بسم الله الرحمن الرحيم
وممّا تحسن الإشارة إليه ممّا لا يستسيغه عقل أو يقبل به شرع ، ما سنّه الخليفة عمر بن الخطّاب ؛ إذ قد أفتى أنّ المسجد إذا ازدحم بالمصلّين فإنّه يسجد أهل الصفّ الثاني على ظهور أهل الصفّ الأوّل ، وهي والله من أعجب الفتاوى التي لا يشفع لها عقل ولا سنّة ولا قرآن ، ولا غرو فهي على غرار ما كان يقول : نعمت البدعة هذه..
أخرج عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن الشعبي أن عمر قال : إن اشتد الزحام يوم الجمعة فليسجد أحدكم على ظهر أخيه([1]) . ورجاله ثقات على شرط مسلم .وأخرج ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن زيد بن وهب ، عن عمر قال : إذا لم يستطع الرجل أن يسجد يوم الجمعة فليسجد على ظهر أخيه ([2]). ورجاله ثقات على شرط الشيخين .
وفي مصنّف عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش به هكذا : قال عمر : من آذاه الحرّ يوم الجمعة فليبسط ثوبه فليسجد عليه ، ومن زحمه الناس يوم الجمعة حتى لا يستطيع أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر رجل ([3]).ولم يرتض الحسن البصري هذا ؛ يدلّ عليه ما أخرجه عبد الرزاق قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يونس عن الحسن أنّه كان يحب أن يمثل قائماً حتى يرفعوا رؤوسهم ثمّ يسجد ([4]).كما لم يرتض هذا ، الصحابيُّ جابر بن عبد الله الأنصاري ؛ يدلّ عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن عنبسة عن ابن أبي ليلى عن ابي الزبير عن جابر قال : إذا رفع الذي بين يديه رأسه سجد ([5]).بل قد سخر فقيه مكّة عطاء بن أبي رباح بهذه الفتوى ؛ يدلّ عليه ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (=عطاء) قال : إذا آذاني الحر لم أبال أن أسجد على ثوبي ، فأمّا أن أسجد على إنسان فلا([6]). وهو صحيح على شرط الشيخين كما لا يخفى على الخبير .أقول : يشير عطاء إلى نقطة في غاية الأهمّية في صناعة الفقه ، وهي حدود تعامل الفقيه مع مقولة الضرورة الشرعيّة ؛ فالضرورة تبيح لمن يكاد أن يهلك ، شرب النبيذ المسكر ، بمقدار ما يدفع به الهلاك فقط ، لكنّها لا تبيح له الوضوء بهذا المسكر مطلقاً في أيّ فرض ، وما نحن فيه ، فيما يريد أن يقول عطاء ، من هذا القبيل ؛ فضرورة الحرّ وكذلك ضرورة البرد تبيحان للمصلّي السجود على الثوب ولولاها لما جاز على ما اتّضح من مذهبه ، أمّا السجود على أصلاب الرجال فلا على كلا التقديرين .لذلك منع من الفقهاء الأربعة ، مالك بن أنس ، من هذه الفتوى جملة وتفصيلاً ، فلقد قال : يصبر ولا يسجد على ظهر الغير([7]) . أي يصبر المصلّي إلى أن ينتهي الصفّ الذي أمامه من السجود فيسجد بعده على الأرض ، ويتابع الإمام ، ولا إشكال في مثل هذه المتابعة . قال ابن حجر في فتح الباري : وبه (=جواز السجود على الظهر) قال الكوفيّون وأحمد وإسحاق ، وقال عطاء والزهري : يؤخّر (=يصبر) حتّى يرفعوا ، وبه قال مالك والجمهور ([8]). أقول : فقارن بين القولين ، المنع من السجود على تربة الحسين المباركة وأنّه بدعة ، ردّاً على حديث قبضة جبرائيل المتواتر ، وبين جواز السجود على ظهور الرجال لمجرّد قول عمر!!! ولقد أجاد مالك والزهري وعطاء والجمهور لماّ عارضوا فتوى عمر .
([1]) مصنف عبد الرزاق 1 : 397 .
([2]) مصنف ابن أبي شبية 1 : 297 .
([3]) مصنف عبد الرزاق 1 : 398 .
([4]) مصنف ابن أبي شبية 1 : 296 .
([5]) مصنف ابن أبي شبية 1 : 297 .
([6]) مصنف عبد الرزاق 1 : 398 .
([7]) فتح العزيز (الرافعي) 4 : 563 .
([8]) فتح الباري (ابن حجر) 2 : 462 ، وأنظر نيل الأوطار (الشوكاني) 3 : 122 .
وممّا تحسن الإشارة إليه ممّا لا يستسيغه عقل أو يقبل به شرع ، ما سنّه الخليفة عمر بن الخطّاب ؛ إذ قد أفتى أنّ المسجد إذا ازدحم بالمصلّين فإنّه يسجد أهل الصفّ الثاني على ظهور أهل الصفّ الأوّل ، وهي والله من أعجب الفتاوى التي لا يشفع لها عقل ولا سنّة ولا قرآن ، ولا غرو فهي على غرار ما كان يقول : نعمت البدعة هذه..
أخرج عبد الرزاق عن الثوري عن أبي إسحاق عن الشعبي أن عمر قال : إن اشتد الزحام يوم الجمعة فليسجد أحدكم على ظهر أخيه([1]) . ورجاله ثقات على شرط مسلم .وأخرج ابن أبي شيبة قال : حدثنا أبو معاوية ، عن الأعمش ، عن المسيب بن رافع ، عن زيد بن وهب ، عن عمر قال : إذا لم يستطع الرجل أن يسجد يوم الجمعة فليسجد على ظهر أخيه ([2]). ورجاله ثقات على شرط الشيخين .
وفي مصنّف عبد الرزاق عن معمر عن الأعمش به هكذا : قال عمر : من آذاه الحرّ يوم الجمعة فليبسط ثوبه فليسجد عليه ، ومن زحمه الناس يوم الجمعة حتى لا يستطيع أن يسجد على الأرض فليسجد على ظهر رجل ([3]).ولم يرتض الحسن البصري هذا ؛ يدلّ عليه ما أخرجه عبد الرزاق قال : حدثنا هشيم قال : أخبرنا يونس عن الحسن أنّه كان يحب أن يمثل قائماً حتى يرفعوا رؤوسهم ثمّ يسجد ([4]).كما لم يرتض هذا ، الصحابيُّ جابر بن عبد الله الأنصاري ؛ يدلّ عليه ما أخرجه ابن أبي شيبة قال : حدثنا إسحاق بن سليمان ، عن عنبسة عن ابن أبي ليلى عن ابي الزبير عن جابر قال : إذا رفع الذي بين يديه رأسه سجد ([5]).بل قد سخر فقيه مكّة عطاء بن أبي رباح بهذه الفتوى ؛ يدلّ عليه ما أخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج عنه (=عطاء) قال : إذا آذاني الحر لم أبال أن أسجد على ثوبي ، فأمّا أن أسجد على إنسان فلا([6]). وهو صحيح على شرط الشيخين كما لا يخفى على الخبير .أقول : يشير عطاء إلى نقطة في غاية الأهمّية في صناعة الفقه ، وهي حدود تعامل الفقيه مع مقولة الضرورة الشرعيّة ؛ فالضرورة تبيح لمن يكاد أن يهلك ، شرب النبيذ المسكر ، بمقدار ما يدفع به الهلاك فقط ، لكنّها لا تبيح له الوضوء بهذا المسكر مطلقاً في أيّ فرض ، وما نحن فيه ، فيما يريد أن يقول عطاء ، من هذا القبيل ؛ فضرورة الحرّ وكذلك ضرورة البرد تبيحان للمصلّي السجود على الثوب ولولاها لما جاز على ما اتّضح من مذهبه ، أمّا السجود على أصلاب الرجال فلا على كلا التقديرين .لذلك منع من الفقهاء الأربعة ، مالك بن أنس ، من هذه الفتوى جملة وتفصيلاً ، فلقد قال : يصبر ولا يسجد على ظهر الغير([7]) . أي يصبر المصلّي إلى أن ينتهي الصفّ الذي أمامه من السجود فيسجد بعده على الأرض ، ويتابع الإمام ، ولا إشكال في مثل هذه المتابعة . قال ابن حجر في فتح الباري : وبه (=جواز السجود على الظهر) قال الكوفيّون وأحمد وإسحاق ، وقال عطاء والزهري : يؤخّر (=يصبر) حتّى يرفعوا ، وبه قال مالك والجمهور ([8]). أقول : فقارن بين القولين ، المنع من السجود على تربة الحسين المباركة وأنّه بدعة ، ردّاً على حديث قبضة جبرائيل المتواتر ، وبين جواز السجود على ظهور الرجال لمجرّد قول عمر!!! ولقد أجاد مالك والزهري وعطاء والجمهور لماّ عارضوا فتوى عمر .
([1]) مصنف عبد الرزاق 1 : 397 .
([2]) مصنف ابن أبي شبية 1 : 297 .
([3]) مصنف عبد الرزاق 1 : 398 .
([4]) مصنف ابن أبي شبية 1 : 296 .
([5]) مصنف ابن أبي شبية 1 : 297 .
([6]) مصنف عبد الرزاق 1 : 398 .
([7]) فتح العزيز (الرافعي) 4 : 563 .
([8]) فتح الباري (ابن حجر) 2 : 462 ، وأنظر نيل الأوطار (الشوكاني) 3 : 122 .
تعليق