بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
توجيه الكلام للضّالين والمشركين، ويتخذ القرآن فيها طريقاً آخر لإِيقاظهم وذلك بأن ينقلهم إِلى القرون السالفة والأزمان الماضية، يشرح لهم حال الأُمم الضالة والظالمة والمشركة، ويبيّن لهم كيف أُتيح لها جميع عوامل التربية والتهذيب والوعي، غير أنّ جمعاً منهم لم يلقوا بالا إِلى أي من تلك العوامل، ولم يعتبروا بما حاق بهم من (بأساء) و(ضراء) {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى أُمَمٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ} [الأنعام: 42].
أما كان من الأجدر بهؤلاء أن يستيقظوا عندما جاءهم البأس وأحاطت بهم الشدائد؟! {فلولا إِذ جاءهم بأسنا تضرعوا} أنّهم لم يستيقظوا، ولذلك سببان:
الأوّل: إِنّهم لكثرة آثامهم وعنادهم في الشرك زايلت الرحمة قلوبهم والليونة أرواحهم: (ولكن قست قلوبهم)
والثّاني : إنّ الشيطان قد استغل عبادتهم أهواءهم فزيّن في نظرهم أعمالهم، فكل قبيح ارتكبوه أظهره لهم جميلا، ولكل خطأ فعلوه جعله في عيونهم صواباً : {وزيّن لهم الشّيطان ما كانوا يعملون}.
ثمّ تذكر الآية الثّانية أنّه لمّا لم تنفع معهم تلك المصائب والمشاكل والضغوط عاملهم الله تعالى بالعطف والرحمة، ففتح عليهم أبواب أنواع النعم، لعلهم يستيقظون ويلتفتون إِلى خالقهم الذي وهب لهم كل تلك النعم، ويشخصوا الطريق السوي : {فلمّا نسوا ما ذكروا به فتحنا عليهم أبواب كل شيء}.
إِلاّ أنّ هذه النعم كانت في الواقع ذات طابع مزدوج، فهي مظهر من مظاهر المحبّة التي تستهدف إِيقاظ النائمين، وهي كذلك مقدمة لنزول العذاب الأليم إِذا استمرت الغفلة، والذي ينغمس في النعمة والرفاهية، يشتد عليه الأمر حين تؤخذ منه هذه النعم فجأة، بينما لو أخذت منه بالتدريج، فلا يكون وقع ذلك عليه شديداً، ولهذا يقول إِنّنا أعطيناهم الكثير من النعم {حتى إِذا فرحوا بما أوتوا أخذناهم بغتة فإِذا هم مبلسون}. وهكذا استؤصلت جذور أُولئك الظلمة وانقطع نسلهم : {فقطع دابر القوم الذين ظلموا}. و«الدابر» بمعنى المتأخر والتابع. ولما كان الله قد وفر لهؤلاء كل وسائل التربية ولم يبخل عليهم بأي شيء منها، لذلك فانّ الحمد يختص بالله الذي يربي أهل الدنيا كافة {والحمد لله ربّ العالمين}