بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله الذي استسلم كل شئ لقدرته ، وخضع كل شئ لقوته , والحمد لله على حلمه بعد علمه ، والحمد لله على عفوه بعد قدرته ، والحمد لله ولي كل نعمة ، ومنتهى كل رغبة .
والصلاة والسلام على من خصه الله بالشفاعة الكبرى يوم الفزع الأكبر الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين .
النذر سنّة معروفة بين كافّة المسلمين في العالم كلّه ، و لقد تعارف بين المسلمين النذر للّه و إهداء ثوابه للنبي أو لعترته الطاهرة أو لأحد الصالحين ، فيقول الناذر: «للّه عليّ» ثمّ يهدي ثوابه للنبي مثلًا، و لا مانع من ذلك أبداً.
إذا عرفنا ذلك الأصل حينها تتّضح لنا و بجلاء معنى قول الناذر في بعض الأحيان: «للّه عليّ أن أذبح شاة للنبي أو للوصي»، فإنّ مفاد كلمة «للّه» غير مفاد كلمة «للنبي» قطعاً، و إن كانت الكلمتان مقرونتين بحرف اللّام، و لكن مفاد الحرف في لفظ الجلالة غير مفاده في لفظ النبي، و ذلك لأنّ معنى اللام في الأوّل يراد به التقرّب و القيام بالفعل للّه تعالى وحده، و الحال أنّ المراد من اللام في الثاني «النبي» ينصرف إلى معنى آخر و يراد به معنى الانتفاع و الاستفادة،
و من حسن الحظ إن كلا التعبيرين قد وردا في الذكر الحكيم حيث قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} [سبأ: 46]. و في آية أُخرى قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] .
و على هذا الأساس لا يمكن عدّ هذا النوع من التعبير علامة للشرك باللّه و عبادة لغيره .
المعيار هو النيّة لا ظاهر العمل روى المحدّثون عن النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «إنّما الأعمال بالنيات».(1) و من هذا المنطلق و اعتماداً على هذا الأصل الإسلامي المسلّم لا بدّ من التفريق بين العمل الذي يقوم به الموحّدون من النذر أو الذبح للنبي أو الأولياء و بين ما يقوم به المشركون تجاه أصنامهم و أوثانهم ، فإنّ العملين و إن اتّحدا ظاهراً و شكلًا، و لكنّهما يختلفان جوهراً و حقيقة ، فلا يمكن قياس أحدهما بالآخر . لأنّ الإنسان الموحّد إنّما ينذر للّه وحده و يذبح طمعاً في نيل ثوابه و جزائه تعالى ، و الحال إن المشركين يذبحون باسم أوثانهم و يطلبون الثواب منها ، فكيف يا ترى جعل العملين عملًا واحداً و التسوية بينهما؟!!
فإذا كان المعيار في الحكم هو ظاهر العمل، فلا شكّ انّ ظاهر أعمال الحجّ لدى المسلمين يشبه عمل المشركين، فهم يطوفون حول أصنامهم و نحن نطوف حول الكعبة المشرفة و نقبّلها، و هم ينحرون في منى لأصنامهم و نحن أيضاً ننحر في ذلك اليوم، و لكن هل من الصحيح التسوية بين العملين اعتماداً على الشكل الظاهري للعمل و إغفال جانب النيّة التي تدفع الإنسان إلى القيام بذلك الفعل؟!!
فلا ريب أنّ المحرّك و الدافع للمشركين هو التزلّف للأوثان و التقرب إليها و الطمع بنيل رضاها، و الحال إن المحرك الذي يدفع الموحّدين هو التزلّف و التقرب للّه وحده لا شريك له و الطمع بنيل ثوابه و الفوز بالجنة و الرضوان، و لقد أكّدت الروايات صحّة هذا العمل و أضفت عليه صفة الشرعية.
إذا عرفنا ذلك كلّه نعطف عنان القلم للحديث عن نظرية علماء أهل السنّة في هذا المجال و ما يذهبون إليه.
نظرية المحقّقين من أهل السنّة
لأجل إتمام الفائدة و اتّضاح الأمر جليّاً نأتي هنا بكلمتين لعلمَيْن و مفكّرين من أهل السنّة، و هما:
الأوّل: الخالدي البغدادي (المتوفّى سنة 1299 ه) حيث قال في كتابه «صلح الإخوان»: إنّ المسألة تدور مدار نيات الناذرين، و إنّما الأعمال بالنيّات، فإن كان قصد الناذر الميت نفسه و التقرب إليه بذلك لم يجز، قولًا واحداً. و إن كان قصده وجه اللّه تعالى و انتفاع الأحياء- بوجه من الوجوه- و ثوابه لذلك المنذور له- سواء عيّن وجهاً من وجوه الانتفاع، أو أطلق القول فيه و كان هناك ما يطّرد الصرف فيه في عرف الناس ، أو أقرباء الميّت أو نحو ذلك، ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور.(2)
الثاني: العزامي في كتابه «فرقان القرآن» حيث قال: و من استخبر حال من يفعل ذلك من المسلمين، وجدهم لا يقصدون بذبائحهم و نذورهم للأموات- من الأنبياء و الأولياء- إلّا الصدقة عنهم و جعل ثوابها إليهم ، و قد علموا أنّ إجماع أهل السنّة منعقد على أنّ صدقة الأحياء نافعة للأموات، واصلة إليهم، و الأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة. (3)
و منها ما نقله أبو داود عن ميمونة بنت كردم قالت: خرجت مع أبي في حجة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ... إلى أن قالت: فقال (أبي): يا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إنّي نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم ، قال: لا أعلم إلّا أنّها قالت خمسين ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «هل بها من الأوثان شيء»؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه و آله و سلم): «فأوف بما نذرت به للّه».(4)
و من الملاحظ أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) قد ركّز في جوابه على وجود الأوثان في المنطقة ممّا يحكي أنّ النذر المحرّم هو النذر للأصنام و الأوثان، لأنّه كان من عادات عرب الجاهلية، و لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } [المائدة: 3]. و من يمعن النظر في سلوك و منهج الزائرين و طريقة تصرفهم في العتبات المقدّسة و مراقد الأولياء الصالحين، يصل إلى نتيجة قطعية و يكتشف بما لا مزيد عليه أنّ هؤلاء يذبحون باسمه و لغرض الفوز برضاه و التقرب إليه سبحانه ثمّ انتفاع صاحب القبر بثواب ذلك العمل من جهة و انتفاع الفقراء و المحتاجين من جهة ثانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري: 1/ 1.
(2) صلح الإخوان للخالدي: 102 و ما بعده.
(3) فرقان القرآن: 133.
(4) سنن أبي داود: 2/ 104، ح 3314.
والحمد لله الذي استسلم كل شئ لقدرته ، وخضع كل شئ لقوته , والحمد لله على حلمه بعد علمه ، والحمد لله على عفوه بعد قدرته ، والحمد لله ولي كل نعمة ، ومنتهى كل رغبة .
والصلاة والسلام على من خصه الله بالشفاعة الكبرى يوم الفزع الأكبر الذي بلغ الرسالة وأدى الأمانة محمد الصادق الوعد الأمين وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم إلى يوم الدين .
النذر سنّة معروفة بين كافّة المسلمين في العالم كلّه ، و لقد تعارف بين المسلمين النذر للّه و إهداء ثوابه للنبي أو لعترته الطاهرة أو لأحد الصالحين ، فيقول الناذر: «للّه عليّ» ثمّ يهدي ثوابه للنبي مثلًا، و لا مانع من ذلك أبداً.
إذا عرفنا ذلك الأصل حينها تتّضح لنا و بجلاء معنى قول الناذر في بعض الأحيان: «للّه عليّ أن أذبح شاة للنبي أو للوصي»، فإنّ مفاد كلمة «للّه» غير مفاد كلمة «للنبي» قطعاً، و إن كانت الكلمتان مقرونتين بحرف اللّام، و لكن مفاد الحرف في لفظ الجلالة غير مفاده في لفظ النبي، و ذلك لأنّ معنى اللام في الأوّل يراد به التقرّب و القيام بالفعل للّه تعالى وحده، و الحال أنّ المراد من اللام في الثاني «النبي» ينصرف إلى معنى آخر و يراد به معنى الانتفاع و الاستفادة،
و من حسن الحظ إن كلا التعبيرين قد وردا في الذكر الحكيم حيث قال سبحانه: {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ} [سبأ: 46]. و في آية أُخرى قال تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] .
و على هذا الأساس لا يمكن عدّ هذا النوع من التعبير علامة للشرك باللّه و عبادة لغيره .
المعيار هو النيّة لا ظاهر العمل روى المحدّثون عن النبي الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) أنّه قال: «إنّما الأعمال بالنيات».(1) و من هذا المنطلق و اعتماداً على هذا الأصل الإسلامي المسلّم لا بدّ من التفريق بين العمل الذي يقوم به الموحّدون من النذر أو الذبح للنبي أو الأولياء و بين ما يقوم به المشركون تجاه أصنامهم و أوثانهم ، فإنّ العملين و إن اتّحدا ظاهراً و شكلًا، و لكنّهما يختلفان جوهراً و حقيقة ، فلا يمكن قياس أحدهما بالآخر . لأنّ الإنسان الموحّد إنّما ينذر للّه وحده و يذبح طمعاً في نيل ثوابه و جزائه تعالى ، و الحال إن المشركين يذبحون باسم أوثانهم و يطلبون الثواب منها ، فكيف يا ترى جعل العملين عملًا واحداً و التسوية بينهما؟!!
فإذا كان المعيار في الحكم هو ظاهر العمل، فلا شكّ انّ ظاهر أعمال الحجّ لدى المسلمين يشبه عمل المشركين، فهم يطوفون حول أصنامهم و نحن نطوف حول الكعبة المشرفة و نقبّلها، و هم ينحرون في منى لأصنامهم و نحن أيضاً ننحر في ذلك اليوم، و لكن هل من الصحيح التسوية بين العملين اعتماداً على الشكل الظاهري للعمل و إغفال جانب النيّة التي تدفع الإنسان إلى القيام بذلك الفعل؟!!
فلا ريب أنّ المحرّك و الدافع للمشركين هو التزلّف للأوثان و التقرب إليها و الطمع بنيل رضاها، و الحال إن المحرك الذي يدفع الموحّدين هو التزلّف و التقرب للّه وحده لا شريك له و الطمع بنيل ثوابه و الفوز بالجنة و الرضوان، و لقد أكّدت الروايات صحّة هذا العمل و أضفت عليه صفة الشرعية.
إذا عرفنا ذلك كلّه نعطف عنان القلم للحديث عن نظرية علماء أهل السنّة في هذا المجال و ما يذهبون إليه.
نظرية المحقّقين من أهل السنّة
لأجل إتمام الفائدة و اتّضاح الأمر جليّاً نأتي هنا بكلمتين لعلمَيْن و مفكّرين من أهل السنّة، و هما:
الأوّل: الخالدي البغدادي (المتوفّى سنة 1299 ه) حيث قال في كتابه «صلح الإخوان»: إنّ المسألة تدور مدار نيات الناذرين، و إنّما الأعمال بالنيّات، فإن كان قصد الناذر الميت نفسه و التقرب إليه بذلك لم يجز، قولًا واحداً. و إن كان قصده وجه اللّه تعالى و انتفاع الأحياء- بوجه من الوجوه- و ثوابه لذلك المنذور له- سواء عيّن وجهاً من وجوه الانتفاع، أو أطلق القول فيه و كان هناك ما يطّرد الصرف فيه في عرف الناس ، أو أقرباء الميّت أو نحو ذلك، ففي هذه الصورة يجب الوفاء بالنذور.(2)
الثاني: العزامي في كتابه «فرقان القرآن» حيث قال: و من استخبر حال من يفعل ذلك من المسلمين، وجدهم لا يقصدون بذبائحهم و نذورهم للأموات- من الأنبياء و الأولياء- إلّا الصدقة عنهم و جعل ثوابها إليهم ، و قد علموا أنّ إجماع أهل السنّة منعقد على أنّ صدقة الأحياء نافعة للأموات، واصلة إليهم، و الأحاديث في ذلك صحيحة مشهورة. (3)
و منها ما نقله أبو داود عن ميمونة بنت كردم قالت: خرجت مع أبي في حجة رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) ... إلى أن قالت: فقال (أبي): يا رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم) إنّي نذرت إن ولد لي ولد ذكر أن أنحر على رأس بوانة في عقبة من الثنايا عدة من الغنم ، قال: لا أعلم إلّا أنّها قالت خمسين ، فقال رسول اللّه (صلى الله عليه و آله و سلم): «هل بها من الأوثان شيء»؟ قال: لا، قال (صلى الله عليه و آله و سلم): «فأوف بما نذرت به للّه».(4)
و من الملاحظ أنّ الرسول الأكرم (صلى الله عليه و آله و سلم) قد ركّز في جوابه على وجود الأوثان في المنطقة ممّا يحكي أنّ النذر المحرّم هو النذر للأصنام و الأوثان، لأنّه كان من عادات عرب الجاهلية، و لقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك بقوله: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ } [المائدة: 3]. و من يمعن النظر في سلوك و منهج الزائرين و طريقة تصرفهم في العتبات المقدّسة و مراقد الأولياء الصالحين، يصل إلى نتيجة قطعية و يكتشف بما لا مزيد عليه أنّ هؤلاء يذبحون باسمه و لغرض الفوز برضاه و التقرب إليه سبحانه ثمّ انتفاع صاحب القبر بثواب ذلك العمل من جهة و انتفاع الفقراء و المحتاجين من جهة ثانية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) صحيح البخاري: 1/ 1.
(2) صلح الإخوان للخالدي: 102 و ما بعده.
(3) فرقان القرآن: 133.
(4) سنن أبي داود: 2/ 104، ح 3314.
تعليق