بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي لا نعتمد إلا قوله , ولا نمسك إلا بحبله , الإله الحق الواحد بلا شريك , الملك بلا تمليك , الذي ليس لصفته حد محدود , ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود .
والصلاة والسلام على أشرف أهل الاصطفاء محمد بن عبدالله سيد الانبياء ، وعلى آله الحافظين لما نقل عن رب السموات والأرضين , واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
يقول عبدالله بن محمد السلفي , في كتابة ( من عقائد الشيعة ) , تقديم عبدالعزيز بن عبدالله بن باز , الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية . إن الرافضة يقيمون المحافل والمآتم والنياحة ويعملون المظاهرات في الشوارع والميادين العامة , ويقومون بلبس الملابس السوداء حزناً في ذكرى إستشهاد الحسين رضي الله عنه بإهتمام في العشر الأوائل من محرم من كل عام , معتقدين أنها من أجل القربات , فيضربون خدودهم بأيديهم , ويضربون صدورهم وظهورهم , ويشقون الجيوب يبكون ويصيحون بهتافات يا حسين , يا حسين , وخاصة في اليوم العاشر من كل محرم , بل إنهم يقومون بضرب أنفسهم بالسلاسل والسيوف كما هو الحاصل في البلاد التي يقطنها الرافضة كإيران .
جوابه :
إن شعار ياحسين شعار وشعيرة دينية ويتضح الأمر في المآتم والشعائر الحسينية من البكاء والحزن وإقامة المجالس وغيرها ، حيث إنّها تنهض بدور عظيم في التذكير والإعلام بالأهداف التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) سبط النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وخامس أصحاب أهل الكساء ، والتي يقع في مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح (عليه السلام) بذلك مراراً ، حيث قال (عليه السلام) : ( بأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ومفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (1) .
وقال أيضاً (عليه السلام) : ( إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض وأبطلوا الحدود وشربوا الخمور ، واستأثروا بأموال الفقراء والمساكين ، وأنا أولى مَن قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا ) (2) .
وقال (عليه السلام) : ( مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعمل بعباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ... ) (3) .
حيث يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الدينية التي أكّدت عليها الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
وقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] .
وقوله تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71] .
إذن هذه الشعائر والمجالس والمواكب الحسينية وما تتخذ من أشكال مختلفة والمعبّرة عن الأسى والحزن ، ليست سلوكاً سلبياً خالياً من الأهداف والنتائج التي تُسهم في الرقي الديني للمجتمع ، ولا هي مجرد تقاليد اجتماعية فارغة من الأفكار والمفاهيم , وإنّما هذه الشعائر تشكّل جزءاً أساسياً في شخصية الفرد ، لما تقوم به من دور مؤثر في ربط الفرد المسلم بالأهداف التي نهض من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) ، فتكون هذه المآتم والبكاء والحزن وإقامة المجالس من أفراد ومصاديق شعائر الله ، التي حثّ عليها القرآن الكريم ؛ وذلك لدخولها تحت قوله تعالى : ( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) . ومن الأدلّة الواردة في خصوص مشروعية إقامة مآتم الحزن والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) ، نشير إلى بعضها ضمن النقاط التالية :
إنّ البكاء الذي هو تعبير عن الحزن سنّة إلهية تكوينية ، كما في قوله تعالى : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] ، فالآية المباركة تنفي بكاء السماء والأرض على هلاك قوم فرعون الظالمين المفسدين في الأرض ، وهذا يعني أنّ السماء والأرض لها القابلية على البكاء والحزن ، وإلاّ فلا معنى للنفي ، بل إنّ الذي يفهم من الآية المباركة هو أنّ السماء والأرض تبكيان على مَن يستحق البكاء ؛ ولذا ورد في كثير من الروايات ذكر بكاء السماء والأرض على المؤمن ، وإليك بعضها :
1 ـ ما أخرجه الطبري في تفسيره عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ، قال : ( بقاع المؤمن التي كان يصلّي فيها من الأرض تبكي عليه إذا مات ، وبقاعه من السماء التي يرفع فيها عمله ) (4) .
2 ـ وفي الدّر المنثور عن مجاهد وابن عباس : ( الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً ) (5) .
3 ـ وفي تفسير القرطبي : ( ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلاّ شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت ) (6) .
4 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، ألا لا غربة على مؤمن ، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلاّ بكت عليه السماء والأرض ) ، ثم قرأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ثم قال : ( إنّهما لا يبكيان على كافر ) (7) .
5 ـ وأخرج ابن المبارك ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر من طريق المسيب بن رافع ، عن علي (عليه السلام) ، قال : إنّ المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاّه من الأرض ومصعد عمله من السماء ، ثم تلا : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) (8) .
6 ـ ( ما من ميت يموت إلاّ تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً ) (9) .
وأمّا بكاء السماء والأرض على الإمام الحسين (عليه السلام) فقد سطّرت المصادر العديدة من كتب السنّة ـ فضلاً عن الكتب الشيعية ـ تفاصيل حصول هذه الظاهرة الكونية عند مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من مطر السماء دماً واحمرارها مدّة مديدة ، ورؤية لون الدم على الجدران وتحت الصخور والأحجار في المدن والبلدان الإسلامية ، ومن تلك الوقائع :
بكاء السماء دماً حزنا على الحسين (عليه السلام)
1 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عندما مرّ بكربلاء موضع قبر الحسين (عليه السلام) : ( فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) (10) .
2 ـ وذكر ابن حبان : ( لمّا قتل الحسين قطرت السماء دماً ، فأصبح جرارنا وكل شيء لنا ملأ دماً ) (11) .
3 ـ عن ابن عباس : ( إنّ يوم قتل الحسين قطرت السماء دماً ، وإنّ هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتله ولم تر قبله ، وإنّ أيام قتله لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وُجد تحته دم ) (12) .
4 ـ عن قرة بن خالد قال : ( ما بكت السماء على أحد إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها ) (13) .
5 ـ قال سليمان القاضي : ( مطرنا دماً يوم قتل الحسين ) (14) .
6 ـ عن ابن عباس قال : ( إنّما حدثت هذه الحمرة التي في السماء حين قتل الحسين ) (15) .
7 ـ أخرج الطبراني بسنده عن علي بن مسهر ، حدثتني أُمّ حكيم ، قالت : ( قتل الحسين بن علي (عليه السلام) وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أياماً مثل العلقة ) (16) .
8 ـ أخرج البيهقي عن نظرة الأزدية ، قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً فأصبحت جرارنا وكل شيء لنا ملأ دماً ) (17) .
9 ـ عن السدي : ( لمّا قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها ) (18) .
10 ـ عن هلال بن ذكوان ، قال : ( لمّا قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس ) (19) .
11 ـ وذكر ابن الأثير : ( لمّا قتل الحسين مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّها تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع ) (20) .
12 ـ عن ابن أبي جرادة بسند متصل : ( لمّا قتل الحسين مطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم ) (21) .
13 ـ عن جعفر بن سليمان ، قال حدثتني خالتي أم سالم ، قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر ، قال : وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة ) (22) .
14 ـ عن يزيد بن زياد ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) احمرت آفاق السماء أربعة أشهر ) (23) .
15 ـ عن أبي جرادة بسند متصل عن إبراهيم النخعي : ( لمّا قتل الحسين احمرت السماء من أقطارها ، ثم لم تزل حتى تفطّرت وقطرت دماً ) (24) .
16 ـ وعنه أيضاً بسند متصل عن مسعدة ، عن جابر ، عن قرط بن عبد الله ، قال : ( مطرت ذات يوم بنصف النهار ، فأصابت ثوبي فإذا دم ، فذهبت بالإبل إلى الوادي فإذا دم ، فلم تشرب ، وإذا هو يوم قتل الحسين (رحمة الله عليه) ) (25) .
17 ـ ابن حبان عن حماد بن سلمة وابن علية ، عن سليم القاص أبي إبراهيم ، قال : ( مطرنا يوم قتل الحسين دماً ) (26) .
18 ـ ما في الصواعق ، عن أبي نعيم الحافظ ، عن نصرة الأزدية ، أنّها قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مملؤة دماً ) (27) .
19 ـ في الصواعق أيضاً : ( قال أبو سعيد : ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطّعت ) (28) .
20 ـ فيه أيضاً : ( ظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت ) (29) .
21 ـ وفي خطط المقريزي روي : ( أنّ السماء أمطرت دماً فأصبح كل شيء لهم ملآن دماً ) (30) ، أي يوم قتل الحسين (عليه السلام) .
بكاء الأرض دماً عبيطاً
1 ـ أخرج الهيثمي عن الزهري ، قال : ( لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ) قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات ) (31) .
2 ـ وفي خطط المقريزي : ( لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين إلاّ وجد تحته دم عبيط ) (32) .
3 ـ عن الزهري أيضاً ، قال : ( ما رُفع بالشام حجر يوم قتل الحسين إلاّ عن دم ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (33) .
4 ـ عن أبي سعيد ، قال : ( ما رفع حجر في الدنيا لما قتل الحسين إلاّ وتحته دماً عبيطاً ، لقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت ) (34) .
5 ـ عن خلاد صاحب السمسم ، قال : ( حدثتني أُمّي ، قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين وأنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدر بالغداة والعشيّ ، قالت : وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجد تحته دم ) (35) .
كسوف الشمس واضطراب الكواكب
1 ـ عن عيسى بن حارث الكندي ، قال : ( لمّا قتل الحسين (رضي الله عنه) مكثنا سبعة أيام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا الكواكب يضرب بعضها بعضاً ) (36) .
2 ـ عن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : ( لمّا قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر ) (37) .
3 ـ عن أبي قبيل ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) كسفت الشمس كسفة ، بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنّها هي ) (38) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني وإسناده حسن ) (39) .
بكاء ملائكة السماء
1 ـ عن زين العابدين (عليه السلام) في الشام ، قال : ( أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء ) (40) .
جزور (41) تنقلب دماً وأخرى ناراً .
1 ـ عن دويد الجعفي ، عن أبيه ، قال : ( لمّا قتل الحسين انتهبت جزوراً من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبري ورجاله ثقات ) (42) .
2 ـ عن حميد الطحان ، قال : ( كنت في خزاعة فجاءوا بشيء من تركة الحسين ، فقيل لهم : ننحر أو نبيع ؟ قال : انحروا فجلست على جفنة ، فلمّا جلست فارت ناراً ) (43) .
ورس (44) يتحوّل إلى رماد .
1 ـ قال سفيان : ( رأيت الورس الذي أخذ من عسكر الحسين صار مثل الرماد ) وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (45) .
2 ـ حكى ابن عينية عن جدته : ( إنّ جمالاً ممّن انقلب ورسه رماداً ، أخبرها بذلك ) (46) .
الحيطان تسيل دماً .
1 ـ ( لمّا جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار زياد سالت حيطانها دماً ) (47) .
2 ـ عن مروان مولى هند بنت المهلب ، قال : ( حدثني بواب عبيد الله بن زياد إنّه لمّا جيء برأس الحسين بين يديه رأيت حيطان دار الأمارة تسيل دماً ) (48) .
قلم يكتب من دم .
عن أبي قبيل ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي بعث برأسه إلى يزيد فنزلوا أول مرحلة فجعلوا يشربون النبيذ ، ويتحيون بالرأس ، فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتب سطراً بدم :
أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً = شفاعةَ جدّه يومَ الحسابِ
فهربوا وتركوا الرأس ) (49) .
اضطرام القصر ناراً .
عن حاجب عبيد الله بن زياد ، قال : ( دخلت القصر خلف عبيد الله حين قتل الحسين فأضطرم في وجهه نار ) (50) .
نواح الجن
1 ـ عن أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، قالت : ( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي ) قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (51) .
2 ـ وعنها أيضاً ، قالت : ( ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) إلاّ الليلة ، وما أرى مشهورٌ إلاّ قد قُتل ، تعنى الحسين (رضي الله عنه) ، فقالت لجاريتها اخرجي فسلي ، فأخبرت أنّه قد قتل ، وإذا جنّية تنوح :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد = ومَن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا = إلى متحير في ملك عبدي (52) .
3 ـ عن ميمونة قالت : ( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (53) .
4 ـ عن أبي جناب الكلبي قال : ( حدثني الجصاصون ، قالوا : كنّا إذا خرجنا إلى الجبان بالليل عند مقتل الحسين سمعنا الجن ينوحون عليه ويقولون :
مسح الرسول جبينه = فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش = جدّه خير الجدود ) (54) .
ثياب مصبوغة بدم .
أخرج المغازلي الشافعي في مناقبه ، عن أبي أحمد عامر، قال : ( حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي محمد بن علي (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : حشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدمٍ ، فتعلقُ بقائمة من قوائم العرش ، وتقول : يا عدلُ يا جبار ! احكم بيني وبين قاتل ولدي ! قال (صلّى الله عليه وآله) : فيحكم لابنتي وربّ الكعبة ) (55) .
انقلاب الدنانير خزفاً.
ما أخرجه الهيثمي في صواعقه : ( كان مع أولئك الحرس دنانير أخذوها من عسكر الحسين ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفاً ، وعلى أحد جانبي كل منها : ( وَلاَ تَحْسَبَنّ اللهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ ) وعلى الآخر ( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (56) .
كما إن البكاء والرثاء سنّة قرآنية
فالقرآن الكريم تضمّن الرثاء والندبة والعزاء على المظلومين ، حيث استعرض ظلاماتهم بدءاً من هابيل ومروراً ببقية الأنبياء والرسل وروّاد الإصلاح والعدالة ، وكذلك استعرض ما وقع من المصائب والظلم والاضطهاد لبعض الجماعات التي تصدّت لمحاربة الفساد والظلم ، كأصحاب الأخدود وقوافل الشهداء عبر تاريخ الإنسانية ، كما جاء في قوله تعالى : {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } [البروج: 4 - 6] ، بل نجد أنّ القرآن الكريم رثى المظلومين من الأطفال الصغار المجني عليهم ، نتيجة جهل الجاهلية ، كما في وأد البنات ، قال تعالى : {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9] ، بل أكثر من ذلك ، حيث رثى وندب القرآن الكريم ناقة صالح (عليه السلام) لكونها آية وشعيرة من شعائر الله تعالى .
ولم يقتصر القرآن الكريم على رثاء هؤلاء المظلومين فقط ، بل أخذ يتوعّد الظلمة بالعذاب والنقمة والهلاك والتنديد بهذه الأفعال القاسية ، ومن أبرز هذه الموارد هي :
1 ـ قصة الموءودة
حيث رثاها القرآن الكريم ـ كما سبق ـ فعرض ما حلّ بها في الجاهلية بشكل مثير للعاطفة والوجدان ؛ إذ كانت تدفن في التراب وهي حيّة مع براءتها وصفاء روحها .
2 ـ قصة يوسف (عليه السلام)
استعرض القرآن تفصيل القصة المأساوية ، التي جرت على يوسف (عليه السلام) مع إخوته ، وقد بدأ الله عزّ وجلّ الحديث عن يوسف وظلامته وهو طفل صغير ، بقوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } [يوسف: 7 - 9] {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15] ، فكشفت هذه الآية عن مدى قسوتهم وتعصّبهم وتجمّعهم ، وفضاعة فعلهم في إلقاء الطفل الصغير ـ الذي لا يقوى على شيء ـ في أعماق البئر ، ولا يخفى ما في هذا المشهد من تهييج العاطفة والحزن ، ليجعل من القارئ والسامع يعيش الحالة المأساوية ، وكأنّها متجسّدة أمامه .
ثم يتابع القصة باستعراض مقطع آخر لا يقل مأساةً عن سابقة ، وهو عظمة وشدّة آثار المصيبة على يعقوب (عليه السلام) بقوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 84 - 86] ، وهذا النص القرآني يكشف عن أنّ الجزع والندبة قد اشتدا وتفاقما على يعقوب (عليه السلام) إلى حد إصابته بالعمى ، وفي بعض الروايات ( دخل جبريل على يوسف وهو في السجن ، فقال : أيّها الملك الطيب الريح ، الطاهر الثياب أخبرني عن يعقوب أو ما فعل يعقوب ؟ قال : ذهب بصره ، قال ما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ) (57) ، كذلك يكشف النص القرآني الآنف الذكر أنّه (عليه السلام) قد اشتد حزنه ، كما هو معنى البث ، وشكواه إلى الله تعالى إلى درجة اتهام أبنائه له بالخلل في عقله أو بدنه كما هو معنى (الحرض) ، وهذا دليل قرآني قاطع على أنّ شدّة الحزن والجزع على الأصفياء ، والالتجاء إلى الله تعالى وبث الشكوى إليه تعالى ممدوح ؛ لأنّه من فعل الأنبياء المعصومين ، وفي تتمة الرواية السابقة سأل يوسف (عليه السلام) جبرائيل (عليه السلام) : ( قال : ما أجره ؟ قال : أجر مائة شهيد ) ، وهذا بخلاف ما لو كان الجزع جزعاً من قضاء الله وقدره ، فهو من الجزع المذموم ؛ لأنّه يعد اعتراضاً على الله تبارك وتعالى .
3 ـ قصة أصحاب الأخدود
يسطر لنا القرآن الكريم مجموعة من الدروس الأساسية في حياة المسلمين ، فيبدأ أولاً بذكر ضرورة توثيق الحادثة قبل الخوض في تفاصيلها ، وهذا ما نلمسه في بداية سورة البروج ، فقبل استعراضه لقصة أصحاب الأخدود بدأ بالقسم الإلهي {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 1 - 3] ثم بعد ذلك تبدأ السورة المباركة برسم أحداث القصة فتقول : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ) وهذا الأسلوب يعد من أروع أساليب الندبة والرثاء ، وهو نظير قول الراثي : ( قُتل الحسين عطشاناً مذبوحاً من القفا مسلوب العمامة والردا ) .
ثم يأخذ القرآن الكريم بتصوير الحادثة بشكل يثير العواطف ويؤججها ، حيث أن نَفْسَ وصفهم بأصحاب الأخدود ، إنّما هو للتأكيد على بيان كيفية قتلهم داخل الأخدود ، وهو الشق داخل الأرض ، ثم يصف النار التي أحرقتهم بأنها شديدة ، كما في قوله ( النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ) ، ثم ينتقل إلى نقطة أخرى من المشاهد التي تكشف بشاعة الجريمة ، فيقول : ( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) وأي أنّ الظالمين لشدّة قسوتهم وتنكيلهم بالمؤمنين أجلسوهم على شفير الأخدود المتأجج بالنار من أجل إيجاد حالة من الرعب والخوف في أوساطهم من أجل التخلي عن دينهم وعقيدتهم التي آمنوا بها ، وبعد ذلك تتابع السورة بيان شدة الرحمة والشفقة الإلهية على الظلامة التي حلّت بالمؤمنين بقوله تعالى : ( وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) ، وبعد ذلك تنتقل السورة لعرض براءة ساحة المؤمنين ، وفي نفس الوقت تكشف وتبرز صمود المؤمنين وتماسكهم ، وسمو هدفهم ونبل مبادئهم ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) ، ومن هنا يبدأ الباري تعالى بالتنديد للظالمين وتهديدهم ، ليعلن بذلك عن قاعدة وسنّة إلهية ، وهي الوقوف إلى جانب المظلومين في مواجهة الظالمين ؛ ليعطي بذلك درساً آخر من الدروس القرآنية للمؤمنين ، وهو تربيتهم على ضرورة الوقوف مع المظلومين ، والتضامن معهم ومساندتهم ، والتنديد بالظالمين وأدانتهم وشجبهم والنفرة منهم والبراءة من أفعالهم ، منهم وضرورة عدم وقوف المؤمنين موقف اللامبالاة والتقاعس بذريعة أنّ هذه الأحداث إنّما حصلت في غابر التاريخ ، كما قال تعالى : ( إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ * إِنّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) ، ونلمس من هذا الجو القرآني أنّه لا يرضى بالاكتفاء من المسلم والقارئ للسورة بالتعاطف وإثارة الأحاسيس تجاه المظلوم ، وإنّما يطلب من المسلم أن يكون على أشدّ درجة من النصرة والاستنكار للظالم ، وعمله والتنديد به ، ولو كان زمانه قد مضى ، وهذا درس آخر يمليه القرآن الكريم على المؤمنين ؛ مستهدفاً بذلك تطهير الإنسان من الانصهار والذوبان مع الظالمين ، كما قال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ ) .
4 ـ قصة قتل قابيل هابيل
إنّنا نجد أنّ القرآن الكريم استعرض جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل راثياً بقوله عزّ وجلّ : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28].
فالآية تبين لنا ما يحمله هابيل من إيمان وصفاء وخوف من الله عزّ وجل ، وتبيّن أيضاً ما يحمله قابيل من القسوة والوحشية والعدوان .
وهذا العرض بدوره يبين صورة من صور الرثاء في القرآن الكريم للمظلومين ، عرضها تعالى بأسلوب مثير للعاطفة والوجدان للوقوف مع المظلومين .
5 ـ قصّة فرعون وهامان مع بني إسرائيل
الصورة التي يعكسها القرآن الكريم لعمل فرعون وهامان وما ارتكباه من ظلم واستكبار في الأرض ، قال تعالى : { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [القصص: 4] ، وقوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } [البقرة: 49] ، ولا يخفى ما في هذا التعبير من الرثاء والعزاء ، لما حلّ بالمؤمنين من بني إسرائيل .
6 ـ تنديد واستنكار القرآن لقتل الأنبياء
وقد ذكر ذلك في مواضع عديدة من القرآن الكريم :
منها : قوله تعالى : {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 91].
ومنها : قوله عزّ وجلّ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61] .
ومنها : قوله تبارك وتعالى : {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] ، وقد استنكر القرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها قتل رواد الإصلاح من الأنبياء والأولياء ، وهذا من التنديد والشجب الذي تستهدفه الكثير من الشعائر الحسينية .
7 ـ قصّة قتل ناقة صالح
إنّ من أروع صور العزاء والرثاء والندبة التي يعرضها القرآن الكريم هذه الجريمة البشعة ، التي ارتكبها الأشقى في حق ناقة صالح (عليه السلام) ، مع أنّها كانت تتمتع بنوع من الحرمة ؛ لكونها من الشعائر والحرمات التي أضافها الله سبحانه وتعالى لذاته المقدّسة ، حيث قال تعالى : { إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } [الشمس: 12 - 15] .
فالسورة المباركة أسندت ذلك الفعل الشنيع إلى قوم ثمود بأجمعهم ، مع أنّ الذي قام به شخص واحد ، وهذا درس آخر يقدّمه القرآن الكريم من خلال استعراضه هذه القصة ، وهي أنّ مَن رضي بفعل قوم كان كمن شاركهم في فعلهم ؛ ولذا أسند الجريمة لقوم ثمود لرضاهم بفعل ذلك الأشقى .
وهذا يعني ضرورة التضامن والوقوف مع المظلومين ، والشجب والاستنكار لما يقوم به الظالمون ، فلابد من تفاعل الشخص مع آيات القرآن الكريم كل آية بحسبها ، وقد ورد في هذا المعنى روايات كثيرة :
عن جرير ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنفر من أصحابه : ( إنّي قارئ عليكم آيات من آخر الزمر فمَن بكى منكم وجبت له الجنّة ، فقرأها من عند ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقّ قَدْرِهِ ) إلى آخر السورة ، فمنّا مَن بكى ومنّا مَن لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا : يا رسول الله لقد جهدنا فلم نبك ، فقال : إنّي سأقرئها عليكم فمَن لم يبك فليتباك ) (58) ، ولا يخفى ما في الآيات الأخيرة من سورة الزمر من دواعي الحزن والبكاء والأسى ، كقوله تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 71، 72] .
وهذا ما يقرّره أيضاً علماء فن التجويد من ضرورة قراءة السورة بطريقة تتناسب مع الجو الذي تثيره الآية ، فإن كانت تبشّر بالجنّة والثواب فلابد من قراءتها بأسلوب الفرح والابتهاج ، وإن كانت بنحو الإنذار والوعيد فلابد من أن تقرأ بكيفية الخوف والحزن والانكسار ، وإن كانت بنحو الرثاء والنوح فلابدّ أن تقرأ بهذا بالنحو المناسب لذلك . ثم إنّ القرآن الكريم يقرّر المبدأ النبوي القائل : ( لا يحب رجل قوماً إلاّ حُشر معهم ) (59) ، فينسب القرآن الكريم قتل الأنبياء إلى الذين عاصروا نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) ، مع أنّ بينهم وبين أنبياء بوناً واسعاً ؛ وما ذلك إلاّ لأنّهم كانوا راضين بما فعل أسلافهم من اليهود بالأنبياء . والملاحظة الجديرة بالذكر أنّ القرآن الكريم ليس كتاباً قصصياً للتسلية ، وإنّما هو كتاب عبرة وموعظة ، قال تعالى : ( قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ ) فالغرض الذي يرمي إليه القرآن من خلال عرض القصة هو أخذ العبرة والموعظة من الأمم السابقة .
ويتحصّل ممّا تقدّم :
1 ـ إنّ أسلوب وأدب الرثاء والعزاء وإقامة المآتم أسلوب اتخذه القرآن الكريم لإثارة المشاعر والعواطف للوقوف مع المظلومين والتضامن معهم والبراءة من الظالمين .
2 ـ إذا كان أسلوب الرثاء والندبة والعزاء سنّة قرآنية اتخذها القرآن لبيان ظلامات المظلومين كالأنبياء والأولياء وكأصحاب الأخدود ، بل وحتى الناقة والموءودة ، فكيف بحبيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفلذّة كبده وريحانته ، وسيّد شباب أهل الجنة ؟ لا سيّما وأنّ القرآن الكريم أمر بمودتهم ، والمودة تعني التعاطف والتضامن معهم (عليهم السلام) ، بأن يفرح المؤمن لفرحهم ويحزن لحزنهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفتوح : ج 5 ص 21 .
(2) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : ج 2 ص 140 .
(3) تاريخ الطبري ، الطبري : ج 4 ص 304 .
(4) تفسير القرآن ، الصنعاني : ج 3 ص 208 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 25 ص 162 .
(5) المستدرك ، الحاكم : ج 2 ص 449 [وقال فيه] صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ؛ شعب الإيمان ، البيهقي : ج 3 ص 183 ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج 4 ص 577 ؛ الدّر المنثور ، السيوطي : ج 7 ، ص 412 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار ، ابن شيبة : ج 7 ص 136 .
(6) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 .
(7) تفسير الطبري ، الطبري : ج 11 ص 137 .
(8) مسند ابن الجعد ، علي بن الجعد : ص 335 .
(9) الدّر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 31 .
(10) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص 293 .
(11) الثقات ، ابن حبان : ج 5 ص 487 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 227 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 312 .
(12) ينابيع المودة ، القندوزي : ج 3 ص 102 .
(13) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 64 ص 217 ، وانظر : تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 4 ص 154 ، الدّر المنثور ، السيوطي : ج 4 ص 264 .
(14) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ وانظر التاريخ الكبير : البخاري : ج 4 ص 129 ؛ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 226 .
(15) إحقاق الحق : ج 27 ص 379 .
(16) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ، ثم قال : ورجاله رجال الصحيح ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ص 472 ، المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 113 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 .
(17) الثقات ، ابن حبان : ج 5 ص 487 ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ج 6 ، ص 471 .
(18) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 222 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 25 ص 160 .
(19) تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص 232 .
(20) تاريخ الطبري : الطبري : ج 4 ص 296 ؛ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ج 4 ص 90 ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 8 ص 185 ؛ أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ ، أحمد بن يوسف القرماني : ج 1 ص 325 .
(21) شرح إحقاق الحق : ج 27 ص 392 ؛ عن تاريخ حلب : ج 6 ص 2649 .
(22) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 228 .
(23) الدر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 31 ؛ تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ وانظر : تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 227 .
(24) الذرية الطاهرة النبوية ، محمد بن أحمد الدولابي : ص 97 ، 1407 هـ ، الدار السلفية .
(25) الثقات ، ابن حبان : ص 329 .
(26) الثقات ، ابن حبان : ج 4 ص 329 ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج 3 ص 113 .
(27) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 294 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145.
(28) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 295 .
(29) الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ص 295 ؛ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 220 .
(30) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 312 .
(31) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 119 .
(32) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 230 .
(33) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ؛ المعجم الكبير ، الطبري : ج 3 ص 113 .
(34) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 22 .
(35) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 226 .
(36) مجمع الزوائد : ج 9 ص 197 .
(37) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 432 .
(38) السنن الكبرى ، البيهقي : ج 3 ص 337 .
(39) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 197 .
(40) نور العين في مشهد الحسين ، أبو إسحاق الأسفراييني : ص 70 .
(41) الجزور ، الناقة المجزورة ، وجزر الناقة يجزرها جزراً نحرها وقطعها ، انظر : لسان العرب : ج 4 ص 134 .
(42) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 .
(43) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 231 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 435 .
(44) الورس : نبت أصفر يكون باليمن يتخذ الغمرة للوجه . عن الصحاح ، الجوهري : ج 3 ص 988 .
(45) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 197 .
(46) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 295 .
(47) المصدر نفسه : ص 295 .
(48) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 .
(49) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ الصواعق ، الهيثمي : ص 294 .
(50) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 113 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 .
(51) المصدر نفسه : ج 3 ص 121 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
(52) المصدر نفسه : ج 3 ص 123 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
(53) المصدر نفسه : ج 3 ص 122 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
(54) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 199 .
(55) مناقب علي بن أبي طالب ، الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن محمد الشافعي المغازلي : ص 64 .
(56) الصواعق المحرقة ، الهيثمي : ص 302 .
(57) المصنف ، ابن أبي شيبه : ج 8 ص 122 ؛ الهمّ والحزن ، ابن أبي الدنيا ، ص 77 ؛ وانظر : زاد المسير ، ابن الجوزي : ج 4 ص 204 ؛ وانظر : الدر المنثور ، السيوطي : ج 4 ص 30 ؛ وانظر : تفسير الثغالبي : ج 3 ص 346 .
(58) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 2 ص 348 .
(59) المعجم الصغير ، الطبراني : ج 2 ص 41 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 10 ص 280 ، وقال ، ( رواه الطبراني في الصغير والأوسط ، ورجاله رجال الصحيح ) .
الحمد لله الذي لا نعتمد إلا قوله , ولا نمسك إلا بحبله , الإله الحق الواحد بلا شريك , الملك بلا تمليك , الذي ليس لصفته حد محدود , ولا نعت موجود ولا وقت معدود ولا أجل ممدود .
والصلاة والسلام على أشرف أهل الاصطفاء محمد بن عبدالله سيد الانبياء ، وعلى آله الحافظين لما نقل عن رب السموات والأرضين , واللعنة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .
يقول عبدالله بن محمد السلفي , في كتابة ( من عقائد الشيعة ) , تقديم عبدالعزيز بن عبدالله بن باز , الرئيس العام لإدارة البحوث العلمية والإفتاء ورئيس هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية . إن الرافضة يقيمون المحافل والمآتم والنياحة ويعملون المظاهرات في الشوارع والميادين العامة , ويقومون بلبس الملابس السوداء حزناً في ذكرى إستشهاد الحسين رضي الله عنه بإهتمام في العشر الأوائل من محرم من كل عام , معتقدين أنها من أجل القربات , فيضربون خدودهم بأيديهم , ويضربون صدورهم وظهورهم , ويشقون الجيوب يبكون ويصيحون بهتافات يا حسين , يا حسين , وخاصة في اليوم العاشر من كل محرم , بل إنهم يقومون بضرب أنفسهم بالسلاسل والسيوف كما هو الحاصل في البلاد التي يقطنها الرافضة كإيران .
جوابه :
إن شعار ياحسين شعار وشعيرة دينية ويتضح الأمر في المآتم والشعائر الحسينية من البكاء والحزن وإقامة المجالس وغيرها ، حيث إنّها تنهض بدور عظيم في التذكير والإعلام بالأهداف التي خرج من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) سبط النبي الأكرم (صلّى الله عليه وآله) وخامس أصحاب أهل الكساء ، والتي يقع في مقدمتها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما صرح (عليه السلام) بذلك مراراً ، حيث قال (عليه السلام) : ( بأنّي لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا ظالماً ومفسداً وإنّما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي رسول الله ، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر ) (1) .
وقال أيضاً (عليه السلام) : ( إنّ هؤلاء قوم لزموا طاعة الشيطان وتركوا طاعة الرحمن ، وأظهروا الفساد في الأرض وأبطلوا الحدود وشربوا الخمور ، واستأثروا بأموال الفقراء والمساكين ، وأنا أولى مَن قام بنصرة دين الله وإعزاز شرعه والجهاد في سبيله لتكون كلمة الله هي العليا ) (2) .
وقال (عليه السلام) : ( مَن رأى سلطاناً جائراً مستحلاً لحرم الله ناكثاً لعهد الله مخالفاً لسنّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يعمل بعباد الله بالإثم والعدوان ، فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقاً على الله أن يدخله مدخله ... ) (3) .
حيث يعتبر الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الفرائض الدينية التي أكّدت عليها الآيات القرآنية ، كما في قوله تعالى : {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [آل عمران: 104] .
وقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: 110] .
وقوله تعالى : {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ } [التوبة: 71] .
إذن هذه الشعائر والمجالس والمواكب الحسينية وما تتخذ من أشكال مختلفة والمعبّرة عن الأسى والحزن ، ليست سلوكاً سلبياً خالياً من الأهداف والنتائج التي تُسهم في الرقي الديني للمجتمع ، ولا هي مجرد تقاليد اجتماعية فارغة من الأفكار والمفاهيم , وإنّما هذه الشعائر تشكّل جزءاً أساسياً في شخصية الفرد ، لما تقوم به من دور مؤثر في ربط الفرد المسلم بالأهداف التي نهض من أجلها الإمام الحسين (عليه السلام) ، فتكون هذه المآتم والبكاء والحزن وإقامة المجالس من أفراد ومصاديق شعائر الله ، التي حثّ عليها القرآن الكريم ؛ وذلك لدخولها تحت قوله تعالى : ( ذلِكَ وَمَن يُعَظّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ ) . ومن الأدلّة الواردة في خصوص مشروعية إقامة مآتم الحزن والبكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) ، نشير إلى بعضها ضمن النقاط التالية :
إنّ البكاء الذي هو تعبير عن الحزن سنّة إلهية تكوينية ، كما في قوله تعالى : {فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ} [الدخان: 29] ، فالآية المباركة تنفي بكاء السماء والأرض على هلاك قوم فرعون الظالمين المفسدين في الأرض ، وهذا يعني أنّ السماء والأرض لها القابلية على البكاء والحزن ، وإلاّ فلا معنى للنفي ، بل إنّ الذي يفهم من الآية المباركة هو أنّ السماء والأرض تبكيان على مَن يستحق البكاء ؛ ولذا ورد في كثير من الروايات ذكر بكاء السماء والأرض على المؤمن ، وإليك بعضها :
1 ـ ما أخرجه الطبري في تفسيره عن عبد الرزاق ، عن معمر ، عن قتادة في قوله تعالى : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ، قال : ( بقاع المؤمن التي كان يصلّي فيها من الأرض تبكي عليه إذا مات ، وبقاعه من السماء التي يرفع فيها عمله ) (4) .
2 ـ وفي الدّر المنثور عن مجاهد وابن عباس : ( الأرض تبكي على المؤمن أربعين صباحاً ) (5) .
3 ـ وفي تفسير القرطبي : ( ما من عبد يسجد لله سجدة في بقعة من بقاع الأرض إلاّ شهدت له يوم القيامة وبكت عليه يوم يموت ) (6) .
4 ـ قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( إنّ الإسلام بدأ غريباً وسيعود غريباً ، ألا لا غربة على مؤمن ، ما مات مؤمن في غربة غابت عنه فيها بواكيه إلاّ بكت عليه السماء والأرض ) ، ثم قرأ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) ثم قال : ( إنّهما لا يبكيان على كافر ) (7) .
5 ـ وأخرج ابن المبارك ، وعبد بن حميد ، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر من طريق المسيب بن رافع ، عن علي (عليه السلام) ، قال : إنّ المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاّه من الأرض ومصعد عمله من السماء ، ثم تلا : ( فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السّماءُ وَالأَرْضُ ) (8) .
6 ـ ( ما من ميت يموت إلاّ تبكي عليه الأرض أربعين صباحاً ) (9) .
وأمّا بكاء السماء والأرض على الإمام الحسين (عليه السلام) فقد سطّرت المصادر العديدة من كتب السنّة ـ فضلاً عن الكتب الشيعية ـ تفاصيل حصول هذه الظاهرة الكونية عند مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) من مطر السماء دماً واحمرارها مدّة مديدة ، ورؤية لون الدم على الجدران وتحت الصخور والأحجار في المدن والبلدان الإسلامية ، ومن تلك الوقائع :
بكاء السماء دماً حزنا على الحسين (عليه السلام)
1 ـ عن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال عندما مرّ بكربلاء موضع قبر الحسين (عليه السلام) : ( فتية من آل محمد يقتلون بهذه العرصة تبكي عليهم السماء والأرض ) (10) .
2 ـ وذكر ابن حبان : ( لمّا قتل الحسين قطرت السماء دماً ، فأصبح جرارنا وكل شيء لنا ملأ دماً ) (11) .
3 ـ عن ابن عباس : ( إنّ يوم قتل الحسين قطرت السماء دماً ، وإنّ هذه الحمرة التي ترى في السماء ظهرت يوم قتله ولم تر قبله ، وإنّ أيام قتله لم يرفع حجر في الدنيا إلاّ وُجد تحته دم ) (12) .
4 ـ عن قرة بن خالد قال : ( ما بكت السماء على أحد إلاّ على يحيى بن زكريا والحسين بن علي ، وحمرتها بكاؤها ) (13) .
5 ـ قال سليمان القاضي : ( مطرنا دماً يوم قتل الحسين ) (14) .
6 ـ عن ابن عباس قال : ( إنّما حدثت هذه الحمرة التي في السماء حين قتل الحسين ) (15) .
7 ـ أخرج الطبراني بسنده عن علي بن مسهر ، حدثتني أُمّ حكيم ، قالت : ( قتل الحسين بن علي (عليه السلام) وأنا يومئذ جويرية ، فمكثت السماء أياماً مثل العلقة ) (16) .
8 ـ أخرج البيهقي عن نظرة الأزدية ، قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي مطرت السماء دماً فأصبحت جرارنا وكل شيء لنا ملأ دماً ) (17) .
9 ـ عن السدي : ( لمّا قتل الحسين بكت السماء وبكاؤها حمرتها ) (18) .
10 ـ عن هلال بن ذكوان ، قال : ( لمّا قتل الحسين مكثنا شهرين أو ثلاثة ، كأنّما لطخت الحيطان بالدم من صلاة الفجر إلى غروب الشمس ) (19) .
11 ـ وذكر ابن الأثير : ( لمّا قتل الحسين مكث الناس شهرين أو ثلاثة كأنّها تلطخ الحوائط بالدماء ساعة تطلع الشمس حتى ترتفع ) (20) .
12 ـ عن ابن أبي جرادة بسند متصل : ( لمّا قتل الحسين مطرنا مطراً بقي أثره في ثيابنا مثل الدم ) (21) .
13 ـ عن جعفر بن سليمان ، قال حدثتني خالتي أم سالم ، قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي مطرنا مطراً كالدم على البيوت والجدر ، قال : وبلغني أنّه كان بخراسان والشام والكوفة ) (22) .
14 ـ عن يزيد بن زياد ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) احمرت آفاق السماء أربعة أشهر ) (23) .
15 ـ عن أبي جرادة بسند متصل عن إبراهيم النخعي : ( لمّا قتل الحسين احمرت السماء من أقطارها ، ثم لم تزل حتى تفطّرت وقطرت دماً ) (24) .
16 ـ وعنه أيضاً بسند متصل عن مسعدة ، عن جابر ، عن قرط بن عبد الله ، قال : ( مطرت ذات يوم بنصف النهار ، فأصابت ثوبي فإذا دم ، فذهبت بالإبل إلى الوادي فإذا دم ، فلم تشرب ، وإذا هو يوم قتل الحسين (رحمة الله عليه) ) (25) .
17 ـ ابن حبان عن حماد بن سلمة وابن علية ، عن سليم القاص أبي إبراهيم ، قال : ( مطرنا يوم قتل الحسين دماً ) (26) .
18 ـ ما في الصواعق ، عن أبي نعيم الحافظ ، عن نصرة الأزدية ، أنّها قالت : ( لمّا قتل الحسين بن علي أمطرت السماء دماً فأصبحنا وجبابنا وجرارنا مملؤة دماً ) (27) .
19 ـ في الصواعق أيضاً : ( قال أبو سعيد : ولقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطّعت ) (28) .
20 ـ فيه أيضاً : ( ظنّ الناس أنّ القيامة قد قامت ) (29) .
21 ـ وفي خطط المقريزي روي : ( أنّ السماء أمطرت دماً فأصبح كل شيء لهم ملآن دماً ) (30) ، أي يوم قتل الحسين (عليه السلام) .
بكاء الأرض دماً عبيطاً
1 ـ أخرج الهيثمي عن الزهري ، قال : ( لم ترفع حصاة ببيت المقدس إلاّ وجد تحتها دم عبيط ) قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ، ورجاله ثقات ) (31) .
2 ـ وفي خطط المقريزي : ( لم يقلب حجر من أحجار بيت المقدس يوم قتل الحسين إلاّ وجد تحته دم عبيط ) (32) .
3 ـ عن الزهري أيضاً ، قال : ( ما رُفع بالشام حجر يوم قتل الحسين إلاّ عن دم ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (33) .
4 ـ عن أبي سعيد ، قال : ( ما رفع حجر في الدنيا لما قتل الحسين إلاّ وتحته دماً عبيطاً ، لقد مطرت السماء دماً بقي أثره في الثياب مدة حتى تقطعت ) (34) .
5 ـ عن خلاد صاحب السمسم ، قال : ( حدثتني أُمّي ، قالت : كنّا زماناً بعد مقتل الحسين وأنّ الشمس تطلع محمرّة على الحيطان والجدر بالغداة والعشيّ ، قالت : وكانوا لا يرفعون حجراً إلاّ وجد تحته دم ) (35) .
كسوف الشمس واضطراب الكواكب
1 ـ عن عيسى بن حارث الكندي ، قال : ( لمّا قتل الحسين (رضي الله عنه) مكثنا سبعة أيام إذا صلّينا العصر نظرنا إلى الشمس على أطراف الحيطان كأنّها الملاحف المعصفرة ، ونظرنا الكواكب يضرب بعضها بعضاً ) (36) .
2 ـ عن خلف بن خليفة ، عن أبيه ، قال : ( لمّا قتل الحسين اسودت السماء وظهرت الكواكب نهاراً حتى رأيت الجوزاء عند العصر ، وسقط التراب الأحمر ) (37) .
3 ـ عن أبي قبيل ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي (رضي الله عنهما) كسفت الشمس كسفة ، بدت الكواكب نصف النهار حتى ظننا أنّها هي ) (38) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني وإسناده حسن ) (39) .
بكاء ملائكة السماء
1 ـ عن زين العابدين (عليه السلام) في الشام ، قال : ( أنا ابن مسلوب العمامة والرداء ، أنا ابن مَن بكت عليه ملائكة السماء ) (40) .
جزور (41) تنقلب دماً وأخرى ناراً .
1 ـ عن دويد الجعفي ، عن أبيه ، قال : ( لمّا قتل الحسين انتهبت جزوراً من عسكره ، فلمّا طبخت إذا هي دم ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبري ورجاله ثقات ) (42) .
2 ـ عن حميد الطحان ، قال : ( كنت في خزاعة فجاءوا بشيء من تركة الحسين ، فقيل لهم : ننحر أو نبيع ؟ قال : انحروا فجلست على جفنة ، فلمّا جلست فارت ناراً ) (43) .
ورس (44) يتحوّل إلى رماد .
1 ـ قال سفيان : ( رأيت الورس الذي أخذ من عسكر الحسين صار مثل الرماد ) وقال الهيثمي رجاله رجال الصحيح (45) .
2 ـ حكى ابن عينية عن جدته : ( إنّ جمالاً ممّن انقلب ورسه رماداً ، أخبرها بذلك ) (46) .
الحيطان تسيل دماً .
1 ـ ( لمّا جيء برأس الحسين (عليه السلام) إلى دار زياد سالت حيطانها دماً ) (47) .
2 ـ عن مروان مولى هند بنت المهلب ، قال : ( حدثني بواب عبيد الله بن زياد إنّه لمّا جيء برأس الحسين بين يديه رأيت حيطان دار الأمارة تسيل دماً ) (48) .
قلم يكتب من دم .
عن أبي قبيل ، قال : ( لمّا قتل الحسين بن علي بعث برأسه إلى يزيد فنزلوا أول مرحلة فجعلوا يشربون النبيذ ، ويتحيون بالرأس ، فبينما هم كذلك إذ خرجت عليهم من الحائط يد معها قلم حديد فكتب سطراً بدم :
أترجو أُمّةٌ قتلت حسيناً = شفاعةَ جدّه يومَ الحسابِ
فهربوا وتركوا الرأس ) (49) .
اضطرام القصر ناراً .
عن حاجب عبيد الله بن زياد ، قال : ( دخلت القصر خلف عبيد الله حين قتل الحسين فأضطرم في وجهه نار ) (50) .
نواح الجن
1 ـ عن أمّ سلمة (رضي الله عنها) ، قالت : ( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي ) قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (51) .
2 ـ وعنها أيضاً ، قالت : ( ما سمعت نوح الجن منذ قبض النبي (صلّى الله عليه وآله) إلاّ الليلة ، وما أرى مشهورٌ إلاّ قد قُتل ، تعنى الحسين (رضي الله عنه) ، فقالت لجاريتها اخرجي فسلي ، فأخبرت أنّه قد قتل ، وإذا جنّية تنوح :
ألا يا عين فاحتفلي بجهد = ومَن يبكي على الشهداء بعدي
على رهط تقودهم المنايا = إلى متحير في ملك عبدي (52) .
3 ـ عن ميمونة قالت : ( سمعت الجن تنوح على الحسين بن علي ) ، قال الهيثمي : ( رواه الطبراني ورجاله رجال الصحيح ) (53) .
4 ـ عن أبي جناب الكلبي قال : ( حدثني الجصاصون ، قالوا : كنّا إذا خرجنا إلى الجبان بالليل عند مقتل الحسين سمعنا الجن ينوحون عليه ويقولون :
مسح الرسول جبينه = فله بريق في الخدود
أبواه من عليا قريش = جدّه خير الجدود ) (54) .
ثياب مصبوغة بدم .
أخرج المغازلي الشافعي في مناقبه ، عن أبي أحمد عامر، قال : ( حدثنا علي بن موسى الرضا (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي موسى بن جعفر (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي جعفر بن محمد (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي محمد بن علي (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي علي بن الحسين (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي الحسين بن علي (عليه السلام) ، قال : حدثني أبي علي بن أبي طالب (عليه السلام) ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) : حشر ابنتي فاطمة ومعها ثياب مصبوغة بدمٍ ، فتعلقُ بقائمة من قوائم العرش ، وتقول : يا عدلُ يا جبار ! احكم بيني وبين قاتل ولدي ! قال (صلّى الله عليه وآله) : فيحكم لابنتي وربّ الكعبة ) (55) .
انقلاب الدنانير خزفاً.
ما أخرجه الهيثمي في صواعقه : ( كان مع أولئك الحرس دنانير أخذوها من عسكر الحسين ففتحوا أكياسها ليقتسموها فرأوها خزفاً ، وعلى أحد جانبي كل منها : ( وَلاَ تَحْسَبَنّ اللهَ غَافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ ) وعلى الآخر ( وَسَيَعْلَمُ الّذِينَ ظَلَمُوا أَيّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ ) (56) .
كما إن البكاء والرثاء سنّة قرآنية
فالقرآن الكريم تضمّن الرثاء والندبة والعزاء على المظلومين ، حيث استعرض ظلاماتهم بدءاً من هابيل ومروراً ببقية الأنبياء والرسل وروّاد الإصلاح والعدالة ، وكذلك استعرض ما وقع من المصائب والظلم والاضطهاد لبعض الجماعات التي تصدّت لمحاربة الفساد والظلم ، كأصحاب الأخدود وقوافل الشهداء عبر تاريخ الإنسانية ، كما جاء في قوله تعالى : {قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ } [البروج: 4 - 6] ، بل نجد أنّ القرآن الكريم رثى المظلومين من الأطفال الصغار المجني عليهم ، نتيجة جهل الجاهلية ، كما في وأد البنات ، قال تعالى : {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ * بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: 8، 9] ، بل أكثر من ذلك ، حيث رثى وندب القرآن الكريم ناقة صالح (عليه السلام) لكونها آية وشعيرة من شعائر الله تعالى .
ولم يقتصر القرآن الكريم على رثاء هؤلاء المظلومين فقط ، بل أخذ يتوعّد الظلمة بالعذاب والنقمة والهلاك والتنديد بهذه الأفعال القاسية ، ومن أبرز هذه الموارد هي :
1 ـ قصة الموءودة
حيث رثاها القرآن الكريم ـ كما سبق ـ فعرض ما حلّ بها في الجاهلية بشكل مثير للعاطفة والوجدان ؛ إذ كانت تدفن في التراب وهي حيّة مع براءتها وصفاء روحها .
2 ـ قصة يوسف (عليه السلام)
استعرض القرآن تفصيل القصة المأساوية ، التي جرت على يوسف (عليه السلام) مع إخوته ، وقد بدأ الله عزّ وجلّ الحديث عن يوسف وظلامته وهو طفل صغير ، بقوله تعالى : {لَقَدْ كَانَ فِي يُوسُفَ وَإِخْوَتِهِ آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ * إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَى أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * اقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضًا يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ } [يوسف: 7 - 9] {فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَتِ الْجُبِّ} [يوسف: 15] ، فكشفت هذه الآية عن مدى قسوتهم وتعصّبهم وتجمّعهم ، وفضاعة فعلهم في إلقاء الطفل الصغير ـ الذي لا يقوى على شيء ـ في أعماق البئر ، ولا يخفى ما في هذا المشهد من تهييج العاطفة والحزن ، ليجعل من القارئ والسامع يعيش الحالة المأساوية ، وكأنّها متجسّدة أمامه .
ثم يتابع القصة باستعراض مقطع آخر لا يقل مأساةً عن سابقة ، وهو عظمة وشدّة آثار المصيبة على يعقوب (عليه السلام) بقوله تعالى : {وَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا أَسَفَا عَلَى يُوسُفَ وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ * قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ * قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [يوسف: 84 - 86] ، وهذا النص القرآني يكشف عن أنّ الجزع والندبة قد اشتدا وتفاقما على يعقوب (عليه السلام) إلى حد إصابته بالعمى ، وفي بعض الروايات ( دخل جبريل على يوسف وهو في السجن ، فقال : أيّها الملك الطيب الريح ، الطاهر الثياب أخبرني عن يعقوب أو ما فعل يعقوب ؟ قال : ذهب بصره ، قال ما بلغ من حزنه ؟ قال : حزن سبعين ثكلى ) (57) ، كذلك يكشف النص القرآني الآنف الذكر أنّه (عليه السلام) قد اشتد حزنه ، كما هو معنى البث ، وشكواه إلى الله تعالى إلى درجة اتهام أبنائه له بالخلل في عقله أو بدنه كما هو معنى (الحرض) ، وهذا دليل قرآني قاطع على أنّ شدّة الحزن والجزع على الأصفياء ، والالتجاء إلى الله تعالى وبث الشكوى إليه تعالى ممدوح ؛ لأنّه من فعل الأنبياء المعصومين ، وفي تتمة الرواية السابقة سأل يوسف (عليه السلام) جبرائيل (عليه السلام) : ( قال : ما أجره ؟ قال : أجر مائة شهيد ) ، وهذا بخلاف ما لو كان الجزع جزعاً من قضاء الله وقدره ، فهو من الجزع المذموم ؛ لأنّه يعد اعتراضاً على الله تبارك وتعالى .
3 ـ قصة أصحاب الأخدود
يسطر لنا القرآن الكريم مجموعة من الدروس الأساسية في حياة المسلمين ، فيبدأ أولاً بذكر ضرورة توثيق الحادثة قبل الخوض في تفاصيلها ، وهذا ما نلمسه في بداية سورة البروج ، فقبل استعراضه لقصة أصحاب الأخدود بدأ بالقسم الإلهي {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} [البروج: 1 - 3] ثم بعد ذلك تبدأ السورة المباركة برسم أحداث القصة فتقول : ( قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ ) وهذا الأسلوب يعد من أروع أساليب الندبة والرثاء ، وهو نظير قول الراثي : ( قُتل الحسين عطشاناً مذبوحاً من القفا مسلوب العمامة والردا ) .
ثم يأخذ القرآن الكريم بتصوير الحادثة بشكل يثير العواطف ويؤججها ، حيث أن نَفْسَ وصفهم بأصحاب الأخدود ، إنّما هو للتأكيد على بيان كيفية قتلهم داخل الأخدود ، وهو الشق داخل الأرض ، ثم يصف النار التي أحرقتهم بأنها شديدة ، كما في قوله ( النّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ ) ، ثم ينتقل إلى نقطة أخرى من المشاهد التي تكشف بشاعة الجريمة ، فيقول : ( إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ ) وأي أنّ الظالمين لشدّة قسوتهم وتنكيلهم بالمؤمنين أجلسوهم على شفير الأخدود المتأجج بالنار من أجل إيجاد حالة من الرعب والخوف في أوساطهم من أجل التخلي عن دينهم وعقيدتهم التي آمنوا بها ، وبعد ذلك تتابع السورة بيان شدة الرحمة والشفقة الإلهية على الظلامة التي حلّت بالمؤمنين بقوله تعالى : ( وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ ) ، وبعد ذلك تنتقل السورة لعرض براءة ساحة المؤمنين ، وفي نفس الوقت تكشف وتبرز صمود المؤمنين وتماسكهم ، وسمو هدفهم ونبل مبادئهم ، كما في قوله تعالى : ( وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلاّ أَن يُؤْمِنُوا بِاللهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ) ، ومن هنا يبدأ الباري تعالى بالتنديد للظالمين وتهديدهم ، ليعلن بذلك عن قاعدة وسنّة إلهية ، وهي الوقوف إلى جانب المظلومين في مواجهة الظالمين ؛ ليعطي بذلك درساً آخر من الدروس القرآنية للمؤمنين ، وهو تربيتهم على ضرورة الوقوف مع المظلومين ، والتضامن معهم ومساندتهم ، والتنديد بالظالمين وأدانتهم وشجبهم والنفرة منهم والبراءة من أفعالهم ، منهم وضرورة عدم وقوف المؤمنين موقف اللامبالاة والتقاعس بذريعة أنّ هذه الأحداث إنّما حصلت في غابر التاريخ ، كما قال تعالى : ( إِنّ الّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ * إِنّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ لَهُمْ جَنّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ * إِنّ بَطْشَ رَبّكَ لَشَدِيدٌ * إِنّهُ هُوَ يُبْدِئُ وَيُعِيدُ * وَهُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ ) ، ونلمس من هذا الجو القرآني أنّه لا يرضى بالاكتفاء من المسلم والقارئ للسورة بالتعاطف وإثارة الأحاسيس تجاه المظلوم ، وإنّما يطلب من المسلم أن يكون على أشدّ درجة من النصرة والاستنكار للظالم ، وعمله والتنديد به ، ولو كان زمانه قد مضى ، وهذا درس آخر يمليه القرآن الكريم على المؤمنين ؛ مستهدفاً بذلك تطهير الإنسان من الانصهار والذوبان مع الظالمين ، كما قال تعالى : ( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ * فِرْعَوْنَ وَثَمُودَ * بَلِ الّذِينَ كَفَرُوا فِي تَكْذِيبٍ * وَاللهُ مِن وَرَائِهِم مُحِيطٌ ) .
4 ـ قصة قتل قابيل هابيل
إنّنا نجد أنّ القرآن الكريم استعرض جريمة قتل قابيل لأخيه هابيل راثياً بقوله عزّ وجلّ : { لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} [المائدة: 28].
فالآية تبين لنا ما يحمله هابيل من إيمان وصفاء وخوف من الله عزّ وجل ، وتبيّن أيضاً ما يحمله قابيل من القسوة والوحشية والعدوان .
وهذا العرض بدوره يبين صورة من صور الرثاء في القرآن الكريم للمظلومين ، عرضها تعالى بأسلوب مثير للعاطفة والوجدان للوقوف مع المظلومين .
5 ـ قصّة فرعون وهامان مع بني إسرائيل
الصورة التي يعكسها القرآن الكريم لعمل فرعون وهامان وما ارتكباه من ظلم واستكبار في الأرض ، قال تعالى : { يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ } [القصص: 4] ، وقوله تعالى : { يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ } [البقرة: 49] ، ولا يخفى ما في هذا التعبير من الرثاء والعزاء ، لما حلّ بالمؤمنين من بني إسرائيل .
6 ـ تنديد واستنكار القرآن لقتل الأنبياء
وقد ذكر ذلك في مواضع عديدة من القرآن الكريم :
منها : قوله تعالى : {قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [البقرة: 91].
ومنها : قوله عزّ وجلّ : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ} [البقرة: 61] .
ومنها : قوله تبارك وتعالى : {وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [آل عمران: 21] ، وقد استنكر القرآن الكريم في هذه الآيات وغيرها قتل رواد الإصلاح من الأنبياء والأولياء ، وهذا من التنديد والشجب الذي تستهدفه الكثير من الشعائر الحسينية .
7 ـ قصّة قتل ناقة صالح
إنّ من أروع صور العزاء والرثاء والندبة التي يعرضها القرآن الكريم هذه الجريمة البشعة ، التي ارتكبها الأشقى في حق ناقة صالح (عليه السلام) ، مع أنّها كانت تتمتع بنوع من الحرمة ؛ لكونها من الشعائر والحرمات التي أضافها الله سبحانه وتعالى لذاته المقدّسة ، حيث قال تعالى : { إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا * فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا * فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا * وَلَا يَخَافُ عُقْبَاهَا } [الشمس: 12 - 15] .
فالسورة المباركة أسندت ذلك الفعل الشنيع إلى قوم ثمود بأجمعهم ، مع أنّ الذي قام به شخص واحد ، وهذا درس آخر يقدّمه القرآن الكريم من خلال استعراضه هذه القصة ، وهي أنّ مَن رضي بفعل قوم كان كمن شاركهم في فعلهم ؛ ولذا أسند الجريمة لقوم ثمود لرضاهم بفعل ذلك الأشقى .
وهذا يعني ضرورة التضامن والوقوف مع المظلومين ، والشجب والاستنكار لما يقوم به الظالمون ، فلابد من تفاعل الشخص مع آيات القرآن الكريم كل آية بحسبها ، وقد ورد في هذا المعنى روايات كثيرة :
عن جرير ، قال : قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) لنفر من أصحابه : ( إنّي قارئ عليكم آيات من آخر الزمر فمَن بكى منكم وجبت له الجنّة ، فقرأها من عند ( وَمَا قَدَرُوا اللهَ حَقّ قَدْرِهِ ) إلى آخر السورة ، فمنّا مَن بكى ومنّا مَن لم يبك ، فقال الذين لم يبكوا : يا رسول الله لقد جهدنا فلم نبك ، فقال : إنّي سأقرئها عليكم فمَن لم يبك فليتباك ) (58) ، ولا يخفى ما في الآيات الأخيرة من سورة الزمر من دواعي الحزن والبكاء والأسى ، كقوله تعالى : {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} [الزمر: 68] { وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ * قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ} [الزمر: 71، 72] .
وهذا ما يقرّره أيضاً علماء فن التجويد من ضرورة قراءة السورة بطريقة تتناسب مع الجو الذي تثيره الآية ، فإن كانت تبشّر بالجنّة والثواب فلابد من قراءتها بأسلوب الفرح والابتهاج ، وإن كانت بنحو الإنذار والوعيد فلابد من أن تقرأ بكيفية الخوف والحزن والانكسار ، وإن كانت بنحو الرثاء والنوح فلابدّ أن تقرأ بهذا بالنحو المناسب لذلك . ثم إنّ القرآن الكريم يقرّر المبدأ النبوي القائل : ( لا يحب رجل قوماً إلاّ حُشر معهم ) (59) ، فينسب القرآن الكريم قتل الأنبياء إلى الذين عاصروا نبيّنا محمد (صلّى الله عليه وآله) ، مع أنّ بينهم وبين أنبياء بوناً واسعاً ؛ وما ذلك إلاّ لأنّهم كانوا راضين بما فعل أسلافهم من اليهود بالأنبياء . والملاحظة الجديرة بالذكر أنّ القرآن الكريم ليس كتاباً قصصياً للتسلية ، وإنّما هو كتاب عبرة وموعظة ، قال تعالى : ( قَدْ جَاءَتْكُم مَوْعِظَةٌ مِن رَبّكُمْ وَشِفَاءٌ ) فالغرض الذي يرمي إليه القرآن من خلال عرض القصة هو أخذ العبرة والموعظة من الأمم السابقة .
ويتحصّل ممّا تقدّم :
1 ـ إنّ أسلوب وأدب الرثاء والعزاء وإقامة المآتم أسلوب اتخذه القرآن الكريم لإثارة المشاعر والعواطف للوقوف مع المظلومين والتضامن معهم والبراءة من الظالمين .
2 ـ إذا كان أسلوب الرثاء والندبة والعزاء سنّة قرآنية اتخذها القرآن لبيان ظلامات المظلومين كالأنبياء والأولياء وكأصحاب الأخدود ، بل وحتى الناقة والموءودة ، فكيف بحبيب رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفلذّة كبده وريحانته ، وسيّد شباب أهل الجنة ؟ لا سيّما وأنّ القرآن الكريم أمر بمودتهم ، والمودة تعني التعاطف والتضامن معهم (عليهم السلام) ، بأن يفرح المؤمن لفرحهم ويحزن لحزنهم .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفتوح : ج 5 ص 21 .
(2) تذكرة الخواص ، سبط ابن الجوزي : ج 2 ص 140 .
(3) تاريخ الطبري ، الطبري : ج 4 ص 304 .
(4) تفسير القرآن ، الصنعاني : ج 3 ص 208 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 25 ص 162 .
(5) المستدرك ، الحاكم : ج 2 ص 449 [وقال فيه] صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي ؛ شعب الإيمان ، البيهقي : ج 3 ص 183 ؛ فتح القدير ، الشوكاني : ج 4 ص 577 ؛ الدّر المنثور ، السيوطي : ج 7 ، ص 412 ؛ المصنف في الأحاديث والآثار ، ابن شيبة : ج 7 ص 136 .
(6) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 .
(7) تفسير الطبري ، الطبري : ج 11 ص 137 .
(8) مسند ابن الجعد ، علي بن الجعد : ص 335 .
(9) الدّر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 31 .
(10) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص 293 .
(11) الثقات ، ابن حبان : ج 5 ص 487 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 227 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 312 .
(12) ينابيع المودة ، القندوزي : ج 3 ص 102 .
(13) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 64 ص 217 ، وانظر : تفسير ابن كثير ، ابن كثير : ج 4 ص 154 ، الدّر المنثور ، السيوطي : ج 4 ص 264 .
(14) تفسير القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ وانظر التاريخ الكبير : البخاري : ج 4 ص 129 ؛ تاريخ دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 226 .
(15) إحقاق الحق : ج 27 ص 379 .
(16) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ، ثم قال : ورجاله رجال الصحيح ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ص 472 ، المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 113 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 .
(17) الثقات ، ابن حبان : ج 5 ص 487 ؛ دلائل النبوة ، البيهقي : ج 6 ، ص 471 .
(18) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 222 ؛ جامع البيان ، الطبري : ج 25 ص 160 .
(19) تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص 232 .
(20) تاريخ الطبري : الطبري : ج 4 ص 296 ؛ الكامل في التاريخ ، ابن الأثير : ج 4 ص 90 ؛ البداية والنهاية ، ابن كثير : ج 8 ص 185 ؛ أخبار الدول وآثار الأول في التاريخ ، أحمد بن يوسف القرماني : ج 1 ص 325 .
(21) شرح إحقاق الحق : ج 27 ص 392 ؛ عن تاريخ حلب : ج 6 ص 2649 .
(22) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 228 .
(23) الدر المنثور ، السيوطي : ج 6 ص 31 ؛ تفسير القرطبي ، القرطبي : ج 16 ص 141 ؛ وانظر : تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 227 .
(24) الذرية الطاهرة النبوية ، محمد بن أحمد الدولابي : ص 97 ، 1407 هـ ، الدار السلفية .
(25) الثقات ، ابن حبان : ص 329 .
(26) الثقات ، ابن حبان : ج 4 ص 329 ؛ لسان الميزان ، ابن حجر : ج 3 ص 113 .
(27) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 294 ؛ ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145.
(28) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 295 .
(29) الصواعق المحرقة ، ابن حجر : ص 295 ؛ نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 220 .
(30) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 433 ؛ سير أعلام النبلاء ، الذهبي : ج 3 ص 312 .
(31) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 119 .
(32) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 230 .
(33) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 ؛ المعجم الكبير ، الطبري : ج 3 ص 113 .
(34) نظم درر السمطين ، الزرندي الحنفي : ص 22 .
(35) تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 226 .
(36) مجمع الزوائد : ج 9 ص 197 .
(37) تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 432 .
(38) السنن الكبرى ، البيهقي : ج 3 ص 337 .
(39) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 197 .
(40) نور العين في مشهد الحسين ، أبو إسحاق الأسفراييني : ص 70 .
(41) الجزور ، الناقة المجزورة ، وجزر الناقة يجزرها جزراً نحرها وقطعها ، انظر : لسان العرب : ج 4 ص 134 .
(42) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 .
(43) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ تاريخ مدينة دمشق ، ابن عساكر : ج 14 ص 231 ؛ تهذيب الكمال ، المزي : ج 6 ص 435 .
(44) الورس : نبت أصفر يكون باليمن يتخذ الغمرة للوجه . عن الصحاح ، الجوهري : ج 3 ص 988 .
(45) مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 197 .
(46) الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيثمي : ص 295 .
(47) المصدر نفسه : ص 295 .
(48) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 .
(49) ذخائر العقبى ، أحمد بن عبد الله الطبري : ص 145 ؛ الصواعق ، الهيثمي : ص 294 .
(50) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 113 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 196 .
(51) المصدر نفسه : ج 3 ص 121 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
(52) المصدر نفسه : ج 3 ص 123 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
(53) المصدر نفسه : ج 3 ص 122 ؛ المصدر نفسه : ج 9 ص 199 .
(54) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 3 ص 121 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 9 ص 199 .
(55) مناقب علي بن أبي طالب ، الفقيه الحافظ أبو الحسن علي بن محمد الشافعي المغازلي : ص 64 .
(56) الصواعق المحرقة ، الهيثمي : ص 302 .
(57) المصنف ، ابن أبي شيبه : ج 8 ص 122 ؛ الهمّ والحزن ، ابن أبي الدنيا ، ص 77 ؛ وانظر : زاد المسير ، ابن الجوزي : ج 4 ص 204 ؛ وانظر : الدر المنثور ، السيوطي : ج 4 ص 30 ؛ وانظر : تفسير الثغالبي : ج 3 ص 346 .
(58) المعجم الكبير ، الطبراني : ج 2 ص 348 .
(59) المعجم الصغير ، الطبراني : ج 2 ص 41 ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج 10 ص 280 ، وقال ، ( رواه الطبراني في الصغير والأوسط ، ورجاله رجال الصحيح ) .
تعليق