السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وال محمد
**********************
قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون.وقوله تعالى) إنّ الله لا يحب من كان خوّاناً أثيماً.
وقوله تعالى) إن الله لا يحب كلَّ خوّانٍ كَفُورٍ.
وقوله تعالى) إن الله لا يهدي كيد الخائنين.
وقوله تعالى) ضَرَبَ الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوحٍ و امرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً و قيل ادخلا النارَ مع الداخلين.
الأحاديث :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) المكر و الخديعة و الخيانة في النار.
وقال صلى الله عليه وآله) ليس مِنَّا من خان بالامانة.
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم) أربع لا تدخلُ بيتاً واحدةٌ منهن إلا خَرِب و لم يعمر بالبركة: الخيانة والسرقة وشرب الخمر والزنا.
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم)لا تخن مَن خانك فتكون مثله.
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام) رأس النفاق الخيانة.
وقال الخيانة غدر.
وقال عليه السلام) إياك والخيانة فانّها شرّ معصية فإن الخائن المعذب بالنّار على خيانته.
وقال عليه السلام :جانبوا الخيانة فانها مجانبة الاسلام.
وقال عليه السلام :الخيانة دليل على قلّة الورع وعدم الديانة.
وعن أبي عبدالله عليه السلام)وهو يحاسب وكيلاً له والوكيل يكثر أن يقول: والله ما خنت.
فقال له أبو عبدالله عليه السلام) يا هذا خيانتك و تضييعك عليّ مالي سواء إلا إن الخيانة شرّها عليك. ثمَّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لو أنّ أحدكم فرَّ من رزقه لتبعه حتى يدركه ومَن خان خيانة حسبت عليه مِن رزقه وكُتب عليه وزرها.
وقال عليه السلام) يُجبل المؤمن على كل طبيعة الا الخيانة و الكذب.
وقال عليه السلام: لأبي هارون المكفوف:يا أبا هارون إنّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قلت: وما الخائن؟ قال عليه السلام:من إدّخر عن مؤمن درهماً أو حبس عنه شيئاً من أمر الدنيا.
ان الخيانة هي من الصفات الرذيلة و الاخلاق البشعة المسقطة للكرامة والمؤدية الى الفشل والاخفاق والتاركة على الفرد والمجتمع أسوء الآثار وأجسم الأضرار فحريُّ بكلِّ مؤمن ومؤمنة اجتناب هذا المنكر القبيح والابتعاد عنه ما امكن الابتعاد كي يحضى بسعادة الدنيا في طاعة الله ونعيم الآخرة حيث الأجر والثواب.
أشكال الخيانة وصورها:
للخيانة صور وأشكال مختلفة كثيرة تختلف باختلاف مواردها ومواضيعها أهمَّها:
1ـ خيانة الله والرسول ويكون ذلك بمعصيتهما. قال الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام في قول الله عزّوجل) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون( فخيانة الله و الرسول معصيتهما وأمّا خيانة الأمانة فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله عزّ وجلّ عليه.
2ـ الخيانة العلمية وتتمثل بالدَّسِ والتحر يف والوضع في الحقائق العلمية المقدسة والتأريخية .
قال رسول الله عليه السلام)تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد في خيانته في ماله.
3ـ إفشاء أسرار الآخرين. فقد جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذرّ :المجالس بالامانة،وإفشاؤك سِرَّ أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العثرة.
4ـ خيانة الودائع. بالتفريط بها وعدم حفظها أو بانكارها ومن ثمّ غصبها.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام) أفحش الخيانة خيانة الودائع.
5ـ الامتناع عن تقديم العون للمؤمنين مع القدرة على ذلك. قال الامام الصادق عليه السلام:أيّما رجل من أصحابنا إستعان به رجل من إخوانه في حاجةٍ فلم يبالغ بكل جهده فقد خان الله و رسوله و المؤمنين.
6ـ الاستئمان للخونة: قال الامام الجواد عليه السلام :كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة.
7ـ خيانة نقض العهود. قال أميرالمؤمنين عليه السلام :غاية الخيانة خيانة الخلّ الودود ونقض العهود.
8ـ الخيانة في المعاملات كالبيع من خلال إنقاص الكيل أو الميژان أو غش البضاعة أو غيرها. قال الامام الصادق عليه السلام :شرّ التجار الخونة .
9ـ إشغال النفس بما لا يعود خيره عليها مادياً أو معنوياً. قال أميرالمؤمنين (ع) الخائن من شغل نفسه بغير نفسه وكان يومه أشرّ من أمسه.
علامات الخائن:
للخائن علامات ودلائل يعرف بها ويميز عن غيره يحسن بالمؤمنين معرفتها حتى يمكنهم من خلال ذلك الاستفادة في تشخيص صاحبها ومن ثمّ عدم التورط معه في استئمانه وهذه العلامات:
1ـ العصيان لله وعدم التورع عن المحارم.
2ـ إيذاء الناس وبالأخص الجيران.
3ـ الظلم للغير والطغيان عليه.
4ـ بغض الخُلطاء والأقران.
وقد جَمَعَ هذه العلامات حديث رسول الله عليه السلام : حيث قال:أمّا علامة الخائن فأربعة: عصيان الرحمن وأذى الجيران وبغض الأقران والقرب الى الطغيان.
5ـ الاشتغال بما لا يعود عليه الا بالمضرّة للدين.
6ـ التّردي في الحال والتغير نحو الأسوء.
والنقطتان الاخيرتان يجمعهما حديث أميرالمؤمنين عليه السلام في قوله) الخائن من شغل نفسه بغير نفسه وكان يومه شرّاً من أمسه.
الأسباب والبواعث:
يمكن إجمال أهم الاسباب والبواعث على الخيانة بالنقاط التالية:
1ـ الجهل وقلة الوعي بالمعارف الدينية الأخلاقية منها والعقائدية والفقهية. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الجاهل من عصى الله و إن كان جميل المنظر عظيم الخطر.وقال أميرالمؤمنين عليه السلام)الجهل أصلُ كلِّ شرّ.
2ـ ترك الاهتمام بالنفس وعدم تزكيتها وتربيتها التربية الصالحة التي تجعل منها مترفّعَة عن ارتكاب المعاصي واقتراف المآثم لانها (النفس) وكما هو معلوم من أهم مصادر الشرور.
قال تعالى) إنّ النفس لأمارة بالسوء الامارحم ربي.
3ـ المحيط الملوث ورفاق السوء اذ لهما الأثر الفعّال في نشر وارتكاب الكثير من الموبقات. قال الامام الصادق عليه السلام) قال لي أبي عليه السلام: يا بُني مَن يصحب صاحب السوء لا يسلم ومن يدخل مداخل السوء يتّهم ومن لا يملك لسانه يندم.
4ـ الطمع من أجل الحصول علي مكسب دنيوي مادي أو معنوي أومن كليهما.
5ـ إغراء وتحر يض الآخرين من ذوي النفوذ وغيرهم والاستجابة لهم مجاملةً أوخوفاً أو طمعاً.
6ـ إشفاء الغيظ و الانتقام الناجم عن العداء والخصومات المثيرة للحفائظ والاضغان والاحقاد.
7ـ الاهمال والكسل فانهما قد يؤديان الى ارتكاب الخيانة وبالاخص خيانة الودائع.
8ـ البخل والشّح فهما العاملان الاساسيان الباعثان على الامتناع عن تقديم العون للاخ المحتاج عندالقدرة وقد مرّ إنّ هكذا امتناع هو مِن الخيانة.
المساوىء والآثار:
آثار الخيانة ومساوئها على جسامتها وكثرتها لا يمكن تقصيها والاحاطة بها فهي داء عضال إذا أصابت الفرد أو تفشت في المجتمع أفرغتهما عن معظم محتوياتهما الانسانية والدينية وقعدت بهما عن مسير تهما التكاملية نحو الله تعالى وأسرعت بهما نحو الحضيض ويمكن إجمال تلك المساوىء والآثار بما يلي:
على الفرد:
1ـ الابتعاد عن محبة الله تعالى والبوء بغضبه. قال تعالى :إنّ الله لا يحبّ من كان خواناً أثيما.
2ـ السقوط الاجتماعي ورفع الثقة منه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :ليس لك أن تتهم من ائتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته.
3ـ سقوط العدالة وعدم قبول شهادته في المحاكم ومجالس القضاء.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمز على أخيه ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ولا القانع مع أهل البيت.
4ـ الابتلاء بجلب الفقر اليه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر.
5ـ خراب بيته وارتفاع البركة عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنَّ إلاّ خرب ولم يعمر بالبركة: الخيانة والسرقة، وشرب الخمر والزنا.
6ـ الخروج عن تابعيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم : وأهل بيته عليه السلام . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:ليس منّا من خان بالامانة. وقال صلى الله عليه وآله وسلّم :ليس منّا من خان مسلماً في أهله و ماله .
7ـ الإبعاد عن جِوار الله يوم القيامة. عن إبن هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام :يا أبا هارون إنّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قال: قلت: وما الخائن: قال : من ادّخر عن مؤمن درهماً أو حبسَ عنه شيئاً من أمر الدنيا .
((على المجتمع)):
يمكن حصر تأثير الخيانة على المجتمع في محورين:
الاوّل: التفشي في المجتمع، حالها حال الكثير من الرذائل الأخلاقية التي تنتشر في المجتمع متى ما تهيأت الظروف الملائمة لها.
الثاني: ما يتسبب عن هذا التفشي من الأضرار والدَّمار لبنية المجتمع وتركيبته ويمكن اجمال ذلك بالنقاط التالية:
الف اضعاف الثقة بين الافراد وشيوع التخاوف بينهم وانعدام الاطمئنان فيما بينهم بالمعاملات وغيرها مما يؤدي ذلك الى فصم روابط المجتمع و فساد مصالحه.
ب ـ حدوث الدعاوي و الخصومات التي قد تصل الى إشعال الفتن وسفك الدماء بالاخص في الخيانات التي تؤدي الى غصب حقوق وأموال الآخرين أو الاعتداء عليها.
ج ـ تفكك المجتمع واضعافه والاخلال بوحدته المتمثلة بتماسك أفراده وإتحادهم.
دـ نزول البلاء بالقحط والسنين ورفع البركات. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :لا تزال أمتي بخير ما لم يتخاونوا وأدوا الأمانة وآتوا الزكاة فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط و السنين.
هـ ـ تردّي المجتمع وتأخره الحضاري في الميادين المختلفة لما تتركه الخيانة من العراقيل في تنمية الطاقات وإساءة الاستفادة منها.
علاج الخيانة:
للحد من هذا المرض الاخلاقي العِضال وعلاجه: وكذا غيره من الخطايا والأثام يمكن الالتزام بالنصائح التالية:
1ـ رفع مستوى الوعي في المعارف الدينية المختلفة الفقهية والعقائدية والاخلاقية والخروج من ظلمة الجهل الى نور العلم اذ هو الدليل الى الصراط القويم وبه تحيى النفوس وتزان العقول. وهو الذي أكّدت الشريعة على طلبه وتحصيله بل جَعَلَت ذلك فريضة من أهم الفرائض على المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
2ـ تزكية النفس وتربيتها وتهذيبها وإبتغاء أفضل السبل وأنجع الطرق لذلك ومجاهدة رغباتها وميولها الطائشة وشهواتها وترويضها على الصبر على الطاعات وترك المعاصي والآثام.
3ـ التفكير في عواقب ونتائج الخيانة والتملي من ذلك بالاخص فيما يترتب عليها من العقاب الاخروي العظيم الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى لمقترفي هذه الموبقة ومعرفة ذلك من خلال الآيات والروايات الواردة في ذلك وتهويله في النفس واشعارها الخوف والرهبة لعلّه يكون رادعا لها عن اقتراف هذه الجريمة.
حكاياتٌ وِعبَر:
1ـ حكي أنّه قدم رجل الى بغداد ومعه عقد يساوي ألف دينار فجاء به الى عطّار موصوف بالصلاح فأودعه عنده ومضى الى الحج فلمّا قدم من الحج وأراده من العطّار جحده وضربه وصدّقه الناس فَعَرضَ قصته على عضد الدولة الديلمي فقال له إذهب غداً واجلس على دكّان العطّار ثلاثة أيام حتى أمرّ عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك فلا تزيد على ردّ السلام فإذا انصرفت أعد عليه ذكر العقد ففعل ولمّا كان في اليوم الرابع جاء عضد الدولة في موكبه العظيم فسلّمَ على الرجل فلم يتحرك ولكن ردّ عليه السلام فقال: يا اخي تَقدُم العراق ولا تأتينا ولا تعرض علينا حوائجك؟ فقال: ما اتفق هذا والعسكر واقف فانذهل العطّار وأيقن بالموت فلمّا انصرف التفت العطّار وقال: يا أخي متى أو دعتني هذا العقد وفي أي شيء هو ملفوف؟ فذكّرني لعلي أنا ناس . فذكر له أوصافه فحلّ له جراباً وأخرجه منه وقال: كنت ناسياً . ومضى الرجل الى عضد الدولة وأخبره فصلبه على باب دكّانه ونودي عليه هذا جزاء من استودع فجحد.
2ـ حكي أنـــّه كان للحارث بن صعصعة نُدماء لا يفارقهم فخرج في بعض متنزّهاته ومعه ندماؤه فتخلّف منهم واحد فدخل على زوجته (زوجة الحارث) فأكلا وشربا واضطجعا. فوثب الكلب عليهما فقتلهما فلمّا رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر وأنشأ يقول:
وما زال يرعـــى ذمتي ويــحوطني ***ويحفــظ عرســــي والـــخلّ يخـــــون
فيــا عجبـاً للــخــلّ يهتك حــــرمتي***ويــــا عجــباً للــكلب كـــيف يصـــون
3ـ كان رجل من أهل المدينة يذهب الى بعض الأرياف لشراء الشاة والدهن والصوف وما أشبهه وكان له عميل في الريف يرد عليه فيشتري له ما يريد. وذات مرّة أخذ معه مالاً ضخماً وقصد الريف ونزل عند عميله وذكر له حاجياته وانه يريد الشراء بمبلغ كذا.
قال التاجر: وبمجرد أن ذكرت للعميل كمية المال الذي معي واذا بي أرى آثار التغير في وجه العميل فعلمت أنّه أراد بي سوءً فندمت الى ان قال: ولكن لم يكن لي ملجأ ألجأ اليه في تلك الليلة وبعد تناول الطعام فرش لي صاحب البيت في غرفة من غرف البيت وذهب هو وزوجته الى غرفة اخرى لكن النوم لم يزر عيني من القلق وأخيراً قررت أن أخرج من غرفتي وأختفي في بعض زوايا البيت وهكذا فعلت فخرجت وحيث لم أجد مكاناً للاختفاء إلا الإسطبل اختفيت به وأخفيت نفسي إلى رقبتي في التبن الذي خزّن في الاسطبل لكن عيني كانت تحدق باتجاه الغرفة. واذا بي أرى نصف الليل أن شخصاً دخل الدار وذهب الى غرفتي ولم أعرف من هو ذلك الشخص.
وبعد مدةٍ رأيت في ضوء القمر أنّ صاحب البيت وزوجته قاما وهما يتهامسان حتى دخلا وعلمت أنهما يريدان بي شرّا ولم تمض مدة إلا ورأيت الزوجين أسرعا وأضاء مصباحاً نفطياً ودخلا الغرفة ثمّ رأيتهما يخرجان ويسحبان جثة إنسان ملفوف إلى السرداب.
قال الرجل (التاجر): ولمّا دخلا السرداب قمت من مكاني وهر بت من القر ية قاصداً البلد ومشيت حتّى وصلت البلد بكلّ خوف وصعوبة وأخبرت الشرطة بما جرى. فجاءت مفرزة من الشرطة معي الى القر ية وألقوا القبض على الزوجين ودخلنا السرداب وحفرناه وإذا بجثة الرجل المذبوح وبعد التحقيق تبيّن أن المذبوح ولد صاحب البيت وأنّه كان خارجاً لبعض شؤونه ولما دخل الدار نام في تلك الغرفة والزوجان ظنّاه أنّه التاجر فقتلاه وبعد ما تبيّن الأمر لهما دفناه خوف الفضيحة... ولكن ربك بالمرصاد.
اللهم صل على محمد وال محمد
**********************
قوله تعالى) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله و الرسول و تخونوا أماناتكم و أنتم تعلمون.وقوله تعالى) إنّ الله لا يحب من كان خوّاناً أثيماً.
وقوله تعالى) إن الله لا يحب كلَّ خوّانٍ كَفُورٍ.
وقوله تعالى) إن الله لا يهدي كيد الخائنين.
وقوله تعالى) ضَرَبَ الله مثلاً للذين كفروا امرأت نوحٍ و امرأت لوطٍ كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً و قيل ادخلا النارَ مع الداخلين.
الأحاديث :
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) المكر و الخديعة و الخيانة في النار.
وقال صلى الله عليه وآله) ليس مِنَّا من خان بالامانة.
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم) أربع لا تدخلُ بيتاً واحدةٌ منهن إلا خَرِب و لم يعمر بالبركة: الخيانة والسرقة وشرب الخمر والزنا.
وقال صلى الله عليه وآله وسلّم)لا تخن مَن خانك فتكون مثله.
وقال أميرالمؤمنين عليه السلام) رأس النفاق الخيانة.
وقال الخيانة غدر.
وقال عليه السلام) إياك والخيانة فانّها شرّ معصية فإن الخائن المعذب بالنّار على خيانته.
وقال عليه السلام :جانبوا الخيانة فانها مجانبة الاسلام.
وقال عليه السلام :الخيانة دليل على قلّة الورع وعدم الديانة.
وعن أبي عبدالله عليه السلام)وهو يحاسب وكيلاً له والوكيل يكثر أن يقول: والله ما خنت.
فقال له أبو عبدالله عليه السلام) يا هذا خيانتك و تضييعك عليّ مالي سواء إلا إن الخيانة شرّها عليك. ثمَّ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم : لو أنّ أحدكم فرَّ من رزقه لتبعه حتى يدركه ومَن خان خيانة حسبت عليه مِن رزقه وكُتب عليه وزرها.
وقال عليه السلام) يُجبل المؤمن على كل طبيعة الا الخيانة و الكذب.
وقال عليه السلام: لأبي هارون المكفوف:يا أبا هارون إنّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قلت: وما الخائن؟ قال عليه السلام:من إدّخر عن مؤمن درهماً أو حبس عنه شيئاً من أمر الدنيا.
ان الخيانة هي من الصفات الرذيلة و الاخلاق البشعة المسقطة للكرامة والمؤدية الى الفشل والاخفاق والتاركة على الفرد والمجتمع أسوء الآثار وأجسم الأضرار فحريُّ بكلِّ مؤمن ومؤمنة اجتناب هذا المنكر القبيح والابتعاد عنه ما امكن الابتعاد كي يحضى بسعادة الدنيا في طاعة الله ونعيم الآخرة حيث الأجر والثواب.
أشكال الخيانة وصورها:
للخيانة صور وأشكال مختلفة كثيرة تختلف باختلاف مواردها ومواضيعها أهمَّها:
1ـ خيانة الله والرسول ويكون ذلك بمعصيتهما. قال الامام أبو جعفر الباقر عليه السلام في قول الله عزّوجل) يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون( فخيانة الله و الرسول معصيتهما وأمّا خيانة الأمانة فكلّ إنسان مأمون على ما افترض الله عزّ وجلّ عليه.
2ـ الخيانة العلمية وتتمثل بالدَّسِ والتحر يف والوضع في الحقائق العلمية المقدسة والتأريخية .
قال رسول الله عليه السلام)تناصحوا في العلم فإن خيانة أحدكم في علمه أشد في خيانته في ماله.
3ـ إفشاء أسرار الآخرين. فقد جاء في وصية الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم لأبي ذرّ :المجالس بالامانة،وإفشاؤك سِرَّ أخيك خيانة فاجتنب ذلك واجتنب مجلس العثرة.
4ـ خيانة الودائع. بالتفريط بها وعدم حفظها أو بانكارها ومن ثمّ غصبها.
قال أميرالمؤمنين عليه السلام) أفحش الخيانة خيانة الودائع.
5ـ الامتناع عن تقديم العون للمؤمنين مع القدرة على ذلك. قال الامام الصادق عليه السلام:أيّما رجل من أصحابنا إستعان به رجل من إخوانه في حاجةٍ فلم يبالغ بكل جهده فقد خان الله و رسوله و المؤمنين.
6ـ الاستئمان للخونة: قال الامام الجواد عليه السلام :كفى بالمرء خيانة أن يكون أميناً للخونة.
7ـ خيانة نقض العهود. قال أميرالمؤمنين عليه السلام :غاية الخيانة خيانة الخلّ الودود ونقض العهود.
8ـ الخيانة في المعاملات كالبيع من خلال إنقاص الكيل أو الميژان أو غش البضاعة أو غيرها. قال الامام الصادق عليه السلام :شرّ التجار الخونة .
9ـ إشغال النفس بما لا يعود خيره عليها مادياً أو معنوياً. قال أميرالمؤمنين (ع) الخائن من شغل نفسه بغير نفسه وكان يومه أشرّ من أمسه.
علامات الخائن:
للخائن علامات ودلائل يعرف بها ويميز عن غيره يحسن بالمؤمنين معرفتها حتى يمكنهم من خلال ذلك الاستفادة في تشخيص صاحبها ومن ثمّ عدم التورط معه في استئمانه وهذه العلامات:
1ـ العصيان لله وعدم التورع عن المحارم.
2ـ إيذاء الناس وبالأخص الجيران.
3ـ الظلم للغير والطغيان عليه.
4ـ بغض الخُلطاء والأقران.
وقد جَمَعَ هذه العلامات حديث رسول الله عليه السلام : حيث قال:أمّا علامة الخائن فأربعة: عصيان الرحمن وأذى الجيران وبغض الأقران والقرب الى الطغيان.
5ـ الاشتغال بما لا يعود عليه الا بالمضرّة للدين.
6ـ التّردي في الحال والتغير نحو الأسوء.
والنقطتان الاخيرتان يجمعهما حديث أميرالمؤمنين عليه السلام في قوله) الخائن من شغل نفسه بغير نفسه وكان يومه شرّاً من أمسه.
الأسباب والبواعث:
يمكن إجمال أهم الاسباب والبواعث على الخيانة بالنقاط التالية:
1ـ الجهل وقلة الوعي بالمعارف الدينية الأخلاقية منها والعقائدية والفقهية. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) إن الجاهل من عصى الله و إن كان جميل المنظر عظيم الخطر.وقال أميرالمؤمنين عليه السلام)الجهل أصلُ كلِّ شرّ.
2ـ ترك الاهتمام بالنفس وعدم تزكيتها وتربيتها التربية الصالحة التي تجعل منها مترفّعَة عن ارتكاب المعاصي واقتراف المآثم لانها (النفس) وكما هو معلوم من أهم مصادر الشرور.
قال تعالى) إنّ النفس لأمارة بالسوء الامارحم ربي.
3ـ المحيط الملوث ورفاق السوء اذ لهما الأثر الفعّال في نشر وارتكاب الكثير من الموبقات. قال الامام الصادق عليه السلام) قال لي أبي عليه السلام: يا بُني مَن يصحب صاحب السوء لا يسلم ومن يدخل مداخل السوء يتّهم ومن لا يملك لسانه يندم.
4ـ الطمع من أجل الحصول علي مكسب دنيوي مادي أو معنوي أومن كليهما.
5ـ إغراء وتحر يض الآخرين من ذوي النفوذ وغيرهم والاستجابة لهم مجاملةً أوخوفاً أو طمعاً.
6ـ إشفاء الغيظ و الانتقام الناجم عن العداء والخصومات المثيرة للحفائظ والاضغان والاحقاد.
7ـ الاهمال والكسل فانهما قد يؤديان الى ارتكاب الخيانة وبالاخص خيانة الودائع.
8ـ البخل والشّح فهما العاملان الاساسيان الباعثان على الامتناع عن تقديم العون للاخ المحتاج عندالقدرة وقد مرّ إنّ هكذا امتناع هو مِن الخيانة.
المساوىء والآثار:
آثار الخيانة ومساوئها على جسامتها وكثرتها لا يمكن تقصيها والاحاطة بها فهي داء عضال إذا أصابت الفرد أو تفشت في المجتمع أفرغتهما عن معظم محتوياتهما الانسانية والدينية وقعدت بهما عن مسير تهما التكاملية نحو الله تعالى وأسرعت بهما نحو الحضيض ويمكن إجمال تلك المساوىء والآثار بما يلي:
على الفرد:
1ـ الابتعاد عن محبة الله تعالى والبوء بغضبه. قال تعالى :إنّ الله لا يحبّ من كان خواناً أثيما.
2ـ السقوط الاجتماعي ورفع الثقة منه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :ليس لك أن تتهم من ائتمنته ولا تأتمن الخائن وقد جرّبته.
3ـ سقوط العدالة وعدم قبول شهادته في المحاكم ومجالس القضاء.
قال النبي صلى الله عليه وآله وسلّم:لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا ذي غمز على أخيه ولا ظنين في ولاء ولا قرابة ولا القانع مع أهل البيت.
4ـ الابتلاء بجلب الفقر اليه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) الأمانة تجلب الرزق والخيانة تجلب الفقر.
5ـ خراب بيته وارتفاع البركة عنه. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم) أربع لا تدخل بيتاً واحدة منهنَّ إلاّ خرب ولم يعمر بالبركة: الخيانة والسرقة، وشرب الخمر والزنا.
6ـ الخروج عن تابعيّة الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم : وأهل بيته عليه السلام . قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم:ليس منّا من خان بالامانة. وقال صلى الله عليه وآله وسلّم :ليس منّا من خان مسلماً في أهله و ماله .
7ـ الإبعاد عن جِوار الله يوم القيامة. عن إبن هارون المكفوف قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام :يا أبا هارون إنّ الله تبارك وتعالى آلى على نفسه أن لا يجاوره خائن. قال: قلت: وما الخائن: قال : من ادّخر عن مؤمن درهماً أو حبسَ عنه شيئاً من أمر الدنيا .
((على المجتمع)):
يمكن حصر تأثير الخيانة على المجتمع في محورين:
الاوّل: التفشي في المجتمع، حالها حال الكثير من الرذائل الأخلاقية التي تنتشر في المجتمع متى ما تهيأت الظروف الملائمة لها.
الثاني: ما يتسبب عن هذا التفشي من الأضرار والدَّمار لبنية المجتمع وتركيبته ويمكن اجمال ذلك بالنقاط التالية:
الف اضعاف الثقة بين الافراد وشيوع التخاوف بينهم وانعدام الاطمئنان فيما بينهم بالمعاملات وغيرها مما يؤدي ذلك الى فصم روابط المجتمع و فساد مصالحه.
ب ـ حدوث الدعاوي و الخصومات التي قد تصل الى إشعال الفتن وسفك الدماء بالاخص في الخيانات التي تؤدي الى غصب حقوق وأموال الآخرين أو الاعتداء عليها.
ج ـ تفكك المجتمع واضعافه والاخلال بوحدته المتمثلة بتماسك أفراده وإتحادهم.
دـ نزول البلاء بالقحط والسنين ورفع البركات. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :لا تزال أمتي بخير ما لم يتخاونوا وأدوا الأمانة وآتوا الزكاة فإذا لم يفعلوا ذلك ابتلوا بالقحط و السنين.
هـ ـ تردّي المجتمع وتأخره الحضاري في الميادين المختلفة لما تتركه الخيانة من العراقيل في تنمية الطاقات وإساءة الاستفادة منها.
علاج الخيانة:
للحد من هذا المرض الاخلاقي العِضال وعلاجه: وكذا غيره من الخطايا والأثام يمكن الالتزام بالنصائح التالية:
1ـ رفع مستوى الوعي في المعارف الدينية المختلفة الفقهية والعقائدية والاخلاقية والخروج من ظلمة الجهل الى نور العلم اذ هو الدليل الى الصراط القويم وبه تحيى النفوس وتزان العقول. وهو الذي أكّدت الشريعة على طلبه وتحصيله بل جَعَلَت ذلك فريضة من أهم الفرائض على المسلمين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلّم :طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة.
2ـ تزكية النفس وتربيتها وتهذيبها وإبتغاء أفضل السبل وأنجع الطرق لذلك ومجاهدة رغباتها وميولها الطائشة وشهواتها وترويضها على الصبر على الطاعات وترك المعاصي والآثام.
3ـ التفكير في عواقب ونتائج الخيانة والتملي من ذلك بالاخص فيما يترتب عليها من العقاب الاخروي العظيم الذي أعدّه الله سبحانه وتعالى لمقترفي هذه الموبقة ومعرفة ذلك من خلال الآيات والروايات الواردة في ذلك وتهويله في النفس واشعارها الخوف والرهبة لعلّه يكون رادعا لها عن اقتراف هذه الجريمة.
حكاياتٌ وِعبَر:
1ـ حكي أنّه قدم رجل الى بغداد ومعه عقد يساوي ألف دينار فجاء به الى عطّار موصوف بالصلاح فأودعه عنده ومضى الى الحج فلمّا قدم من الحج وأراده من العطّار جحده وضربه وصدّقه الناس فَعَرضَ قصته على عضد الدولة الديلمي فقال له إذهب غداً واجلس على دكّان العطّار ثلاثة أيام حتى أمرّ عليك في اليوم الرابع وأقف وأسلم عليك فلا تزيد على ردّ السلام فإذا انصرفت أعد عليه ذكر العقد ففعل ولمّا كان في اليوم الرابع جاء عضد الدولة في موكبه العظيم فسلّمَ على الرجل فلم يتحرك ولكن ردّ عليه السلام فقال: يا اخي تَقدُم العراق ولا تأتينا ولا تعرض علينا حوائجك؟ فقال: ما اتفق هذا والعسكر واقف فانذهل العطّار وأيقن بالموت فلمّا انصرف التفت العطّار وقال: يا أخي متى أو دعتني هذا العقد وفي أي شيء هو ملفوف؟ فذكّرني لعلي أنا ناس . فذكر له أوصافه فحلّ له جراباً وأخرجه منه وقال: كنت ناسياً . ومضى الرجل الى عضد الدولة وأخبره فصلبه على باب دكّانه ونودي عليه هذا جزاء من استودع فجحد.
2ـ حكي أنـــّه كان للحارث بن صعصعة نُدماء لا يفارقهم فخرج في بعض متنزّهاته ومعه ندماؤه فتخلّف منهم واحد فدخل على زوجته (زوجة الحارث) فأكلا وشربا واضطجعا. فوثب الكلب عليهما فقتلهما فلمّا رجع الحارث الى منزله وجدهما قتيلين فعرف الأمر وأنشأ يقول:
وما زال يرعـــى ذمتي ويــحوطني ***ويحفــظ عرســــي والـــخلّ يخـــــون
فيــا عجبـاً للــخــلّ يهتك حــــرمتي***ويــــا عجــباً للــكلب كـــيف يصـــون
3ـ كان رجل من أهل المدينة يذهب الى بعض الأرياف لشراء الشاة والدهن والصوف وما أشبهه وكان له عميل في الريف يرد عليه فيشتري له ما يريد. وذات مرّة أخذ معه مالاً ضخماً وقصد الريف ونزل عند عميله وذكر له حاجياته وانه يريد الشراء بمبلغ كذا.
قال التاجر: وبمجرد أن ذكرت للعميل كمية المال الذي معي واذا بي أرى آثار التغير في وجه العميل فعلمت أنّه أراد بي سوءً فندمت الى ان قال: ولكن لم يكن لي ملجأ ألجأ اليه في تلك الليلة وبعد تناول الطعام فرش لي صاحب البيت في غرفة من غرف البيت وذهب هو وزوجته الى غرفة اخرى لكن النوم لم يزر عيني من القلق وأخيراً قررت أن أخرج من غرفتي وأختفي في بعض زوايا البيت وهكذا فعلت فخرجت وحيث لم أجد مكاناً للاختفاء إلا الإسطبل اختفيت به وأخفيت نفسي إلى رقبتي في التبن الذي خزّن في الاسطبل لكن عيني كانت تحدق باتجاه الغرفة. واذا بي أرى نصف الليل أن شخصاً دخل الدار وذهب الى غرفتي ولم أعرف من هو ذلك الشخص.
وبعد مدةٍ رأيت في ضوء القمر أنّ صاحب البيت وزوجته قاما وهما يتهامسان حتى دخلا وعلمت أنهما يريدان بي شرّا ولم تمض مدة إلا ورأيت الزوجين أسرعا وأضاء مصباحاً نفطياً ودخلا الغرفة ثمّ رأيتهما يخرجان ويسحبان جثة إنسان ملفوف إلى السرداب.
قال الرجل (التاجر): ولمّا دخلا السرداب قمت من مكاني وهر بت من القر ية قاصداً البلد ومشيت حتّى وصلت البلد بكلّ خوف وصعوبة وأخبرت الشرطة بما جرى. فجاءت مفرزة من الشرطة معي الى القر ية وألقوا القبض على الزوجين ودخلنا السرداب وحفرناه وإذا بجثة الرجل المذبوح وبعد التحقيق تبيّن أن المذبوح ولد صاحب البيت وأنّه كان خارجاً لبعض شؤونه ولما دخل الدار نام في تلك الغرفة والزوجان ظنّاه أنّه التاجر فقتلاه وبعد ما تبيّن الأمر لهما دفناه خوف الفضيحة... ولكن ربك بالمرصاد.
تعليق