بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة ، واحتجب عن الابصار بالعزة ، واقتدر على الاشياء بالقدرة ، فلا الابصار تثبت لرؤيته ، ولا الاوهام تبلغ كنه عظمته ، تجبر بالعظمة والكبرياء ، وتعطف بالعز والبر والجلال ، وتقدس بالحسن والجمال ، وتمجد بالفخر والبهاء ، وتهلل بالمجد والآلاء ، واستخلص بالنور والضياء . خالق لا نظير له ، وواحد لاند له ، وماجد لا ضد له ، وصمد لا كفو له ، وإله لاثاني معه ، وفاطر لا شريك له ، ورازق لا معين له ، الاول بلا زوال والدائم بلا فناء ، والقائم بلاعناء ، والباقي بلا نهاية ، والمبدئ بلا أمد ، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك ، والفاطر بلا كلفة والفاعل بلا عجز . ليس له حد في مكان ولا غاية في زمان ، لم يزل ولا يزول ولن يزال ، كذلك أبدا هو الاله الحي القيوم ، الدائم القديم القادر .
والصلاة على أشرف أهل الاصطفاء محمد بن عبدالله سيد الانبياء ، وعلى آله الحافظين لما نقل عن رب السموات والأرضين , واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
يقول عبدالله بن محمد السلفي , في كتابة ( من عقائد الشيعة ) , تقديم عبدالعزيز بن عبدالله بن باز , الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الرافضة التي تسمى في عصرنا بالشيعة يقولون إن القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم , بل قد غُير وبُدِل وزِيد فيه ونُقِصَ منه .
وجوابهُ :
إن عقيدتنا في القرآن أنه كتاب الله المنزّل على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وهو محفوظ من التحريف لقول الله سبحانه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] .
وقوله تعالى { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42] .
فلا تبديل ولا نقص ولا زيادة لكلمة أو حتى حرف واحد لإنه ورد إلينا متواتراً تواتراً قطعياً في كل طبقة من الطبقات . وهو المصدر الرئيسي الذي تستمد منه العقائد والأحكام . ولا يعارض ما ثبت قطعاً بالتواتر اخبار الآحاد الظنية التي ظاهرها وقوع التحريف .
ورأي علمائنا الأعلام واضح جلي في سلامة القرآن الكريم من التحريف .
قال الشيخ الصدوق ( إعتقادنا ان القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله هو بين الدفتين , وهو ما بأيدي الناس , ليس بأكثر من ذلك )(1) .
وقال الشريف المرتضى ( أن العلم بصحة نقل القرآن ، كالعلم بالبلدان . والحوادث الكبار، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، واشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه ، وقراءته ، وحروفه ، وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا ، مع العناية الصادقة ، والضبط الشديد (2).
أما شيخ الطائفة الطوسي يقول في معرض حديثة عن القران (الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه ، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا (3) .
ويقول السيد الخوئي (قدس سره) :
المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد صرح بذلك كثير من الاعلام .
منهم رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه ، وقد عد القول بعدم التحريف من معتقدات الامامية .
ومنهم شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، وصرح بذلك في أول تفسيره " التبيان " ونقل القول بذلك أيضا عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى ، واستدلاله على ذلك بأتم دليل .
ومنهم المفسر الشهير الطبرسي في مقدمة تفسيره " مجمع البيان " ،
ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه " كشف الغطاء " وادعى الاجماع على ذلك .
ومنهم العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه " العروة الوثقى "
ونسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين .
ومنهم المحدث الشهير المولى محسن القاساني .
ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره " آلاء الرحمن " .
وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الاعاظم . منهم شيخ المشايخ المفيد ، والمتبحر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقق القاضي نور الله ، وأضرابهم (4) .
وكنصيحة لمن يتهم الشيعة بالقول بالتحريف نقول إن البحث في هذا الموضوع لا يخدمة , بل يخدم أعداء الإسلام , فتقديساً للقرآن عليه أن يرتدع وإلا فإن القول بالتحريف ثابت عنده , وفي أكثر كتبه , وعن أشهر رموزه . وأذكر منها على عجالة
ما روي عن عائشة أم المؤمنين ( أن سورة الأحزاب كانت تقرأ في زمان النبي صلى الله عليه [وآله] في مائتي آيه فلم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن ) (5).
وروي عن عمر وأبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس : (( أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة ، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم )) (6).
وروي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة : (( كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال ، لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب )) (7).
وروي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة ، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما .. وهما : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ) ، (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق)(8).
وروي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب ، قال : (( إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم .. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم . فإنّا قد قرأناها )) (9) .
وروي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف : (( ألم تجد فيما أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فإنا لا نجدها ؟ قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن ))(10).
وروي عن عائشة أنّها قالت : (( كان فيما أنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله (صلى الله عليه [ وآله ]) وهنّ ممّا يقرأ من القرآن )) (11) .
وروي عن عائشة أنَّها قالت : (( نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله (صلى الله عليه [ وآله ]) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها )) (12) .
وعن حميدة بنت أبي يونس، قالت: (( قرأ عليّ أبي ، وهو ابن ثمانين سنة ، في مصحف عائشة : إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى . قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف)) (13) .
وقد أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال : ((القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف)) (14) . أما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار !
وفيما يخص الروايات التي ورد فيها كلمة تحريف عند الشيعة الإمامية فهي يراد بها التحريف المعنوي , أي التفسير بغير الوجه , المعبّر عنه بالتأويل الباطل , كما ورد في رواية صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام في كتابه إلى سعد الخير حيث قال عليه السلام: ((... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجُهّال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية)) (15) .
ومما يؤكد على عدم قولنا كشيعة بالتحريف وصية الرسول صلى الله عليه وآله لأمته بالتمسك بالثقلين القرآن والعترة وعن ذلك يقول الشيخ الطوسي :
( ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ، ورد ما يرد من اختلاف الاخبار في الفروع اليه . وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله ) رواية لا يدفعها احد ، انه قال: ( اني مخلف فيكم الثقلين ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وهذا يدل على انه موجود في كل عصر، لانه لايجوز ان يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به (16) .
كما استفاض عن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قوله ( ان على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه) . وقد روى عين هذا الاثر عن علي (عليه السلام ) وقول الباقر(عليه السلام )وابنه الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابهما : لا تصدق علينا الا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه . وقول الصادق (عليه السلام) : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف (17) .
فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفاً فما فائدة العرض إذن ؟؟؟.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإعتقادات ج6 ص 8 بترقيم الشامله آلياً .
(2) تفسير مجمع البيان - الطبرسي (1/ 44، بترقيم الشاملة آليا)
(3) التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي (1/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
(4) البيان في تفسير القرآن (ص: 128)
(5) الإتقان للسيوطي 3 : 82، تفسير القرطبي 14 : 113، مناهل العرفان 1 : 273، الدرّ المنثور 6 : 56 .
(6) الإتقان للسيوطي 3 : 82 مسند أحمد 5 : 132، المستدرك 4 : 359، السنن الكبرى 8 : 211، تفسير القرطبي 14 : 113، الكشاف 3 : 518 .
(7) صحيح مسلم 2 : 726 / 1050 .
(8) مناهل العرفان 1: 257، روح المعاني 1: 25 .
(9) المستدرك 4 : 359 و 360، مسند أحمد 1 : 23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد 3 : 334، سنن الدارمي 2 : 179 .
(10) الإتقان للسيوطي 3 : 84 ، كنز العمال 2 ح / 4741 .
(11) صحيح مسلم 2 : 1075 / 1452، سنن الترمذي 3 : 456، المصنف للصنعاني 7 : 467 و 470 .
(12) مسند أحمد 6 : 269، المحلّى 11 : 235، سنن ابن ماجة 1 : 625، الجامع لأحكام القرآن 113:14 .
(13) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 82:3 .
(14) الإتقان للسيوطي 1 : 242 .
(15) الكافي 8 / 53 .
(16) التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي (1/ 3، بترقيم الشاملة آليا).
(17) بحار الأنوار - العلامة المجلسي (96/ 262، بترقيم الشاملة آليا).
الحمد لله الذي تجلى للقلوب بالعظمة ، واحتجب عن الابصار بالعزة ، واقتدر على الاشياء بالقدرة ، فلا الابصار تثبت لرؤيته ، ولا الاوهام تبلغ كنه عظمته ، تجبر بالعظمة والكبرياء ، وتعطف بالعز والبر والجلال ، وتقدس بالحسن والجمال ، وتمجد بالفخر والبهاء ، وتهلل بالمجد والآلاء ، واستخلص بالنور والضياء . خالق لا نظير له ، وواحد لاند له ، وماجد لا ضد له ، وصمد لا كفو له ، وإله لاثاني معه ، وفاطر لا شريك له ، ورازق لا معين له ، الاول بلا زوال والدائم بلا فناء ، والقائم بلاعناء ، والباقي بلا نهاية ، والمبدئ بلا أمد ، والصانع بلا ظهير، والرب بلا شريك ، والفاطر بلا كلفة والفاعل بلا عجز . ليس له حد في مكان ولا غاية في زمان ، لم يزل ولا يزول ولن يزال ، كذلك أبدا هو الاله الحي القيوم ، الدائم القديم القادر .
والصلاة على أشرف أهل الاصطفاء محمد بن عبدالله سيد الانبياء ، وعلى آله الحافظين لما نقل عن رب السموات والأرضين , واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
يقول عبدالله بن محمد السلفي , في كتابة ( من عقائد الشيعة ) , تقديم عبدالعزيز بن عبدالله بن باز , الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الرافضة التي تسمى في عصرنا بالشيعة يقولون إن القرآن الذي عندنا ليس هو الذي أنزل الله على محمد صلى الله عليه [ وآله ] وسلم , بل قد غُير وبُدِل وزِيد فيه ونُقِصَ منه .
وجوابهُ :
إن عقيدتنا في القرآن أنه كتاب الله المنزّل على رسوله محمد صلى الله عليه وآله وهو محفوظ من التحريف لقول الله سبحانه { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } [الحجر: 9] .
وقوله تعالى { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ } [فصلت: 42] .
فلا تبديل ولا نقص ولا زيادة لكلمة أو حتى حرف واحد لإنه ورد إلينا متواتراً تواتراً قطعياً في كل طبقة من الطبقات . وهو المصدر الرئيسي الذي تستمد منه العقائد والأحكام . ولا يعارض ما ثبت قطعاً بالتواتر اخبار الآحاد الظنية التي ظاهرها وقوع التحريف .
ورأي علمائنا الأعلام واضح جلي في سلامة القرآن الكريم من التحريف .
قال الشيخ الصدوق ( إعتقادنا ان القرآن الذي أنزله الله تعالى على نبيه محمد صلى الله عليه وآله هو بين الدفتين , وهو ما بأيدي الناس , ليس بأكثر من ذلك )(1) .
وقال الشريف المرتضى ( أن العلم بصحة نقل القرآن ، كالعلم بالبلدان . والحوادث الكبار، والوقائع العظام ، والكتب المشهورة ، واشعار العرب المسطورة ، فإن العناية اشتدت ، والدواعي توفرت على نقله وحراسته ، وبلغت إلى حد لم يبلغه فيما ذكرناه ، لأن القرآن معجزة النبوة ، ومأخذ العلوم الشرعية ، والأحكام الدينية ، وعلماء المسلمين قد بلغوا في حفظه وحمايته الغاية ، حتى عرفوا كل شئ اختلف فيه من إعرابه ، وقراءته ، وحروفه ، وآياته ، فكيف يجوز أن يكون مغيرا أو منقوصا ، مع العناية الصادقة ، والضبط الشديد (2).
أما شيخ الطائفة الطوسي يقول في معرض حديثة عن القران (الزيادة فيه مجمع على بطلانها والنقصان منه ، فالظاهر أيضا من مذهب المسلمين خلافه ، وهو الاليق بالصحيح من مذهبنا (3) .
ويقول السيد الخوئي (قدس سره) :
المعروف بين المسلمين عدم وقوع التحريف في القرآن ، وأن الموجود بأيدينا هو جميع القرآن المنزل على النبي الاعظم ( صلى الله عليه وآله ) ، وقد صرح بذلك كثير من الاعلام .
منهم رئيس المحدثين الصدوق محمد بن بابويه ، وقد عد القول بعدم التحريف من معتقدات الامامية .
ومنهم شيخ الطائفة أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي ، وصرح بذلك في أول تفسيره " التبيان " ونقل القول بذلك أيضا عن شيخه علم الهدى السيد المرتضى ، واستدلاله على ذلك بأتم دليل .
ومنهم المفسر الشهير الطبرسي في مقدمة تفسيره " مجمع البيان " ،
ومنهم شيخ الفقهاء الشيخ جعفر في بحث القرآن من كتابه " كشف الغطاء " وادعى الاجماع على ذلك .
ومنهم العلامة الجليل الشهشهاني في بحث القرآن من كتابه " العروة الوثقى "
ونسب القول بعدم التحريف إلى جمهور المجتهدين .
ومنهم المحدث الشهير المولى محسن القاساني .
ومنهم بطل العلم المجاهد الشيخ محمد جواد البلاغي في مقدمة تفسيره " آلاء الرحمن " .
وقد نسب جماعة القول بعدم التحريف إلى كثير من الاعاظم . منهم شيخ المشايخ المفيد ، والمتبحر الجامع الشيخ البهائي ، والمحقق القاضي نور الله ، وأضرابهم (4) .
وكنصيحة لمن يتهم الشيعة بالقول بالتحريف نقول إن البحث في هذا الموضوع لا يخدمة , بل يخدم أعداء الإسلام , فتقديساً للقرآن عليه أن يرتدع وإلا فإن القول بالتحريف ثابت عنده , وفي أكثر كتبه , وعن أشهر رموزه . وأذكر منها على عجالة
ما روي عن عائشة أم المؤمنين ( أن سورة الأحزاب كانت تقرأ في زمان النبي صلى الله عليه [وآله] في مائتي آيه فلم نقدر منها إلاّ على ما هو الآن ) (5).
وروي عن عمر وأبي بن كعب وعكرمة مولى ابن عباس : (( أنّ سورة الأحزاب كانت تقارب سورة البقرة ، أو هي أطول منها، وفيها كانت آية الرجم )) (6).
وروي عن أبي موسى الأشعري أنّه قال لقرّاء البصرة : (( كنّا نقرأ سورة نشبّهها في الطول والشدّة ببراءة فأنسيتها ، غير أنّي حفظت منها : لو كان لابن آدم واديان من مال ، لابتغى وادياً ثالثاً ، ولا يملأ جوف ابن آدم إلاّ التراب )) (7).
وروي أنّ سورتي الخلع والحفد كانتا في مصحف ابن عباس وأبي بن كعب وابن مسعود، وأنّ عمر بن الخطاب قنت بهما في الصلاة ، وأنّ أبا موسى الأشعري كان يقرأهما .. وهما : ( اللهم إنا نستعينك ونستغفرك ، ونثني عليك ولا نكفرك ، ونخلع ونترك من يفجرك ) ، (اللهم إياك نعبد، ولك نصلي ونسجد ، وإليك نسعى ونحفد ، نرجو رحمتك ، ونخشى عذابك ، إنّ عذابك بالكافرين ملحق)(8).
وروي بطرق متعدّدة أنّ عمر بن الخطاب ، قال : (( إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم .. والذي نفسي بيده لولا أن يقول الناس : زاد عمر في كتاب الله لكتبتها : الشيخ و الشيخة إذا زنيا فارجموهما البتّة ، نكالاً من الله ، والله عزيز حكيم . فإنّا قد قرأناها )) (9) .
وروي أنّ عمر قال لعبد الرحمن بن عوف : (( ألم تجد فيما أنزل علينا : أن جاهدوا كما جاهدتم أوّل مرّة، فإنا لا نجدها ؟ قال : أسقطت فيما أسقط من القرآن ))(10).
وروي عن عائشة أنّها قالت : (( كان فيما أنزل من القرآن : عشر رضعات معلومات يحرمن ، ثم نسخن بخمس معلومات ، فتوفي رسول الله (صلى الله عليه [ وآله ]) وهنّ ممّا يقرأ من القرآن )) (11) .
وروي عن عائشة أنَّها قالت : (( نزلت آية الرجم ورضاع الكبير عشراً، ولقد كانت في صحيفة تحت سريري ، فلمّا مات رسول الله (صلى الله عليه [ وآله ]) وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها )) (12) .
وعن حميدة بنت أبي يونس، قالت: (( قرأ عليّ أبي ، وهو ابن ثمانين سنة ، في مصحف عائشة : إنّ الله وملائكته يصلّون على النبيّ يا أيّها الذين آمنوا صلوا عليه وسلّموا تسليماً وعلى الذين يصلون في الصفوف الأولى . قالت : قبل أن يغيّر عثمان المصاحف)) (13) .
وقد أخرج الطبراني عن عمر بن الخطاب، قال : ((القرآن ألف ألف وسبعة وعشرون ألف حرف)) (14) . أما القرآن الذي بين أيدينا لا يبلغ ثلث هذا المقدار !
وفيما يخص الروايات التي ورد فيها كلمة تحريف عند الشيعة الإمامية فهي يراد بها التحريف المعنوي , أي التفسير بغير الوجه , المعبّر عنه بالتأويل الباطل , كما ورد في رواية صحيحة عن أبي جعفر عليه السلام في كتابه إلى سعد الخير حيث قال عليه السلام: ((... وكان من نبذهم الكتاب أن أقاموا حروفه وحرفوا حدوده فهم يروونه ولا يرعونه والجُهّال يعجبهم حفظهم للرواية والعلماء يحزنهم تركهم للرعاية)) (15) .
ومما يؤكد على عدم قولنا كشيعة بالتحريف وصية الرسول صلى الله عليه وآله لأمته بالتمسك بالثقلين القرآن والعترة وعن ذلك يقول الشيخ الطوسي :
( ورواياتنا متناصرة بالحث على قراءته والتمسك بما فيه ، ورد ما يرد من اختلاف الاخبار في الفروع اليه . وقد روي عن النبي (صلى الله عليه وآله ) رواية لا يدفعها احد ، انه قال: ( اني مخلف فيكم الثقلين ، ما ان تمسكتم بهما لن تضلوا : كتاب الله ، وعترتي أهل بيتي، وانهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض ) وهذا يدل على انه موجود في كل عصر، لانه لايجوز ان يأمر بالتمسك بما لا نقدر على التمسك به (16) .
كما استفاض عن رسول الله (صلى الله عليه وآله ) قوله ( ان على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا ، فما وافق كتاب الله فخذوه ، وما خالف كتاب الله فدعوه) . وقد روى عين هذا الاثر عن علي (عليه السلام ) وقول الباقر(عليه السلام )وابنه الصادق (عليه السلام) لبعض أصحابهما : لا تصدق علينا الا بما يوافق كتاب الله وسنة نبيه . وقول الصادق (عليه السلام) : ما لم يوافق من الحديث القرآن فهو زخرف (17) .
فإذا كان القرآن الذي بأيدينا محرفاً فما فائدة العرض إذن ؟؟؟.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإعتقادات ج6 ص 8 بترقيم الشامله آلياً .
(2) تفسير مجمع البيان - الطبرسي (1/ 44، بترقيم الشاملة آليا)
(3) التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي (1/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
(4) البيان في تفسير القرآن (ص: 128)
(5) الإتقان للسيوطي 3 : 82، تفسير القرطبي 14 : 113، مناهل العرفان 1 : 273، الدرّ المنثور 6 : 56 .
(6) الإتقان للسيوطي 3 : 82 مسند أحمد 5 : 132، المستدرك 4 : 359، السنن الكبرى 8 : 211، تفسير القرطبي 14 : 113، الكشاف 3 : 518 .
(7) صحيح مسلم 2 : 726 / 1050 .
(8) مناهل العرفان 1: 257، روح المعاني 1: 25 .
(9) المستدرك 4 : 359 و 360، مسند أحمد 1 : 23 و 29 و 36 و 40 و 50، طبقات ابن سعد 3 : 334، سنن الدارمي 2 : 179 .
(10) الإتقان للسيوطي 3 : 84 ، كنز العمال 2 ح / 4741 .
(11) صحيح مسلم 2 : 1075 / 1452، سنن الترمذي 3 : 456، المصنف للصنعاني 7 : 467 و 470 .
(12) مسند أحمد 6 : 269، المحلّى 11 : 235، سنن ابن ماجة 1 : 625، الجامع لأحكام القرآن 113:14 .
(13) الإتقان في علوم القرآن للسيوطي 82:3 .
(14) الإتقان للسيوطي 1 : 242 .
(15) الكافي 8 / 53 .
(16) التبيان في تفسير القرآن - الشيخ الطوسي (1/ 3، بترقيم الشاملة آليا).
(17) بحار الأنوار - العلامة المجلسي (96/ 262، بترقيم الشاملة آليا).