بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على المبعوث رحمة للعالمين محمد وعلى آله الميامين
إن الأشياء حينما تقترن لابدّ وأن يكون هناك صلة او رابطة لتحقق حدوث هذا الإقتران ، فعلى سيل المثال حينما تسمع بالنار يتبادر الى ذهنك الدخان ، وحينما ترى الغيوم يأخذك الفكر الى المطر، وهنا يمكن ان نقول لماذا يحدث هذا ؟ ، نعم إن وجود الدخان يتطلب حدوث حريق ما ، وحدوث الحريق يتطلب وجود النار ، ولذلك حينما تذكر الدخان تتذكر النار ، والعكس لايخلو من وجه ، وكذا الحال بالنسبة للمثال الثاني فإن وجود المطر يتوقف على وجود الغيوم ، ووجود الغيوم يبعث هاجسا في الأذهان على احتمال هطول المطر، ولذا حينما يرى الإنسان المطر يتيقن بوجود الغيوم ، وحينما يرى الغيوم يحتمل هطول المطر ، والنتيجة هي القاعدة التي انطلقنا منها وهي أن الأشياء حينما تقترن لابدّ أن تكون هناك صلة أو رابطة او ارتباط لتحقق هذا الإقتران.
ومن هنا يطرح السؤال نفسه أنه لماذا حينما يذكر أبي الفضل العباس عليه السلام يتبادر الى ذهن السامع صفة المواساة ؟
فلابدّ من وجود ارتباط او صلة ما بين ابي الفضل العباس عليه السلام وبين المواساة ، ومن هنا يمكننا القول او السؤال ما هذه الصلة أو ماهذا الإرتباط ؟
والجواب ان هذه الصلة او هذا الارتباط بين ذكر أبي الفضل العباس عليه السلام وبين المواساة هي مواقف المواساة الراقية التي صدرت من ابي الفضل العباس عليه السلام تجاه سيده وأخيه الإمام الحسين عليه السلام .
إن مواقف المواساة المتدفقة من ابي الفضل العباس عليه السلام لم تكن وليدة يوم الطف كما يتصورها البعض ، بل إنه ولد من رحم المواساة ، حتى صارت عنده المواساة جزء من فكره وعقيدته السامية.
نعم قد وصلت ذروة المواساة من قبل ابي الفضل العباس عليه السلام في يوم عاشوراء ، حيث سقطت كل المعاني منكسرة الظهر حين رأت مواقفه المواسيه لاخيه الذي كان يجسّد وجود الإمام المفترض على العباد طاعته .
فإن مواساة أبي الفضل العباس عليه السلام لأخيه الحسين عليه السلام كانت لها أسباب متعددة منها :
1. لأن المواساة صفة نبيلة وأبي الفضل العباس عليه السلام كان خير أنموذج للإنسان النبيل.
2. لأن الإمام الحسين عليه السلام مظلوم ، ومقتضى الشرف يفرض على الإنسان نصرة المظلوم.
3. لأن الإمام الحسين عليه السلام كان يمثل الامام المفترض على العباد طاعته ، وهو وريث الأنبياء ، وربييب النبوة.
4. لأن نصرة الإمام الحسين عليه السلام تعني نصرة النبي الأعظم صلى الله عليه واله ، ونصرة امير المؤمنين عليه السلام ونصرة السيدة فاطمة الزهراء عليها السلام ونصرة الامام الحسن عليه السلام.
وهو القائل فيما روي عنه يوم الطف :
لا أرهب الموت إذا الموت رقا حتى أواري في المصاليت لقى
نفسي لنفس المصطفى الطُّهر وقـا إنّي أنا العبّاس أغدو بالسقا
و لا أخاف الشرّ يوم الملتقى
5. لأن نصرة الإمام الحسين عليه السلام تعني بقاء الإسلام ، ونصرة دين الله ، وبالتالي نصرة الله تعالى ، وحيث قال تعالى : ( إن تنصروا الله فلا غالب لكم).
ونجد أن مواقف أبي الفضل العباس عليه السلام قد تكللّت بأرقى صور المواساة ، فألا تنحني الكلمات والتعابير ، والأقلام والأنامل ؟! ، والأتركع المعاني والأفكار ؟! ، بما رسم ابي الفضل العباس عليه السلام من روائع صور المواساة ، وأجمل الصور كانت أنه عليه السلام حينما ضاق صدره مما فعله الكافرون من شيعة ابي سفيان ومعاوية ويزيد من جرائم ومجازر حرقت قلب الإنسانية ، وحينما طلب من أخيه الامام الحسين عليه السلام النزول للقتال ، أبى الامام الحسين عليه السلام ذلك ، وكلّفه بمهمة جلب الماء لسقي الأطفال والنساء ، ولكن هذا الليث الغاضب ما إن وصل القوم المجرمين ، حتى فروا من بين يديه كما تفر الحمير من القسورة ، ولكن هنا شاهد البحث ، أنه عليه السلام حينما وصل الماء وأحسّ ببرودته ، إغترف غرفة ليشرب ، إلا أنه رمى الماء ولم يشرب!! ، رغم ألم العطش ، رغم ضرورة ذلك لجسمه وصحته ، رغم صعوبة الموقف إذ لايمكن للفارس أن يقاتل وهو في ذروة الظمأ، يقول الراوي : ( فلما إغترف غرفة ليشرب ، تذكر عطش أخيه الحسين عليه السلام ، فرمى الماء ولم يشرب!) وقال فيما روي عنه :
يا نفس من بعد الحسين هوني
من بعده لا كنتِ أن تكوني
هــذا الحسين وارد المـنـون
و تـشـربـيـن بــارد الـمعـين
تالله ما هاذا فعال ديني
فنلاحظ أن السر الذي جعل ابي الفضل العباس عليه السلام يرمي الماء ولايشرب هو تذكره لعطش أخيه الإمام الحسين عليه السلام ، فنجد أن أبا الفضل العباس عليه السلام قرّر أن يواسي أخيه الامام الحسين عليه السلام حتى في مثل تلك اللحظات البالغة الصعوبة.
ومن هنا نعرف قطرة من بحر معنى ما ورد في زيارة ابي الفضل عليه السلام على لسان الامام الصادق عليه السلام : (فنعم الأخ المواسي لأخيه).
ولهذا فقد اقترن ذكر ابي الفضل العباس عليه السلام بذكر المواساة ، واقترنت المواساة بذكره عليه السلام.
فنعم الأخ المواسي لأخيه ، المجيب الى طاعة ربه ، الراغب فيما زهد فيه غيره من الثواب الجزيل ، والثناء الجميل ، فألحقه الله بدرجة آبائه في جنات النعيم.
الكاتب : مهند السهلاني
تعليق