بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
كل عمل يباشره الإنسان بإرادته واختياره لابد له من غاية ولا بد له من طريق يوصله إلى تلك الغاية، والإنسان الكامل هو الذي يفكر في الغاية قبل الشروع في العمل فلعل هذه الغاية غير شريفة في نظر العقل وان وافقت هوى في القلب، ولعلها لا تناسب علو الهمة وان كانت شريفة في نفسها فإن بعض الغايات يعد شريفاً ولكنه يحدد من قيمة الرجل العظيم، ولعل الاستيلاء على تلك الغاية يزاحم حقوق آخرين من أفراد الإنسان فيكون في عمله هذا ظالماً أو مستأثراًً أو العظيم أعلى همة من أن يظلم أو يستأثر.
ثم ينظر إلى الطريق فعلّها أبعد سبيل إلى الغاية فتضيع عليه طويلاً من الزمن، وليس عليه أن تكون أسهل الوسائل فإن صعوبة الجهاد تضاعف لذة الانتصار.
على الإنسان أن يتفكر في أسباب النجاح قبل الشروع في العمل، وعليه ان يتثبت في تطبيقها حين العمل، وجميع هذا يستدعي أناة في الطلب وتروياً في الفكر لئلاً يخفق في السعي ويبعد عن المقصود، وفي ذلك يقول الإمام الصادق عليه السلام: (قف عند كل أمر حتى تعرف مدخله من مخرجه قبل ان تقع فيه فتندم)[1] . ويقول أيضاً: (العامل على غير بصيرة كالسائر على غير طريق فلا تزيده سرعة السير إلا بعداً )[2] .
ويقول بعض الحكماء: (الحلم والأناة توأمان نتيجتهما علو الهمة ).
الأناة هي التثبيت في إنجاز العمل حذراً من الإخفاق، والحلم هو التثبت في إمضاء القدرة عند الغضب ترفعاً عن الظلم أو رغبة في التكرم والصفح، فالأناة والحلم توأمان متشابهان كما يقول هذا الحكيم، وأما ان نتيجتهما علو الهمة فهو حكم ليس بإمكاننا أن نصدقه في جميع الناس.
من الناس من يكتسب علو الهمة بالحلم والأناة، ومن الناس من يكتسب الحلم والأناة بعلو الهمة، والحكم الذي لا يقبل الشك ان الحلم والأناة يصحبان علو الهمة صحبة دائمة.
ويقول (ع): (من لم تكن فيه ثلاث خصال لم ينفعه الإيمان: حلم يرد به جهل الجاهل، وورع يحجزه عن المحارم. وخلق يداري به الناس)[3] .
الحلم مناعة في النفس يتحصن بها الإنسان عند هجوم الغضب وحب الانتقام، والحلم عدة الإنسان في أشد مزالقه وأخطر حالاته.
يجهل الجاهل فيحلم عنه العاقل فيكون حلمه هذا تحديداً لكبرياء النفس، وإشادة بعظمتها في الصفات وترفعاً عن مقابلة الدنيِّ من الخصال ودرساً عالياً لخصمه في الأخلاق، وتحديداً لجهل ذلك الخصم عن الزيادة، وفي التأريخ والأمثال أناس خلدهم الحلم ليكونوا مثالاً عالياً للناس.
والعرب القدماء يسودون الحليم ويذكرون في سبب ذلك: ان الحليم سيد على نفسه ومن ساد على نفسه كان جديراً بالسيادة على غيره. ويقول الإمام الصادق (ع): " لا يعد العاقل عاقلاً حتى يستكمل ثلاثاً: إعطاء الحق من نفسه على حال الرضا والغضب، وأن يرضى للناس ما يرضى لنفسه، واستعمال الحلم عند العثرة "[4] . ويقول: " كفى بالحلم ناصراً، وإذا لم تكن حليماً فتحلِّم ))[5] والتحلم هو التشبه بالحلماء في التغاضي عن الهفوات، والترفع عن المقابلة والتكلف لتهدئة الغضب، ويسمى في لسان الشريعة " كظم الغيظ"، وأثر التحلم رد عادية الغضب بعد الثورة، وأثر الحلم منع النفس عن الغضب، وصدها عن الانتقام إذا غضبت، فالتحلم أقل شأناً من الحلم، ولكن الاستمرار عليه يكسب الإنسان صفة الحلم.
الهوامش
[1] تحف العقول ص74.
[2] تحف العقول ص88.
[3] تحف العقول ص79.
[4] تحف العقول ص77.
[5] الكافي الحديث6 باب الحلم.