بسم الله الرحمن الرحيم
البعض من الدول الاوربية يعيب على الاسلام بأنه يعامل الانسان وفق معايير لا تتوافق مع القانون الدولي، فهل أن الحضارات الاوربية وغيرها هي أول من شرع القانون الدولي؟ وهل حقّا أن الإسلام بعيد عن هذا القانون؟ ، في حقيقة الواقع الصادمة أن القانون الدولي لم يشرع إلا بمجيء الاسلام ، و أن الحضارات السابقة لم تعرف القانون الدولي اصلا، بل كانت تتعامل مع الإنسان بنظرة طبقية إزدرائية فهي تميز الانسان عن الانسان الآخر وفق معايير لا تنسجم مع العقل السليم و المنطق القويم ، وهنا نستعرض اهم اركان القانون الدولي لنناقشها و هي :
أ- اعلان المساواة بين الناس
ب-تبادل الحقوق والواجبات
ج- المصالح المشتركة
ففي ما يتعلق بالركنين الأول والثاني وهما المساواة بين الناس وتبادل الحقوق والواجبات فإن الحضارات قبل الإسلام شرعت قوانين لا تساوي بين الانسان وأخيه الانسان، كما أنها شرعت قوانين تجعل الحقوق لطبقة من المجتمع من دون واجبات و تجعل الواجبات على فئة من المجتمع من دون حقوق تذكر ! ، فمثلا في الحضارة اليونانية كان ارسطو يعبر عن الشعوب الاخرى بأنهم : ((برابرة مُنحطّون خُلقوا لكي يُستعبدوا، خُلقوا كي يُسلبوا ،و خُلقوا كي يُقرعوا بالعصا))! على حد تعبيره ، وكذلك بقية الحضارات كالحضارة الرومانية و حضارة الفرس وحضارة الهند وحضارة البراهمة ، فقد كان لها نظريات وقوانين تعامل الناس مع الشعوب الاخرى بصورة معاكسة لما تعامله مع شعوبها ، وكذلك حضارة العرب كانوا يفرقون بين قريش الأباطح و بين غيرهم ، فإذن نستنتج أن اركان القانون الدولي غير متوفرة عند الحضارات ما قبل الاسلام وان الحضارات قبل الاسلام لم تعرف المساواة بين الناس و لم تقر تبادل الحقوق والواجبات و كانت تعامل الانسان بإزدواجية مطلقة .
أما في الإسلام فقد تم تشريع قانون المساواة بين الناس على أن الناس يشتركون بصفة الإنسانية بغض النظر عن اللون او الجنس او القومية او البلد، و ان لا فضل لأحد على أحد الّا بالعمل الصالح وتقوى الله تعالى، كيف لا ونحن نقرأ في القران قوله تعالى ((يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىظ° وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا غ? إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ غ? إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)(1) ، فإذن الإسلام أعتبر معيار التقوى هوالفيصل في أفضلية الانسان على اخيه الانسان ، ورفض إعتبار جميع المعايير الأخرى كمعيار اللون او الجنس او القومية لأن إعتمادها في التمييز يميت براءة الإنسانية ويقضي على السلام ويكثر من الحروب والدمار بين بني البشر ويخرّب الحضارات ،كما ان الكثير من الأحاديث النبوية و الروايات الشريفة عبرت عن عنصر المساواة بين الناس بأنهم سواسية كأسنان المشط و ان الناس صنفان اما أخُ لك في الدين او نظير لك في الخلق فهم متساوون في الحقوق ومتساوون في الواجبات.
وكذلك فان الإسلام شرّع منظومة متكاملة من القوانين التي تنظم المصالح المشتركة بين الناس وتدعم الإقتصاد و تشجّع على الإنتاج و استثمار الطاقات البشرية بكافه انواعها و بمختلف تنميطاتها بصورة مثلى ، ومن هذا نستنتج ان القانون الدولي إنما تم تشريعه من قبل الاسلام ولأول مرة في تاريخ البشرية.
و اما بعد الاسلام فقد بقيت الكثير من الشعوب والحضارات بعيدة عن المساواة وعن تبادل الحقوق و الواجبات و عن المصالح المشتركة فمثلا اذا ما اطلعنا على تأريخ الشعوب الاوروبية لرأينا ان هذه الشعوب ما زالت تنظر الى الشعوب الأخرى نظرة إزدرائية، ولنأخذ مثالا على ذلك قول المشرع الانكليزي ستيوارت اذ يقول في تعبيره : ( يستحيل تطبيق القانون على الشعوب الهمجية)، حيث قسّم شعوب العالم الى ثلاثة أقسام فأما الأول فهو شعب متحضّر وله كافة الحقوق، و الثاني شعب نصف متحضّر وله نصف الحقوق ، والثالث شعب غير متحضّر لا يمنح اي حق قانوني وانما يمنح حقا عرفيا فقط ، حيث يرى ان هذا الشعب هو شعب همجي لا يستحق اي شيء من الحقوق!، فإذن الشعوب الأوروبية اعتمدت على هكذا مشرعين لا يعرفون اي معنى لفلسفة الانسانية ومن الملفت للنظر ان عصبة الأمم التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية أقرت تقسيم المشرع الانكليزي ستيوارت!، و بعدما انحلت عصبة الأمم و تأسست هيئة الأمم المتحدة فإنها هي الثانية بدورها أقرت واعتمدت تلك النظرية المشؤومة اي نظرية التقسيم التي ترى بعض الشعوب بأنهم همجية و يجب ان تعامل معاملة الرقيق، بينما نجد ان الاسلام حينما جاء وجد ظاهرة الرقيق فعالجها بقوانين ووسائل محكمة حتى تم القضاء عليها وتم بذلك تحقيق المساواة بين بني البشر حتى ساوى بين السيد و بين العبد وجعلهما في كفة واحدة وجعل التقوى و الأخلاق الفاضلة في الكفة الأخرى ، فاذن نستنتج ان القانون الدولي لم يكن معروفا ولا مطبقا قبل الاسلام ، و لا حتى بعده عند الكثير من الحضارات الا انه ولد في ظل الاسلام وأينع من ينبوعه.
الكاتب : مهند سلمان السهلاني
تعليق