أهلا وسهلا بكم في منتدى الكـــفـيل
إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التفضل بزيارة صفحة
التعليمات
كما يشرفنا أن تقوم
بالتسجيل ،
إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
قال الصدوق : حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني رضي الله عنه قال : كنت عند الشيخ أبي القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه ، مع جماعة فيهم علي بن عيسى القصري ، فقام إليه رجل فقال له : إنّي أريد أن أسألك عن شيء!!. فقال له : «سل عمّا بدا لك» . فقال الرجل : أخبرني عن الحسين بن علي عليهما السلام أهو ولي الله؟!. قال : «نعم» . قال : أخبرني ، عن قاتله أهو عدو الله؟!. قال : «نعم» . قال الرجل : فهل يجوز أن يسلّط الله عزوجل عدوّه على وليه؟!!.فقال له أبو القاسم الحسين بن روح قدس الله روحه ونفسه: « افهم عنّي ما أقول لك ، إعلم أنّ الله عزوجل لا يخاطب الناس بمشاهدة العيان ، ولا يشافههم بالكلام ، ولكنّه جلّ جلاله يبعث إليهم رسلاً من أجناسهم وأصنافهم ، بشراً مثلهم ، ولو بعث إليهم رسلاً من غير صنفهم وصورهم لنفروا عنهم ولم يقبلوا منهم ، فلمّا جاؤوهم وكانوا من جنسهم ، يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، قالوا لهم : أنتم بشر مثلنا ، ولا نقبل منكم حتى تأتوننا بشيء نعجز أن نأتي بمثله ، فنعلم أنكم مخصوصون دوننا بما لا نقدر عليه ، فجعل الله عزّوجل لهم المعجزات التي يعجز الخلق عنها..؛ فمنهم من جاء بالطّوفان بعد الإنذار والإعذار ، فغرق جميع من طغى وتمرّد ، ومنهم من ألقي في النّار فكانت برداً وسلاماً ، ومنهم من أخرج من الحجر الصّلْد ناقة وأجرى من ضرعها لبناً ، ومنهم من فلق له البحر ، وفجّر له من الحجر العيون ، وجعل له العصا اليابسة ثعباناً تلقف ما يأفكون ، ومنهم من أبرأ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله ، وأنبأهم بما يأكلون وما يدّخرون في بيوتهم ، ومنهم من انشقّ له القمر ، وكلّمته البهائم مثل البعير والذئب وغير ذلك..فلما أتوا بمثل ذلك ، وعجز الخلق عن أمرهم ، وعن أن يأتوا بمثله ، كان من تقدير الله عزوجل ، ولطفه بعباده وحكمته ، أن جعل أنبياءه عليهم السلام ، مع هذه القدرة والمعجزات ، في حالٍ غالبين ، وفي أُخرى مغلوبين ، وفي حال قاهرين وفي أخرى مقهورين ، ولو جعلهم الله عزوجل في جميع أحوالهم غالبين وقاهرين ، ولم يبتلهم ولم يمتحنهم ، لاتّخذهم الناسُ آلهةً من دون الله عزوجل ، ولما عُرِفَ فضلُ صبرهم على البلاء والمحن والاختبار ، ولكنّه عزوجل جعل أحوالهم في ذلك كأحوال غيرهم ؛ ليكونوا في حال المحنة والبلوى صابرين ، وفي حال العافية والظهور على الأعداء شاكرين ، ويكونوا في جميع أحوالهم متواضعين غير شامخين ولا متجبرين ، وليعلم العباد أنّ لهم عليهم السلام إلهاً ، هو خالقهم ومدبّرهم ، فيعبدوه ويطيعوا رسله ، وتكون حجةُ الله ثابتة على من تجاوز الحدّ فيهم وادّعى لهم الربوبية ، أو عاند أو خالف وعصى وجحد بما أتت به الرسل والأنبياء عليهم السلام ( لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ ) ([1]).قال محمد بن إبراهيم بن إسحاق رضي الله عنه : فعدت إلى الشيخ أبي القاسم بن روح قدس الله روحه من الغد ، وأنا أقول في نفسي : أتراه ذكر ما لنا يوم أمس من عند نفسه ، فابتدأني فقال لي : « يا محمّد بن إبراهيم لئن أخرّ من السماء فتخطّفني الطير ، أو تهوى بي الريح في مكان سحيق ، أحب إليّ من أن أقول في دين الله عزوجل برأيي أو من عند نفسي ، بل ذلك عن الأصل ، ومسموع عن الحجة صلوات الله عليه وسلامه» ([2]).أقول : رجاله ثقات ، والطالقاني هو المكتّب ، من مشايخ الصدوق الأجلاّء ، قد أكثر من الترضّي عليه . وسنده متّصل إلى المعصوم ؛ فالحسين بن روح رضوان الله تعالى عليه جزم بأنّ ما قاله مستقى من فيض العصمة ، مسموع عن الأصل الحجّة عجّل الله تعالى فرجه ، والحديث لا يحتاج إلى أيّ تعليق إلاّ التأكيد على ثلاث مسائل..الأولى : أنّ يزيد بن معاوية عدوّ الله ؛ فهو إذن من أهل النّار عليه لعائن الله ، وهذا من الواضحات ، حتّى أنّ الحجّاج بن يوسف الثقفي ، مجرم هذه الأمّة ، قد شهد بذلك جازماً علاوة على غيره ..والثانية : التنبيه على أنّ الأنبياء والمرسلين وعامّة الصدّيقين صلوات الله عليهم ، إنّما هم بشر يأكلون الطعام ويمشون في الأسواق ، ليسوا آلهة ، وكلّ ما عندهم من رتبة سامية ومنزلة مقدّسة ، إنّما هو اصطفاء واجتباء ؛ بما صبروا على البلايا والرزايا وبما اطاعوا الله وسلّموا له ؛ والله تعالى قد اصطفاهم واجتباهم قبل خلق الخلق لعلمه سبحانه أنّهم كذلك .. والثالثة : إلفات النظر إلى حكمة سكوت الله سبحانه وتعالى عن جرائم أعدائه المرتكبة في حقّ أوليائه ، تلك الجرائم التي بكت لثقلها الجبال واستعبرت لمأساتها السماوات . ولقد أعلن الإمام الحجّة في النصّ الآنف عن هذه الحكمة ، بما يكشف عن أبعاد الإدارة الإلهيّة للمخلوقات تكويناً وتشريعاً ؛ فنظريّة الهداية على سبيل المثال ، وكذلك نظرية الحساب ، لا يستقيمان إلاّ بهذا السكوت الإلهي والإغضاء السماوي..فلولا رمي إبراهيم في النّار ، ولولا إلقاء يوسف في الجبّ ، ولولا قتل يحيى من أجل عاهر ، ولولا تصفية النبيّ مسموماً ، ولولا فلق رأس مولى الموحّدين في محراب الكوفة ، ولولا تمزيق كبد المجتبى الحسن بالسمّ ليلفظه قطعة قطعة ، ولولا قتل الزهراء ، ولولا كربلاء ، ولولا ولولا...، لما عرفنا في درب الأديان من هم أعداء الله ومن هم أولياؤه..؛ ولقبح أن يحتجّ الله تعالى على أحد من خلقه ، فيرميه في النّار أو يدخله الجنّة..فلقد كتب الله على نفسه تقدّست أسماؤه أنّه لا يعذّب إلاّ بعد الحجّة والبيان ، بالدليل والبرهان ؛ فبهذا السكوت انكشفت مسالك الحجّة والبيان ، واتّضحت معالم الدليل والبرهان ، وانجلى في الأذهان ، من هم أهل اليمين ومن هم أهل النيران ، من هم أهل الأديان ، ومن هم أرباب الطغيان ..ولقد سكت الله سبحانه وتعالى عن بيان القرآن فأنزله في أغلب آياته الشريفة متشابهاً مجملاً ، وإنّما أحكمه سبحانه ببيان النبيّ ؛ ليعرف الخلق أنّ النبيّ هو السبيل الوحيد إليه وإلى ما يريد ؛ ليميز المؤمنين عن الكفّار ، ومن يطيع النبيّ ومن يعصيه.. ولم يقف الأمر على ذلك ؛ فلقد التحق النبي بربّه والأمّة لم تحكم القرآن كلّ القرآن ؛ فهذا أبو بكر وعمر ، قد تربّعا على عرش الخلافة وإمامة الأمّة وهما لا يُحكمان من القرآن إلاّ ما يحكمه الصحابة الآخرون من أمثالهما ، حتّى أنّهما ماتا ولم يعرفا معنى الأبّ الوارد في قوله تعالى : (وفاكهة وأبّاً ) ([3])، ناهيك عمّا تشابه عليهما من آية الكلالة وغيرها..فالله تعالى قد سكت عن هذا كلّه ؛ فلم يأمر نبيّه الكريم ببيان كلّ القرآن ، اللهمّ إلاّ آيات العقيدة الأساس ، وإلاّ آيات التشريع الأصول ، ساكتاً عن آيات القرآن الباقيات ، وأكثرها على جلّ الخلق متشابهات ، وما سكت سهواً وما تركها نسياناً ، بل تنبيهاً إلى إمامة القادر على إحكامه ، وخلافة النّاهض ببيانه.. ولقد مات النبيّ (استشهد) وفي أصحابه كثير من المؤلّفة قلوبهم والمنافقين ، وليس هناك ما يشكف اللثام عن نواياهم السيّئة وخبث سرائرهم وبغضهم للنبيّ وآل بيته ، ومثل صفّين والجمل والنهروان وكربلاء ، حجج ناصعات لكشف المضمر المستور ، وآيات بيّنات لفضح المخفيّ المطمور..فلاحظ أخي المسلم ؛ فغرض الله في عمليّة الهداية والضلال وبالتالي الثواب والعقاب والحساب ، لا يمكن له أن يتحقّق إلاّ بهذا السكوت ، ولاحظ أيضاً مساهمة الحسين وكربلاء علاوة على الأنبياء والمرسلين في ما فيه توفير المصداقيّة الكاملة من البيان والبرهان لاحتجاج الله على خلقه ، والأهمّ من ذلك أن تلاحظ ثالثاً أنّ إحياء مظلوميّة هؤلاء المعصومين ، تعني في أهمّ ما تعني طاعة الله فيما فيه تحقيق غرضه تعالى ؛ فليس البكاء على يحيى والحسين إلاّ كبكاء يعقوب على يوسف صلوات الله عليهم ؛ وليس هو بعاطفة ساذجة ومحض غريزة ؛ إنّه اصرار على إعلان ما به الهداية في طرف يوسف الصدّيق ، وما به الضلال في طرف غيره من خصومه ؛ فلقد أصرّ يعقوب 7على أن يبكي حتّى ابيضّت عيناه من الحزن ؛ ليبيّض معها الحقّ فينصع ، ويَسْوَدَّ بها الباطل فيزهق ؛ ليحيى من يحيى عن بيّنة ، كما يقول الله تعالى..أريد أن أقول فيما يخصّنا باختصار : إنّ مقتل الحسين في كربلاء ، من دون أن يكون له قبر يزار ، ومن دون إحياء لذكره الشريف و...، لا معنى له ولا يتحقق به غرض الله تعالى ، كما لا تتأسس به نظريّة الحساب التي من خلالها يمكن لله (=لعدل الله) أن يحتجّ على خلقه ، ولقد علم أعداء الحسين أنّ كلّ خطوة يمشيها زائر الحسين باتّجاه قبره الشريف ؛ إنّما هي حجّة ما بعدها حجّة على زيفهم وزيف أسلافهم في التاريخ ، لذلك منعوا منها أشدّ المنع ، بالضبط كما أنّ كلّ دمعة أراقها يعقوب برهان على جريمة الإخوة وغيرهم ، كما أنّ كلّ دمعة أراقتها الزهراء سراج يعلن خبث السرائر مع النبوّة والقرآن ؛ لذلك منعها خصومها صلوات الله عليها أن تبكي عند قبر أبيها المصطفى. هذا ما أردنا إيضاحه بعجالة يحتملها ضيق ما نحن فيه. ([1])سورة الأنفال : 42 .
تعليق