علم الإمام في علم الكلام
من العلوم التي خاض في غمارها الإمام الباقر المسائل الكلامية التي ألقاها في كثير من محاضراته، فسألوه عن أعقد المسائل وأدقها في بحر هذا العلم فأجاب عنها. ومما يجدر ذكره أن عصر الإمام كان من أكثر العصور الإسلامية امتداداً في الفتح الإسلامي فانضوى تحت لواء الإسلام أغلب المناطق وشتى شعوب الأرض من كل عرق ولون مما أثار موجة من الحقد والحسد في نفوس المعادين للإسلام من الشعوب المغلوبة على أمرها فقاموا بحملة تشويش ضد العقيدة الإسلامية فزرعوا الشكوك بين أبناء المسلمين وأخلوا الأوهام إلى قلوبهم من خلال الفرق الإسلامية.
والذي شجع على ذلك في اعتقادنا الحكومات الأموية التي حملت عبر أغلب حكامها أفكاراً معادية للإسلام، والناس على دين ملوكهم في كل زمان. فلم يؤثر عن أي واحد من ملوك بني أمية إن قاوم هذه الادعاءات ومنع نشرها بين المسلمين ولم نعرف أحداً انبرى مجاهداً إلى إنقاذ المسلمين في ذلك العصر سوى الإمام الباقر (عليه السلام) ابن العترة الطاهرة المكلفة شرعاً لمقاومة الظالمين وحماية الدين. فقد تصدى إلى تزييف هذه الترهات ببالغ الحجة والبرهان وسنعرض بعض هذه البحوث الكلامية التي خاضها الإمام (عليه السلام). وأولها:
التوحيد:
كشف الإمام الغطاء عن أهم مسائل التوحيد فشرحها وفند ما أثير حولها من أوهام وشكوك، ومن بين ما عرض له.
1 ـ عجز العقول عن إدراك حقيقة الله:
من المتفق عليه عند أولى البصيرة أن الإنسان مهما ملك من طاقات فكرية فإنه عاجز عن معرفة حقيقة الله جل وعلا. لأن هذه العقول المحدودة القدرة عاجزة عن ذلك في جميع تصوراتها. وإن للعقل حداً ينتهي إليه كما أن للبصر حداً ينتهي إليه وكذلك حال جميع الحواس البشرية. فلا يستطيع العقل أن يتخيل موجودات لا مكان لها، أو أشياء لا يجري عليها الزمان ولا المكان فإنه تعالى هو الذي خلقهما.
وفي الكون أمور كثيرة عجز العقل عن الإحاطة بكنهها وبقيت خافية على العقل الذي لم يهتد إلى معرفتها.
إن ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب وتعجز العقول عن إدراكها بالعين المجردة. وقد أدلى بذلك الإمام الباقر (عليه السلام) عندما سئل: (لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار)(1) فقال (عليه السلام): (أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك، وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟ (2). إن البصر ينقلب خاسئاً وهو حسير في تصوره لذات الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة. جاء في شرح النهج:
فيك يا أعجوبة الكون غــــــــدا الفكر عليلا
كلما أقدم فــــــــكري فـــــيك شبراً فرَّ ميلا
أنت حيـــــــرت ذوي اللب وبلبلت العقولا (3)
فذات الله تعالى بعيدة الإدراك جداً، تمتنع على العقول وتعجز من أن تلم بأي جانب من جوانبها. ولما سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن الله تعالى من سائل قال له: إني أتوهم شيئاً فقال (عليه السلام): (نعم غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، ولا يشبهه شيء، ولا تدركه الأوهام، وهو خلاف ما يعقل، وخلاف ما يتصور، إنما يتوهم شيء، غير معقول ولا محدود)(4).
ومن البحوث الكلامية والفلسفية التي عرضت على الإمام الباقر (عليه السلام):
2 ـ أزلية واجب الوجود:
سأله أحدهم قائلاً له: أخبرني عن ربك متى كان؟
فأجابه (عليه السلام): (ويلك إنما يقال لشيء لم يكن، متى كان؟!! إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شيء ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه مكاناً، ولا قوي بعدما كوّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً، ولا يشبه شيئاً مذكوراً، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه، لم يزل حياً بلا حياة، وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً، ولا ملكاً جبارا بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف ولا له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشيء بشبهه، ولا يهرم لطول البقاء ولا يصعق لشيء، بل لخوفه تصعق الأشياء كلها (5) كان حياً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود ولا أين موقوف عليه، ولا مكان، جاور شيئاً، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، إن شاء ما شاء حين شاء بمشيئته، ولا يحد ولا يبغض، ولا يفنى، كان أولاً بلا كيف ويكون آخراً بلا أين، وكل شيء هالك إلا وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
ثم تابع (عليه السلام) قائلاً للسائل: ويلك أيها السائل وإن ربي لا تغشاه الأوهام، ولا تنزل به الشبهات، ولا يحار، ولا يجاوزه شيء، ولا تنزل به الأحداث، ولا يسأل عن شيء، ولا يندم على شيء، ولا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى)(6).
وكما ترى في هذه القطعة الذهبية عرض الإمام (عليه السلام) لأدق المسائل الكلامية التي لم يتطرق إليها أحد من متكلمي المسلمين وفلاسفتهم سوى جده الإمام علي (عليه السلام) أمير المؤمنين. أما إذا أردنا الإحاطة بكلام الإمام (عليه السلام) فإننا نحتاج إلى وقت طويل ودراسة مفصلة. ومن فلاسفة الإسلام الذين عنوا بالاستدلال على النقاط التي وردت في حديث الإمام الفيلسوف صدر الدين الشيرازي (7).
3 ـ النهي عن الكلام في ذات الله:
نهى الإمام الباقر عن الكلام في ذات الله تعالى لأن ذلك يوقع أصحاب العقول البسيطة في حبائل الشيطان ويخرجهم من حظيرة الإيمان إلى حظيرة الشيطان. ومن أراد أن يتعرف على الخالق فيتأمل في مخلوقاته. قال الإمام (عليه السلام):
(تكلموا في خلق الله، ولا تتكلموا في الله فإنه لا يزداد صاحبه إلى تحيراً)(8).
إن الحديث عن ذات الله لا يزيد الإنسان إلا تحيراً ويوقع به في المهالك والشبهات، أما التفكر في مخلوقات الله، والتأمل في صناعة هذا الكون العجيب فإنه يدعو بلا ريب إلى حتمية الإيمان بالله. فتأمل مختلف المخلوقات من حيوانات مختلفة الشكل واللون والعرق فكل منها بحسب صنعته وتركيبه ليعيش ويستمر في الحياة ويعطي مثله قبل الموت. فكل ذلك يدلل على قدرة الخالق العظيم جل شأنه. وتأمل الإنسان بكل ما فيه من أجهزة كل منها يعمل في حقله المخصص له على أكمل وجه من أجل أن يقوم جسم الإنسان قياماً ميموناً بوظيفته في الحياة. قال تعالى:
(وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير)(9). والذين قالوا بأن هذه العوالم وجدت من باب الصدفة هم واهمون منحرفون لأنه ليس من باب الصدفة وجدت السيارة والطيارة والتلفزيون… بل أوجدها الفكر والعلم.
4 ـ علم الله:
لقد أحاط الله تعالى بكل شيء علماً وعلمه بالأشياء قبل وقوعها وبعد تكوينها. قال في ذلك الإمام الباقر (عليه السلام): (كان الله عز وجل ولا شيء غيره، ولم يزل عالماً بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه)(10). قال تعالى: (إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور)(11) وقال تعالى أيضاً: (إن ربك عليم حكيم)(12).
5 ـ صفات الله:
إن صفات الخالق العظيم ورب العالمين هي عين ذاته، وليس بينهما تعدد حسب ما دلل عليه في علم الكلام. وقد قامت فرقة من أهل العراق وضلت عن طريق الحق وأشاعت أن الله تعالى يسمع بغير ما يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع شأنه في ذلك شأن مخلوقاته وقد عرض ذلك محمد بن مسلم على الإمام الباقر فقال (عليه السلام): (كذبوا وألحدوا، وشبهوا، تعالى الله عن ذلك إنه سميع بصير يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع).
فقال السائل: يزعمون أن بصير على ما يعقلونه، فرد (عليه السلام) مزاعمهم وقال: (تعالى الله، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق، وليس الله كذلك)(13).
6 ـ واقع التوحيد:
طلب جابر بن يزيد الجعفي من الإمام أن يحدثه شيئاً عن التوحيد فقال (عليه السلام): (إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه.. واحد توحد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه، فهو واحد صمد، قدوس يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء، ووسع كل شيء علماً)(14).
7 ـ الشك والجحود:
الذي يشك في وجود الله تعالى، خالق الكون وفاطر السماوات والأرض، ينعكس عليه جحوده فلا يقبل أي عمل يصدر عنه ولو كان خيراً، وطلبه من صاحب العزة مرفوض مردود، ولا ينفعه يوم حشره ونشره أي دعاء. وقد وصف هؤلاء الله تعالى فقال: (الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون)(15) وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (لا ينفع مع الشك والجحود عمل)(16).
(1) سورة الأنعام، الآية 103.
(2) نسب هذا الحديث أيضاً إلى الإمام الجواد.
(3) شرح النهج لابن أبي الحديد ج13 ص51.
(4) أصول الكافي ج1 ص82.
(5) يصعق: أي يهلك.
(6) أصول الكافي ج1 ص88ـ89.
(7) عرض صدر الدين الشيرازي الفيلسوف الإسلامي الكبير لهذه النقاط في كتابه: (الشواهد الربوية).
(8) أصول الكافي ج1 ص92.
(9) سورة التغابن، الآية 3.
(10) أصول الكافي ج1 ص107.
(11) سورة فاطر، الآية 38.
(12) سورة يوسف، الآية 6.
(13) أصول الكافي ج1 ص108.
(14) نفسه ج1 ص123.
(15) سورة الأعراف، الآية 51.
(16) جامع السعادات ج1 ص117.
من العلوم التي خاض في غمارها الإمام الباقر المسائل الكلامية التي ألقاها في كثير من محاضراته، فسألوه عن أعقد المسائل وأدقها في بحر هذا العلم فأجاب عنها. ومما يجدر ذكره أن عصر الإمام كان من أكثر العصور الإسلامية امتداداً في الفتح الإسلامي فانضوى تحت لواء الإسلام أغلب المناطق وشتى شعوب الأرض من كل عرق ولون مما أثار موجة من الحقد والحسد في نفوس المعادين للإسلام من الشعوب المغلوبة على أمرها فقاموا بحملة تشويش ضد العقيدة الإسلامية فزرعوا الشكوك بين أبناء المسلمين وأخلوا الأوهام إلى قلوبهم من خلال الفرق الإسلامية.
والذي شجع على ذلك في اعتقادنا الحكومات الأموية التي حملت عبر أغلب حكامها أفكاراً معادية للإسلام، والناس على دين ملوكهم في كل زمان. فلم يؤثر عن أي واحد من ملوك بني أمية إن قاوم هذه الادعاءات ومنع نشرها بين المسلمين ولم نعرف أحداً انبرى مجاهداً إلى إنقاذ المسلمين في ذلك العصر سوى الإمام الباقر (عليه السلام) ابن العترة الطاهرة المكلفة شرعاً لمقاومة الظالمين وحماية الدين. فقد تصدى إلى تزييف هذه الترهات ببالغ الحجة والبرهان وسنعرض بعض هذه البحوث الكلامية التي خاضها الإمام (عليه السلام). وأولها:
التوحيد:
كشف الإمام الغطاء عن أهم مسائل التوحيد فشرحها وفند ما أثير حولها من أوهام وشكوك، ومن بين ما عرض له.
1 ـ عجز العقول عن إدراك حقيقة الله:
من المتفق عليه عند أولى البصيرة أن الإنسان مهما ملك من طاقات فكرية فإنه عاجز عن معرفة حقيقة الله جل وعلا. لأن هذه العقول المحدودة القدرة عاجزة عن ذلك في جميع تصوراتها. وإن للعقل حداً ينتهي إليه كما أن للبصر حداً ينتهي إليه وكذلك حال جميع الحواس البشرية. فلا يستطيع العقل أن يتخيل موجودات لا مكان لها، أو أشياء لا يجري عليها الزمان ولا المكان فإنه تعالى هو الذي خلقهما.
وفي الكون أمور كثيرة عجز العقل عن الإحاطة بكنهها وبقيت خافية على العقل الذي لم يهتد إلى معرفتها.
إن ذات الله تعالى لا تدركها أوهام القلوب وتعجز العقول عن إدراكها بالعين المجردة. وقد أدلى بذلك الإمام الباقر (عليه السلام) عندما سئل: (لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار)(1) فقال (عليه السلام): (أوهام القلوب أدق من أبصار العيون، أنت قد تدرك بوهمك السند والهند والبلدان التي لم تدخلها، ولا تدركها ببصرك، وأوهام القلوب لا تدركه فكيف أبصار العيون؟ (2). إن البصر ينقلب خاسئاً وهو حسير في تصوره لذات الله تعالى خالق الكون وواهب الحياة. جاء في شرح النهج:
فيك يا أعجوبة الكون غــــــــدا الفكر عليلا
كلما أقدم فــــــــكري فـــــيك شبراً فرَّ ميلا
أنت حيـــــــرت ذوي اللب وبلبلت العقولا (3)
فذات الله تعالى بعيدة الإدراك جداً، تمتنع على العقول وتعجز من أن تلم بأي جانب من جوانبها. ولما سئل الإمام الباقر (عليه السلام) عن الله تعالى من سائل قال له: إني أتوهم شيئاً فقال (عليه السلام): (نعم غير معقول ولا محدود، فما وقع وهمك عليه من شيء فهو خلافه، ولا يشبهه شيء، ولا تدركه الأوهام، وهو خلاف ما يعقل، وخلاف ما يتصور، إنما يتوهم شيء، غير معقول ولا محدود)(4).
ومن البحوث الكلامية والفلسفية التي عرضت على الإمام الباقر (عليه السلام):
2 ـ أزلية واجب الوجود:
سأله أحدهم قائلاً له: أخبرني عن ربك متى كان؟
فأجابه (عليه السلام): (ويلك إنما يقال لشيء لم يكن، متى كان؟!! إن ربي تبارك وتعالى كان ولم يزل حياً بلا كيف، ولم يكن له كان، ولا كان لكونه كون كيف، ولا كان له أين، ولا كان في شيء ولا كان على شيء، ولا ابتدع لمكانه مكاناً، ولا قوي بعدما كوّن الأشياء، ولا كان ضعيفاً قبل أن يكون شيئاً، ولا كان مستوحشاً قبل أن يبتدع شيئاً، ولا يشبه شيئاً مذكوراً، ولا كان خلواً من الملك قبل إنشائه، ولا يكون منه خلواً بعد ذهابه، لم يزل حياً بلا حياة، وملكاً قادراً قبل أن ينشئ شيئاً، ولا ملكاً جبارا بعد إنشائه للكون، فليس لكونه كيف ولا له أين، ولا له حد، ولا يعرف بشيء بشبهه، ولا يهرم لطول البقاء ولا يصعق لشيء، بل لخوفه تصعق الأشياء كلها (5) كان حياً بلا حياة حادثة، ولا كون موصوف ولا كيف محدود ولا أين موقوف عليه، ولا مكان، جاور شيئاً، بل حي يعرف، وملك لم يزل له القدرة والملك، إن شاء ما شاء حين شاء بمشيئته، ولا يحد ولا يبغض، ولا يفنى، كان أولاً بلا كيف ويكون آخراً بلا أين، وكل شيء هالك إلا وجهه، له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين.
ثم تابع (عليه السلام) قائلاً للسائل: ويلك أيها السائل وإن ربي لا تغشاه الأوهام، ولا تنزل به الشبهات، ولا يحار، ولا يجاوزه شيء، ولا تنزل به الأحداث، ولا يسأل عن شيء، ولا يندم على شيء، ولا تأخذه سنة ولا نوم له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما، وما تحت الثرى)(6).
وكما ترى في هذه القطعة الذهبية عرض الإمام (عليه السلام) لأدق المسائل الكلامية التي لم يتطرق إليها أحد من متكلمي المسلمين وفلاسفتهم سوى جده الإمام علي (عليه السلام) أمير المؤمنين. أما إذا أردنا الإحاطة بكلام الإمام (عليه السلام) فإننا نحتاج إلى وقت طويل ودراسة مفصلة. ومن فلاسفة الإسلام الذين عنوا بالاستدلال على النقاط التي وردت في حديث الإمام الفيلسوف صدر الدين الشيرازي (7).
3 ـ النهي عن الكلام في ذات الله:
نهى الإمام الباقر عن الكلام في ذات الله تعالى لأن ذلك يوقع أصحاب العقول البسيطة في حبائل الشيطان ويخرجهم من حظيرة الإيمان إلى حظيرة الشيطان. ومن أراد أن يتعرف على الخالق فيتأمل في مخلوقاته. قال الإمام (عليه السلام):
(تكلموا في خلق الله، ولا تتكلموا في الله فإنه لا يزداد صاحبه إلى تحيراً)(8).
إن الحديث عن ذات الله لا يزيد الإنسان إلا تحيراً ويوقع به في المهالك والشبهات، أما التفكر في مخلوقات الله، والتأمل في صناعة هذا الكون العجيب فإنه يدعو بلا ريب إلى حتمية الإيمان بالله. فتأمل مختلف المخلوقات من حيوانات مختلفة الشكل واللون والعرق فكل منها بحسب صنعته وتركيبه ليعيش ويستمر في الحياة ويعطي مثله قبل الموت. فكل ذلك يدلل على قدرة الخالق العظيم جل شأنه. وتأمل الإنسان بكل ما فيه من أجهزة كل منها يعمل في حقله المخصص له على أكمل وجه من أجل أن يقوم جسم الإنسان قياماً ميموناً بوظيفته في الحياة. قال تعالى:
(وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير)(9). والذين قالوا بأن هذه العوالم وجدت من باب الصدفة هم واهمون منحرفون لأنه ليس من باب الصدفة وجدت السيارة والطيارة والتلفزيون… بل أوجدها الفكر والعلم.
4 ـ علم الله:
لقد أحاط الله تعالى بكل شيء علماً وعلمه بالأشياء قبل وقوعها وبعد تكوينها. قال في ذلك الإمام الباقر (عليه السلام): (كان الله عز وجل ولا شيء غيره، ولم يزل عالماً بما يكون، فعلمه به قبل كونه كعلمه به بعد كونه)(10). قال تعالى: (إن الله عالم غيب السماوات والأرض إنه عليم بذات الصدور)(11) وقال تعالى أيضاً: (إن ربك عليم حكيم)(12).
5 ـ صفات الله:
إن صفات الخالق العظيم ورب العالمين هي عين ذاته، وليس بينهما تعدد حسب ما دلل عليه في علم الكلام. وقد قامت فرقة من أهل العراق وضلت عن طريق الحق وأشاعت أن الله تعالى يسمع بغير ما يبصر، ويبصر بغير الذي يسمع شأنه في ذلك شأن مخلوقاته وقد عرض ذلك محمد بن مسلم على الإمام الباقر فقال (عليه السلام): (كذبوا وألحدوا، وشبهوا، تعالى الله عن ذلك إنه سميع بصير يسمع بما يبصر، ويبصر بما يسمع).
فقال السائل: يزعمون أن بصير على ما يعقلونه، فرد (عليه السلام) مزاعمهم وقال: (تعالى الله، إنما يعقل ما كان بصفة المخلوق، وليس الله كذلك)(13).
6 ـ واقع التوحيد:
طلب جابر بن يزيد الجعفي من الإمام أن يحدثه شيئاً عن التوحيد فقال (عليه السلام): (إن الله تباركت أسماؤه التي يدعى بها وتعالى في علو كنهه.. واحد توحد بالتوحيد في توحده، ثم أجراه على خلقه، فهو واحد صمد، قدوس يعبده كل شيء ويصمد إليه كل شيء، ووسع كل شيء علماً)(14).
7 ـ الشك والجحود:
الذي يشك في وجود الله تعالى، خالق الكون وفاطر السماوات والأرض، ينعكس عليه جحوده فلا يقبل أي عمل يصدر عنه ولو كان خيراً، وطلبه من صاحب العزة مرفوض مردود، ولا ينفعه يوم حشره ونشره أي دعاء. وقد وصف هؤلاء الله تعالى فقال: (الذين اتخذوا دينهم لهواً ولعباً وغرتهم الحياة الدنيا فاليوم ننساهم كما نسوا لقاء يومهم هذا وما كانوا بآياتنا يجحدون)(15) وقال الإمام الباقر (عليه السلام): (لا ينفع مع الشك والجحود عمل)(16).
(1) سورة الأنعام، الآية 103.
(2) نسب هذا الحديث أيضاً إلى الإمام الجواد.
(3) شرح النهج لابن أبي الحديد ج13 ص51.
(4) أصول الكافي ج1 ص82.
(5) يصعق: أي يهلك.
(6) أصول الكافي ج1 ص88ـ89.
(7) عرض صدر الدين الشيرازي الفيلسوف الإسلامي الكبير لهذه النقاط في كتابه: (الشواهد الربوية).
(8) أصول الكافي ج1 ص92.
(9) سورة التغابن، الآية 3.
(10) أصول الكافي ج1 ص107.
(11) سورة فاطر، الآية 38.
(12) سورة يوسف، الآية 6.
(13) أصول الكافي ج1 ص108.
(14) نفسه ج1 ص123.
(15) سورة الأعراف، الآية 51.
(16) جامع السعادات ج1 ص117.