دعاء أبي حمزة الثمالي
اِلهي لا تُؤَدِّبْني بِعُقُوبَتِكَ، وَلا تَمْكُرْ بي في حيلَتِكَ، مِنْ اَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يا رَبِّ وَلا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ، وَمِنْ اَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَلا تُسْتَطاعُ إلاّ بِكَ، لاَ الَّذي اَحْسَنَ اسْتَغْنى عَنْ عَوْنِكَ وَرَحْمَتِكَ، وَلاَ الَّذي اَساءَ وَاجْتَرَأَ عَلَيْكَ وَلَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ، يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ (حتّى ينقطع النّفس).
🔹اِلهي لا تُؤَدِّبْني بِعُقُوبَتِكَ :أي يا اللّه لا تعلّمني إصلاح نفسي بالعقوبة ؛ لأنّ ما يصيب الإنسان في الدنيا فهو تأديب : «وَ مَآ أَصَـبَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ »،فسأل اللّه تعالى أن يؤدّبه [ أدبا ] لا عقوبة فيه ؛
لأنّ أسباب الإصلاح منه تعالى لا تنحصر في العقوبة ، بل قد يتوب اللّه تعالى على عبده (ليتوب) ويهديه ويسدّده ويوفّقه ويكمّل عقله ويشرح صدره ويشفي قلبه من الأمراض الروحية.
🔹وَلا تَمْكُرْ بي في حيلَتِكَ: أي لا تتركني وهواي بأن يصبّ عليّ النعم مترافقاً مع العصيان.
فمكر اللّه تعالى هو إمهال اللّه تعالى عبده وتمكينه من إعراض الدنيا، واستدراجه بالنعم.
🔹مِنْ اَيْنَ لِيَ الْخَيْرُ يا رَبِّ وَلا يُوجَدُ إلاّ مِنْ عِنْدِكَ : فمن أراد خير الدارين والفوز والفلاح والعافية في الدارين ، فليطلبه من اللّه تعالى ، وليتمسّك بحبله ، وليعمل بما أمر ونهى ورغب فيه ، أو رغّب عنه ، ولينقطع إليه صادقا.
🔹وَمِنْ اَيْنَ لِيَ النَّجاةُ وَلا تُسْتَطاعُ إلاّ بِكَ، :من أراد الخلاص من العذاب الأُخروي والهلكة في الدارين أيضا ، فليطلب من اللّه عزّ وجلّ ، وليسلك الصراط المستقيم.
ومن المعلوم أن ليس المراد إنكار الأسباب والعلل المادّية ، بل المراد عدم الاتّكال إليها، والعلم بأنّها أسباب ومؤدّاة ، وإنّما الأسباب كلّها وسببيّتها وتأثيرها للّه تعالى وبإذنه ، وهو مسبّب الأسباب ، فلا يغترّ الإنسان بالأسباب الظاهرية ، وينقطع إليها ويأمن فوات مطلوبه أو ييأس عن النجاح والفوز عند انعدام الأسباب الظاهرية ، وليس التوكّل على اللّه سبحانه إيكال الأمر إليه بمعنى ترك الأسباب الظاهرية ، بل هو العمل بما أمر اللّه تعالى من الاستفادة من الأسباب والاستعانة منه تعالى في الوصول إلى مراده ، ولا حول ولا قوّة إلّا باللّه .
🔹لاَ الَّذي اَحْسَنَ اسْتَغْنى عَنْ عَوْنِكَ وَرَحْمَتِكَ: لأنّ الإنسان يعمل الصالحات ويتجنّب السيّئات بحوله وقوّته وتوفيقه وهدايته ، وكذلك يحتاج إليه في حفظها من البطلان وموانع القبول.
🔹وَلاَ الَّذي اَساءَ وَاجْتَرَأَ عَلَيْكَ وَلَمْ يُرْضِكَ خَرَجَ عَنْ قُدْرَتِكَ: لأنّ من أساء واجترأ على اللّه تعالى لم يخرج عن حيطة قدرته وسلطنته ، بل يأخذه حينما أراد أخذ عزيزٍ مقتدر.
فمن أحسن لا يمكن أن يغترّ ويترك الاستعانه منه تعالى ، والذي عصى لا ييأس من رحمته ، بل يجب عليه أن يتوب إلى اللّه تعالى ويستغفره.
🔹 يا رَبِّ يا رَبِّ يا رَبِّ (حتّى ينقطع النّفس).
عن أبي عبداللّه عليه السلام قال : «من قال : يا ربّ يا ربّ حتّى ينقطع النفس ، قيل له : لبّيك ما حاجتك؟»
ولعلّ النداء بلفظ الربّ وتكراره لما اشتمل عليه من التوحيد في الخلق والتدبير والأمر والنهى ؛ لأنّ المشركين لم يكن شركهم في الخلق ؛ لأنّهم إذا سُئلوا من خلق السماوات والأرض؟ ليقولنّ اللّه ، بل كان شركهم في الربوبية والتدبير والإعطاء والمنع ، فالدعاء بكلمة الربّ نفي للأرباب والتدابير والضرّ والنفع دون اللّه تعالى ، فالدعاء باسم الربّ نفي للشرك بجميع معانيه.
تعليق