بسم الله الرحمن الرحيم اللهم صلِّ على محمد وآل محمد الطيبين الطاهرين
نصائح لطلبة العلوم الدينية من سماحة آية الله السيد محمد باقر السيستاني (دام عزه) نجل المرجع الكبير آية الله العظمى السيد علي الحسيني السيستاني (دام ظله الوارف) حيث قال:
ينبغي لطالب علم الفقه أن يلتفت إلى أمور:
الأمر الأول: أن يتأمل رسالته في الحياة ، ويهذّب نفسه لينسجم حاله مع أداء الرسالة ، وليعلم أن علم الدين ليس كالعلوم الأخرى في احتياجه إلى المتابعة ، والنظر ، والمراجعة ، والتتبع فقط ، بل أراد الله سبحانه وتعالى ، وحججه عليهم السلام أن يكون طالب علم الدين متصفاً بمحاسن الأخلاق مبتعداً عن الرذائل ، وجاعلاً الله تعالى نصب عينيه طوال هذه المسيرة ، وأن يكون هدفه هو أن يصبح امتداداً للأنبياء ، والأوصياء في جانب الهداية ، وكل هذا يتوقف على إخلاص النية ، وتأمل حال العلماء السابقين (قدس سرهم) فضلاً عن الأئمة عليهم السلام.
ومما ينبغي أن يعلمه طالب العلم أن الناس يحتاجون إضافةً إلى الإرشاد ، والوعظ إلى هدايةٍ صامتة ، وذلك من خلال سلوكه الحسن ، وعمله الدائم وعلمه الجم ، وإذا وجد الناس طلبة العلم يحملون هذه الصفات الحسنة ، فإن ذلك سيوجب حصول هيبة الدين في أنفسهم ، وقناعتهم به ، ورسوخ العقائد عندهم ، وأما إذا كان أمر الطالب على العكس ، فإن ذلك سيؤدي إلى بعدهم عن الدين ، ويكون حال طالب العلم حينئذٍ كقاطع الطريق ، إذ أنه قطع الطريق بين الناس وبين الله تعالى.
وللأسف ، فإن بعضنا!!!!! يرى أنه في أمان من عذاب الله ، وغضبه سوا ء كان ذلك بسبب ولاية أهل البيت عليهم السلام ، أو غيرها ، وكأنه غفل عن أن هذه الدنيا فتنة، وكل أحوالها ، وما يأتي فيها إنما هو عبارة عن ابتلاء وامتحان يحتمل فيه النجاح والخسران ، وإذا كان حالنا كذلك ، فكيف يتأتى لنا أن نؤدي رسالة الله في الحياة ؟!
والحاصل: أن علينا أن نتأمل في أنفسنا أي الطريقين نسلك ؛ إذ أن موقعنا موقعٌ حساس للغاية ، فمن أحسن السير في هذه المسيرة ، فإنه يُرجى أن يكون خير الناس ، وملحقاً بالأنبياء ، والأوصياء ، والشهداء ، والصديقين ، وحسن أولئك رفيقاً كما هو شأن العلماء الصالحين ، ومن لم يُحسن - والعياذ بالله – فإنه سيكون أسوأ حالاً من الفجّار المجرمين.
ومما ينبغي التأكيد عليه هو ضرورة تهذيب الباطن ، والظاهر معا ؛ حيث إن مثل العالم ليس كمثل العابد في أنه يمكنه أن يعبد الله كيفما شاء ، وليس عليه وظيفة تجاه الناس ، فإنّ العالم عليه وظيفة أداء الرسالة تجاه الناس ، ومن ثمّ اختلف ثوابه عن ثواب العابد كما ورد في الروايات.
الأمر الثاني: العلم بصعوبة تحصيل الفقه ، إذ وصول الطالب لمستوى النضج في الفقه ليس بالأمر السهل ، بل يحتاج إلى جهد كبير ، ومتابعة كثيرة ، وإلى الانعزال عن كثير من الأمور المزاحمة للتحصيل ، فقد بلغ هذا العلم الشريف في هذا العصر مبلغاً كبيراً من التطور كما أنه يحتاج إلى تطوير أيضا ، ولا يخفى أن الإحاطة بالموجود منه - فضلاً عن التطوير - يحتاج إلى عشرات السنين من الجهد المركّز ، وإن لم نقم بحفظ الموجود والسير إلى الأمام فإننا سنتراجع إلى الخلف.
وربما يتأمل الحريص والمجد في نفسه بعد مضي شطر من الزمان ، فيجد أنه قصر به المسير ، وأنه لم يدرك إلا شيئاً قليلاً ، فكيف بمن لم يهتم بهذه الجهة أصل اً؟!
وإن المتسرعين في هذه العلوم هم في الحقيقة جهلة قد أهوتهم الدنيا ، وتمسكوا ببعض الشبهات خصوصاً شبهة خدمة المجتمع ، وكم رأينا أشخاصاً يدخلون في هذه الأمور ثم ينتهي بهم الأمر إلى الولوج في المعاصي الواضحة ، والادعاءات المبالغ فيها.
الأمر الثالث: إن المنهج الفقهي يتأثر بمطلق العلوم الحوزوية من علوم القرآن ، واللغة ، وغيرها ، وأهم علم مؤثر في الفقه هو علم الأصول ، ثم علوم اللغة والبلاغة ، بمعنى فهم أسلوب الكلام العربي.
وهناك بُعدٌ ثالث لعلم الفقه وهو الجانب القانوني ، حيث إن الفقه يمثّل تقنيناً للحياة خصوصاً فقه المعاملات ، ولذا فإنه يرتكز كثيراً على الذهنية القانونية والالتفات إلى المناسبات ، والاعتبارات القانونية ، وجُلّ فقه المعاملات مبني على القواعد العقلائية حتى أن الأحكام الشرعية في أغلبها مبنية على أسس معقولة ومفهومة ، وليست أسساً تعبّدية ، فهي أشبه بالأحكام الإمضائية ، ومن ثمَّ يكون للعقل القانوني - ولو القانون الوضعي - دخلٌ تام في سعة آفاق الفقيه وقدرته على فهمٍ أنضج للمسائل .
ومما ينبغي الإلفات له في الختام أن من الصفات السيئة في مجتمعاتنا أن المجتمع يعذر طالب الطب ، وطالب العلوم الدقيقة في الجامعات عند انشغاله وعزلته ، ويرون في ذلك الصلاح له ولمجتمعه في المستقبل ، إلا أنهم يتوقعون ويريدون من طالب العلم أن يتفرغ للمجتمع بالمعاشرة والانشغال بأمورهم ، وللأسف ، فإن لنا دخلاً في ذلك ؛ إذ أننا لا نراعي ثقافة العلم وضوابطه ومقدماته ، فهل اتفق لأحدنا أن خشي الله سبحانه وتعالى إن طال به الجلوس في مكان يخلو من مذاكرة العلم ، أو أكثر من الانشغال بالأمور الاجتماعية ومن سماع الأخبار وما أشبه ذلك ؟!