة في الشعر، حتى أن الرفاء السري الشاعر المفلق على تقدّمه في فنون الشعر والأدب كان مغرى بنسخ ديوانه، وكان في طريقه يذهب، وعلى قالبه يضرب. ومن قصائده في أمير المؤمنين علي عليه السلام:
له شغل عن سؤال الطلل
فما ضمنته لحاظ الظبا
ولا تستفز حجاه الخدو
كفاه كفاه فلا تعذلاه
طوى الغي مشتعلا في ذراه
له في البكاء على الطاهرين
فكم فيهم من هلال هوى
هم حجج الله في خلقه
ومن أنزل الله تفضيلهم
فجدهم خاتم الأنبياء
ووالدهم سيد الأوصياء
ومن علم السمر طعن الحلي
ولو زالت الأرض يوم الهياج
ومن صد عن وجه دنياهم
وكان إذا ما أضيفوا إليه
أقام الخليط به؟ أم رحل؟
تطالعه من سجوف الكلل
بمصفرة واحمرار الخجل
كر الجديدين كر العذل
فتطفى الصبابة لما اشتغل
مندوحة عن بكاء الغزل
قبيل التمام وبدر أفل
ويوم المعاد على من خذل
فرد على الله ما قد نزل
ويعرف ذاك جميع الملل
ومعطي الفقير ومردي البطل
لدى الروع والبيض ضرب القلل
من تحت أخمصه لم يزل
وقد لبست حليها والحلل
فأرفعهم رتبة في المثل
إلى أن قال:
وقد علموا أن يوم الغدير
فيا معشر الظالمين الذين
بغدرهم جر يوم الجمل
أذاقوا النبي مضيض الثكل
وشعره كما تطفح عنه شواهد تضلعه في اللغة والحديث، وبراعته في فنون الأدب والكتاب والقريض، كذلك يقيم له وزنا في الغرائز الكريمة النفسية، ويمثله بملكاته الفاضلة.
أهداف الدرس:
1- أن يتعرّف الطالب إلى معنى التورية وفوائدها البلاغية.
2- أن يتعرّف إلى جماليّة التورية.
3- أن يتعرّف إلى معنى حسن التعليل وجماليته الأدبية.
301
أولاً: التوريةُ1
التوريةُ لغةً - مصدر - ورّيتُ الخبرَ توريةً: إذا سترتُه، وأظهرتُ غيره2. واصطلاحاً: هي أن يذكُرَ المتكلمُ لفظاً مفرداً له معنيان: أحدهُما قريبٌ غيرُ مقصودٍ ودلالةُ اللفظِ عليه ظاهرةٌ، والآخرُ بعيدٌ مقصودٌ، ودلالةُ اللفظِ عليه خَفِيَّةٌ، فيتوهَّمُ السَّامعُ: أنَّه يُريدُ المعنَى القريبَ، وهو إنَّما يُريدُ المعنى البعيدَ بقرينةٍ تشيرُ إليه ولا تُظهرُه، وتسترُه عن غير المتيقظِ الفطِنِ، كقولِهِ - تَعَالَى-: ï´؟وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُم بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُم بِالنَّهَارِï´¾3أرادَ بقولِهِ جرحتُم معناهُ البعيدَ، وهُوَ ارتكابُ الذنوبِ، ولأجلِ هذا سُمِّيتِ التَّوريةُ إيهاماً وتخييلاً.
1- اشرح التوريةَ في كلِّ مثال من الأَمثلة شرحاً وافياً:
- قَال سراجُ الدين الورَّاق:
كمْ قَطَعَ الْجُنُودُ من لِسانٍ قلَّدَ مِنْ نظْمِهِ النحُورا
فَها أَنَا شَاعرٌ سِراجٌ فاقْطَعْ لِسَاني أَزِدْكَ نُورا
- وقال أيضاً:
يا خَجْلَتي وصحائِفي سُودٌ غَدتْ وصحائِفُ الأبرار في إشراق
ومُونِّبٌ لِي في القيامةِ قالَ لي أكَذَا تكون صحائفُ "الورَّاق؟"
- وقال أبو الحسين الجزار:
كيْفَ لا أشكرُ الجِزارَة ما عِشْـ ـتُ حِفاظاً وأهْجُرُ الآدابا؟
وبها صارت الْكلابُ تُرجِّيـ ـني وبالشِّعْر كُنتُ أَرجُو الكلابا
- وقال بدْرُ الدين الذهبيُّ:
رِفْقاً بخِّل ناصح أَبلَيْتَهُ صَدًّا وهَجْرا
وافاك سائلُ دمْعِهِ فَرددْتَهُ في الحال نَهْرا
- وقال الشاعر:
يا عاذلى فيه قلْ لي إِذا بَدَا كَيْف أَسْلُو؟
يمُرُّ بِيْ كلَّ وقْتٍ وكلَّما مرَّ يحلُو
- وقال الشاعر:
ورياضٍ وقفَتْ أشْجارُها وتمشَّتْ نسْمةُ الصُّبحِ إِليها
طَالعتْ أوْراقَها شَمْسُ الضُّحا بعْد أَنْ وقَّعتِ الوُرْقُ عليها
- وقال نصِيرُ الدِّين الحمَّاميُّ:
جُودُوا لنَسْجَع بالمديـ ـحِ على عُلاكُمْ سَرْمدَا
فالطيرُ أَحسنُ ما تُغَـ ـرِّدُ عِنْد ما يقَعُ الندَى
- وقال سراج الدين الورَّاق:
وقفْتُ بأَطلال الأَحِبَّةِ سائلاً ودمْعيَ يَسْقي ثَمَّ عهداً ومعْهَدَا
ومِنْ عجبٍ أَنِّي أُروِّى دِيارَهُمْ وحظِّيَ مِنها حين أَسْأَلها الصَّدَى
- وقال ابن الظاهر:
شُكْرًا لِنَسمةِ أَرْضِكم كم بَلَّغَتْ عنِّى تَحِيَّهْ
لا غرْوَ إِن حفِظَتْ أَحا ديثَ الهوى فهي الذَّكِيَّهْ
- وقال ابن نُباتُةَ المصريّ:
والنَّهْرُ يُشْبهُ مِبْردًا فِلأَجْل ذَا يجْلُو الصَّدَى
وَضّحْ حُسْنَ التعليل في الأَبيات الآتية:
قال ابن نُبَاتة:
لمْ يزَلْ جْودُه يجُورُ على الْمالِ إِلى أَنْ كَسا النُّضَارَ اصْفِرارا
وقال شاعر الحاكم يمدحُ ويُعلل لزلزَالٍ حدثَ بمصرَ:
ما زُلزلَتْ مِصْرُ مِن كَيْدٍ يُرادُ بِها وإنما رَقَصَتْ منْ عِدْلِهِ طَربا
قال عبد الملك بن إدريس الحريريّ وكان بين يدي المنصور أبي عامر في ليلة يبدو فيها القمر تارةً ويختفي بالسَّحابِ تارةً، وهو:
أَرَى بَدْرَ السَّماءِ يلوحُ حيناً ويبدُو ثمَّ يلتحِفُ السَّحَابَا
وذاكَ لأنَّه لمَّا تبدَّى وأَبصرَ وجهكَ اسْتَحْيا وغابَا
قال ابن قلاقس في وصف فرس أدْهم ذِي غرَّة:
وأَدهمَ كالغُرابِ سَوادَ لَوْنٍ يَطيرُ معَ الرِّياحِ ولا جَنَاحُ
كساهُ اللَّيْلُ شملتهُ وولَّى فقبَّلَ بينَ عينيهِ الصَّباحُ
وقال ابن نُبَاتَةَ السَّعْدِي في فرس محجَّل ذي غُرَّة:
وأَدْهَمُ يستَمِدُّ اللّيلُ مِنْهُ وتَطْلُعُ بيْنَ عيْنيْهِ الثّريَّا
سرَى خَلْفَ الصَّباحِ يطِيرُ زَهْوًا ويَطْوي خَلْفَهُ الأَفلاَكَ طيَّا
فلما خَافَ وَشْكَ الْفَوْتِ مِنْهُ تَشَبَّث بالْقَوائِمِ والمُحيَّى
وقال الأُرَّجَانِيُّ:
أبْدى صنِيعُك تَقصيرَ الزَّمان ففي وقتِ الرَّبيعِ طُلوعُ الورْدِ مِن خَجَل
وقال بعضهم يرثي كاتبا:
استَشْعَر الكُتَّابُ فَقْدَكَ سالِفاً وقَضَتْ بِصحّةِ ذلكَ الأيامُ
فلِذاكَ سُوِّدتِ الدُّوِيُّ كآبةً أسفاً عَلَيك وشُقّتِ الأقلامُ
قال أبو الحسن النوبختي:
لاَ يطْلُع البدْرُ إِلاَّ مِنْ تَشَوُّقِهِ إليك حتَى يوافي وجْهَكَ النَّضِرَا
وقال الشاعر:
بكتْ فَقْدَكَ الدُّنْيا قَدِيماً بدمْعِها فكانَ لها في سَالِفِ الدَّهْرِ طُوْفانُ
للمطالعة
من شعرائنا: أبو إسماعيل العلوي9
أبو إسماعيل محمد بن علي بن عبد الله بن العباس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (صلوات الله عليهم).
قال المرزباني في (معجم الشعراء) ص435: شاعر يكثر الافتخار بآبائه رضوان الله عليهم، وكان في أيام المتوكّل وبعده دهراً، وهو القائل:
وإنّي كريم من أكارم سادة أكفهم تندي بجزل المواهب
هم خير من يحفى وأفضل ناعل وذروة هضب العرب من آل غالب
هم المن والسلوى لدان بودهم وكالسم في حلق العدو المجانب
وله:
بعثت إليهم ناظري بتحية فأبدت لي الأعراض بالنظر الشزر
فلما رأيت النفس أوفت على الردى فزعت إلى صبري فأسلمني صبري
وله:
وجدي وزير المصطفى وابن عمه علي شهاب الحرب في كل ملحم
أليس ببدر كان أول قاحم يطير بحد السيف هام المقحم !؟
وأول من صلى ووحد ربه وأفضل زوار الحطيم وزمزم
وصاحب يوم الدوح إذ قام أحمد فنادى برفع الصوت لا بتهمهم
جعلتك مني يا علي ؟ بمنزل كهارون من موسى النجيب المكلم
فصلى عليه الله ما ذر شارق وأوفت حجور البيت أركب محرم أما إذا افتخر أبو إسماعيل بآبائه فأيّ أحدٍ يولده أولئك الأكارم من آل هاشم فلا يكون حقاً له أن يطأ السماء برجله؟ وأي شريف يكون المحتبي بفناء بيته قمر بني هاشم أبو الفضل ثم لا تخضع له قمة الفلك مجداً وخطراً؟ فإن افتخر المترّجِم بهؤلاء فقد تبجّح بنجوم الأرض وأعلام الهدى، ومنار الفضل وسوى الإيمان.
أُسْلوبُ الحكيمِ تَلَقِّي الْمُخَاطَبِ بغِير ما يَتَرَقَّبُهُ، إِمَّا بتَرْكِ سؤالهِ والإِجابةِ عن سؤالٍ لم يَسْأَلْهُ، وإِمَّا بحَمْلِ كلامِهِ عَلَى غير ما كانَ يَقْصِدُ، إِشارَةً إلى أَنَّهُ كان يَنْبَغي له أَن يَسْأَلَ هذا السؤال أَوْ يَقْصِدَ هذا الْمَعْنَى7.
بيِّن كيف جاءَ الكلامُ على أسلوب الحكيم في الأَمثلة الآتية:
قال الشاعر:
ولقدْ أَتيتُ لصاحِبي وسأَلْتُهُ في قَرْضِ دينارٍ لأمرٍ كانَا
فأَجابَني: واللهِ، داري ما حَوَتْ عيناً، فقلتُ لهُ ولا إنسانا
قيل لشيخٍ هَرِمٍ: كم سِنُّكَ؟ فقال: إِني أَنْعَمُ بالعافيةِ.
قيل لرجلٍ: ما الغنَى؟ فقال: الجودُ أَنْ تجودَ بالموجودِ.
سُئلَ غريبٌ عن دينهِ واعتقادهِ، فقال: أُحِبُّ للناسِ ما أحِبُّ لنفسي.
قيل لتاجرٍ: كمْ رأْسُ مالك؟ فقال: إِني أَمِينٌ، وثقَةُ الناس بي عظيمةٌ.
قال الشاعر:
طلبتُ مِنه دِرْهماً يوْماً فأظْهَرَ الْعَجَبْ
وقال ذَا مِنْ فِضَّةٍ يُصْنعُ لا مِنَ الذَّهبْ
بيِّن ما في الأمثلة الآتية من تأْكيد المدح بما يشبه الذّمَّ وعكسِهِ ومع ذكر الضرب الوارد:
وقال الشاعر:
ولا عَيْبَ فيهِ غيرَ أنِّي قصدْتُهُ فأَنْستْنِيَ الأَيَّامُ أَهلاً ومَوْطِنَا
من شعرائنا: دعبل الخزاعي9.
أبو عليّ دِعبل بن عليّ بن رزين الخُزَاعِيّ، ولد في عام 148 هـ / 765 م. شاعر شهير معروف. بيته بيت علم وفضل وأدب، وقد روي: أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد دعا لجدّه الأعلى بديل بن ورقاء إذ قال فيه: "زادك الله جمالاً وسؤدداً وأمتعك وَوُلْدَكَ". كان كثير الأسفار، يخرج فيغيب سنين يدور الدنيا، وقد سافر إلى الريّ والحجاز وخراسان. امتاز في حياته بخصال أربع: تهالكه في حبّ أهل بيت الرحمة عليهم السلام، ونبوغه في الشعر والأدب والتأريخ وما كتب في ذلك، وروايته للحديث وقد روي عنه، وعلاقته بالخلفاء والخلافة مدّاً وجزراً، مع ما في ذلك من تندّره بالنكتة والطرفة. اغتيل في الأهواز بأمر مالك بن طوق في قرية من نواحي السوس بعد صلاة العشاء وكان يومها ابن ثمان وتسعين رحمه الله. وله في رثاء أبي عبد الله الحسين عليه السلام قصيدة ذاع صيتها واشتهرت على ألسنة الشيعة إلى يومنا هذا, ذهب شاعرنا إلى فيض النبوّة، الإمام الرضا عليه السلام ليتبرّك بمشاهدته ويتشرّف بالمثول بين يديه، حيث خلع أبو الحسن عليه السلام عليه قميصاً من قُمُصِه وخاتَماً من خواتمه بفصّ عقيق ودراهم رَضَويّة. وقد أنشدها بحضور الإمام الرضا عليه السلام فقال فيها:
بَكَيتُ لِرَسمِ الدارِ مِن عَرَفاتِ دَمْعَ العَينِ في الوَجَناتِ
وَفَكَّ عُرى صَبري وَهاجَت صَبابَتي رُسومُ دِيارٍ قَد عَفَت وَعِراتِ
مَدارِسُ آياتٍ خَلَت مِن تِلاوَةٍ وَمَنزِلُ وَحيٍ مُقفِرُ العَرَصاتِ
لِآلِ رَسولِ اللَهِ بِالخَيفِ مِن مِنىً وَبِالرُكنِ وَالتَعريفِ وَالجَمَراتِ
دِيارُ عَلِيٍّ وَالحُسَينِ وَجَعفَرٍ وَحَمزَةَ وَالسجّادِ ذي الثَفِناتِ
مَنازِلُ كانَت لِلصَلاةِ وَلِلتُقى وَلِلصَومِ وَالتَطهيرِ وَالحَسَناتِ
قِفا نَسأَلِ الدارَ الَّتي خَفَّ أَهلُها مَتى عَهدُها بِالصَومِ وَالصَلَواتِ
قال له الإمام الرضا عليه السلام: أفلا أُلحق لك بهذا الموضع بيتين بهما تمام قصيدتك؟ فقال: بلى يا ابن رسول الله، فقال عليه السلام:
وقبر بِطُوسٍ يا لها من مصيبةٍ تَوَقَّدُ في الأحشاء بالحُرُقَاتِ
إلى الحشر حتّى يبعثَ الله قائماً يفرّجُ عنّا الهمَّ والكُرُبَاتِ
فقال دِعبل: يا ابن رسول الله هذا القبر الّذي بطوس قبر من هو؟ فقال الرضا عليه السلام: قبري ولا تنقضي الأيّام والليالي حتّى تصير طوس مختلف شيعتي وزوّاري. ألا فمن زارني في غربتي بطوس كان معي في درجتي يوم القيامة مغفوراً له، ثمّ نهض الإمام الرضا عليه السلام بعد فراغ دِعبل من إنشاد القصيدة.
تعليق