بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}
اللهم صلِّ على محمد وآل محمد
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}
شدني موضوع متميز من مواضيع السيدة الفاضلة ام محمد مهدي ، وكان بعنوان (ماهي الصيغة الصحيحة للتوسل ؟) فارتأيت ان اقدم دعم للموضوع من كتب الحديث لعلماء المسلمين ، فأبدأ بهذا التوضيح البسيط :
ان قداسة مكة جاءت من بعد ما بني البيت ، وان قداسة المدينة المنورة جاءت من بعد ما دفن فيها الجثمان الطاهر لرسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وكذلك لباقي البقاع المقدسة التى احتضنت اجساد أولياء الله سلام الله عليهم ، فالمكان بالمكين ، وايضاً لا ننسى المساجد والجوامع والحسينيات ..
هذا الأماكن أضيفت الى المفضلات عن الله تعالى ، كتفضيل شهر رمضان على باقي الشهور والتفضل وصل الى اليوم والساعة ...
إذن هذه الأماكن المقدسة والشهور والايام والساعات يستحب الدعـــــاء فيها و يستحب التضرع الى الله تعالى فيها .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[1] .
من خلال التمعن بهذه الآية المباركة نجد هناك ثلاث محاور: المحور الأول: الإيمان . والمحور الثاني: التقوى . والمحور الثالث: الوسيلة ؛ وهذه المحاور هي التي توصلنا الى النجاح والفوز بالآخرة.
والذي يخصنا بهذا الموضوع " المحور الثالث "
ووسيلة التوسل الى الله تعالى متفق عليها بين علماء المسلمون ، فجاءت على النحو التالي : ــ وسيلة التوسل الأولى: هو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا .
ــ وسيلة التوسل الثانية: التوسل بعمل صالح يقوم به العبد .
ــ وسيلة التوسل الثالثة: التوسل بالنبي أو الوصي او أي مؤمن بشرط ان يكون على قيد الحياة ، "وهنا يكمن الخلاف" . وسنتعرض لهذا ونعززها بالمصادر ان شاء الله تعالى :
وما يخصنا هو وسيلة التوسل الثالثة ، وهي على النحو الآتي:
أولاً : توسل برسول الله صلى الله عليه وآله في حياته :
الله سبحانه اذا أحب انسان أنزل عليه بركاته ، والانبياء بصورة عامة محبوبين عند الله فقد اختارهم وفضلهم من بين الخلق ، وأفاض عليهم من بركاته ، واعطاهم منزلة رفيعة ومقام محمود .
ــ ما ورد في صحيح البخاري: الرواية عن أنس بن مالك ، (قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) - سنة مجاعة - ، فبينا النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) يخطب في يوم جمعه قام أعرابيٌ فقال يا رسول الله هلكَ المالُ ، وجاع العيالُ ، فادعُ الله لنا ، فرفع يديهِ - وما نرى في السماء قزعةً - فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحابُ أمثال الجبال ، ثم لم ينزلْ عن منبرهِ حتى رأيتُ المطرَ يتحادرُ على لحيته (صلى الله عليه (وآله) وسلم) . فمطرنا يومنا ذلك ، ومن الغد ، وبعد الغد ، والذي يليه حتى الجمعة الأُخرى ، وقام ذلك الأعرابيُّ – أو غيرُهُ - فقال يا رسول الله تهدَّمَ البناءُ ، وغرق المالُ ، فادعُ اللهَ لنا . فرفع يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا. فما يُشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجتْ وصارت المدينةُ مثل الجَوْبةِ ، وسال الوادي قناةُ شهراً ، ولم يجىءْ أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدَّث بالجود) [5][*].
ــ كما قد روى أحمد بن حنبل ما نصه: " أن رجلاً ضَرير البصر أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُ الله أن يُعافيَني. قال: إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئتَ أخَّرتَ ذاك، فهو خير، فقال:ادْعُه. فأمَره أن يتوضَّأ، فيُحسِن وضوءه ، فيصلِّي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيِّك محمد نبي الرحمة، يا محمد إنِّي توجَّهت بكَ إلى ربِّي في حاجتي هذه ، فتَقضِي لي ، اللَّهم فشفِّعْه فِيّ وشَفِّعني فيه). قال: ففعل الرجل، فبَرَأ ". [6].
ــ وجاء في كتاب شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام: ((... فصوبت رجلي نحو تهامة حتى وردت الأبطح وقد أجدبت الأنواء ، وأخلقت العواء ، وإذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء ، فقائل يقول : استجيروا باللات والعزى ، وقائل يقول : بل استجيروا بمناة الثالثة الأخرى ، فقام رجل من جملتهم يقال له ورقة بن نوفل - وهو ابن عم السيدة ام المؤمنين خديجة بنت خويلد (عليها السلام) - فقال : إني نوفلي وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل ، فقالوا : كأنك عنيت أبا طالب ؟ قال : هو ذاك ، فقاموا إليه بأجمعهم وقمت معهم ، فأتينا أبا طالب فخرج إلينا من داره ، فقالوا : يا أبا طالب قد أقحط الوادِ ، وأجدبت العباد ، فقم واستسق لنا ، فقال : رويدكم دلوك الشمس ، وهبوط الريح ، فلما زاغت الشمس ، أو كادت ، وإذا أبو طالب قد خرج وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب ، وفي وسطهم غلام يافع كأنه شمس ضحى تجلت عن غمامة قتماء ، فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة ، فاستجار بها ولاذ بإصبعه ، وبصبص الأغيلمة حوله . وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا حتى لت ولف ، وأسحم ، وأقتم ، وأرعد ، وأودق ، وانفجر به الوادي ، وافعوعم ( ونزل الغيث كأفواه القرب ) ، وبذلك قال أبو طالب شعرا يمدح به النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهـه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
تطـوف بـه الهـلاك من آل هاشم * فهـم عنـده في نعمة وفواضل
بميـزان صـدق لا يخس شعـيرة * ووزان حق وزنه غير عائل[7]
أقول: رسول هنا في مرحلة الطفولة ، وحسب ادعاء البعض أنّه غير معصوم ولاسيما هو طفل ، فكيف تم الاستسقاء وهطول المطر ؟ أليس هذا دليل على كرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنزلته عند الله ؟
ثانياً : التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته :
اشكالية : طلب الشفاعة من الأولياء عملُ لغواً لا تترتب عليه أيتُ فائدة ؟ (لأن هؤلاء ماتوا انتهى دورهم لأن طلب الشفاعة منهم كطلب الشفاعة من هذا الجدار) ؟
الجواب: الذين يذهبون الى الأولياء لا يخاطبون أبدانهم الفانية ، وإنما يخاطبون أرواحهم الباقية ، الروح باقية ولها ارتباط بهذا العالم ، بنحوٍ من انحاء الارتباط ، فخطاب هذه الأرواح لا يعتبر لغواً ، ولا يعتبر عملاً لا فائدة فيه .
ــ جاء في البخاري / كتاب الجنائز / باب الميت يسمع خفق النعال (عن النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) قال: إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ) [8].
ــ عن ابن عمر قال: "" وقف النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقاً ؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول. ..." [9].
ــ وقد روى ابن كثير " وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه (الشامل) الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) فجاء أعرابي ، فقال: السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول: " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً "[10]. وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهنّ القاع والأكمُ
نفسي الفـداء لقبر أنت سـاكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) في النوم فقال : يا عُتبي.. الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له" [11].
هاهنا لاحظ أن الرجل جاء إلى قبر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاطبه رغم أنه ظاهريا ميت ، وطلب منه الشفاعة ، واستشفع به إلى الله تعالى ، فغفر الله ذنبه وأعطاه حاجته.
ــ عن ثمامة بن عبد الله بن أنس (( أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيّنا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبيّنا فاسقنا ، قال فيُسقون )) [12]
لابد من وقفة قصيرة أقول ؛ لماذا لم يطلب من الله مباشرةً دون واسطة ، لماذا لم يرفع كلتا يديه ويدعو؛ ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ، لماذا طلب العون من العباس ، هذا أولاً . وثانياً: أليس هو صحابي وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو من اصحاب نظرية حسبنا كتاب الله ، وكتاب الله يقول ادعوني استجب لكم ، لماذا لم يقف هو ويستسقي بدعائه !
فلماذا أستسقا بـ العباس ، لماذا لم يأخذ غيره ؟
لِنَسَبهِ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا واضح من سياق الدعاء .
ــ قال الدارمي في سننه [42]: بسنده ... قحط أهل المدينة قحطاً شديداً ، فشكوا الى عائشة ، فقالت انظروا قبر النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) فإفتحوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا ، فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الابل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق.[13]
ــ هنالك رواية طويلة ، استقطعت منها ما يهمنا .. أمر الخليفة العباسي المعتمد على الله ابن المتوكّل بخروج الناس الى الاستسقاء ، فاستسقى احد النصارى (بعظم لنبي) . [14]
ثالثاً : التوسل بالآخرين :
ما معنى { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [15] ؟ مطلق دعاء غير الله منهيٌ عنه؟ أي واحد دعا غير الله كافر مشرك ظال ، اذن اكثر المسلمين ظالون ! حسب هذا المنطق.
الجواب : طبيعة البشر اجتماعي ، بعض البشر يحتاج الى البعض الآخر ، للمساعدة أو لقضاء حاجة ، قال الإمام الصادق (ع): (( قضاء حاجة المؤمن خيرٌ من عتقِ الف رقبةٍ، وخيرٌ من حملان الف فرسٍ في سبيل الله )).
(*) وقد روى الحاكم في [صحيحه] ، وأبو عوانه ، والبزار بسند صحيح ، وإن السني عن ابن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أن النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) قال: إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلان فليناد يا عباد الله أحبسوا .. يا عباد الله أحبسوا .. يا عباد الله أحبسوا ثلاثاً.
فإنّ الله حاضر سيحبسها[16].
(*) وقد روي الطبراني: "" إن أراد عوناً فليقل يا عباد الله أعينوني ""[17].
ذكر هذا الحديث الأئمة في كتبهم ، ونقلوه إشاعة وحفظاً للأمة ، ولم ينكروه ، منهم النووي في [الأذكار] ، وابن القيم في كتابه [ الكلم الطيب] ، وإبن مفلح في [الآداب].
قال في [الآداب] بعد أن ذكر هذا الأثر ، قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج فضللت الطريق في حجة ، وكنت ماشياً فجعلت أقول: يــا عباد الله دلّونا على الطريق ، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق. انتهى.[18]
كذلك الدعاء ليس كل من رفع يديه الى الدعاء استجاب دعائه ، البعد والقرب من الله جلّ جلاله له علاقة بسرعة استجابة الدعاء ، وكما ذكر التاريخ لنا استسقاء إمامنا المفدى ابي الحسن الرضا (عليه السلام) في أيام المؤمون العباسي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (المائدة: 35).
[5] (صحيح البخاري ، دار ابن كثير: دمشق - بيروت: الطبعة الاولى: 1423هـ - 2002م : صفحة 225، كتاب الجمعة ، 350- باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعه ، الحديث 933 ).
[*] (صحيح مسلم للإمام ابي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري كتاب صلاة الاستسقاء رقم الحديث 797 ، صفحة 444 ).
[6] (راجع مسند أحمد ج4 ص138).
[7] (شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام ، الحاج حسين الشاكري ص61).
[8] رقم الحديث ( 1273) فتح الباري شرح صحيح البخاري ص 245 .
[1338] صحيح البخاري ، دار ابن كثير، الطبعة الأولى: 1423هـ - 2002م : ص322.
[9] ( ح3980 – 3981 صحيح البخاري ؛ دار أن كثير بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى: 1423هـ - 2002م ؛ 8- باب قتل أبي جهل ج1 ص977).
[10] (النساء: 64).
[11] (راجع تفسير ابن كثير ج1 ص532).
[12] [1010]ص245. البخاري: [3710] (ص914).
[13] (كتاب ارغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي للامام سيدي عبد الله بن محمد بن الصدبق الغماري الحسني تعليق سيد حسن علي السقاف ، :ص21).
[14] الفصول المهمة: 286 .
[15] (الجن: 18).
[16] (أبو يعلي الموصلي في [المسند]: (حديث 5269) وعنه ابن السني وأبو عوانه كلّهم هن عبد الله بن مسعود ، والطبراني في [الكبير]: (حديث 10518) ، والهيثمي في [مجمع الزائد]: (ج10 / ص132) ، والألباني في [السلسلة الضعيفة]: (ج2 / ص108 ، وص109).
[17] (انظر الطبراني في المعجم الكبير)
[18] كتاب الصواعق الإلهية بالرد على الوهابية ، الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الوهاب بن سلمان ابن علي بن أحمد بن راشد بن يزيد بن مشرف النجدي الحنبلي المتوفي سنة (1310هـ ، في الرد على أخيه محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي: ص116.
هذا الأماكن أضيفت الى المفضلات عن الله تعالى ، كتفضيل شهر رمضان على باقي الشهور والتفضل وصل الى اليوم والساعة ...
إذن هذه الأماكن المقدسة والشهور والايام والساعات يستحب الدعـــــاء فيها و يستحب التضرع الى الله تعالى فيها .
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ}[1] .
من خلال التمعن بهذه الآية المباركة نجد هناك ثلاث محاور: المحور الأول: الإيمان . والمحور الثاني: التقوى . والمحور الثالث: الوسيلة ؛ وهذه المحاور هي التي توصلنا الى النجاح والفوز بالآخرة.
والذي يخصنا بهذا الموضوع " المحور الثالث "
ووسيلة التوسل الى الله تعالى متفق عليها بين علماء المسلمون ، فجاءت على النحو التالي : ــ وسيلة التوسل الأولى: هو التوسل بأسماء الله الحسنى وصفاته العليا .
ــ وسيلة التوسل الثانية: التوسل بعمل صالح يقوم به العبد .
ــ وسيلة التوسل الثالثة: التوسل بالنبي أو الوصي او أي مؤمن بشرط ان يكون على قيد الحياة ، "وهنا يكمن الخلاف" . وسنتعرض لهذا ونعززها بالمصادر ان شاء الله تعالى :
وما يخصنا هو وسيلة التوسل الثالثة ، وهي على النحو الآتي:
أولاً : توسل برسول الله صلى الله عليه وآله في حياته :
الله سبحانه اذا أحب انسان أنزل عليه بركاته ، والانبياء بصورة عامة محبوبين عند الله فقد اختارهم وفضلهم من بين الخلق ، وأفاض عليهم من بركاته ، واعطاهم منزلة رفيعة ومقام محمود .
ــ ما ورد في صحيح البخاري: الرواية عن أنس بن مالك ، (قال: أصابت الناس سنة على عهد النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) - سنة مجاعة - ، فبينا النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) يخطب في يوم جمعه قام أعرابيٌ فقال يا رسول الله هلكَ المالُ ، وجاع العيالُ ، فادعُ الله لنا ، فرفع يديهِ - وما نرى في السماء قزعةً - فو الذي نفسي بيده ما وضعها حتى ثار السحابُ أمثال الجبال ، ثم لم ينزلْ عن منبرهِ حتى رأيتُ المطرَ يتحادرُ على لحيته (صلى الله عليه (وآله) وسلم) . فمطرنا يومنا ذلك ، ومن الغد ، وبعد الغد ، والذي يليه حتى الجمعة الأُخرى ، وقام ذلك الأعرابيُّ – أو غيرُهُ - فقال يا رسول الله تهدَّمَ البناءُ ، وغرق المالُ ، فادعُ اللهَ لنا . فرفع يديه فقال: اللهم حوالينا ولا علينا. فما يُشير بيده إلى ناحيةٍ من السحاب إلا انفرجتْ وصارت المدينةُ مثل الجَوْبةِ ، وسال الوادي قناةُ شهراً ، ولم يجىءْ أحدٌ من ناحيةٍ إلا حدَّث بالجود) [5][*].
ــ كما قد روى أحمد بن حنبل ما نصه: " أن رجلاً ضَرير البصر أتَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فقال: ادْعُ الله أن يُعافيَني. قال: إن شئتَ دعوتُ لك، وإن شئتَ أخَّرتَ ذاك، فهو خير، فقال:ادْعُه. فأمَره أن يتوضَّأ، فيُحسِن وضوءه ، فيصلِّي ركعتين، ويدعو بهذا الدعاء:
(اللهم إني أسألك وأتوجّه إليك بنبيِّك محمد نبي الرحمة، يا محمد إنِّي توجَّهت بكَ إلى ربِّي في حاجتي هذه ، فتَقضِي لي ، اللَّهم فشفِّعْه فِيّ وشَفِّعني فيه). قال: ففعل الرجل، فبَرَأ ". [6].
ــ وجاء في كتاب شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام: ((... فصوبت رجلي نحو تهامة حتى وردت الأبطح وقد أجدبت الأنواء ، وأخلقت العواء ، وإذا قريش حلق قد ارتفعت لهم ضوضاء ، فقائل يقول : استجيروا باللات والعزى ، وقائل يقول : بل استجيروا بمناة الثالثة الأخرى ، فقام رجل من جملتهم يقال له ورقة بن نوفل - وهو ابن عم السيدة ام المؤمنين خديجة بنت خويلد (عليها السلام) - فقال : إني نوفلي وفيكم بقية إبراهيم وسلالة إسماعيل ، فقالوا : كأنك عنيت أبا طالب ؟ قال : هو ذاك ، فقاموا إليه بأجمعهم وقمت معهم ، فأتينا أبا طالب فخرج إلينا من داره ، فقالوا : يا أبا طالب قد أقحط الوادِ ، وأجدبت العباد ، فقم واستسق لنا ، فقال : رويدكم دلوك الشمس ، وهبوط الريح ، فلما زاغت الشمس ، أو كادت ، وإذا أبو طالب قد خرج وحوله أغيلمة من بني عبد المطلب ، وفي وسطهم غلام يافع كأنه شمس ضحى تجلت عن غمامة قتماء ، فجاء حتى أسند ظهره إلى الكعبة ، فاستجار بها ولاذ بإصبعه ، وبصبص الأغيلمة حوله . وما في السماء قزعة ، فأقبل السحاب من ها هنا وها هنا حتى لت ولف ، وأسحم ، وأقتم ، وأرعد ، وأودق ، وانفجر به الوادي ، وافعوعم ( ونزل الغيث كأفواه القرب ) ، وبذلك قال أبو طالب شعرا يمدح به النبي ( صلى الله عليه وآله ) :
وأبيض يستسقى الغمام بوجهـه * ثمال اليتامى عصمة للأرامل
تطـوف بـه الهـلاك من آل هاشم * فهـم عنـده في نعمة وفواضل
بميـزان صـدق لا يخس شعـيرة * ووزان حق وزنه غير عائل[7]
أقول: رسول هنا في مرحلة الطفولة ، وحسب ادعاء البعض أنّه غير معصوم ولاسيما هو طفل ، فكيف تم الاستسقاء وهطول المطر ؟ أليس هذا دليل على كرامة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومنزلته عند الله ؟
ثانياً : التوسل برسول الله صلى الله عليه وآله بعد وفاته :
اشكالية : طلب الشفاعة من الأولياء عملُ لغواً لا تترتب عليه أيتُ فائدة ؟ (لأن هؤلاء ماتوا انتهى دورهم لأن طلب الشفاعة منهم كطلب الشفاعة من هذا الجدار) ؟
الجواب: الذين يذهبون الى الأولياء لا يخاطبون أبدانهم الفانية ، وإنما يخاطبون أرواحهم الباقية ، الروح باقية ولها ارتباط بهذا العالم ، بنحوٍ من انحاء الارتباط ، فخطاب هذه الأرواح لا يعتبر لغواً ، ولا يعتبر عملاً لا فائدة فيه .
ــ جاء في البخاري / كتاب الجنائز / باب الميت يسمع خفق النعال (عن النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) قال: إن الميت ليسمع خفق نعالهم إذا ولوا مدبرين ) [8].
ــ عن ابن عمر قال: "" وقف النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) على قليب بدر فقال: هل وجدتم ما وعد ربُّكم حقاً ؟ ثم قال: إنهم الآن يسمعون ما أقول. ..." [9].
ــ وقد روى ابن كثير " وقد ذكر جماعة منهم الشيخ أبو منصور الصباغ في كتابه (الشامل) الحكاية المشهورة عن العتبي قال: كنت جالساً عند قبر النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) فجاء أعرابي ، فقال: السلام عليك يا رسول الله ، سمعت الله يقول: " ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول لوجدوا الله تواباً رحيماً "[10]. وقد جئتك مستغفراً لذنبي مستشفعاً بك إلى ربي. ثم أنشأ يقول:
يا خير من دفنت بالقاع أعظمه * فطاب من طيبهنّ القاع والأكمُ
نفسي الفـداء لقبر أنت سـاكنه * فيه العفاف وفيه الجود والكرمُ
ثم انصرف الأعرابي فغلبتني عيني، فرأيت النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) في النوم فقال : يا عُتبي.. الحق الأعرابي فبشره أن الله قد غفر له" [11].
هاهنا لاحظ أن الرجل جاء إلى قبر النبي الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وخاطبه رغم أنه ظاهريا ميت ، وطلب منه الشفاعة ، واستشفع به إلى الله تعالى ، فغفر الله ذنبه وأعطاه حاجته.
ــ عن ثمامة بن عبد الله بن أنس (( أنّ عمر بن الخطاب كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب فقال: اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبيّنا فتسقينا ، وإنا نتوسل إليك بعم نبيّنا فاسقنا ، قال فيُسقون )) [12]
لابد من وقفة قصيرة أقول ؛ لماذا لم يطلب من الله مباشرةً دون واسطة ، لماذا لم يرفع كلتا يديه ويدعو؛ ﴿ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ﴾ ، لماذا طلب العون من العباس ، هذا أولاً . وثانياً: أليس هو صحابي وخليفة رسول الله صلى الله عليه وآله ، وهو من اصحاب نظرية حسبنا كتاب الله ، وكتاب الله يقول ادعوني استجب لكم ، لماذا لم يقف هو ويستسقي بدعائه !
فلماذا أستسقا بـ العباس ، لماذا لم يأخذ غيره ؟
لِنَسَبهِ من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وهذا واضح من سياق الدعاء .
ــ قال الدارمي في سننه [42]: بسنده ... قحط أهل المدينة قحطاً شديداً ، فشكوا الى عائشة ، فقالت انظروا قبر النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) فإفتحوا منه كوى الى السماء حتى لا يكون بينه وبين السماء سقف ففعلوا ، فمطرنا مطراً حتى نبت العشب وسمنت الابل حتى تفتقت من الشحم فسمى عام الفتق.[13]
ــ هنالك رواية طويلة ، استقطعت منها ما يهمنا .. أمر الخليفة العباسي المعتمد على الله ابن المتوكّل بخروج الناس الى الاستسقاء ، فاستسقى احد النصارى (بعظم لنبي) . [14]
ثالثاً : التوسل بالآخرين :
ما معنى { فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا } [15] ؟ مطلق دعاء غير الله منهيٌ عنه؟ أي واحد دعا غير الله كافر مشرك ظال ، اذن اكثر المسلمين ظالون ! حسب هذا المنطق.
الجواب : طبيعة البشر اجتماعي ، بعض البشر يحتاج الى البعض الآخر ، للمساعدة أو لقضاء حاجة ، قال الإمام الصادق (ع): (( قضاء حاجة المؤمن خيرٌ من عتقِ الف رقبةٍ، وخيرٌ من حملان الف فرسٍ في سبيل الله )).
(*) وقد روى الحاكم في [صحيحه] ، وأبو عوانه ، والبزار بسند صحيح ، وإن السني عن ابن مسعود (رضي الله تعالى عنه) أن النبي (صلى الله عليه (وآله) وسلم) قال: إذا انفلتت دابة أحدكم بأرض فلان فليناد يا عباد الله أحبسوا .. يا عباد الله أحبسوا .. يا عباد الله أحبسوا ثلاثاً.
فإنّ الله حاضر سيحبسها[16].
(*) وقد روي الطبراني: "" إن أراد عوناً فليقل يا عباد الله أعينوني ""[17].
ذكر هذا الحديث الأئمة في كتبهم ، ونقلوه إشاعة وحفظاً للأمة ، ولم ينكروه ، منهم النووي في [الأذكار] ، وابن القيم في كتابه [ الكلم الطيب] ، وإبن مفلح في [الآداب].
قال في [الآداب] بعد أن ذكر هذا الأثر ، قال عبد الله بن الإمام أحمد: سمعت أبي يقول: حججت خمس حجج فضللت الطريق في حجة ، وكنت ماشياً فجعلت أقول: يــا عباد الله دلّونا على الطريق ، فلم أزل أقول ذلك حتى وقعت على الطريق. انتهى.[18]
كذلك الدعاء ليس كل من رفع يديه الى الدعاء استجاب دعائه ، البعد والقرب من الله جلّ جلاله له علاقة بسرعة استجابة الدعاء ، وكما ذكر التاريخ لنا استسقاء إمامنا المفدى ابي الحسن الرضا (عليه السلام) في أيام المؤمون العباسي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] (المائدة: 35).
[5] (صحيح البخاري ، دار ابن كثير: دمشق - بيروت: الطبعة الاولى: 1423هـ - 2002م : صفحة 225، كتاب الجمعة ، 350- باب الاستسقاء في الخطبة يوم الجمعه ، الحديث 933 ).
[*] (صحيح مسلم للإمام ابي الحسين مسلم بن الحجاج ابن مسلم القشيري النيسابوري كتاب صلاة الاستسقاء رقم الحديث 797 ، صفحة 444 ).
[6] (راجع مسند أحمد ج4 ص138).
[7] (شيخ البطحاء أبو طالب عليه السلام ، الحاج حسين الشاكري ص61).
[8] رقم الحديث ( 1273) فتح الباري شرح صحيح البخاري ص 245 .
[1338] صحيح البخاري ، دار ابن كثير، الطبعة الأولى: 1423هـ - 2002م : ص322.
[9] ( ح3980 – 3981 صحيح البخاري ؛ دار أن كثير بيروت – لبنان ، الطبعة الأولى: 1423هـ - 2002م ؛ 8- باب قتل أبي جهل ج1 ص977).
[10] (النساء: 64).
[11] (راجع تفسير ابن كثير ج1 ص532).
[12] [1010]ص245. البخاري: [3710] (ص914).
[13] (كتاب ارغام المبتدع الغبي بجواز التوسل بالنبي للامام سيدي عبد الله بن محمد بن الصدبق الغماري الحسني تعليق سيد حسن علي السقاف ، :ص21).
[14] الفصول المهمة: 286 .
[15] (الجن: 18).
[16] (أبو يعلي الموصلي في [المسند]: (حديث 5269) وعنه ابن السني وأبو عوانه كلّهم هن عبد الله بن مسعود ، والطبراني في [الكبير]: (حديث 10518) ، والهيثمي في [مجمع الزائد]: (ج10 / ص132) ، والألباني في [السلسلة الضعيفة]: (ج2 / ص108 ، وص109).
[17] (انظر الطبراني في المعجم الكبير)
[18] كتاب الصواعق الإلهية بالرد على الوهابية ، الشيخ سليمان بن الشيخ عبد الوهاب بن سلمان ابن علي بن أحمد بن راشد بن يزيد بن مشرف النجدي الحنبلي المتوفي سنة (1310هـ ، في الرد على أخيه محمد بن عبد الوهاب مؤسس المذهب الوهابي: ص116.
تعليق