بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
إنّ السُنّة الإلهيّة في عباده- كما تقدَّم- هي دوام اختبارهم وامتحانهم.
قال تعالى: ﴿أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ﴾1.
وليس الاختبار لمجرّد الاختبار، بل هو سرٌّ من الأسرار الإلهيّة الكبيرة، وليس أمام الإنسان سوى طريقٍ واحد أمامه وهو التسليم، وتثبيت إيمانه عند الشدائد، والبقاء في موقفٍ صلب، وبهذا يتذوّق حلاوة الإيمان، وطعم اليقين.
وكما أنّ اختبار الله تعالى لعباده-يختلف من شخصٍ لآخر، كذلك يتفاضل الناس في درجات الإيمان تفاضلًا كبيرًا، فمنهم من لا يتزعزع إيمانه مهما كانت النوائب، ومنهم من يسقط في أوّل اختبار. ومن العنوان الأساس في مواجهة الاختبار وهو ثبات الإيمان تتفرّع مجموعة من العوامل الأخرى التي إذا التفتَ إليها الإنسان المؤمن فإنّه بلا شكّ يتجاوز أعظم الاختبارات ومنها:
أوّلًا: الصبر على المكاره والنوائب، وهو أعظم أقسام الصبر، وأهمّ مصاديقه الدالّة على سموّ النفس، فالإنسان عُرضةً للمآسي والأرزاء، وهو لا يملك إزائها حولًا ولا قوّة، وخير ما يفعله الممتَحَن هو التحلّي بالصبر، فإنّه بلسم القلوب الجريحة، وعزاء النفوس المعذَّبة.
قال الله تعالى: ﴿وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ﴾2.
وعن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: "لا يعدم الصبور الظفر، وإن طال به الزمان"3.
ثانيًا: اليقين بزوال هذه الدنيا ومصاعبها، ويتحقٌّق هذا بالالتفات إلى نكبات الحياة ومشاكلها مهما كانت شديدة وقاسية، فهي مؤقّتة وعابرة، وهذا الإدراك يجعل كلّ المشاكل والصِعاب عرَضًا عابرًا وسحابة صيف، وهذا ما يؤكّده القرآن الكريم بقوله تعالى:
﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا﴾4
وعن الإمام الباقر عليه السلام قال: "الجنّة محفوفة بالمكاره والصبر، فمن صبر على المكاره في الدنيا دخل الجنّة، وجهنّم محفوفة بالّلذات والشهوات، فمن أعطى نفسه لذّتها وشهوتها دخل النّار"5.
فمن دعائم الإيمان القويّة للنجاح في الاختبار الصبر على النوائب، وعدم الاستسلام، والصبر عليها مع القدرة على درئها وملاقاتها فذلك أمرٌ يستنكره الإسلام، كالصبر على المرض وهو قادر على علاجه، وعلى الفقر وهو يستطيع اكتساب الرزق، وعلى هضم الحقوق وهو قادر على استردادها وصيانتها.
ثالثًا: التوجّه الدائم إلى الله تعالى: فهو سبحانه عالمٌ بكلّ ما يجري على عبده من مصائب ونكبات، وعلى العبد أن يعتبر ذلك كلّه في محضر الله سبحانه وتحت نظره، فهو تعالى المؤثّر في الوجود ولا أحد سواه، ومن الخطأ بل من عدم الإيمان التوجّه إلى غيره تعالى.
فالنبي نوح عندما واجه أعظم المصائب والضغوط من قومه وهو يصنع الفلك، جاءه نداء التثبيت الإلهيّ ليقول له: ﴿وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا﴾6.
وفي الختام نقول: إنّ من الاشتباه الكبير أن يظنّ المؤمن بأنّه في الحياة الدنيا يمرّ بلا امتحانٍ وبلا اختبار، ليعلم الله الذين صدقوا ويعلم الكاذبين، وليَمِيز الخبيث من الطيّب.
قال تعالى: ﴿مَّا كَانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَآ أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّىَ يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ﴾7.
------
1- سورة العنكبوت، الآية: 2.
2- سورة البقرة، الآيات: 155-157.
3- نهج البلاغة، الحكمة: 135.
4- سورة الانشراح، الآيتان: 4-5
5- الوافي، ج3، ص 65.
6- سورة هود، الآية: 37.
7- سورة آل عمران، الآية: 179.