بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
ورد في دعاء هذه الليلة: (اللهم بحق ليلتنا ومولودها ، وحجتك وموعودها التي قرنتَ إلى فضلها فضلك، فتمت كلمتك صدقاً وعدلاً ، لا مبدل لكلماتك، ولا معقب لآياتك. نورك المتألق ، وضياؤك المشرق ، والعلَمُ النور ، في طخياء الديجور، الغائب المستور ، جل مولده ، وكرم محتدُه ، والملائكة شُهَّدُه..)
وتعبير: جل مولده، في وصف هذه الليلة يكشف لنا عن جلالة المولود . وقد ورد حديث في جلالة المولد يكشف عن الجلالة الخاصة للمولود أيضاً: (عن أبي بصير قال: سمعت أبا عبد الله جعفر بن محمد عليه السلام يقول: إن في الليلة التي يولد فيها الإمام ، لا يولد مولود إلا كان مؤمناً ، وإن ولد في أرض الشرك نقله الله إلى الإيمان ببركة الإمام ) . (أمالي الطوسي ص412)
وفي رواية البحار نقلاً عن خط الشهيد الثاني قدس سره : (إن الليلة التي يولد فيها القائم..الخ.) ( البحارج51/28 ) (2)
فالمسألة فوق قدرتنا على التعقل ، والذي يمكننا أن نقوله إن كلام أهل البيت عليهم السلام يتطلب فهماً خاصاً وذوقاً خاصاً لاستيعابه، وهي قدرة لا تحصل بالجهد الفكري ، بل بإفاضة الله تعالى على من يشاء من عباده !
من أعيان علماء الشيعة المشهورين محمد بن عبدالله بن جعفر الحميري رحمه الله وله مسائل أرسلها الى الحجة صلوات الله عليه بواسطة السفراء ، وأجابه عليها ، وقد رواها النجاشي والطوسي رحمهما الله .(فهرس النجاشي ص354) .
قال الحميري رحمه الله خرج التوقيع من الناحية المقدسة حرسها الله بعد المسائل:
بسم الله الرحمن الرحيم . لا لأمره تعقلون ، ولا من أوليائه تقبلون ، حكمة بالغة فما تغني النذر عن قوم لا يؤمنون.
السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين .
إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا ، فقولوا كما قال الله تعالى: سلام على آل يس . السلام عليك يا داعي الله ورباني آياته ..الخ.).
والمهم هنا فهم الحديث وتذوقه ، وإدراك لطائفه ، وملامسة رقائقه.
لا لأمره تعقلون ولامن أوليائه تقبلون.. عبارة غنية، مليئة بالمعاني، لأن خلاصة مشكلة البشر أنهم لا يتعقلون أمر الله تعالى ، ولا يقبلون من أوليائه !
ومجئ هذه العبارة في أول كلامه عليه السلام له دلالات ، فهي مفتاح الباب ! وهي تشير الى قوله تعالى:إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ. (سورة ق: 37) وموضوعهما واحد ، وهو أن البشر لكي يصلوا إلى وعي الحقائق وبلوغ المقامات العالية ، أمامهم طريقان لا ثالث لهما: فإما أن يدركوا بعقولهم أمر الله تعالى وأهدافه وأسراره في خلقه ، وهيهات هيهات أن تدرك عقول البشر ما هو فوق طاقتها وأعلى من مستواها ؟! جل حناب الحق أن يكون شرعة لكل وارد ، وجلت أسراره أن يبلغها عامة الناس !
فلم يبق إلا أن يقبلوا من أوليائه الذين وصلوا بلطفه الى تعقل أمره ، وصاروا معدن علمه ، ومخزن أسراره .
لقد انفتح الباب إذن لمن أراد الطريق! فما دمنا لا نستطيع نفهم أسرار الكون والحياة والآخرة ، فما علينا إلا أن نقبل من أولياء الله الذين تفضل الله بهم علينا ليعلمونا ويوجهونا .
ثم قال عليه السلام مرشداً الى الطريق الثاني: إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا فقولوا.. وهي جملة عميقة محيرة، لأن معنى التوجه بنا الى الله تعالى واضحة، فقد علمنا النبي وأهل بيته صلى الله عليه وآله كيف نتوجه بهم الى تعالى، قال الإمام الباقر عليه السلام : إذا أردت أمراً تسأله ربك ، فتوضأ وأحسن الوضوء ثم صل ركعتين وعظم الله وصل على النبي صلى الله عليه وآله وقل بعد التسليم: اللهم إني أسألك بأنك ملك، وأنك على كل شئ قدير مقتدر، وبأنك ما تشاء من أمر يكون، اللهم إني أتوجه إليك بنبيك محمد نبي الرحمة . يامحمد يارسول الله إني أتوجه بك إلى الله ربك وربي لينجح لي طلبتي. اللهم بنبيك أنجح لي طلبتي بمحمد. ثم سل حاجتك). (الكافي:3 /478).
وفي التهذيب:6/101: (اللهم إني لو وجدت شفعاء أقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الأبرار لجعلتهم شفعائي ، فبحقهم الذي أوجبت لهم عليك أسألك أن تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم …)
لكن المحير في كلام الإمام عليه السلام قوله: إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا !
فما معنى التوجه بهم عليهم السلام الى الله وإليهم؟! ما معنى هذه الكلمة الصادرة من ذلك الإمام المطلق، والقديس الأعلى،الذي مقامه فوق اللوح والقلم والكرسي والعرش ؟! أحاول فيما يتسع الوقت أن نفهم شيئاً من هذه الكلمة:
تعرفون أن الله تعالى قال في كتابه: وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ. (سورة غافر: 60) فالدعاء يستتبع الإجابة لا محالة ، ولاتتخلف عنه، فلماذا لانرى استجابة أكثر أدعية الداعين؟!
الجواب: أن الدعاء لم يتحقق ، فلو تحققت:ادْعُونِي ، لتحققت: أَسْتَجِبْ لَكُمْ لا محالة ! فكيف يتحقق الدعاء ؟
إن الحكمة مبثوثة في الكتاب والسنة، وقد بين الله تعالى شرط تحقق الدعاء بقوله: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَر َّإِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوء َوَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللهِ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ. (سورة النمل:62)، فهذه الآية تشرح آية: إدْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ، وتدلنا على أنه ليست كل دعاء دعاءً لله تعالى ، فدعوته سبحانه تتحقق عندما تصدر من صاحبها فتخرق الحجب بين الداعي وبين الله تعالى، وخرق الحجب لايتم إلا بالإضطرار،وبه تكون الإجابة قطعية. ولو أن شخصاً تحققت منه الحالة التي تحصل للمضطر ، ولو لم يكن مضطراً عملياً ، لكانت استجابة دعائه قطعية أيضاً ، وهو أيضاً من نوع الإضطرار . وعلينا أن نفهم آيات القرآن ، وكلام حَمَلَة القرآن عليهم السلام .
نعم ، إن من القطعيات المسلَّمة أن الإنسان المضطر ، كالذي يكون منقطعاً في صحراء ، أو يضل الطريق في مكان خطر ، أو يتوجه إليه خطر من شئ فتحصل عنده حالة المضطر المنقطع ، ويلتجئ الى الله تعالى ويدعوه يا الله.. فإن دعاءه يخرق الحجب ، ويستجيب له الله تعالى قطعاً ! ولا فرق بين أن يكون هذا الإنسان شيعياً أو سنياً ، بل لا فرق بين أن يكون مسلماً أو كافراً !
وكذلك الأمر فيمن انقطع الى أولياء الله وحججه صلوات الله عليهم ، فلو أن مضطراً منقطعاً نادى: يا أبا صالح المهدي أدركني، فلا بد أن يستجيب الله له ، لأنه سبيل الله الأعظم وصراطه الأقوم ، والله تعالى هو نور السماوات والأرض الذي منه الوجود ، والإمام المهدي هو نور الله الذي به الوجود. والطلب ممن به جعل الله به الوجود ، هو ثاني الطلب من صاحب الوجود عز وجل ، الذي منه كل الوجود سبحانه ، فحكم الطلب فيهما واحد .
هذا هو الأمر الأول عن تأثير الإضطرار .
أما الأمر الثاني، فهو أن المضطر قد يكون مضطراً الى جاه أو مال أو أمر دنيوي أو أخروي ، وكل هؤلاء يستجاب لهم فيما اضطروا إليه عند انقطاعهم ودعائهم. لكن في هؤلاء المضطرين أناسٌ ليسوا مضطرين الى دنياً ولا إلى آخرة ، بل مضطرون الى الله تعالى ، ولا يعرفون غيره ، ولا يشعرون بغيره ! فهؤلاء يصلون الى المقام الذي قال عنه الإمام الحسين عليه السلام في دعائه:ماذا وجد من فقدك، وما الذي فقد من وجدك، لقد خاب من رضي دونك بدلاً، ولقد خسر من بغي عنك متحولاً،كيف يرجى سواك وأنت ماقطعت الإحسان، وكيف يطلب من غيرك وأنت ما بدلت عادة الإمتنان ). ( البحار:95/226 ) (5)
فهؤلاء وجدوا الله تعالى ولم (يجدوا) غيره ، وبذلك يحصلون على كل شئ . ونفس الكلام يقال بالنسبة إلى المضطر إلى ولي الله الأعظم صلوات الله عليه، فلو اضطر اليه لشئ من الدنيا أو الآخرة ، وتوسل به الى الله منقطعاً ، فسوف يحصل على نظرة وعناية منه يكون بها تلبية حاجته.
لكن هذه الحاجات تشبه حاجات الأطفال بالنسبة الى حاجة المضطر إلى نفس ولي الله الأعظم صلوات الله عليه ، ومن كانت حاجته من ربه نفس الإمام عليه السلام ، فذلك سيحظى به ويكون في مرتبة: وما الذي فقد من وجدك؟! وعند ذلك يكون تعامل الإمام عليه السلام معه كما يقولون عن الإكسير.
يقولون إن الإكسير إذا مس أي شئ تحول الى مادة أطلقوا عليها اسم الكبريت الأحمر ، والكبريت الأحمر إذا مس أي مادة تحولت الى الذهب الخالص ! فهنا ثلاث مراحل ، كما أن في الإضطرار الى الإمام عليه السلام والوصول إليه ثلاث مراحل وثلاثة مقامات . ولا يتسع الوقت لشرح هذه المقامات.
على أي حال يقول عليه السلام طبق ما نقله المجلسي رحمه الله في المزار: إذا أردتم التوجه بنا إلى الله وإلينا، فقولوا كما قال الله تعالى: سلامٌ على آل يس. .الخ.).
تعليق