بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله الطاهرين
عدّه الشيخ الطوسي في رجاله من أصحاب أميرالمؤمنين والإمام الحسن والإمام الحسين عليهمالسلام
وروى الطريحي في منتخبه مرسلاً قال : إنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله كان يوماً مع جماعة من أصحابه مارّاً في بعض الطرق وإذا هم بصبيان يلعبون في ذلك الطريق ، فجلس النبيّ عند صبيّ منهم وجعل يقبّل ما بين عينيه ويلاطفه ثمّ أقعده في حجره وهو مع ذلك يكثر تقبيله ، فقال له بعض الأصحاب : يا رسول الله ، ما نعرف هذا الصبي الذي قد شرّفته بتقبيلك وجلوسك عنده وأجلسته في حجرك ولا نعلم من أين هو؟
فقال النبيّ : يا أصحابي ، لا تلوموني فإنّي رأيت هذا الصبيّ يوماً يعلب مع الحسين ورأيته يرفع التراب من تحت أقدامه ويمسح به وجهه وعينيه مع صغر سنّه فأنا من ذلك اليوم بقيت أُحبّ هذا الصبي حيث أنّه يحبّ ولدي الحسين فأحببته لحبّ الحسين وفي يوم القيامة أكون شفيعاً له ولأبيه ولأُمّه كرامة له ، ولقد
أخبرني جبرئيل أن يكون هذا الصبي من أهل الخير والصلاح ويكون من أنصار الحسين في وقعة كربلاء
فضائل حبيب ..
في رجال الكشّي بسنده عن فضيل بن الزبير قال : مرّ ميثم التمّار على فرس له فاستقبل حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجل بني أسد فتحدّثا حتّى اختلف أعناق فرسيهما ثمّ قال حبيب : لكأنّي بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطّيخ عند دار الرزق قد صلب في حبّ أهل بيت نبيّه عليهالسلام ويبقر بطنه على الخشبة. فقال ميثم : وإنّي لأعرف رجلاً أحمر له ضفيرتان بخرج لنصر ابن نبيّه فيقتل ويجال برأسه بالكوفة ، ثمّ افترقا. فقال أهل المجلس : ما رأينا أحداً أكذب من هذين.
قال : فلم يفترق أهل المجلس حتّى أقبل رُشيد الهجري فطلبهما فسال أهل المجلس عنهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا ، فقال رُشيد : رحم الله ميثماً نسي : ويزاد في عطاء الذي يجيء بالرأس مأة درهم ، ثمّ أدبر. فقال القوم : هذا والله أكذبهم فقال القوم : هذا والله ما ذهبت الأيّام والليالي حتّى رأيناه
مصلوباً على باب دار عمرو بن حريث وجيء برأس حبيب بن مظاهر وقد قتل مع الحسين عليهالسلام ورأينا كلّ ما قالوا ..
وقال الكشّي في رجاله أيضاً : وكان حبيب من السبعين الرجال الذين نصروا الحسين عليهالسلام ولقوا جبال الحديد ، واستقبلوا الرماح بصدورهم والسيوف بوجوههم ، وهم يعرض عليهم الأمان والأموال فيابون ويقولون : لا عذر لنا عند رسول الله صلىاللهعليهوآله إن قتل الحسين ومنّا عين تُطرف ، حتّى قُتلوا حوله
وفي أعيان الشيعة المجلّد العشرين ، يقول في ترجمة حبيب : أبوالقاسم استشهد مع الحسين عليهالسلام بكربلاء سنة ظ¦ظ، .. كان عمره ظ§ظ¥ سنة وكان يحفظ القرآن كلّه وكان يختمه في كلّ ليلة من بعد صلاة العشاء إلى طلوع الفجر وكان يسكن الكوفة واتخذها منزلاً ، واشترك في حروب أميرالمؤمنين الثلاثة وكان من خواصّه وحملة علومه.
وفي رواية عليّ بن الحكم : حبيب من أصفياء أميرالمؤمنين عليهالسلام ومنهم عمرو ابن الحمق ومحمّد بن أبي بكر وميثم بن يحيى التمّار ورُشيد الهجري وحبيب بن مظاهر الأسدي.
وفي مجالس المؤمنين للقاضي نوالله : حبيب بن مظاهر الأسدي محسوب من أكابرالتابعين ، ثمّ حكى عن كتاب روضة الشهداء ما ترجمته : إنّه تشرّف بخدمة رسول الله صلىاللهعليهوآله وسمع منه أحاديث وكان معزّزاً مكرّماً بملازمة حضرة المرتضى ...
أخبار حبيب في واقعة كربلاء وشهادته عليهالسلام
كان حبيب بن مظاهر من الذين كتبوا إلى الحسين عليهالسلام مع كاتبه في بيت سليمان ابن صرد الخزاعي حتّى قدم الكوفة مسلم بن عقيل وفي بيت المختار اجتمع
حولة الشيعة للبيعة منهم عابس بن شبيب الشاكري ، فقام فحمد الله وأثنى عليه ثمّ قال : أمّا بعد ، فإنّي لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرّك منهم ، وإليه أُحدّثك عمّا أنا موطّن نفسي عليه ، والله لأُجيبنّكم إذا دعوتم ولأُقاتلنّ معكم عدوّكم ، ولأضربنّ بسيفي دونكم حتّى ألقى الله لا أُريد بذلك إلّا ما عند الله. فقام حبيب بن مظاهر (الفقعسي) فقال : رحمك الله قد قضيت ما في نفسك بواجز من قولك ، ثمّ قال : وأنا والله الذي لا إله إلّا هو على مثل ما هذا عليه ..
وفي البحار وغيره : إنّ حبيباً لمّا ورد أرض كربلاء أقبل إلى الحسين عليهالسلام فقال : يابن رسول الله ، هاهنا حيّ من بني أسد بالقرب منّا ، أتأذن لي في المصير إليهم فأدعوهم إلى نصرتك فعسى الله أن يدفع بهم عنك؟ قال : قد أذنت لك ، فخرج حبيب إليهم في جوف الليل متنكّراً حتّى أتى إليهم فعرفوه أنّه من بني أسد ،
فقالوا : ما حاجتك؟ فقال : إنّي قد أتيتكم بخير ما أتى به وافد إلى قوم ، أتيتكم أدعوكم إلى نصرة ابن بنت نبيّكم فإنّه وعصابة من المؤمنين الرجل منهم خير من ألف رجل ، لن يخذلوه ولن يسلّموه أبداً ، وهذا عمر بن سعد قد أحاط به أنتم قومي وعشيرتي ، وقد أتيتكم بهذه النصيحة فاطيعوني اليوم في نصرته تنالوا به شرف الدنيا والآخرة ، فإنّي أُقسم بالله لا يقتل أحد منكم في سبيل الله مع ابن بنت رسول الله محتسباً إلّا كان رفيقاً لمحمّد صلىاللهعليهوآله في علّيّين.
قال : فوثب إليه رجل من بني أسد يقال له عبدالله بن بشر ، فقال : أنا أوّل من يجيب إلى هذه الدعوة ،
ثمّ تبادر رجال الحيّ حتّى التأم منهم تسعون رجلاً فأقبلوا يريدون الحسين عليهالسلام وخرج رجل في ذلك الوقت من الحيّ حتّى صار إلى عمر بن سعد فأخبره بالحال ، فدعا ابن سعد برجل من أصحابه يقال له الأزرق فضمّ إليه أربعمائة فارس ووجّه نحو حيّ بني أسد ، فبينما أُولئك القوم قد أقبلوا يريدون عسكر الحسين عليهالسلام في جوف الليل إذ استقبلتهم خيل ابن سعد على شاطئ الفرات وبينهم وبين عسكر الحسين اليسير ، فناوش القوم بعضهم بعضاً واقتتلوا قتالاً شديداً ، وصاح حبيب بن مظاهر بالأزرق : ويلك مالك ولنا ، انصرف عنّا ودعنا يشقى بنا غيرك ، فأبى الأزرق أن يرجع ، وعلمت بنو أسد أنّه لا طاقة لهم بالقوم فانهزموا راجعين إلى حيّهم ، ثمّ إنّهم ارتحلوا في جوف الليل خوفاً من ابن سعد أن يبيّتهم ، ورجع حبيب بن مظاهر إلى الحسين عليهالسلام فخبّره بذلك ، فقال عليهالسلام :
لا حول ولا قوّة إلّا بالله (إنّا لله وإنّا إليه راجعون)
وذكر أبو جعفر الطبري
لمّا خطبهم الإمام الحسين عليهالسلام صاح به الشمر : أنا أعبد الله على حرف إن كنت أدري ما تقول ، فأجابه حبيب : والله إنّي لأراك تعبد الله على سبعين حرفاً وأنا أشهد أنك صادق ما تدرى ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، وجعل عليه غشاوة غضبه فلست تدري ما يقول ، إنّما أنت بهيمة.
وكذلك عصر يوم التاسع (تاسوعاء) عندما حمل العسكر على خيام الحسين عليهالسلام ، قال للحسين قمر بني هاشم عليهماالسلام : يا أخي ، إنّ القوم دنوا من الخيام ، فقال : اذهب إليهم وانظر ما الذي يريدون ، فأقبل عليهم ومعه حبيب بن مظاهر وزهير بن القين وجماعة من الأصحاب ، فأخبروهم أنّ خبراً عاجلاً جائهم من عبيدالله بن زياد بعرض البيعة ليزيد عليهم فإن أبوا عاجلوهم الحرب ، فقال لهم أبوالفضل : لا تعجلوا حتّى آتيكم بالجواب ، فقصد أبوالفضل المخيّم ووقف قبالتهم الأصحاب ، فقال حبيب لزهير : كلّم القوم ، فقال زهير عليهالسلام : بل أنت كلّمهم ، فقال حبيب : معاشر القوم ، «أما والله لبئس القوم عند الله غداً قوم يقدمون عليه قد قتلوا ذرّيّة نبيّه عليهالسلام وعترته وأهل بيته وعبّاد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار والذاكرين الله كثيراً»
فقال له عزرة بن قيس : إنّك لتزكّي نفسك ما استطعت ،
، إلى أن يقول عن الحوراء زينب عليهاالسلام أنّها لأخيها الحسين عليهالسلام : أخي ، هل استعلمت من أصحابك نيّاتهم فإنّي أخشى أن يسلموك عند الوثبة واصطكاك الأسنّة ، فبكى عليهالسلام وقال : أما والله لقد نهرتم وبلوتهم وليس فيهم إلّا الأشوس الأقعس ، يستأنسون بالمنيّة دوني استئناس الطفل بلبن أُمّه.
فلمّا سمع هلال ذلك بكى رقّة ورجع وجعل طريقه على منزل حبيب بن مظاهر ، فرآه جالساً وبيده سيف مصلت ، فسلّم عليه وجلس على باب الخيمة ، ثمّ قال له : ما أخرجك يا هلال؟ فحكيت له ما كان ، فقال : أي والله لولا أمره لعاجلتهم وعالجتهم هذه الليلة بسيفي ، ثمّ قال هلال : يا حبيب ، فارقت الحسين عليهالسلام عند أُخته وهي في حال وجل ورعب وأظنّ أنّ النساء أفقن وفارقنها في الحسرة والزفرة ، فهل لك أن تجمع أصحابك وتواجههنّ بكلام يسكن قلوبهنّ ويذهب رعبهنّ فلقد ... منها ما لا قرار لي مع بقائه ، فقال له : طوع إرادتك.
فبرز حبيب ناحية وهلال إلى جانبه وانتدب أصحابه فتطالعوا من منازلهم فلمّا اجتمعوا قال لبني هاشم : ارجعوا إلى منازلكم لا سهرت عيونكم ، ثمّ خطب أصحابه وقال : يا أصحاب الحميّة وليوث الكريهة ، هذا هلال يخبرني الساعة بكيت وكيت ، وقد خلّف أُخت سيّدكم وبقايا عياله يتشاكين ويتباكين ، أخبروني عمّا أنتم عليه ، فجرّدوا صوارمهم ورموا عمائمهم ، وقالوا : يا حبيب ، أما والله الذي منّ علينا بهذا الموقف لئن زحف القوم لنحصدنّ رؤسهم ولنلحقنّهم بأشياخهم أذلّاء صاغرين ، ولنحفظنّ وصيّة رسول الله صلىاللهعليهوآله في أبنائه وبناته. فقال : هلمّوا
معي ، فقام يخبط الأرض وهم يعدون خلفه حتّى وقف بين أطناب الخيم ونادى : يا أهلنا ، يا سادتنا ويا معاشر حرائر رسول الله ، هذه صوارم فتيانكم آلوا أن لا يغمدوها إلّا في رقاب من يبتغي السوء فيكم ، وهذه أسنّة غلمانكم أقسموا أن لا يركضوها إلّا في صدور من يفرّق ناديكم.
فقال الحسين عليهالسلام : أُخرجن عليهم يا آل الله ، فخرجن وهنّ ينتدبن وهنّ يقلن : حاموا أيّها الطيّبون ، نحن الفاطميّات ، ما عذركم إذا لقينا جدّنا رسول الله صلىاللهعليهوآله وشكونا إليه ما نزل بنا ، وقال أليس حبيب وأصحاب حبيب كانوا حاضرين يسمعون وينظرون؟ فوالله الذي لا إله إلّا هو لقد ضجّوا ضجّة ماجت منها الأرض واجتمعت لها خيولهم وكان لها جولة واختلاف وصهيل حتّى كأنّ كلّاً ينادي صاحبه وفارسه ..
وكذلك حضر حبيب مع الإمام عليهالسلام على جسد مسلم بن عوسجة ، وبه رمق ، فقال : رحمك ربّك يا مسلم بن عوسجة (فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلاً) ودنا منه حبيب بن مظاهر ، فقال : عزّ عليَّ مصرعك يا مسلم ، ابشر بالجنّة ، فقال له مسلم قولاً ضعيفاً ، فقال له حبيب : لولا أنّي أعلم أنّي في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصيني بكلّ ما أهمّك حتّى أحفظك في كلّ ذلك بما أنت أهل له في القرابة والدين. قال : بل أنا أُوصيك بهذا رحمك الله ـ وأهوى بيده إلى الحسين عليهالسلام ـ أن تموت دونه ، فقال : أفعل وربّ الكعبة (إن شاء الله) (ولأنعمنّك عيناً)
وكذلك عندما استمهلوهم للصلاة ولما فرغوا من الصلاة قال حبيب للإمام الحسين عليهالسلام : يابن رسول الله ، لقد حان الوقت للقدوم على جدّك رسول الله صلىاللهعليهوآله فإن كانت لك حاجة إلى جدّك فمرني بتبليغها.
وفي مهيّج الأحزان ، قال الإمام عليهالسلام لحبيب عليهالسلام : أنت ذكرى جدّي وأبي وقد أخذك المشيب فكيف أرضى بدخولك ميدان القتال؟ فبكى حبيب وقال : أُريد أن ألقى جدّك وقد ابيضّ وجهي عنده وأكون عند أبيك وأخيك معدوداً من أنصارك.
مقتل حبيب رضياللهعنه
ويقول ابن الأثير في الكامل : كان حبيب بن مظاهر على ميسرة أصحاب الحسين عليهالسلام.
وفي ناسخ التواريخ : إنّ الحصين بن نمير الملعون دخل ميدان الحرب يرتجز ويدعو حبيباً للمبارزة ، فودّع الإمام عليهالسلام وحمل على جيش الأعداء كأنّه شعلة نار ، فضرب الحصين بن نمير على خرطومه فقطع أنفه ، فوقع من هول الضربة إلى الأرض من على ظهر فرسه ، فأراد حبيب أن يجهّز عليه فحمل أصحابه على حبيب فاستنقذوه ، فحمل حبيب عليهم كالليث الغضبان يحمل على قطيع الثعالب فجدّل الأبطال وخاض الأهوال مع كبر سنّه وشدّة عطشه حتّى قتل منها اثنين وستّين رجلاً وأرسلهم إلى نار الله الموصدة ، وصاح فيهم صيحة الأسد الباسل ، وأخذ يرتجز ويقول :
أنا حبيب وأبي مظاهر فارس هيجاء وليث قسور
وأنتم عند العديد أكثر ونحن أعلى حجّة وأظهر
وأنتم عند الوفاء أغدر ونحن أوفى منكم وأصبر
وفي يميني صارم مذكّر وفيكم نار الجحيم تسعر
فطعنه بديل بن صريم التميمي بحربته فوقع على الأرض فأراد أن يقوم فعاجله الحصين بن نمير لعنه الله الذي ينتظر منه غرّة بضربة انتقاماً لنفسه من ضربة حبيب التي سبقت ، ثمّ ترجّل من فرسه واحتزّ رأسه
وفي البحار : فهدّ مقتله الحسين عليهالسلام
و بان الانكسار في وجه الحسين من قتل الحبيب ، وقال عليه السلام : عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي.
-----------------------------
المصدر
فرسان الهيجاء- ذبيح الله المحلاتي -بتصرف
تعليق