بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين
عيد الله الأكبر، بل خير أيام الأمة الإسلامية هو يوم عيد الغدير، فيه أكمل الله تعالى دينه، وأتمم الله تعالى نعمته على عباده، ورضي لهم بهذا الدين الإسلامي شريعة ومنهاجا إلى يوم القيامة. كيف لا يحدث ذلك، وفيه نصَب الرسول صلى الله عليه واله وسلم وزيره علي ابن أبي طالب خليفة للمسلمين من بعده. إن هذا اليوم، هو يوم تجديد البيعة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام، وهو يوم إعلان والولاء التام المطلق له صلوات الله وسلامه عليه ولأبناءه الأئمة الهداة من بعده.
إن لعيد الغدير خصائص كبيرة في التاريخ الإسلامي، فأولى الخصوصيات هي وقت هذه الواقعة، فقد كانت في آخر أيام حياة رسول الله صلى الله عليه واله وسلم، وهذا الأمر يحمل دلالة كبيرة، حيث أنها أعلنت للناس أن الإمام علي ابن أبي طالب هو الخليفة بعد النبي صلى الله عليه واله وسلم لا محالة، فقد نعى النبي عليه واله الصلاة والسلام نفسه إلى الناس، كما أن الله سبحانه وتعالى قد أعلن عن ختم الدين الإسلامي بعد حادثة الغدير، ويتبين أن ولاية أمير المؤمنين عليه السلام كانت خاتمة الرسالة المحمدية.
الخصوصية الثانية التي كانت ليوم الغدير الأغر هي الحضور الكبير لهذه المناسبة، حيث لم يشهد التاريخ في زمن النبي صلى الله عليه واله وسلم حضور أكثر من 120 الفا من المسلمين في محفل واحد، إلا في يوم الغدير، حيث شهد الحادثة هذا العدد الجم كما ورد في بعض الروايات. وهنا يأتي دور الحاضرين في نشر هذه الواقعة بين أقوامهم وفي بلادهم، وهذا الذي حدث بعد رجوع كل أبناء عشيرة إلى عشيرتهم.
الخصوصية الثالثة والأهم لهذه الواقعة هي تجلي معنى الولاء لدى الأمة الإسلامية، فقد قرن النبي صلى الله عليه واله وسلم طاعته بطاعة الإمام علي عليه السلام، وقرن إمامته بإمامة أمير المؤمنين عليه السلام، حين سأل الحاضرين: “ألست أولى بكم من أنفسكم” وحين أجابوه بالتلبية قال لهم – بأبي هو وأمي: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه”. ثم دعا بدعاءه المشهور“اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه، وأنصر من نصره، وأخذل من خذله”.
وهذا الأمر لهو صُلب العقيدة بل أسها وأساسها لأن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه قُبيل إعلان الولاية لأمير المؤمنين عليه السلام: “يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ” [المائدة: 67]. ولما أن بلغ النبي صلى الله عليه واله وسلم ذلك جاءت الآية الكريمة معلنة إتمام الدين وذلك بولادية أمير المؤمنين عليه السلام حين قال الله تعالى:“الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإسْلامَ دِينًا” [المائدة:3].
إن مثل هذه الخصوصيات العظيمة التي كانت في يوم إعلان الإمامة للإمام علي عليه السلام، في أكبر محفل عرفه المسلمون في حياة النبي الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، يتسحق منا أن نقف عليه بعض الوقفات لنربي أنفسنا وبالتالي أبناءنا والأجيال اللاحقة ونتعلم من هذه الحادثة التاريخية العظيمة دروسا وعبراً تكون منهاجا لنا في حياتنا، ولتكون لنا نورا نهتدي به في طريقنا نحو الله سبحانه وتعالى.
الوقفة الأولى والأهم هي اقتران رضى الله سبحانه وتعالى برضى أهل البيت عليهم السلام، وطاعة الله سبحانه وتعالى لا تكون إلا بطاعة أهل البيت عليهم السلام، فالله سبحانه وتعالى يقول في محكم كتابه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ” [النساء:59]. والنبي صلى الله عليه واله وسلم يقول في حديث الغدير: “من كنت مولاه فهذا علي مولاه، اللهم وال من والاه، وعاد من عاداه” [ابن المغازلي : المناقب – ص 29 – إلى ص 36]. وبذلك يكون أمير المؤمنين عليه السلام ولي أمرنا المفروض علينا طاعته، والسير خلف نهجه، وهنا استحضر كلاما للنبي الأعظم صلى الله عليه واله وسلم مع عمار بن ياسر حين يقول له: “يا عمار إذا رأيت عليا سلك واديا وسلك الناس واديا غيره فاسلك مع علي ودع الناس ، إنه لن يدليك في ردى ولن يخرجك من الهدى” [بحار الأنوار:39].
التعبئة الفكرية والعقائدية والثقافية هي الوقفة الثانية لنا حين الحديث عن واقعة غدير خم، فإن الملاحظ في سيرة النبي صلى الله عليه واله وسلم هو أنه قام بتعبئة المسلمين فكريا وعقائديا وثقافيا عن فضائل أمير المؤمنين عليه السلام وعن حقوقه وعن منزلته الرفيعة بين المسلمين وله في ذلك أحاديث جمة، فمنها حديث الدار والذي ورد ذكره في عديد من مصادر المسلمين [السنن الكبرى للنسائي – ج5 ص125 ( 8451 ) 83]، أو حديث المنزلة [صحيح البخاري 5 : 89 / 202]، أو حديث الطائر المشوي[صحيح الترمذي ج 5 ص 595 ح 3721] وغيرها من الأحاديث الدالة على ما ذكرناه سابقا، وقد أشرنا في هذه العجالة إلى بعض من مصادر أخواننا من أهل السنة ولم نذكر مصادرنا لأنها زاخرة بها وبأمثالها.
كان النبي صلى الله عليه واله وسلم يستغل كل موقف أو حادثة لكي يبين للناس فضائل الإمام علي عليه السلام، وقد أُخر إعلان خلافته حتى يكون المسلمون مستعدون نفسيا وعقائديا وفكريا لمثل هذا الأمر العظيم الذي به تمام الدين. ولذلك علينا نحن أيضا أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام أن نتعبأ فكريا وعقائديا وثقافيا وأن نكون أهلا لحمل راية أهل البيت عليهم السلام ونشرها بين الناس، وأن نكون من أهل العلوم كلها، فقد كان أصحاب الصادقين عليهما السلام هم أصحاب العلوم كلها، وقد أسس الإمام جعفر بن محمد الصادق مدرسة علمية جامعة حتى كان يقول جميعهم “حدثني جعفر بن محمد”.
الوقفة الثالثة والأخيرة في حديثنا عن واقعة الغدير هي أن طريق الحق صعب ووعر، ولسلوكه والبقاء عليه يجب علينا أن نكافح ونتعامل مع المعطيات بكل جدية، فهذا رسول الله صلى الله عليه قد تخوف من الفكر المضاد – أي الفكر المناوئ للإمام علي عليه السلام -، فتردد عن إعلان خلافة أمير المؤمنين حتى لا يُقال حابى ابن عمه كما وردت في بعض المصادر، ويمكن القول “إنَّ التخوُّف من خطر الفكر المضادِّ هو الأمر الوحيد الذي يمكن أن ينسجم مع قوله تعالى في الآية: (وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللهَ لا يَهْدِيْ الْقَوْمَ الْكَافِرِيْنَ)؛ إنَّ الآية مدنيَّة ومن أواخر ما نزل من القُرآن، ولم يكن المنافقون واليهود في تلك الفترة الزمانيَّة يُمثِّلون أيَّ تهديد من قبيل القمع الجسديِّ حتَّى يصحَّ افتراضُ كون النبيِّ يخشاهم على نفسه. بينما لا مانع من افتراض كون النبيِّ كان يخشى سمومهم الفكرية الَّتي كان بالإمكان أن يبثُّوها بين المسلمين لعدم المانع من القول ببقاء قدرتهم على النفوذ الفكريِّ حتَّى بعد انحلالهم كقوَّة يُمكنها ممارسةُ الإرهاب الجسديِّ”.
ومن هنا، فإن على الإنسان الذي يريد سلوك طريق الحق أن يواجه جميع الصعوبات التي تأتي أمامه، بل يقف أمامها كالجبل الراسخ في سبيل إرساء نور الحق وإظهاره للجميع. ولنا في رشيد الهجري وميثم التمار خير أمثلة على صبرهم أمام قول كلمة الحق، وكلنا نعرف ما الذي فعلته عصابة بني أمية فيهما وكيف نكلت بهم، كما لنا في صبر السيدة زينب عليهم السلام مثال واضح حتى قال الشاعر: “بأبي التي ورثت مصائب أمها ** فغدت تقابلها بصبر أبيها”.
وفي الختام، أتوجه بخالص التهنئة إلى صاحب العصر والزمان في عيد الولاية، ونعلن فيه تجديد بيعتنا لأمير المؤمنين عليه السلام ولحفيده صاحب العصر والزمان، كما أتوجه بالتهنئة إلى مراجعنا العظام وعلماءنا الأعلام، وجميع المؤمنين والمؤمنات بهذه المناسبة العطرة وهذا العيد الأعظم، أعاده الله علينا وعلى الأمة الإسلامية باليمن والخير والبركات إنه سميع مجيب.
تعليق