بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
قال تعالى : {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت : 56].
حيث يتوجّه الأمر إلى المؤمنين ، وذلك عندما يكون البقاء في مكان- حتّى أوطانهم الخاصّة- مانعاً من عبادة اللَّه ومزعزعاً لتوحيد عبادته فعليهم أن يهجروا ذلك المكان تقول الآية : {يَاعِبادِي الَّذينَ آمَنُوا انَّ ارضِى وَاسِعةٌ فَإِيّايَ فَاعبُدُونِ}.
أجل ، أنّ أرض اللَّه واسعة ولا يمكن أبداً الإذعان لذلّ الشرك وأسر الكفر وعبادة الأصنام من أجل امور من قبيل القوم والقبيلة والبيت والوطن الحبيب ، بل إنّ واجب كلّ مؤمن موحّد هو أن يهجَر وطنه في مثل هذه الظروف ويحلّ في وطن مناسب ويُبقي شمعة التوحيد مضيئة في روحة ، وقد يُوفَّق- كالمهاجرين في صدر الإسلام- لإعداد القوّة اللازمة ويرجع إلى وطنه ويزيل آثار الشرك وعبادة الأصنام من ربوعه.
والتعبير ب (يا عبادي) ، و (أرضي) ، و (إيّاي فاعبدون) في الآية مقرون بالرحمة واللطف الإلهي وإشارة إلى نصره المستمر للموحّدين أينما كانوا وفي كلّ زمان «1».
والملاحظ أنّ المخاطب في الآية هم (العباد) ، ومع ذلك فالآية تأمرهم بعبادة اللَّه الواحد ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ العباد ينبغي أن يواصلوا مسيرة التوحيد إلى آخر العمر ولا ينحرفوا لحظة واحدة ، وهذا نظير تكرار الجملة : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ، لدى المؤمنين ، حيث يطلبون فيها استمرار هذه النعمة إلى جانب الهداية ، على أيّة حال ، فإنّ الآية دليل على وجوب الهجرة من أرض الشرك وعبادة الأصنام إلى دار الإيمان ، إلّاأن يُوفَّق الإنسان لتغيير الأوضاع السائدة على تلك الأرض.
آية البحث هي من آيات سورة العنكبوت التي يقول عنها المفسّرون : إنّ الآيات الإحدى عشرة الاولى منها نزلت في المدينة بصدد الذين كانوا في مكّة وأظهروا الإسلام ولكنّهم لم يعزموا على الهجرة إلى المدينة ، والآية التي بعدها تقول : {كُلُّ نَفسٍ ذَائقَةُ المَوْتِ} وفيها إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ الجميع سيموتون وينفصلون عن الوطن والزوج والمال ، فلا تظنّوا أنّكم إن بقيتم في أجواء ملوّثة بالشرك فإنّكم سوف تبقون إلى جنب أحبّائكم أبداً «2».
وتستند الآية العاشرة إلى نقطة جديدة اخرى في هذا المجال ، وتعد المؤمنين جميعاً بأنّهم سيكونون مالكين وحكّاماً للأرض كلّها ، كما أنّ التوحيد سينتشر في العالم بأسره وسوف لن يعبد إلّا اللَّه ، وعلى هذا فإنّها تبشّر بتوحيد العبادة الخالصة كبشارة كبرى لكلّ المؤمنين وتقول : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور : 55] ، وهناك بحث بين المفسّرين في تحديد ماهيّة هذه الطائفة التي ورثت الأرض وعاشت في عصور قديمة ، والمناسب أن يقال : إنّها إشارة إلى بني إسرائيل الذين أصبحوا ملوكاً وحكّاماً على مساحة واسعة من الأرض بعد نهضة موسى عليه السلام وانهيار حكومة الفراعنة ، وكما يقول القرآن الكريم في قوله تعالى : {واورَثْنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الارضِ ومَغارِبَها الَّتِي بَارَكنَا فِيهَا} «3» (الأعراف/ 137).
____________________
(1) لاحظوا أن «إيّاي فاعبدون» بسبب تقدّم المفعول على الفعل تدلّ على الحصر وتبيّن انحصار العبادة في اللَّه.
(2) راجع تفسير روح البيان؛ وروح المعاني؛ والقرطبي في ذيل آية البحث.
(3) هناك بحث مفصّل آخر في هذا المجال قد ورد في تفسير الأمثل ، ذيل الآية 55 من سورة النور ، تحت عنوان الحكومة العالمية للمستضعفين وكان لها نموذج صغير بعد فتح مكّة والإنتصارات الواسعة بعد النبي صلى الله عليه و آله والنموذج الأتمّ والكامل سيتحقّق عند قيام الإمام المهدي (عج).
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
قال تعالى : {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} [العنكبوت : 56].
حيث يتوجّه الأمر إلى المؤمنين ، وذلك عندما يكون البقاء في مكان- حتّى أوطانهم الخاصّة- مانعاً من عبادة اللَّه ومزعزعاً لتوحيد عبادته فعليهم أن يهجروا ذلك المكان تقول الآية : {يَاعِبادِي الَّذينَ آمَنُوا انَّ ارضِى وَاسِعةٌ فَإِيّايَ فَاعبُدُونِ}.
أجل ، أنّ أرض اللَّه واسعة ولا يمكن أبداً الإذعان لذلّ الشرك وأسر الكفر وعبادة الأصنام من أجل امور من قبيل القوم والقبيلة والبيت والوطن الحبيب ، بل إنّ واجب كلّ مؤمن موحّد هو أن يهجَر وطنه في مثل هذه الظروف ويحلّ في وطن مناسب ويُبقي شمعة التوحيد مضيئة في روحة ، وقد يُوفَّق- كالمهاجرين في صدر الإسلام- لإعداد القوّة اللازمة ويرجع إلى وطنه ويزيل آثار الشرك وعبادة الأصنام من ربوعه.
والتعبير ب (يا عبادي) ، و (أرضي) ، و (إيّاي فاعبدون) في الآية مقرون بالرحمة واللطف الإلهي وإشارة إلى نصره المستمر للموحّدين أينما كانوا وفي كلّ زمان «1».
والملاحظ أنّ المخاطب في الآية هم (العباد) ، ومع ذلك فالآية تأمرهم بعبادة اللَّه الواحد ، وفي ذلك إشارة إلى أنّ العباد ينبغي أن يواصلوا مسيرة التوحيد إلى آخر العمر ولا ينحرفوا لحظة واحدة ، وهذا نظير تكرار الجملة : {اهْدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} ، لدى المؤمنين ، حيث يطلبون فيها استمرار هذه النعمة إلى جانب الهداية ، على أيّة حال ، فإنّ الآية دليل على وجوب الهجرة من أرض الشرك وعبادة الأصنام إلى دار الإيمان ، إلّاأن يُوفَّق الإنسان لتغيير الأوضاع السائدة على تلك الأرض.
آية البحث هي من آيات سورة العنكبوت التي يقول عنها المفسّرون : إنّ الآيات الإحدى عشرة الاولى منها نزلت في المدينة بصدد الذين كانوا في مكّة وأظهروا الإسلام ولكنّهم لم يعزموا على الهجرة إلى المدينة ، والآية التي بعدها تقول : {كُلُّ نَفسٍ ذَائقَةُ المَوْتِ} وفيها إشارة إلى هذا المعنى وهو أنّ الجميع سيموتون وينفصلون عن الوطن والزوج والمال ، فلا تظنّوا أنّكم إن بقيتم في أجواء ملوّثة بالشرك فإنّكم سوف تبقون إلى جنب أحبّائكم أبداً «2».
وتستند الآية العاشرة إلى نقطة جديدة اخرى في هذا المجال ، وتعد المؤمنين جميعاً بأنّهم سيكونون مالكين وحكّاماً للأرض كلّها ، كما أنّ التوحيد سينتشر في العالم بأسره وسوف لن يعبد إلّا اللَّه ، وعلى هذا فإنّها تبشّر بتوحيد العبادة الخالصة كبشارة كبرى لكلّ المؤمنين وتقول : {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} [النور : 55] ، وهناك بحث بين المفسّرين في تحديد ماهيّة هذه الطائفة التي ورثت الأرض وعاشت في عصور قديمة ، والمناسب أن يقال : إنّها إشارة إلى بني إسرائيل الذين أصبحوا ملوكاً وحكّاماً على مساحة واسعة من الأرض بعد نهضة موسى عليه السلام وانهيار حكومة الفراعنة ، وكما يقول القرآن الكريم في قوله تعالى : {واورَثْنَا القَومَ الَّذِينَ كَانُوا يُستَضعَفُونَ مَشَارِقَ الارضِ ومَغارِبَها الَّتِي بَارَكنَا فِيهَا} «3» (الأعراف/ 137).
____________________
(1) لاحظوا أن «إيّاي فاعبدون» بسبب تقدّم المفعول على الفعل تدلّ على الحصر وتبيّن انحصار العبادة في اللَّه.
(2) راجع تفسير روح البيان؛ وروح المعاني؛ والقرطبي في ذيل آية البحث.
(3) هناك بحث مفصّل آخر في هذا المجال قد ورد في تفسير الأمثل ، ذيل الآية 55 من سورة النور ، تحت عنوان الحكومة العالمية للمستضعفين وكان لها نموذج صغير بعد فتح مكّة والإنتصارات الواسعة بعد النبي صلى الله عليه و آله والنموذج الأتمّ والكامل سيتحقّق عند قيام الإمام المهدي (عج).