يا أيها السيد الاهدل اترك العناد فهو طريق الشيطان
وحكم عقلك إذا عندك عقل
الاستدلال بالقرآن على المسح
أمّا في الكتاب، فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلى الْكَعْبَيْنِ)(1) .ومحل الشاهد والاستدلال في هذه الاية كلمة (وَأَرْجُلَكُمْ) .في هذه الكلمة ثلاثة قراءات، قراءتان مشهورتان: الفتح والجر (وَأَرْجُلَكُمْ) (وَأَرْجُلِكُمْ) ، وقراءة شاذّة وهي القراءة بالرفع: (وَأَرْجُلُكُمْ) .القراءة بالرفع وصفت بالشذوذ، يقال: إنّها قراءة الحسن البصري وقراءة الاعمش، ولا يهمّنا البحث عن هذه القراءة، لانّها قراءة شاذّة، ولو أردتم الوقوف على هذه القراءة ومن قرأ بها،____________(1) سورة المائدة: 6.وحكم عقلك إذا عندك عقل
الاستدلال بالقرآن على المسح
(1) الجامع لاحكام القرآن 6/94.(2) أحكام القرآن لابن العربي 2/72.(3) إملاء ما منّ به الرحمن 1 / 210.(4) الكشاف 1 / 611.
وهذا ما يدّعيه علماء الاماميّة في مقام الاستدلال بهذه الاية المباركة.
ولننظر هل لاهل السنّة أيضاً رأي في هاتين القراءتين أو لا ؟ وهل علماؤهم يوافقون على هذا الاستنتاج، بأنْ تكون القراءة بالنصب والقراءة بالجرّ كلتا القراءتان تدلاّن على وجوب المسح دون الغسل أو لا ؟
أمّا الاماميّة فلهم أدلّتهم، وهذا وجه الاستدلال عندهم بالاية المباركة كما قرأنا.
تجدون الاعتراف بدلالة الاية المباركة ـ على كلتا القراءتين ـ على وجوب المسح دون الغسل، تجدون هذا الاعتراف في الكتب الفقهيّة، وفي الكتب التفسيريّة، بكلّ صراحة ووضوح، وأيضاً في كتب الحديث من أهل السنّة، أعطيكم بعض المصادر: المبسوط
في فقه الحنفيّة للسرخسي(1) ، شرح فتح القدير في الفقه الحنفي(2) ، المغني لابن قدامة في الفقه الحنفي(3) ، تفسير الرازي(4) ، غنية المتملّي(5) ، حاشية السندي على سنن ابن ماجة(6) ، تفسير القاسمي(7) .هذه بعض المصادر التي تجدون فيها الاعتراف بدلالة الاية المباركة على كلتا القراءتين بوجوب المسح، وحتّى أنّ الفخر الرازي يوضّح هذا الاستدلال، ويفصّل الكلام فيه ويدلّل عليه ويدافع عنه، وكذا غير الفخر الرازي في تفاسيرهم.
وفي هذه الكتب لو نراجعها نرى أموراً مهمّة جدّاً:
الامر الاول:
إنّ الكتاب ظاهر ـ على القراءتين ـ في المسح على وجه التعيين.
الامر الثاني:
يذكرون أسماء جماعة من كبار الصحابة
____________
(1) المبسوط 1 / 8.
(2) شرح فتح القدير 1 / 11.
(3) المغني 1 / 151.
(4) تفسير الرازي 11 / 161.
(5) غنية المتملي: 16.
(6) حاشية السندي 1 / 88.
(7) تفسير القاسمي 6 / 1894.
بعد الاستدلال بالكتاب نستدل بالسنة
فنقول :
الاستدلال بالسنّة على المسح
وفي السنّة النبويّة ـ بغضّ النظر عن روايات أهل البيت ومافي كتاب وسائل الشيعة وغير وسائل الشيعة من روايات أهل البيت (عليهم السلام) ـ ننظر إلى روايات أهل السنّة في هذه المسألة.وفي كتبهم المعروفة المشهورة، نجد أنّ الروايات بهذه المسألة على قسمين، وتنقسم إلى طائفتين، منها ما هو صريح في وجوب المسح دون الغسل، أقرأ لكم بعض النصوص عن جمع من الصحابة الكبار، وننتقل إلى أدلّة القول الاخر.
الرواية الاُولى:
عن علي (عليه السلام): إنّه توضّأ فمسح على ظهر القدم وقال: لولا أنّي رأيت رسول الله فعله لكان باطن القدم أحقّ من ظاهره.
هذا نصّ في المسح عن علي (عليه السلام) أخرجه أحمد
الرواية الثانية:عن علي (عليه السلام) قال: كان النبي يتوضّأ ثلاثاً ثلاثاً إلاّ المسح مرّةً مرّة.في المصنّف لابن أبي شيبة وعنه المتقي الهندي(2) .
الرواية الثالثة:عن علي (عليه السلام) إنّه توضّأ ومسح رجليه، في حديث مفصّل وقال: أين السائل عن وضوء رسول الله ؟ كذا كان وضوء رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).هذا في مسند عبد بن حميد وعنه المتقي الهندي(3) .وهذا الخبر الاخير تجدونه بأسانيد أُخرى عند ابن أبي شيبة وأبي داود وغيرهما، وعنهم المتقي(4) ، وبسند آخر تجدون هذا____________(1) مسند أحمد 1 / 95، 114، 124، شرح معاني الاثار 2 / 372.(2) كنز العمال 9 / 444.(3) كنز العمال 9 / 448.(4) كنز العمال 9 / 448، 605.
الرواية الرابعة:
عن ابن عبّاس: أبى الناس إلاّ الغسل ولا أجد في كتاب الله إلاّ المسح.
رواه عبدالرزّاق الصنعاني وابن أبي شيبة وابن ماجة، وعنهم الحافظ الجلال السيوطي(2) .
الرواية الخامسة:
عن رفاعة بن رافع عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم): يغسل وجهه ويديه إلى المرفقين ويمسح برأسه ورجليه إلى الكعبين.
وهذا نص صريح أخرجه أبو داود في سننه(3) ، والنسائي في
____________
(1) أحكام القرآن للجصّاص 1 / 347.
(2) الدر المنثور 2 / 262.
(3) سنن أبي داود 1 / 86.
قال الذهبي: صحيح.
وقال العيني: حسّنه أبو علي الطوسي وأبو عيسى الترمذي وأبو بكر البزّار، وصحّحه الحافظ ابن حبّان وابن حزم.
الرواية السادسة:
عن عبدالله بن عمر، كان إذا توضّأ عبدالله ونعلاه في قدميه، مسح ظهور قدميه برجليه ويقول: كان رسول الله يصنع هكذا(6) .
الرواية السابعة:
عن عبّاد بن تميم عن عمّه: إنّ النبي توضّأ ومسح على
____________
(1) سنن النسائي 1 / 161.
(2) سنن ابن ماجة 1 / 156.
(3) الطحاوي 1 / 35.
(4) المستدرك 1 / 241.
(5) الدر المنثور 2 / 262.
(6) شرح معاني الاثار 1 / 35.
وقال ابن حجر: روى البخاري في تاريخه وأحمد وابن أبي شيبة وابن أبي عمرو والبغوي والباوردي وغيرهم كلّهم من طريق أبي الاسود عن عبّاد بن تميم المازني عن أبيه قال: رأيت رسول الله يتوضّأ ويمسح الماء على رجليه.
قال ابن حجر: رجاله ثقات(3) .
وروى هذا أيضاً ابن الاثير في أُسد الغابة عن ابن أبي عاصم وابن أبي شيبة(4) .
الرواية الثامنة:
عن عبدالله بن زيد المازني: إنّ النبي توضّأ ومسح بالماء على
____________
(1) شرح معاني الاثار 1 / 35.
(2) الاستيعاب 1 / 159.
(3) الاصابة في معرفة الصحابة 1 / 185.
(4) أسد الغابة في معرفة الصحابة 1 / 217.رجليه.
ابن أبي شيبة في المصنَّف وعنه في كنز العمّال(1) ، وابن خزيمة في صحيحه وعنه العيني في عمدة القاري(2) .
الرواية التاسعة:عن حمران مولى عثمان بن عفّان قال: رأيت عثمان بن عفّان دعا بماء، فغسل كفّيه ثلاثاً، ومضمض واستنشق وغسّل وجهه ثلاثاً وذراعيه، ومسح برأسه وظهر قدميه.رواه أحمد والبزّار وأبو يعلى وصحّحه أبو يعلى(3) .
الرواية العاشرة:ابن جرير الطبري بسنده عن أنس بن مالك: وكان أنس إذا مسح قدميه بلّهما.قال ابن كثير: إسناده صحيح(4) .____________(1) كنز العمال 9 / 451.(2) عمدة القاري في شرح البخاري 2 / 240.(3) كنز العمال 9 / 442.(4) تفسير ابن كثير 2 / 25.
عن عمر بن الخطّاب.
أخرج ابن شاهين في كتاب الناسخ والمنسوخ عنه حديثاً في المسح، ولاحظ عمدة القاري(1) .
الرواية الثانية عشرة:
عن جابر بن عبدالله الانصاري كذلك.
أخرجها الطبراني في الاوسط وعنه العيني(2) .
وهناك أحاديث وآثار أُخرى لا أُطيل عليكم بذكرها، وإلاّ فهي موجودة عندي وجاهزة.
ومن هنا نرى أنّهم يعترفون بذهاب كثير من الصحابة والتابعين إلى المسح.
لاحظوا أنّه اعترف بذلك ابن حجر العسقلاني في فتح الباري، وابن العربي في أحكام القرآن، وابن كثير في تفسيره، هؤلاء كلّهم
____________
(1) عمدة القاري في شرح البخاري 2 / 240.
(2) عمدة القاري في شرح البخاري 2 / 240.
بالختام نقول أمّا أهل السنّة، فالمشهور بينهم الغسل، وقد عرفنا أنّهم لا دليل لهم على هذه الفتوى، ولذا اضطرّ بعضهم إلى أن يقول بالجمع بين الغسل والمسح، وبعضهم خيّر بين الامرين.
لاحظوا في المرقاة في شرح المشكاة للقاري يقول بأنّ أحمد والاوزاعي والثوري وابن جبير يقولون بالتخيير بين المسح والغسل(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المرقاة في شرح المشكاة 1/315.
تعليق