الصبر على فراق المحبوب ليس حكراً على شخص دون الآخر ، كل إنسان فارق محبوباً في حياته ( حبيب فارق حبيبته - ابٌ فارق ولده - امٌ فارقت ولدها - او بالعكس اولاد فارقوا ابائهم ، المفارقة كانت بسفرٍ أو بموتٍ ) ادام الله بقاء اهل الإيمان .
المهم الفراق يحصل في كل الأمم والمجتمعات ، لكن هذا الفراق تارة تصبر عليه وتارة لا تصبر ، ليس الصبر معناه أن لاتبكي لفراق الحبيب !!
ليس الصبر بأن لا تبكي :
---------------------------
لأنه قلنا بأن الصبر هو : حبس النفس عما يكرهه الله تعالى ، والبكاء لفراق الحبيب لا يكرهه الله سبحانه وتعالى ، نعم لو جزعت ببكائي بأن خدشت وجهي أو مزقت ثيابي أو صدر من لساني كلام لا يرضاه الله سبحانه وتعالى عندها يكون هذا مخالف للصبر .
فإذن الإنسان أحيانا يصبر على الفراق وأحيانا يجزع .
نبي الله يعقوب - على نبينا وآله وعليه السلام :
-----------------------------
انظروا نبي الله تعالى يعقوب فارق حبيبا من احباءه وهو يوسف على نبينا وآله وعليهم السلام ، ماذا فعل فراق يوسف بأبيه يعقوب ؟ فراق يوسف جعل بصر يعقوب يفارق عينيه { وابيضت عيناه من الحزن } وصار النبي يعقوب لا يأنس بأحد من الناس ولا انيس له إلا ذكر ولده يوسف .
- نعم يقوم بما يحتاجه الناس من اداء حق من بيان علم من هداية لكن اكثر من هذا لا شغل لهُ مع الناس وله مناجاة مع الله سبحانه وتعالى مذكورة في الكُتب - ومع هذا كان صابراً ، لا احد يقول أنه لم يصبر لكنه من شدة وقع الحادثة ووقع المصاب عليه فقد بصره ومع هذا كان صابراً .
أم موسى عليها السلام :
-----------------------------
أمّ موسى لمّا أمرها الله أن تضع موسى في تابوت يعني في صندوق وتلقيه في اليم والله اخبرها بأنه سيحفظ موسى مع كل هذا قال : { وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً } بعد ما تحمّل مع انها ماذا فارقت ؟
طفلاً صغيراً لم يعش معها إلا ايام ، لكنها أم ، بما هي أم هذا الفراق جعلها تصل إلى درجة ستخرج فيها عن دائرة طاعة الله تعالى { لولا أن ربطنا على قلبها }ا .
وهكذا إذا أردت أن تستوعب النماذج في التاريخ سواء كانت النماذج تتعلق بالمعصومين سلام الله عليهم او غيرهم .
السيدة زينب عليها السلام :
--------------------------------
لكن تعال إلى سيدتك ومولاتك زينب سلام الله عليها لترى اي صبر صبرتهُ زينب !! سترى في كل محاضرة بإذن الله أن القسم الذي نتكلم فيه: زينب هي الرقم الأول بعد المعصومين الأربعة عشر سلام الله عليهم في الصبر .
أمير المؤمنين عليه السلام يقول في الحكم والمواعظ وفي غيرها من الكتب التي جمعت كلام امير المؤمنين عليه السلام: ( أفضل الصبر : الصبر عن المحبوب ) يستفاد منها اكثر من معنى منها : ان تصبر على فراق المحبوب
مع ضميمة ان الصبر لا بد فيه أن تراعي حق الله تعالى بان يكون صبرك فيه إمتناع عما يغضب الله تعالى وفيه محافظة على ما يرضي الله تعالى ، إذا صبرت هذا الصبر على فراق المحبوب فهو افضل الصبر او من افضل الصبر - سنبين ذلك لاحقاً-
تعال معنا إلى زينب صلوات الله وسلامه عليها لنرى أين هي زينب في هذا الدرب ، إلى اين وصلت في الصبر على فراق المحبوب
أولاً : من هو محبوب زينب عليها السلام ؟
----------------------------
المحبوب الأول
تبدأ برسول الله صلى الله عليه وآله :
--------------------------
زينب عليها السلام عندما فقدت رسول الله صحيح كان عمرها خمس سنوات لكنها لم تكن مثل بقية الناس أبناء الخمس سنوات .
الرواية سمعتموها عندما أجلسها أمير المؤمنين في حجره وقال لها : ( بُنيه زينب قولي واحد ) فقالت: واحد ، قال : ( بنيه قولي اثنين ) فقالت: ابتاه لسان جرى عليه اسم الواحد لا يجري عليه
اسم الاثنين .
هذا كلام بنت عمرها خمس سنوات ؟ أم كلام تلك التي قال عنها زين العابدين عليه السلام : أنت عالمة غير معلمة وفهمه غير مفهمه . ؟
يعني علمكِ لدُنِّي من الله سبحانه وتعالى .
إذا كان هذا مقام زينب في المعرفة ، فتصور ما معنى أن تفقد النبي صلى الله عليه وآله وعمرها خمس سنوات
المصيبة الأشد والأعظم أنها ماكادت أن تودّع النبي وهي ترى مضافاً إلى مصابها وألمها وبكائها وافتقادها لرسول الله صلى الله عليه وآله كانت ترى أمير المؤمنين والحاله التي أودى بها فراق النبي بعليٍّ عليه السلام !! فراق النبي هد ركن امير المؤمنين
والنبي صلى الله عليه وآله أخبر عليّاً عليه السلام بأنه سيُهد ركناك ! ركنك سيُهد مرتان !
مرة عندما أغيب ومرة عندما تُظلم فاطمة سلام الله عليها .
زينب كانت تنظر وترى ، تصور انت بيت امير المؤمنين والزهراء :
غُسّل النبي كُفّن صُلّي عليه و دُفن ، تنظر زينب عليها السلام في عيون امير المؤمنين وهو في الدار ، تسمع حديثه مع الزهراء عليها السلام .
والمصيبة: عندما تنظر إلى امها فاطمة ، عندما تنظر إلى مصيبة فقدان النبي على امها الزهراء عليها السلام ، عندما تسمع امها الزهراء وهي تشكو للنبي شوقها إليه وافتقادها له ، وترى الحسن والحسين اللذان تعوّدا أن يُعانقهما النبي كلما رآهما .
يوميا هُناك احتضان من النبي للحسن والحسين ، هناك جلوس على فخدي النبي هناك شم وضم وتقبيل لهما ، وإذا بهما يجلسان يتعانقان يبكيان لوحديهما !
المحبوب الثاني
فاطمة الزهراء عليها السلام :
---------------------------------
زينب كل هذا تراه ! شهرين أو ثلاثة أشهر وإذا بها تسمع أنة أمها خلف الباب !! تسمع صرخة الزهراء ، تعرف ماذا يعني لزينب أن تسمع صرخة امها فاطمة ؟
يا ابتاه يارسول الله ، يعني أن زينب كان ينبغي أن تموت في تلك اللحظه وهي العارفة بمقام امها ،وتعرف ماذا يعني أن تُهان امها فاطمة . أهانوا امها الزهراء والإهانة ليست بالكلام فقط !!!
أن يُرفع السوط على فاطمة مو إهانة لها !! ؟
أن تمد يديها للباب لكي تدفع الباب عن نفسها فتُضرب بالسياط حتى يتُم عصرها خلف الباب هذا مو إهانه لفاطمة !! ؟
أن تخرج خلف عليٍّ عليه السلام وهي تقول خلّوا عن ابن عمي وأمام عيون المسلمين تُضرب بالسياط وتُرجع إلى الدار مو إهانة لفاطمة !!؟
وكُل هذا على مرأى ومسمع من زينب ، جرى ما جرى على الزهراء وفي ذلك اليوم في ذلك النهار عندما نادت فاطمة ابنتها زينب ، أخرجت من عندها وقالت: بنية زينب تعالي إلي ،أتت هذه بنت الخمس سنوات ، لا اتصور ان الزهراء ضمّتها !! كيف تضمها وضلعها مكسور !؟
أدنتها منها : بنية زينب نحنُ أهل بيت نبوه نحنُ مطلوب مِنَّا الصبر ، نحن .. نحنُ .. وراحت تشحن همتها وتشحذ عزيمتها إلى أن قالت لها: بنية زينب هذا اخوك الحسين الذين تحبينه سيأتي يوم من
الأيام وتكونين معه في كربلاء ، زينب عندما يأتي إلى الخيمة ويُريد وداعكِ أُحمّلكِ أمانة : اطلبي منه أن يكشف لكِ عن نحره وصدر ..
لماذا أماه يافاطمه ؟
زينب .. قبّليه في نحره فإنه موضع طعنات السيوف . نحنُ دائماً نسمع أن الحسين ماتَ مذبُوحا لكن أتدري ما معنى طعنات السيوف في نحر الحسين !؟
اي واحسيناه ..
شمّيه في صدره ، لماذا اماه يافاطمه ؟ فإنهُ موضع حوافر الخيول ..
أماه يا فاطمة أن سأرى الحسين يُداس بالخيول ؟ نعم يا زينب وستسمعين تكسُّر اضلاعه .
هذا صبركُ يا زينب .. كانت تعلم بما سيجري .
ورحلت فاطمة .. هذا فراق المحبوب الثاني ..
المحبوب الثالث
أمير المؤمنين عليه السلام :
--------------------------------
المحبوب الثالث في شهر رمضان في ليلة التاسع عشر ، زينب في دارها وإذا بها تسمع جلبةً وضجةً خارج الدار وإذا بالعباس يدخُل إلى زينب وحالهُ متغير: زينب لا تخرجي من حرجتك
ابقي في الحجره سأعودُ إليكِ ، أدخلوا أمير المؤمنين إلى حُجرته وجلسوا حوله بينما هم كذلك وإذا بالعباس جاء إلى الحسن : مولاي يا أبا محمد أختك زينب تريد أن تزور أباها تًريد أن تعود عليَّا
الإمام الحسن أخرج كُل من في الدار .. كلكم اخرجوا من الدار ستأتي اختي زينب ، خرجوا من الدار ، جاءت زينب والعباس جنبها ، لماذا تمشي مولاي إلى جنبها ؟
أخافُ عندما ترى عليا أن تقع على الأرض
دخلت زينب ورأت أمير المؤمنين مُسجَّا أمام عينيها ، فألقت بنفسها عليه تشمه وهيَّ تبكي ، تصيح يا ابتاه ياعلي ،يعني انا اي قلب عندي يتحمل كل هذه المصائب ! يومين مرّا وإذا بأمير المؤمنين - المحبوب الثالث - يُفارق زينب .
المحبوب الرابع
الإمام الحسن عليه السلام :
--------------------------------
سنينٌ مرّت وجاء ذلك اليوم تأتي زينب إلى دار الحسن لعيادته لزيارته ، الحسين جالسٌ عند اخيه الإمام وإذا بالإمام الحسن يقول اخي ابا عبد الله اخفي الطشت عن عيني زينب ..
- مولاي يا ابا محمد تخاف على زينب أن ترى كبدك في الطشت أمامها !! على الأقل دعها تراه انت موجود الحسين موجود !
مولاي زينب رأت رأس الحسين ولا احد من اهل بيتها معها -
الله صبركِ يا زينب .
دخلت زينب على اخيها الحسن رأتهُ متغير اللون ( اخي فدتك نفسي هل تشكو من شيء ؟ )ا ..
( لا يازينب أنا بخير بإذن الله ) ،
بينما هي عنده وإذا بالحالة اشتدت عليه واراد أن يتقيأ فأخرج الحسين الطشت للحسن ورأت زينب كبد اخيها الحسن
آنا الي شفت طشتين والطشتين آذني
واحد جبد الحسن بيه وواحد بيه راس حسين
ايام وفارقت محبوبها الرابع .
المحبوب الخامس
الإمام الحسين عليه السلام :
---------------------
ولم يبقَ لها في هذه الدنيا إلا خامس اهل العباء الحسين عليه السلام عاشت معه زينب كأمةٍ بين يدي مولاها تخدمه بعينيها واجفانها . تزوره دائماً ، يوم من الأيام لم تأتي زينب لزيارة الحسين ، سأل من حوله من بني هاشم :
مابال اختي زينب لم تأتِ اليوم لزيارتي !
فقالوا : لعلها متوعكه صحيَّاً .. ذهب إلى دارها ، دخل إلى حجرتها وإذا بها نائمة من شدَّةِ المرض ، والشمس قد صهرتها بأشعتها ، النافذة لا غطاء لها ، وقف الإمام الحسين عليه السلام عند رأس اختهِ زينب وفتح عباءته لكي يُظللها ، شيئاً ما فشيئاً ما أحسّت زينب بالظل على وجهها ذهبت حرارة الشمس عن وجهها فتحت عينيها فوقعت على عيني الحسين عليه السلام
( اخي يا حسين ماذا تفعل ؟ انت تأتي لزيارتي ؟ )
قال لها : بلى يا اختي زينب .
قالت له : اخي ماذا تفعل تظللني من الشمس ، حملتها زينب في قلبها ، لا بُد أن يأتي يوم واظلل اخي الحسين كما ظللني .
وجاءت ايام عاشوراء وجاء يوم العاشر وعاد الجواد صاهلاً إلى المخيم .
خرجت زينب مع النساء وصلت إلى الحسين عليه السلام بعد أن بكت ونعت وشكت ورثت ورجع النساء والأطفال ، يُقال زينب بقية عند الحسين ، أرادت أن تفتح عباءتها وتظلل أخاها الحسين وإذا بصوت الشمر من وراءها : يا زينب تنحي عن الحسين ...
يا شمر ماذا تريد ؟ أما ترى اخي سهمٌ في صدره حجرٌ على جبينه السيوف شرحته والرماح وشحته ، ماذا تريد ياشمر قال : اريد أن اذبح الحسين .
قالت : يا شمر إذاً اذبح مع الحسين .. اي دُنيا تُريدها زينب بعد الحسين .!!
اعتنقت اخاها وإذا بكعب الرمح بين كتفيها ، أُغشي عليها ، افاقت من غشائها ، نظرت حولها ، تُريد أن تُظلل اخاها ، وإذا بالحسين جثة بلا راس وإذا برأس الحسين على رأس الرمح ..
تقله :
يحسين لو بيدي الأمر جان :: بنيت اعلى قبرك بيت الأحزان
ويلاه يالمذبوح عطشان :: ولعبت على صدره الخيل ميدان .
إن جان تريدني انسى وابطل النوح وونيني
اخذ ذكراك من قلبي واخذ صورتك من عيني
ايام الجنت وياك اناغيك وتناغيني
شسوي عايشة وياي من ذيج الأيام اشباح
الهي نقسم عليك بصبر زينب بحزن زينب بقلب زينب بهيبة زينب بخدر زينب إلّا مافرّجت عن إمامنا صاحب العصر والزمان ..
تعليق